مخاطر حرب في شرق المتوسط؟

اتجاهات الريح على أمواج هائجة

رأي – العنصر الحاسم هو حسن استخدام لغة القوة فوق ضبابية تأويل النصوص القانونية، وربط ذلك بقيم الحق والعدالة

101
الثروات والحقوق والصراع في شرق المتوسط

رأي

الضجيج واسع النطاق؛ تهديدات متبادلة، وحرب كلامية، ولغة عنجهية، ومناورات عسكرية، وتحالفات متضعضعة، وتصريحات متقلبة من يوم لآخر، وسياسات غامضة عمدا أشبه بأفخاخ ملغومة، وتطورات تسبق التساؤلات:

إلى أين تتجه هذه الموجة بسخونتها الحارقة في مياه شرقي البحر الأبيض المتوسط؟

هل يمكن أن تندلع الحرب فجأة نتيجة خطأ في الحسابات غير مقصود أو نتيجة كشف القناع عن تبييت مقصود لقرار بالحرب؟

ثم إذا اندلعت الحرب فهل يمكن كبح جماحها قبل أن تتحول إلى شرارة حرب عالمية ثالثة؟

لا شيء مستبعد، ولكن لا يخفى أن الأوضاع الدولية الحالية تختلف عما كان من أوضاع دولية قبل الحربين الأولى والثانية في القرن الميلادي العشرين.

معايير القوة والمواجهة اختلفت جذريا، فالأسلحة غير الأسلحة والعلاقات غير العلاقات والأهداف غير الأهداف وإمكانات بلوغها بوسائل حديثة أصبحت أرجح وأقل كلفة من الإمكانات التي كانت سائدة قبل قرن وأكثر من الزمان.
لا شيء مستبعد، لأن قرار الحرب والسلام بحد ذاته لا يخضع هذه الأيام لمنطق سياسي أو قانوني أو حتى مصلحي مدروس، قدر ما يرتبط بلحظة طائشة أثناء الدوران في حلقة مفرغة بين معادلات هيمنة وتبعية، صنعتها حروب متعددة من قبل، مع استخدام مختلف وسائل القوة، العسكرية وغير العسكرية، وقد تبدلت المعطيات، فبعد أن ورثت الولايات المتحدة الأمريكية ما صنعه وخلفه من قبل مسار عدواني استعماري أوروبي، لا سيما بجناحيه البريطاني والفرنسي، لم يعد في الجعبة الأمريكية الوارثة القدرة المضمونة لخوض حرب أخرى دون التعرض لدفع ثمن باهظ، يضيف إلى سلسلة فيتنام وأفغانستان والعراق حلقة جديدة.

لم تعد تركيا التي تتحرك بقوة فوق أمواج المتوسط دولة الرجل المريض العثمانية ولم تعد فرنسا من الوارثين آنذاك المتربصين في مجموعة متحالفة متنافسة على التركة الموروثة، وهم يوزعونها فيما بينهم، توافقا وصراعا، ولم تعد اليونان في موقع حليف أصغر لدول عظمى يصلح بجواره لتركيا الجديدة ليتلقى هدية الوارثين، التي ضمت فيما ضمت جزر بحر إيجة دون مقابل، وهم يدافعون عن الغطرسة السياسية في جزيرة قبرص أيضا، غير عابئين بمعايير قوانين دولية ولا سياسات منطقية.

الحرب إذا اندلعت ستكون بين القوتين العسكريتين الكبريين في المنطقة، قوة تركيا الناهضة والمتحررة تدريجيا من الوارث الغربي الذي سيطر عليها لعشرات السنين، وبين قوة الثكنة الأمريكية المزروعة في الأرض الفلسطينية والمتمددة عبر أنظمة استبدادية من حولها، والتي لا تزال بقراراتها وبسياساتها وبحروبها العسكرية والتطبيعية تابعة لإرادة الأم الأمريكية، وهي الأمّ التي واجهت في هذه الأثناء الأزمات الطاحنة، المالية وغير المالية، مع تمرّد أكثر من منطقة جغرافية في العالم المعاصر على سلطان هيمنتها المالية والعسكرية، وأصبحت تترنح إلى حد خطير تحت ضربات كورونا والكوارث الطبيعية، وجميعها تأتي من حيث لا يُحسب لها حساب، ولا تفيد معها حصون نووية وأقمار صناعية.

المعطيات تبدلت، ولهذا فإن قضية النزاع على ثروات شرقي البحر الأبيض المتوسط ليست من القضايا التي يمكن استيعابها بالطرق التقليدية التي عرفناها في حسابات المصالح وعلاقات التحالف السياسية، ناهيك عن النصوص المحكمة والمدروسة بصيغة قوانين دولية، فلطالما جرى تأويل أوضح النصوص صياغة تأويلا يخدم موازين القوة المسيطرة عبر معادلات الهيمنة والتبعية.

قد تتحرك تركيا عبر الحوارات والمفاوضات والاحتكام إلى منظمات دولية، دون مستوى تحرك عسكري، فتكسب أو تخسر هذه النقطة أو تلك، ولكن إن كسبت لن يعترف الخصم لها بحقوقها، وإن خسرت فلن يجرؤ على انتزاعها من قبضتها ما لم يأمن لنفسه عدم الوقوع في خسائر جسيمة.

إننا نشهد نموذجا من نماذج استخدام لغة القوة فوق ضبابية تأويل النصوص القانونية، وإن مشكلة الدول المتعاملة مع النزاع الحالي شرقي المتوسط، لا سيما فرنسا، تكمن في أنها تواجه دولة أتقنت استخدام هذه اللغة ونزعت عنها قيود معادلات الهيمنة والتبعية العتيقة، ويبقى العنصر الحاسم كامنا في مدى توظيفها بحنكة ودراية، فضلا عن ربطها بقيم الحق والعدالة.

وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب