ورقة – الأمم المتحدة مقعدة ميؤوس منها
تعليق مستقبل شعوبنا وقضايانا على شمّاعة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي أصبح خضوعا مرفوضا لاستبداد دولي
ــــــــــ
(تنعقد دورة جديدة للجمعية العامة للأمم المتحدة عام ٢٠٢٠م تحت ظلال معالم تغيير كبرى في عالمنا عبر مفعول فيروس كورونا – كوفيد – ١٩، وقد يصل التغيير إلى هيئة الأمم أيضا، فهي من موروث الدمار الدولي في الحرب العالمية الثانية. وفي هذه الورقة البحثية معالم كبرى لمواطن الخلل في الهيئة الكبرى وفي العلاقات الدولية، وسبق نشره في مداد القلم مع دورة ٢٠١٧م وبلوغ هيئة الأمم المتحدة ٧٢ سنة من عمرها، ومن المعروف أن دعوات إصلاح المنظمة ترافق الدورة الحالية كما رافقت دورات سابقة لا سيما بعد نهاية الحرب الباردة، وتأكيد أنها كانت مشلولة عن العمل، ولكن ألا ينبغي السؤل: هل يمكن إصلاح الأمم المتحدة أصلا؟
في هذه الورقة البحثية – بعد المقدمة – خلاصة ثلاثة مواضيع منقحة كانت قد نشرت تباعا:
١٤ / ٥ / ١٩٩٥م في جريدة الخليج الإماراتية بعنوان “الأمم المتحدة عجوز لم تتجاوز الخمسين”..
١٥ / ٩ / ٢٠٠٠م في مجلة فلسطين المسلمة بعنوان “الأمم المتحدة عملاق مقيد”..
١٥ / ٣ / ٢٠٠٣م في موقع مداد القلم بعنوان “لا فائدة دون نظام إقليمي مشترك”)
(النص الكامل للتحميل بصيغة pdf)
* * *
مقدمة
الأمم المتحدة عجوز لم تتجاوز الخمسين
الأمم المتحدة.. عملاق مقيد وفق تخطيط مدروس
لا فائدة من المنظمة الدولية دون نظام إقليمي مشترك
مقدمة – الخلل واستفحاله
المطالبة المتكررة بالإصلاح، تعني تلقائيا انتشار الإدراك بوجود خلل في واقع المنظمة الدولية، وعندما تصل هذه المطالبة إلى مستوى الدول التي تعتبر بسبب موقعها عالميا وداخل المنظمة هي المنتفعة من واقع المنظمة، فيعني ذلك أن الضغوط من جانب الدول المتضررة تصاعدت إلى درجة تفرض التفاعل معها، إنما لا يعني ذلك الاستجابة لها بالضرورة، ولا التخلي الطوعي عن ميزات لها روح التمييز العنصري بين الدول والشعوب، وهي السبب الجوهري من وراء الخلل القائم.
١- لا يكمن هذا الخلل في نصوص “المبادئ والأسس” المقررة في ميثاق الأمم المتحدة منذ عام ١٩٤٥م، إنما هو فيما ألحق بالميثاق في صيغة “نظام” لعمل المنظمة.
٢- حملت المبادئ والأسس آنذاك وصف “الشرعية الدولية” أو “القانون الدولي العام”، ولا يوجد من ينكر صحة تلك المبادئ نظريا، مثل “المساواة بين الدول” و”حق تقرير المصير” و”عدم مشروعية اغتصاب الأراضي بالقوة” و”سيادة الدولة”.. ولكن لم تكن المبادئ “مصنعا” للقرارات وتنفيذها، بل عكست القرارات من البداية مفعول “موازين القوة” وليس نصوص المبادئ، وبتعبير أوضح: عكست مفعول “شرعة الغاب” التي تفرض إرادة الأقوى، وليس ما تقول به “الشرعية الدولية” بالمعنى الأصلي للكلمة حسب ميثاق المنظمة الدولية، التي بدأت بخمسين دولة عضوا، وناهز ٢٠٠ دولة في هذه الأثناء.
٣- لا يقتصر الخلل “التطبيقي” القائم في الإجراءات والقرارات الصادرة عن مجلس الأمن فقط كما قد يتبادر إلى الأذهان، بل يشمل القرارات والبرامج التنفيذية للأجهزة الستة الرئيسية الأخرى (الجمعية العامة، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، ومجلس الوصاية، والأمانة العامة، ومحكمة العدل الدولية) وقد استشرى الخلل تلقائيا في المنظمات العالمية التابعة للأمم المتحدة أيضا، والتي بلغت حوالي ٢٥ منظمة، منها مثلا منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونيسكو) والوكالة الدولية للطاقة الذرية ومنظمة التجارة العالمية وغيرها، والأخطر من ذلك ما صنعه خلل تمكين “الأقوى” (بالمفهوم الأشمل لكلمة القوة) من فرض إرادته عبر مؤسسات أخرى ملحقة بهيئة الأمم المتحدة مثل صندوق النقد الدولي، والمصرف المالي العالمي.
* * *
يمكن تصنيف مواطن الخلل الواسعة النطاق تحت عنوانين كبيرين:
١- التكوين الإداري والتنظيمي للأجهزة والمنظمات الفرعية، وأوضح مثال لذلك نظام “النقض / الفيتو” في مجلس الأمن، الذي انتهك من البداية نص الميثاق بشأن مبدأ “المساواة بين الدول”، وكذلك “نظام التصويت” في صندوق النقد الدولي، الذي انتهك المبدأ نفسه، وكذلك الحيلولة دون حصول جهاز “محكمة العدل الدولية” على صلاحية القرارات الملزمة لجميع الدول ولجميع أجهزة الأمم المتحدة نفسها، وهو ما انتهك الشرعية الدولية من حيث الأساس، أي من حيث ضرورة أن تكون مبادئها فوق عوامل القوة وتفاوتها بين الدول “المتساوية” شكليا وفق نصوص القانون الدولي المثبتة في ميثاق الأمم المتحدة، بمعنى أن تقوم المحكمة بدور مشابه للمحكمة الدستورية العليا في دولة “ديمقراطية”.
٢- ما يسمى السياسة الواقعية النفعية، وقد كانت قائمة على الدوام على أساس تغليب مفعول ما تصنعه القوة على ما سواه، وقد تحوّلت منذ الحرب العالمية الثانية وبتأثير نتائجها فقط من اعتبارها:
(أ) صيغة جديرة بوصف “شرعة الغاب” – كما يشهد على ذلك ما صنعه تفوق القوة النازية ردحا من الزمن في العلاقات الدولية، أو ما صنعه ويصنعه تفوق القوة الأمريكية ردحا من الزمن – إلى اعتبارها:
(ب) “شرعة الأمم المتحدة”. أي إعطاء صبغة مشروعية زائفة لقرارات تصدر وفق موازين القوى المتحكمة في عمل الأمم المتحدة عبر مجلس الأمن، بتنفيذ ما تراه ضروريا، أو تعطيل ما لا تراه، وفق منظورها.
