رأي – الأخطر من وعد بلفور على وجودنا

هل يكفي إقليميا التنديد بالعدو دون تصحيح المسار؟

لا ينبغي أن يصبح التنديد وسيلة للفت الأنظار عما يصنع بنو جلدتنا

0 726
٤:٥٠ دقيقة

منذ مائة عام وزيادة تحول الاهتمام بأيام الذكريات الفلسطينية / العربية تدريجيا إلى وسيلة تلفت النظر عن خطوات وأحداث مفصلية أخرى كانت بحصيلتها هي الأخطر مما نركز الاهتمام عليه على محور: ماذا فعل أعداؤنا بنا وبقضايانا وبلادنا، بل إن بعض تلك الخطوات والأحداث المهملة في سياق الاحتفالات والتنديد وفي سياق التحليلات والتذكير كانت بغالبيتها العظمى هي الحاضنة التي أوجدت الشروط والظروف لتنفيذ ما يريد أعداؤنا صنعه بنا وببلادنا وبشعوبنا وبقضايانا، كوعد بلفور واتفاقية سايكس بيكو والحروب العدوانية، والدعم المتواصل بلا حدود للكيان الذي نشأ بفلسطين على حساب الوجود الفلسطيني والعربي والإسلامي.

التنديد بوعد بلفور.. نعم ولكن المطلوب هو العمل على وقف مسلسل السياسات الراهنة في الاتجاه ذاته الذي بدأت به عبر قرار الجهات الرسمية العربية قبل وعد بلفور أن تتعاون مع بريطانيا ضد ما بقي من الدولة العثمانية، فهذا ما أوجد الأرضية التي لولاها ما كان لوعد بلفور مكان ذو قيمة في سجل التاريخ وما كان لاتفاقية سايكس بيكو أن تجد السبيل إلى التنفيذ على أرض الواقع.

التنديد بسياسة فرق تسد الاستعمارية.. نعم ولكن المطلوب هو العمل على الخروج من مستنقع التجزئة التي تتشبث بها الدول وأنصاف الدول وأشباه الدول التي أقامها الاستعمار البريطاني والفرنسي ما بين المحيط والخليج -وأبعد من ذلك- فهي التي جعلت من الخطوط المرسومة على الخرائط حدودا على الأرض، وأعلاما فوق المقرات الرسمية، وأصبحت عواصمها هي نفسها مطابخ لصناعة القرارات السياسية المفرقة والأمنية القمعية والاقتصادية التابعة لدول أجنبية، وهذا ما جعل خارطة التقسيم واقع تقسيم، وجعل من حرص العدو على تخلفنا تخلفا نصنعه بأيدينا، وجعل ما نسميه مؤامرات العدو ضدنا مشجبا نعلق عليه جرائم صناعتنا لضعفنا الذاتي.

 

بلفور وأقرانه غابوا عن أرض الواقع.. فمن صنع الجرائم التالية: تل الزعتر، حرب المخيمات، أيلول الأسود، مشروع فاس، كامب ديفيد، مؤتمر مدريد، نفق أوسلو، مبادرة بيروت، المعاهدات الاستسلامية، حملات تطبيع ما لا يمكن تطبيعه، أمركة العقول والأذواق وأساليب المعيشة والسياسات وكل ما يتفرع عنها، وجميع ذلك مجرد عناوين كبرى يتفرع عن كل عنوان منها عشرات العناوين التفصيلية، حول ما انفرد بصنعه هذا النظام أو ذاك، وحول ما اجتمعت على صنعه أنظمة طالما بقيت متفرقة متعادية في معظم علاقاتها مع بعضها بعضا.

 

إن وعد بلفور.. محطة من مسلسل قديم من أطروحات وتصريحات ووعود غربية لزرع أوتاد العداء ما بين المشرقين والمغربين من بلادنا، ولا يمكن أن نواجه تلك المحطات –وستستمر- عن طريق ما تمارسه أنظمة بلادنا وتدعمها جيوش من الأتباع من أصحاب القلم والفكر وحتى الأدب والفن من داخل صفوفنا، على حسابنا جميعا وحساب شعوبنا والأجيال القادمة من بعدنا.

التذكير بالإجرام الأجنبي واجب.. والتنديد بأفاعيل الأعداء واجب.. ولكن لا ينبغي أن يصبح ذلك وسيلة للفت الأنظار عن تلك السياسات الصادرة عن أهل ملتنا وبني جلدتنا أو وسيلة للتنفيث عن الغضب فحسب، وإلا فإن سلسلة إحياء الذكريات المتعلقة ببلفور وأقرانه، ممن سبقوه ومن لحقوا به، ستتحول بدورها إلى مقدمة لما يمكن أن يصنعه أعداؤنا غدا أيضا على حسابنا وحساب بلادنا وشعوبنا وقضايانا.

 

وأستودعكم الله مع العمل المطلوب عند إحياء الذكريات ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.