ملاحظة: تستخدم الأدبيات السياسية والفكرية والإعلامية في مختلف اللغات تعبير “قرارات مجلس الأمن” ولا تحوّله إلى تعبير “قرارات الشرعية الدولية”.. كما يحدث في نطاق لغتنا العربية، وهذه ترجمة مزيفة ومضللة بمعنى الكلمة، انتشرت لدوافع سياسية أهمها توظيق احترام كلمة “الشرعية” لتبرير الانصياع لتلك القرارات مع الإيحاء بمشروعيتها وفق المبادئ القانونية الدولية، وهي تنتهكها.
إن إصلاح المنظمة الدولية يتطلب إزالة “جوهر الخلل” المتمثل في هذين المجالين وما يتفرع عنهما، ومن هذا المنظور يمكن القول إن المطروح تحت عنوان الإصلاح عبر عشرات السنين الماضية، دون أن يمسّ الهيمنة القائمة عبر الدول المتنفذة والمنتفعة من واقع الأمم المتحدة، لا يمكن أن يحقق إصلاحا بمعنى الكلمة.
* * *
بند “إصلاح مجلس الأمن” بمعنى زيادة أعضائه بغض النظر عن التفاصيل هو أحد ثمانية بنود طرحت في البداية وعناوينها: الإرهاب، والتنمية، ومجلس حقوق الإنسان، والإدارة (صلاحيات الأمانة العامة)، وإقرار السلام، وانتشار الأسلحة، وحماية المدنيين، ومجلس الأمن.
في عام ٢٠٠٥م ونتيجة خلافات دولية شُطب بند انتشار الأسلحة للتعامل معه خارج نطاق المنظمة الدولية، وبقي سواه معلّقا، باستثناء استصدار “معاهدة دولية” حول الإرهاب عام ٢٠٠٦م، وتشكيل “مجلس حقوق الإنسان” لاحقا. وفي فترة مساعي واشنطون لزعامة انفرادية دولية أصبح “إصلاح الأمم المتحدة” خاوي المضمون، ولم يتبدل جوهر اعتماد موازين القوة في فرض السياسات والعلاقات الدولية، إنما تبدل أسلوب توظيفه تحت وطأة إخفاق السيطرة الأمريكية المطلقة عليه، ومن هنا كان مثلا التوافق القائم لحساب الدول التي تملك أسلحة الدمار الشامل على “احتكارها” تحت عنوان “منع نشرها”، وهذا دون أن يتخلّى حلف شمال الأطلسي عن موقع اغتصابه حق اتخاذ قرارات استخدام القوة خارج نطاق الأمم المتحدة. كما أدّى تطور موازين “القوة الاقتصادية والمالية” عالميا إلى تشكيل “مجموعة العشرين” ولكن دون أن تتخلّى “مجموعة الثمانية” عن موقعها المهيمن عالميا.
الأمم المتحدة عجوز لم تتجاوز الخمسين
(نشر في جريدة الخليج الإماراتية يوم ١٤/ ٥/ ١٩٩٥م)
بين السيادة الوطنية والاستبداد الدولي
مبدأ السيادة الوطنية أو سيادة الدولة ومنه ينبثق مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدولة، سيان ما يجري داخل حدودها، هو المبدأ الذي نشأ وتبلور خلال المائتي عام الماضية جنباً إلى جنب مع تبلور مفهوم الدولة في القانون الدولي كوحدة مؤلفة من أرض وشعب وسلطة. ولا ريب في وجود خلل في هذا المبدأ، وقد ظهرت معالمه للعيان في الآونة الأخيرة أكثر مما مضى، ومصدر الخلل أمران رئيسيان:
أحدهما أنه مبدأ نشأ في فترة كانت تتميّز بغلبة استخدام القوة في صناعة الحدود بين الدول، وعلى وجه التحديد في الشمال، بينما كان جلّ الجنوب مستعمَرا، وهذا ما خلط خلطاً خطيراً بين مفهوم الدولة التي تنشأ نشأة طبيعية اعتماداً على معطيات تاريخية وواقعية منطقية من حيث رسم الحدود وانسجام مكونات الشعب الواحد وولادة السلطة الحاكمة على هذا الأساس، وبين اصطناع كيانات حملت اسم الدولة نتيجة معطيات القوة المحضة والصراع بأشكاله المتوارثة، الاستعمارية والاقتصادية، فأصبحت حدود كثيرة تُرسم رسماً عشوائياً في إطار مفاوضات بين دول تتصارع وتتصالح في الشمال، وأصبح ذلك في كثير من الأحيان على حساب عنصر الشعب سواء بتفتيته إلى مجموعات موزّعة على عدة دول كما صُنع في المنطقة العربية أو مع الأكراد أو مع قبائل توتسي وهوتو، أو بجمع فئات غير متجانسة داخل إطار دولة واحدة مع الحفاظ على أسباب الصراع فيها كامناً كالألغام القابلة للانفجار في أي لحظة.
أما الأمر الثاني الذي سبب الخلل في مبدأ سيادة الدولة فهو غلبة الجانب الشكلي لتكوينها على الجانب الموضوعي، وبتعبير أوضح، عدم مراعاة وجود سلطة “معبرة عن إرادة الشعب” داخل إطار حدود الدولة المعنية.
إن معظم ما طرحته دول الشمال في الدرجة الأولى بصدد تعديل ميثاق الأمم المتحدة على حساب مفهوم سيادة الدولة، لم ينطلق من أسباب الخلل، وإنما انطلق من مفاهيم يراد الترويج لها تحت عنوان السياسة الواقعية أو الشرعية الدولية، وتستند في واقعها أولاً وأخيراً على تثبيت معطيات السيطرة العالمية الراهنة لصالح عدد محدود من الدول.
لم يعد الهدف -كما يتردد أحيانا- هو ضمان حقوق إنسانية للأفراد أو للأقليات، ولا إزالة فتيل الصراع من ألغام تقسيمات الحدود العشوائية الأولى، إنما أصبح الهدف الظاهر للعيان هو إيجاد ذرائع جديدة للتدخلات الحالية.. أي تدخلات القوى المسيطرة عالميا عندما تشاء في هذه الدولة أو تلك، وهو ما يراد إعطاؤه صبغة شرعية زائفة من خلال تمريره في ميثاق الأمم المتحدة وأنظمتها.
وإذا كان من الضروري التأكيد على ضرورة إعادة النظر في مفهوم سيادة الدولة وتطبيقاتها، فمن الضروري في الوقت نفسه التأكيد، على ضرورة أن يرافق ذلك علاج أسباب الخلل من جذوره من جهة وأن تكون عملية الإصلاح من جهة أخرى جزءاً من إصلاح النظام العالمي بمجموعه وليس عملية ترقيعية تُوظَّف في إطار تثبيت الخلل الأكبر والأخطر، الناجم عن الهيمنة الاستبدادية لمجموعة محدودة العدد من الدول في صناعة القرار العالمي وتنفيذه.
التكتلات الدولية خارج الأمم المتحدة
لقد تأسست الأمم المتحدة عام ١٩٤٥م وكان يراد منها وفق ما طرح بصددها في مشاورات سابقة بمبادرات أمريكية منذ عام ١٩٤٢م، أن تكون رابطة دولية تسيطر عليها دول الحلفاء من الحرب العالمية الثانية، بغض النظر عن النوايا: حفظ السلام والأمن الدوليين وفق إرادة هذه الدول.
ولكن الدول المؤسسة والمهيمنة نفسها أدركت من البداية أن تبدل موازين القوى بينها “شرقا وغربا” سيحول دون تحقيق “جميع” ما تريد عبر الأمم المتحدة، ولهذا شهدت السنوات التالية مباشرة نشأة التكتلات الدولية، في صيغة حلفي شمال الأطلسي ووارسو، ثم تأسيس النواة الأولى للاتحاد الأوروبي لاحقا، بالإضافة إلى سلسلة الأحلاف العسكرية والمنظمات السياسية والاقتصادية الأخرى. وكانت المحاولة الجادة الأولى من جانب المجموعة الدولية الأضعف في موازين القوى، هي محاولة تأسيس مجموعة عدم الانحياز، التي اهترأ مفعولها في هذه الأثناء، بينما نشأت مجموعات إقليمية أخرى عديدة، بعضها دون مفعول إقليمي أو دولي كجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وبعضها اكتسب نفوذا جزئيا، كمجموعة جنوب شرق آسيا.
إن الأهداف الأساسية المثبتة نظريا في ميثاق الأمم المتحدة: السلام، والأمن، والتنمية، وحقوق الإنسان، وغيرها هي ذات الأهداف التي تكونت من أجلها نظريا التكتلات المختلفة، ولكن تفاوتت القدرة على تحقيقها مع تفاوت عنصرين أساسيين:
– اقتران تشكيل التكتل بعنصر القوة، عسكريا أو اقتصاديا أو توافقا سياسيا، أو على هذه الأصعدة معا.
– اعتماد أنظمة ومعاهدات لتحقيق “شرعية” إقليمية مرجعية للدول الأعضاء في التكتل، بديلة عن “شرعية” دولية مفتقدة في الأمم المتحدة.
وصل الاتحاد الأوروبي إلى تحقيق قسط كبير من الاستقلالية والاستقرار كنتيجة مباشرة لتحقيق قسط كبير من تأمين هذين العنصرين معا، فعلاوة على القوة العسكرية المتميزة تدريجيا عن الارتباط العسكري بحلف شمال الأطلسي، وعلاوة على القوة الاقتصادية من خلال النهوض الاقتصادي في كل دولة على حدة، ثم عبر التكامل والتعاون بين دوله، وجدت قضايا حقوق الإنسان، وحل الأزمات، طريقها إلى التحقيق عبر أجهزته المنفصلة عن المنظومة الدولية، كالمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، والمحكمة الأوروبية لفض النزاعات.
لم تتناقض المسيرة الأوروبية على هذا الطريق مع الوجود الأوروبي، الجماعي والانفرادي، في المنظمة الدولية، بل إن تأثيره فيها مرتبط ارتباطا وثيقا بما حققه إقليميا خارج نطاقها.
ويسري شبيه ذلك على تكتلات دولية أخرى، كل على حسب حجم القوة الذاتية فيه من جهة وحجم التكامل والتعاون السياسي والاقتصادي وفي الميادين الاخرى من جهة ثانية.
ولكل تكتل عوامل أساسية لتسويغه، جغرافية أو مصلحية أو ما يصنعه تقارب الرؤى السياسية وغيرها نتيجة أبعاد حضارية مشتركة، ومن هنا ينبغي التأكيد أيضا، أن مستقبل تعامل البلدان العربية والإسلامية (التي تتوافر لها جميع تلك العوامل) مع الأمم المتحدة، سواء تحقق إصلاح جذري أو جزئي لها، رهن بتعاملها مع بعضها بعضا، وبمسيرتها الذاتية، إما على طريق التكتل اقتصاديا وماليا وعسكريا وسياسيا، وطريق المشروعية المشتركة بينها، على صعيد حقوق الإنسان وعلاقات الدول، ليكون لها “موقع ودور” على الساحة الدولية، أو على طريق زيادة ما هو قائم الآن، من تفتيت المصالح المشتركة على هذه الأصعدة جميعا، مقابل ترسيخ ارتباطات التبعية مع القوى الدولية المهيمنة عالميا، ولن يكون لها آنذاك موقع ولا دور ولا شأن على الساحة الدولية في المستقبل المنظور.
لقد أفرغت فترة الحرب الباردة هيئة الأمم المتحدة من مضمونها ومغزاها، فمقابل العجز عن اتخاذ قرار جماعي مشترك بين القوى المسيطرة في الشمال آنذاك، أدّى إلى تحويل معظم القرارات المهمّة إلى منظمات أخرى صنعتها لهذه الغاية، فلم يعد القرار المؤثر دوليا قرارا مشـتركا على المسـتوى العالمي، بل قرار مواجهات بين مراكز للقوى فحسب، أما “إخراجه” فيخضع للظروف والمساومات:
١- التلاقي على هدف يسمح بقرار عالمي بمعنى مشاركة تشمل الدول المهيمنة معا، فتمارس ضغوطها على الدول الأضعف إلى أن يكتسب القرار أرضية “واسعة النطاق”.. كما كان مثلا مع تمديد اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية..
٢- أما إذا رأى فريق من تلك القوى الدولية المعدودة أن يقرّر ما يشاء وينفذه دون السعي لتوافق جماعي، فهو يصنع ذلك بقرارات انفرادية.. كما حصل في سلسلة من حروب ما بعد الحرب العالمية الثانية، كفيتنام وأفغانستان وجرينادا وغيرها..
والجدير بالذكر هنا أن هذه الصيغة للعلاقات بين شرق وغرب لا تعطي نتائج مشابهة في العلاقات بين شمال وجنوب، ففي الحالة الأولى يمثل توازن الرعب النووي حاجزاً يمنع اتخاذ قرار في منظمات غير عالمية على حساب الطرف الآخر بصورة مباشرة، أما في المحور الثاني بين شمال وجنوب، فافتقاد توازن القوى يجعل كل قرار يتخذ في منظمات الشمال قراراً مفروضاً سـلفا على المستوى العالمي ككلّ!
ومن السذاجة السياسية بمكان الاعتماد على أن مجموعة دول الشمال بصورة مشتركة أو عبر منظماتها الإقليمية قرارات على حساب من لا ينتمي إليها على الأقل، فهذا ما يتناقض مع واقع ممارساتها منذ نشأتها ومع منطق الصراع والسيطرة المهيمن على تلك الممارسات، وقد تتحول الأمم المتحدة مهما جرت من عمليات تجميل إصلاحية لها، من أداة مشلولة في علاج المشكلات بين شرق وغرب إلى أداة طيّعة لغرض هيمنة الشمال تجاه الجنوب عموما.
ومن أخطر ما تنزلق إليه دول الجنوب في هذا الإطار أنها تسعى لتجاوز هذه الظاهرة الخطيرة بمنظمات إقليمية متعدّدة مع سعي كل منها للترابط مع منظمات الشمال بشكل أو بآخر، وهذا ما يلاحظ مثلا في تطور علاقات جنوب شرق آسيا مع دول المحيط الهادي والولايات المتحدة الأمريكيّـة من جهة ومع المجموعة الأوروبيّة من جهة أخرى، ولكن بمعزل عن بقية دول الجنوب، وهذا ما يسري أيضاً بصيغ أخرى على منطقة الخليج ويراد أن يسري على منطقة الشمال الأفريقي، وكذلك على ما ابتكر جغرافياً وسياسياً ويكاد يُفرض فرضاً تحت وصف منطقة الشرق الأوسط.
* * *
إن سبيل الإصلاح الوحيد في هذا الميدان هو أن تتحرك عجلة التقارب بين سائر دول الجنوب ومناطقه ومنظماته الإقليمية، لتتحول قوته الذاتية مجتمعة إلى قوة مؤثرة على صناعة القرار العالمي المشترك، وهذا ما أعطى حركة عدم الانحياز في مطلع تكوينها خلال السنوات العشرة الأولى فقط طابع تطوّر عالمي تغييري، انهار مفعوله خلال فترة وجيزة لأسباب عديدة، ولكن هذا لا ينفي أن المنطلق صحيح إجمالا، وفعّال كما أثبتت التجربة القصيرة الأجل، ولا ينبغي أن يدفع الإخفاق الأول إلى الاستغناء عن المنطلق الصحيح بغض النظر عن سبل العودة إليه، هل تكون كما يُطرح أحيانا بإحياء ما يسمى روح باندونج، أو بدمج حركة عدم الانحياز وقد فقد اسمها مدلوله وإن لم يفقد وجودها ضرورته، بحركة الـ ٧٧ للدول النامية، أم في صيغة ثالثة أخرى.
الأهم من ذلك هو وجود الإرادة السياسية المفتقدة حتى الآن، وتبني هدف تحوّل مجموعات الجنوب إلى كتلة متكاملة وفعالة، لا غنى عن وجودها في مكانة متقدمة على سائر المنظمات الإقليمية الأصغر، كيلا يضيع مصير زهاء ثلثي سكان المعمورة جنبا إلى جنبا مع تطويع الأمم المتحدة ومنظماتها لإرادة القوى الدولية المسيطرة حاليا.
القوة المادية
لوحظ من ظاهرة المؤتمرات العالمية العملاقة، بدءا بالبيئة في ريودي جانيرو وانتهاء بمؤتمـر “احتكار” السلاح النووي في نيويورك، أنّ نجاحها وإخفاقها لا يرتبطان بعوامل يمكن صناعتها أو إزالتها من الوجود عن طريق إصلاح الأمم المتحدة أو عن طريق تلك المؤتمرات نفسها، بل يرتبطان مباشرة بامتلاك أسباب القوة المادية في العالم المعاصر. وليس هذا جديدا، ولكن ينعكس في المؤتمرات العملاقة في أنّها لا تتخذ قرارات ملزمة في الميادين التي تفرض الالتزامات على الدول المهيمنة عالميا، ورغم ذلك يمكن أن تُستخدم “القرارات” لتثبيت التزامات حيثما تتحقق مصالح تلك القوى، ويشمل الطريق إلى صوات الدول الأضعف المتفرقة، كما كان في اتفاقية تأسيس المنظمة العالمية للتجارة والجمارك مثلا وفي تمديد الاتفاقية العالمية لحظر انتشار الأسلحة النووية مثلا آخر.
وإذا صحّ القول إنّ هذه المؤتمرات توفر على الأقلّ الفرصة للتعبير عن مواقف الدول الأصغر، فثمن ذلك أصبح باهظا، والأهم منه هو أنّ المؤتمرات العالمية أصبحت منزلقا لتحمّل مزيد من الأعباء والالتزامات، هذا علاوة على ما تصنعه الدول المهيمنة خارج نطاق تلك المؤتمرات عندما لا تجد حاجة إلى “أصوات” الدول الأصغر.
الأمم المتحدة.. عملاق مقيد وفق تخطيط مدروس
(نشر في مجلة “فلسطين المسلمة” يوم ١٥/ ٩/ ٢٠٠٠م)
كان وعد بلفور مثالا صارخا على استخدام عصبة الأمم بين الحربين العالميتين لتنفيذ إرادة بريطانيا، الدولة الاستعمارية التي كانت مهيمنة من قبل وما وصلت إليه من توافق مع الحركة الصهيونية في حينه، وما تزال قضية فلسطين -وتلتها قضايا أخرى- صورة صارخة على استخدام الأمم المتحدة منذ نشأتها أداة تنفيذية لإرادة الولايات المتحدة الأمريكية، الدولة “الاستعمارية الجديدة” المهيمنة بعد الحرب العالمية الثانية، وما وصلت إليه من توافق مع الحركة الصهيونية في هذه الأثناء.
لم يكن هذا التطوّر “اعتباطيا”، بل نتيجة جهود متوالية، ومخططات مدروسة، شهدت التسعينات الميلادية مرحلة حاسمة هامة منها، وبدأت مرحلة جديدة مع مطلع عام ٢٠٠٠م، وتزامنت تلك البداية مع قمة الألفية في الأمم المتحدة.
إعلان إفلاس
رغم أن إعلان العزم على عقد قمة الألفية قبل عامين من حلول موعد انعقادها، قد أكّد هدفين رئيسيين، هما تطوير الأمم المتحدة، ومواجهة التحديات المستقبلية، فقد غلب على سائر الأعمال التحضيرية المكثفة، وعلى سائر الوثائق التي بلغت مئات الصفحات وصدرت قبل انعقادها، وكذلك على الكلمات والمناقشات التي جرت خلالها، أمر رئيسي هو الهوة الفاصلة بين الشمال والجنوب، وازديادها اتساعا وعمقا، فهذا ما اعتبر مصدر سائر التحديات، وما خُصصت القمة في الأصل للحديث عنه في الدرجة الأولى، لا سيما وأن المعطيات الجديدة التي أوجدتها ثورة تقنية الاتصالات ونقل المعلومات، يمكن أن تزيد من سلبيات هذا التطوّر على مستوى كل دولة على حدة، وعلى المستوى العالمي.
التحذير من العواقب وما تعنيه من المآسي البشرية في مواجهة الجوع والمرض والبؤس، بنسبة ثلثي البشرية، لم ينقطع في السنوات الماضية وتردّد في قمة الألفية أيضا، ويمكن القول إنّ البيان الذي قدّمته الأمانة العامة في ستين صفحة للدول الأعضاء، وكذلك برنامج العمل الذي تمّ إقراره، انطلق من هذه الوقائع، وأعلن أهدافا تبدو للوهلة الأولى “مرضية” باعتبارها اقترنت بتحديد أرقام وتواريخ معينة، مثل مواجهة انتشار الفقر المدقع -وتعريفُه الرسمي هو أن يكون الدخل الوسطي دون الدولار الواحد يوميا- بتخفيض معدّل الانتشار إلى النصف خلال ١٥ عاما، وتشمل حالة الفقر المدقع الآن أكثر من مليار وثلاثمائة مليون إنسان، أو مثل مكافحة وباء نقص المناعة والتطلع إلى خفض نسبة انتشاره إلى النصف بين الشبيبة خلال عشرة أعوام وعلى مستوى شامل لسائر فئات الأعمار خلال خمسة عشر عاما، ويهدّد هذا الوباء الآن زهاء أربعين مليون نسمة، الثلثان منهم في افريقية وجنوب شرق آسيا، وحوالي الربع في دول الشمال (سكانها ١٥ في المائة من سكان العالم).
ومن المعروف أن العامين التاليين أظهرا أن هذه “الأهداف” بقيت وستبقى حبرا على ورق، ولكن من جهة أخرى يمكن القول إنّ مجرّد إعلانها كأهداف بعيدة في الوثائق يمثل “إعلان إفلاس” عند مقارنتها بما يمكن صنعه بصورة فورية لو توفرت الإرادة السياسية وبُذلت الجهود المطلوبة خارج حدود “أرض الإنسان الأبيض”.
علاوة على ذلك، بدا أن القليل المعلن كأهداف وسط تظاهرة احتفال ضخمة، لن يتحقق أيضا، ليس من باب “التشاؤم” ولكن من باب النظرة الواقعية عبر حقيقة عدم حدوث تبدّل في أسلوب التعامل مع التحديات المستقبلية أمام البشرية عموما، وليس أمام الأمم المتحدة بالذات، لا سيما وأن المنظمة الدولية لا تملك أكثر من إصدار توصيات، ولا يتحرّك مجلس الأمن الدولي بقرارات إلا حيث تجد الدول المسيطرة عليه مصلحة ذاتية في ذلك.. ولا يراد تغيير هذا الوضع، ومن هنا فإن عرض قضايا التحديات المستقبلية التي تواجه البشرية، بالأسلوب الذي لا تملك الأمم المتحدة سواه، لا يتجاوز حدود دراسة بإعداد جيد، أو مناقشة بمشاركة عالية المستوى، ولكن كأنّها تجري في منتدى من المنتديات الثقافية.. فلا نتائج ملزمة، ولا حتى إشارات أو معالم لاحتمال تطور فعلي في اتجاه ملزم في المستقبل المنظور.
إن ترتيب القمة الألفية من بدايتها إلى نهايتها كان أقرب إلى صيغة ديبلوماسية تجمع بين:
تظاهرة سياسية ديبلوماسية تساهم إلى جانب أساليب أخرى في امتصاص الانزعاج المتصاعد على صعيد الرأي العام العالمي داخل الدول الثرية نفسها، بسبب تصعيد الاستغلال الفاضح للإنسان وخيراته في الجنوب.. والعمل على تخفيف حدة النقد الموجّه للمنظمة الدولية بالذات، وقد ظهرت في السنوات الماضية في موقع الأداة التي تستخدمها القوى العالمية المهيمنة متى تشاء وللغرض الذي تشاء.. فحسب.
مجلس الأمن الدولي.. العلّة الكبرى
كان من تصريحات الأمين العام كوفي عنان (آنذاك) ردّاً على الاتهامات الموجهة إلى منظمته الدولية بشأن الإخفاق أكثر من مرة في بعض مهام السلام التي حملتها، قوله إن مجلس الأمن الدولي هو الذي يصدر القرار للقيام بمهمة سلام دولية، وهو المسؤول عن تأمين ما تحتاج إليه لتحقق الهدف المطلوب منها، وأضاف أنه لا يعني بذلك توفير التمويل اللازم فقط، بل يعني أيضا توفير الجنود بتدريب جيد والمعدات العسكرية على المستوى المطلوب. وسبق للأمين العام السابق بطرس غالي أن أدلى بتصريحات مشابهة بعد أن بلغ الأمر مبلغه في البوسنه والهرسك، وتحوّل وجود الأمم المتحدة فيها إلى عنصر مساعد على ارتكاب المذابح بدلا من الحيلولة دونها.. ومثل هذه التصريحات يشير إشارة ديبلوماسية “مهذبة” دون مستوى مأساوية المشكلة، إلى العلة الرئيسية في تشكيل الأمم المتحدة منذ قيامها:
– الكامنة في نظامها ولوائحها وليس في المبادئ والقيم التي ثبّتها الميثاق..
– والكامنة في نقص أساسي في بنية أجهزتها الهيكلية، وعلى رأس ذلك غياب مرجعية الحكم على مشروعية ما تقرره الأجهزة، على غرار ما تمثله محكمة دستورية عليا في البلدان القائمة على نظام يفصل فعلا بين السلطات.
إن مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة وسواهما من الأجهزة والفروع، إنّما تعمل وفق لوائح وأنظمة تجعلها خليطا من الأجهزة التشريعية والتنفيذية في وقت واحد، ولكنها تعمل دون رقابة ومحاسبة تكشف حقيقة ما يتفق أحيانا وما يخالف أحيانا أخرى البنود الثابتة في ميثاق المنظمة الدولية، أي “القانون الدولي العام” وما يشمله من مبادئ وقيم وقواعد أساسية.
هذا ما يجعل تلك الأجهزة تصدر قرارا أو توصية ثم تتبدّل موازين القوى فيبدّل محتوى ما صدر من قبل، أو يصدر ما يناقضه، ومن الأمثلة المعروفة على ذلك إلغاء القرار المعروف بصدد تثبيت صفة العنصرية على الصهيونية، فضلا عن قرارات عديدة بقيت دون تنفيذ، كما في حالة كشمير مقابل استخدام أقصى أشكال القوة والحصار والمقاطعة لتنفيذ قرارات أخرى كما في حالة العراق!
تحسن الإشارة استطرادا في هذا الموقع إلى ضرورة أن يكون واضحا لنا في المواقف السياسية والكتابات الفكرية ولا سيما في قضية فلسطين من منطلق إسلامي، أن استخدام تعبير “الشرعية الدولية” وجعلها مبررا لمواقف سياسية تتبنّى التنازلات في قضية حق ومصير، إنما هو تضليل محض، فكما سبقت الإشارة ليست الشرعية الدولية هي ما يقرره جهاز مجلس الأمن الدولي.. التنفيذي في الأصل، إنما الشرعية الدولية هي ما يتفق مع المبادئ والقيم الأساسية في الميثاق، سواء صدر عن مجلس الأمن أو سواه من الأجهزة، ومن ذلك بطلان اغتصاب الأرض بالقوة، وبطلان المعاهدات التي تعقدها جهات لا تمثل الشعوب تمثيلا مضمونا عبر انتخابات أو استفتاءات، تقرر نصوص القانون الدولي أيضا عدم اكتسابها هذه الصفة دون توفير شروط محددة لها، بأن تكون حرة نزيهة خالية من الضغوط والتزييف والتزوير.
التطوير الأعرج
تشمل مشكلة تطوير الأمم المتحدة جوانب عديدة، وحظي توسيع مجلس الأمن الدولي باهتمام خاص في القمة الألفية، ولكن سبق واختُزلت عملية التطوير في الحديث عن أنّ انضمام اليابان وألمانيا أمر مفروغ منه.. لماذا؟ ليس إلا انطلاقا من اعتبارات سياسية واقعية، أي لأنهما يتصدران مع بضع دول أخرى المكانة الأولى في نظام الاقتصاد العالمي.. ألا يوجد تناقض بين ذلك وبين ما سيطر على مواضيع الألفية وسواها، من أن هذا النظام الاقتصادي الدولي بالذات هو الذي أوجد ذلك الشرخ الخطير بين شمال وجنوب وبين ثراء وفقر؟
كما اختُزل جانب آخر من الوضع الراهن بشأن توسيع مجلس الأمن الدولي، بأنّ المطلوب دولة آسيوية -غير اليابان- ودولة أفريقية، وثالثة من أمريكا الوسطى والجنوبية.. وصحيح أنه بعد تحديد الرقم بدولة واحدة، لم يتم الاتفاق النهائي داخل كل قارة على حدة على من يمثلها بعضوية دائمة في المجلس، وهو أمر طبيعي، لا سيما عندما نتأمل فيما تمارسه القوى الدولية في تعاملها ما بين الهند وباكستان مثلا.. ولكن حتى لو تمّ الاتفاق، سيبقى سؤال آخر مطروحا، بشأن اقتران العضوية الدائمة بما يسمى حق النقض/ الفيتو كما هو الحال مع الدول الخمس الدائمة العضوية منذ الحرب العالمية الثانية، أي منذ كان تأسيس المنظمة الدولية ببضع وخمسين دولة عضوا.
لماذا مرة أخرى؟
ما الذي يستند إليه نظام صوت النقض / الفيتو من المبادئ المقررة في الميثاق في الأصل، من حيث تساوي سائر الدول، بغض النظر عن حجمها وعدد سكانها وانتمائها وموقعها وما إلى ذلك؟
إنّ مبررات السياسة الواقعية يمكن فهمها لو أن الأمر يرتبط بإجراء مضاد لدولة معنية، ثم العجز عن تنفيذ ذلك الإجراء بسبب تفوقها على سواها عسكريا، أو عدم جدوى مقاطعتها النفطية مثلا لأنها تملك ما يكفيها، ولكن نظام النقض المبتكر مع تأسيس المنظومة الدولية بعد الحرب العالمية الثانية، يقيد الأمم المتحدة ولو أصبحت منظمة عملاقة من حيث عددها وامتداد فروعها وأنشطتها، بإرادة بضعة دول كان لها التفوق العسكري، في لحظة من اللحظات التاريخية، بعد الحرب العالمية الثانية، ولم يكن تسليم المقود لها يعني نهاية الحروب، بل على النقيض من ذلك، هي الدول الخمس بالذات التي شاركت مباشرة كما في فولكلاند وليبيا وجرينادا وباناما في شنّ الحروب، أو بصورة غير مباشرة، كما تصنع باستمرار في القارة الافريقية على وجه التخصيص.
حق النقض بات يمنع مجرّد الإدانة ولو كانت دون إجراءات عملية.. فليس مغزاه كما يقال التوازن بين القوى الدولية المنتصرة في الحرب آنذاك، ولا العمل على جمع كلمتها من منطلق واقعي لا غنى عنه في تسيير أمور البشرية، وإنما مغزاه هو إطلاق يدها أن تفعل ما تشاء، دون تثبيت الإدانة عليها رسميا، ولو صدرت هذه الإدانة بأصوات سائر الدول الأخرى معا!
ولا يراد أن يكون مثل هذا الوضع لدول جديدة دائمة العضوية، وقد لا تكون مشكلة القوى المهيمنة حاليا كبيرة مع اليابان وألمانيا، وقد تجد صيغة مناسبة مع الهند أو البرازيل.. ولكن ألا يمكن تقدير السبب الكامن وراء ترجيح استحالة التفاهم على أي صيغة، مهما بلغ شأن العلاقات الودية، عندما يصل الحديث في عملية الترشيح إلى اسم مصر أو نيجيريا أو باكستان أو إندونيسيا؟
ماذا لو كانت هذه الدول تملك حق النقض الآن وقضية العراق مطروحة في المجلس؟ الجواب معروف، وهو الذي يبيّن أسباب الحرص منذ نشأة الأمم المتحدة على تقييدها بإرادة بضعة دول، بغض النظر عن حقيقة أنّ هذه الدول بالذات تتصرّف خارج مجلس الأمن الدولي أيضا وتمارس العدوان.. دون أن يحاسبها جهاز مرجعي دولي على ما تصنع.
المهام المطلوبة
لم يتبدل نظام الأمم المتحدة منذ نشأت عقب الحرب العالمية الثانية ومع بداية حقبة الحرب الباردة، وانهارت الحرب الباردة، ولا يزال يدور الحديث عن ضرورة تطوير المنظمة.. والواقع أنّ ما يجري تطويره يخرج عن نطاق الأمم المتحدة وقمتها الألفية، ومن ذلك ما بات يتردد لتحويل مهام المنظمة الدولية من الميادين التي يقررها الميثاق وفي مقدمتها الأمن والسلام إلى ميادين جانبية، تعبر عنها الرغبات الأمريكية في الدرجة الأولى وهي تتحدّث عن مكافحة انتشار المخدرات، أو وباء نقص المناعة الذاتية، أو الجريمة المنظمة، أو ما شابه ذلك، كمهام مستقبلية للمنظمة الدولية الكبرى.
وعندما تُستثنى قضايا الحرب والسلام تتحوّل الأمم المتحدة عبر جهازي الجمعية العمومية ومجلس الأمن إلى أداة تنفيذية للقوى الدولية المهيمنة على صناعة القرار عالميا، داخل المنظمة وخارجها.. إلى جانب أدوات أخرى، مثل صندوق النقـد الدولي، والمصرف المالي العالمي، ويلفت النظر أن هاتين المؤسستين اللتين تم تأسيسهما مع الأمم المتحدة، وجدتا من البداية معاملة خاصة، فبينما تتخذ القرارات بغالبية الأصوات في سائر المنظمات الدولية الأخرى، وضع للمؤسستين نظام داخلي يضمن بقاء الدول الثرية في الغرب مسـيطرة عليهما دون منازع، وهي التي قررت القواعد والأساليب التي اتبعتها المؤسستان في التعامل مع دول العالم، لا سيما في الجنوب، في العقود التالية.. والنتيجة هي ما واجهته الأمم المتحدة خلال قمة الألفية الأخيرة، وما تتحدّث عنه التقارير الدولية منذ سنوات، دون أن تتبدّل الأوضاع، إلا من سيّئ إلى أسوأ.
* * *
من أراد إحداث تغيير حقيقي على خارطة العالم المستقبلية، ومواجهة تحديات مستقبلية، لا بد أن يعمل على محور آخر، وإذا انطلقنا من البلدان العربية أو الإسلامية أو النامية، فيمكن القول إنّ ما تحتاج إليه ليكون لها وجود فعال في الأمم المتحدة أو تأثير ما على مستقبل الخارطة الدولية سياسيا واقتصاديا وأمنيا، هو:
١- أن تشتغل خارج نطاق المنظمة الدولية أولا.. على صعيد علاقاتها البينية، ولتطوير منظماتها الإقليمية، ولترسيخ مبدأ الأولوية لها تجاه العلاقات مع سواها، وليس في هذا “جديد” من حيث الأصل، فهو ما تفعله المجموعة الأوروبية، ومجموعة الدول الأمريكية، وتفعله المنظمات الغربية، ومنظمات الشمال..
٢- ثم تتحرك على مستوى عالمي مشترك، بمنطلقات مشتركة وأهداف مشتركة..
ولا يمكن دون ذلك أن نتوقع للمنطقة العربية والإسلامية والنامية أن تتبدّل وجهة التعامل مع هوة التخلف والتقدم على صعيدها، أو التعامل مع قضاياها، ومعروف أن بعضها مثل كشمير وتركستان الشرقية والشاشان بات قضايا موؤودة منسية عند الأمم المتحدة بوضعها الراهن، وبعضها الآخر أصبح قضايا منفية خارج أسوار المنظمة الدولية كما أرادت واشنطون وأوسلو ومدريد وأخواتها.. وجميع ذلك نتيجة زعم اتباع مناهج تنتحل لنفسها صفة السياسة الواقعية بعد تحريفها، حتى أصبحت “تحتكر” لبلادنا وحدها ممارسة خطوات التراجع الكبيرة والصغيرة عن كل حق من الحقوق.. وكذلك نتيجة مزاعم ترفع شعار اتباع “الشرعية الدولية “.. وتقصد اتباع أمر أمريكي ما بلباس دولي شفاف فاضح، ولا مشروعية لها إلا بمقدار استغلال المنظمة الدولية أداة لمسخ الحقوق المشروعة، وتزوير أوضاع جديدة على حسابها.
لا فائدة من المنظمة الدولية دون نظام إقليمي مشترك
(نشر في مداد القلم في ٢٥/ ٣/ ٢٠٠٣م)
قيل الكثير عن لجوء الدول العربية إلى الجمعية العامّة للأمم المتحدة لاستصدار قرارات ما، مثل قرار يدين جدار الفصل العنصري الإسرائيلي بعد رفض ذلك في مجلس الأمن الدولي، وكان في مقدّمة ما قيل إنّه سلوك يكشف عن مدى ما وصل إليه استغلال واشنطون لما يُسمّى “حقّ” النقض/ الفيتو في خدمة الأغراض الصهيوأمريكية. والواقع أنّ هذا أمر قديم معروف مشهود لا يحتاج إلى “كشف جديد”، بل يحتاج التعامل معه إلى إرادة، وقرار، وتصميم، وسياسة، وتعاون، وإجراءات عملية، وذاك ما تفتقر بلادنا إليه في مواجهة الغزوات الجديدة، كما هو الحال مع سابقاتها.
خلل تركيبة أجهزة “الدولة العالمية”
لنتصوّر في ظلّ المزاعم المعروفة عن نشر “الديمقراطية” إلى درجة خوض “الحروب” من أجل هذا الهدف.. لنتصوّر أنّ عالمنا المعاصر في زمن العولمة عبارة عن “دولة”، لها من خلال منظمة الأمم المتحدة سلطات الدولة، ولنقارن في هذا الإطار الافتراضي بين أجهزة تلك الدولة العالمية وبين أجهزة “دولة” من دول العالم المعتبرة، وسنجد تلقائيا:
١- مجلس الأمن الدولي عبارة عن “حكومة” من ١٥ وزيرا، منهم عشرة وزراء يتبدّلون ويتغيّرون، وفيها الدول الخمس الدائمة العضوية، وهي بمثابة وزراء لا يتبدّلون ولا يتغيّرون ويمثّلون “الحكومة الأمنية المصغّرة”!
٢- الجمعية العامّة أشبه بمجلس نيابي، من حيث أنّها تمثّل سكان العالم، عبر ممثلي زهاء مائتي دولة فيه، بغض النظر عن ملابسات التمثيل، التي لا تختلف كثيرا عند مقارنتها بانتخابات نيابية قطرية، عن ملابسات مشابهة لتمثيل أحزابٍ تؤكّد عادة أنّها تمثل الشعوب، ولكن لا يوجد وجه للشبه بين مجلس نيابي قطري له حق تشريع القوانين والرقابة على الحكومة فعلا، وبين الجمعية العامّة للأمم المتحدة، الأشبه بعملاق مقعد، لا يشرّع ولا يراقب!
٣- محكمة العدل الدولية في لاهاي، وكان يفترض أن تكون في الأصل بمنزلة “محكمة دستورية عليا” غير أنّها في الواقع مجرّدة من صلاحيات مثل تلك المحكمة، فلا تستطيع محاسبة حكومة وضعت نفسها فوق طائلة المحاسبة، ولا محاسبة جهاز تشريعي، وجوده وجود شكليّ من حيث الأساس الذي قام عليه ومن حيث الواقع المشهود.
٤- المحكمة الجنائية الدولية الحديثة التكوين، والتي يُفترض فيها أن تصبح هي “الجهاز القضائي” الذي يلاحق المجرمين على مستوى “الأسرة البشرية”، ولكن لا يخضع لتلك المحكمة إلا من أراد ذلك مسبقا، ويبقى خارج نطاقها فريق من الدول التي يخاف حكامها على ما يبدو من ملاحقة قضائية ظالمة نتيجة سيادة شرعة الغاب عالميا، ولكن بقي خارج إطارها أيضا المجرمون الأشبه بعصابات الإجرام المنظمة (المافيا) والذين يعلمون أنّ خضوعهم للمحكمة الجنائية الدولية يعني الحكم عليهم آجلا أو عاجلا بموجب جرائمهم.
٥- صندوق النقد الدولي والمصرف المالي العالمي، وهما في مثال “الدولة العالمية” جهاز مالي له صلاحيات منفصلة عن سائر الأجهزة الأخرى، ويسيطر عليه من يملك مالا أكثر من سواه، وهو الذي يستخدم ذلك الجهاز وسيلة إضافية للتحكّم بمن لا يملك من المال إلا قليلا، ويتبع في ذلك طرقا عديدة، أوّلها الاستغلال المباشر، ومنها الاحتكار والمقاطعة، وليس آخرها الأسلوب الحافل بالظلم لا الخلل فقط، والمتّبع باسم “العولمة” تحت عناوين “تحرير” التجارة والاستثمارات والأسواق الاستهلاكية وما شابه ذلك.
٦- المنظمات الفرعية الأشبه بمؤسسات إدارية إضافية بصلاحيات محدودة واختصاصية، ولكنّها أدوات مناسبة للتوظيف في أداء مهامّ معيّنة، ما دامت تخدم أغراض “الحكومة الأمنية المصغّرة” ولا تتناقض مع إرادتها.
نظام دولي وليد “انقلاب عسكري”
المثال المنوه به عن قرار إدانة جدار الفصل العنصري، مثال صارخ على واقع المنظمة الدولية والكشف عن النواقص “المزمنة” في تركيبتها من حيث الأساس، فكان ممّا كشفه التعامل مع القرار بصورة استعراضية:
ما تقرّره الجمعية العامة التي يُفترض أن تقوم مقام “مجلس نيابي” توصيات لا تقدّم ولا تؤخّر، حتى وإن صدر القرار/ التوصية بغالبية ساحقة وكان رفض مضمونه من جانب مجلس الأمن الدولي – أي الجهة التي يُفترض أن تمثل دور حكومة تحت رقابة نيابية – مقتصرا على عضو واحد من أعضاء “الحكومة الأمنية المصغّرة”.
مثل هذا الوضع الشاذّ قانونيا ومنطقيا وعقلانيا وأخلاقيا لا نجده في عالمنا “المتحضّر” إلاّ – على سبيل المثال – في دولة يحكمها “مجلس قيادة ثورة” بعد انقلاب عسكري حكما عسكريا استبداديا، فهو يعتمد على القوّة في فرض القوانين وتطبيقها أو تجاهلها وعدم تطبيقها، أو نجده -بدرجة جزئية- في دولة تنشئ مجالس “شبه نيابية” ليس لها صلاحيات تشريعية، ولا مهمّة رقابة على الحكومة الوطنية أو “الأسرة المالكة” أو “الرئيس الحاكم بأمره”، فوجودها أشبه بمساحيق التجميل، فإن زالت ظهر الوجه الذي تواريه على حقيقته!
أمّا تحويل القرار الذي وافقت عليه غالبية ساحقة من دول العالم التي توصف أحيانا بالأسرة الدولية والمجتمع الدولي، إلى إجراءات تنفيذية عملية، مثل المقاطعة، أو العقوبات الاقتصادية، أو السياسية، ناهيك عن منع الإجرام باستخدام القوّة المشروعة ضدّه.. مثل هذا التحويل غير منتظر، ففريق من تلك الدول لا يصوّت بالإيجاب إلاّ لمعرفته بأنّ القرار مجرّد “توصية” غير ملزمة، وفريق آخر -إذا أراد التحرّك العملي- تتحرّك في مواجهته آليات الاستبداد الدولي، إمّا من خلال العلاقات الثنائية، أو من خلال المنظمات الفرعية للمنظمة الدولية، كصندوق النقد الدولي والمصرف المالي العالمي وحتى المنظمات المتخصّصة بالصحّة أو العلوم أو رعاية الأطفال!
المنبر الخطابي!
لقد كانت الأمم المتحدة منذ “تصميمها” على هذه الشاكلة، قد يختلف أعضاء “حكومتها الأمنية المصغّرة” أو يتفقون، على غرار اختلاف أعضاء “مجلس قيادة ثورة انقلابية” واتفاقهم، ولكن يبقى جوهر العلاقات الدولية قائما على تحكيم القوّة وليس على مبادئ “الشرعية الدولية” وفق صياغتها في كتب العلوم السياسية والقانون الدولي والمواثيق الدولية بما فيها ميثاق الأمم المتحدة نفسها.
هذا انفصام نكد يظهر بين الآليات التنفيذية للمنظمة الدولية وبين ميثاقها مثلا في التعامل بين محتكري قرار السلام والحرب، دون ضجيج في حالة التوافق أو بصورة صارخة عند اختلافهم، وفي الحالتين يبقى من السذاجة المفرطة أو التضليل المتعمّد وصف شيء من ذلك بالشرعية الدولية، ناهيك عن وجود أيّ شبه، مهما كان ضئيلا، بين هذه الأوضاع وبين روح “الديمقراطية” أو آليّات تطبيقها، والتي لا ينقطع التشدّق بها على ألسنة صغار المستبدّين وكبارهم، ولا فرق في ذلك بين دولة يحكمها استبداد الحزب الحاكم كالصين الشعبية، ودولة يحكمها استبداد رأس المال الخانق، ودولة يحكمها الاستبداد المحليّ الضيّق الأفق بأسلوب استملاك رقاب الشعوب ومصائرها وثرواتها وخيراتها وقضاياها الكبيرة والصغيرة.
من يتحدّث في الوقت الحاضر من منطلق الدفاع عن وجود الأمم المتحدة من مفكّري الغرب بصورة منهجية موضوعية لا يصل في الحصيلة في أفضل الأحوال إلى أكثر من القول، إنّها “توفّر منبرا خطابيا للضعفاء للتعبير عمّا يريدون على خشبة مسرح الأحداث العالمية”!
وهذا صحيح، تماما كما هو الحال في أي دولة استبدادية، متقدّمة أو متخلّفة، إذ يترك المهيمنون فعلا على صناعة القرار “متنفّسا” للغضب الشعبي، فيسمحون بالكلام، دون أن يصل ذلك إلى مستوى مشاركة حقيقية وفعّالة في صناعة القرار نفسه، ولا حتّى مستوى مراقبة فعّالة له، وقد تصنع ذلك بأسلوب “ديمقراطي ذكي” أو أسلوب همجي، وتبدو الحصيلة -إذا ما تأمّلنا فيها- متشابهة إلى حدّ بعيد.
إنّ تعليق مستقبل شعوبنا وقضايانا المصيرية على شمّاعة الأمم المتحدة، مع الزعم أنّها تمثّل الشرعية الدولية عبر مجلس الأمن الدولي، لا يتجاوز أن يكون خضوعا مرفوضا لاستبداد دولي أو تضليلا وتمويها عن حقيقة عدم بذل ما ينبغي أن يُبذل من إعداد وجهود حقيقية للتغيير والبناء وتحقيق الاستقلال والتحرّر الناجزين، ولا يغطّي على غياب ذلك تكرارُ الادّعاء باللجوء إلى “أسرة دولية أو مجتمع دولي”، كلّما أراد المدّعون تسويغ عدم التحرّك الحقيقي على أرضية الحدث في مواجهة عدوان قائم أو الإعداد الدائم لردع عدوان محتمل.
وعند الدعوة إلى تحرّك إقليمي لا غنى عنه، إلى جانب الحفاظ على “منبر” الأمم المتحدة، ينبغي التأكيد أيضا أنّه لا يمكن الوصول إلى التحرّر والتقدّم والأمن وغير ذلك من الأهداف الجليلة المشروعة، من خلال أيّ تحرّك قطري أو إقليمي، داخل البلدان العربية والإسلامية أو فيما بينها، باتجاه تلبية الدعوات أو “التوجيهات” الأمريكية تحت عنوان “الديمقراطية” كهدف مزعوم، أو عبر ممارسة التهديد والضغوط والاحتلال، وهذا بغضّ النظر عن غلبة الكذب والخداع على القسط الأعظم من السياسات الأمريكية أو زعم المتأمركين أنّها “بريئة صادقة”. بل إنّ مثل ذلك التحرّك يؤدّي بالضرورة إلى مزيد من العبودية والتخلّف والضياع الأمني، ومزيد من الاستبداد، قطريا ودوليا، في وقت واحد.
لا بدّ من التحرّك المستقل، بدوافع ذاتية، وجهود ذاتية، ووفق الأهداف الذاتية، قطريا وإقليميا، داخل البلدان العربية وفيما بينها، باتجاه إرساء دعائم حكم قائم على إرادة الشعوب، وعلى تكامل أقطار المنطقة، وعلى إعطاء المصلحة الوطنية ومصالح التعاون الإقليمي والمصلحة العليا للقضايا المصيرية، الأولويةَ على أيّ ضرب من ضروب العلاقات على مستوى عالمي، فهذا وحده ما يمكن أن يوصل إلى الأهداف المطلوبة، ويوجد التعامل القويم المتوازن مع أيّ نظام دولي، قائم أو يمكن أن يقوم، على أساس تطوير الامم المتحدة أو دون تطويرها على السواء.
نبيل شبيب