حزب العدالة السوري تحت التأسيس
لقاء تشاوري في إسطنبول يوم ١٣ / ١ / ٢٠١٣م
للحفظ والتوثيق –لا يقوم حزب فعلا إلا بعد نشأة الدولة وصياغة الدستور وقوانين الانتخاب والأحزاب
للحفظ والتوثيق
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، والسلام عليكم ورحمة الله
والسلام على شعبنا البطولي مع الإجلال والاعتزاز والتقدير، والدعاء بالرحمة والرضوان لشهدائنا وبالسكينة لذويهم، وبالشفاء لجرحانا والحرية لمعتقلينا، وبالعودة والأمان والاستقرار لأهلنا المشردين، ومع الدعاء بالنصر، وقد اقترب بإذن الله، على أيدي جيل الثورة رجالا ونساء وأطفالا، على أيدي من أنعم الله بهم على الأمة، من أحرار كتائب الكرامة والعزة وألوية الحرية والنصر، من صدقوا ما عاهدوا الله عليه وما بدلوا تبديلا.
أيها الإخوة والأخوات، قبل الترحيب بكم اسمحوا لي بسؤال:
من يصنع الحزب الجديد الذي نتحدث عنه؟
لا يوجد جواب جاهز، ولكن هي خواطر شخصية أستأذنكم بطرحها، خواطر مواطن بدأ وعيه السياسي تلميذ مدرسة، وتجدونه يتساءل بعد خمسين عاما: كيف نصنع حزبا سياسيا؟ كيف نصنع وسيلة لخدمة الوطن والشعب والمستقبل؟ هو سؤال تطرحه معايشة أحداث خمسين سنة، وتطرحه بقوة أكبر معايشة ثورة شعبية تاريخية انفجرت دون قيادات سياسية ولا حزبية ولا سواها.
كيف نتجاوز إذن مرحلة من مسار الثورة لم تكن الأحزاب فيها ضرورة إلى مرحلة قادمة لا بد من الأحزاب فيها؟ لا يملك أي فرد من الحاضرين ولا سواهم ادعاء القدرة على صناعة حزب أو تيار بمفرده ليمشي الآخرون وراءه، فلا عمل جماعيا دون أن يمشي الجميع معا، ليقدم كل فرد ما يملك، مع إدراك أن سر النجاح الجماعي هو التكامل، أي تكامل نجاحات الأفراد، نجاح كل فرد في مجال ما مهما كان شأنه، ونجاحنا في هذا اللقاء رهن بأن نلتقي للتكامل حتى نصل إلى تصور وعمل مشترك مع بعضنا بعضا.
هي إذن خواطر مواطن على أبواب السادسة والستين من العمر، يعلم أن جيل الثورة صنع الثورة ويصنع ما تحتاج إليه دولة الثورة بما في ذلك الأحزاب.. ولهذا أهيب بنفسي وبأقراني ممن لم يمتلك من قبل القدرة ولا يمتلك الآن الزمن الكافي للنهوض بأعباء كبيرة، ألا نكون عقبة، أي ألا نحاول فرض أنفسنا قادة وأساتذة ومعلمين لسوانا، بدلا من أن نكون متواضعين على قدر موقعنا التاريخي الفعلي، في هذه اللحظة التاريخية لمسار الثورة، كي نكون آنذاك رديفا بالمشورة والنصيحة والخدمة المخلصة لوجه الله، دعما لمن يقرر ويعمل من بين من يصنع الثورة.
لقد كان في ماضينا قصور، وإن عرف ماضينا مناضلين عظماء لا يُغمط حقهم، وعرف أيضا آباء وأمهات ليست لهم أسماء مشهورة، ونشأ في أحضانهم أولئك الشبيبة الذين يتقدمون الصفوف الآن في ثورة الكرامة والحرية والاستشهاد والعدالة.
أيها الإخوة والأخوات
من الخواطر أيضا أن معايشة أحداث خمسين سنة، قد بدأت بانقلاب أنهى وحدة مصر وسورية سنة ١٩٦١م، تلته سلسلة انقلابات بعثية، وأولُ إعدام جماعي لضباط تمردوا على الاستبداد العسكري والحزبي، وأول مذبحة جماعية مع قصف مسجد السلطان في حماة ثم اقتحام المسجد الأموي في دمشق بالدبابات.
لقد كانت بدايات الإجرام محدودة نسبيا قبل خمسين سنة، ولكن بلغ الآن ما نراه من مذابح همجية يومية متعددة، يرتكبها من تأبى الوحوش أن ينتسبوا إليها ناهيك عن البشر، لهذا نلتقي الآن على عمل يجب أن يقترن برفضنا استبقاء شيء من أركان الاستبداد والفساد، وبرفض أي ثغرة في عملنا قد تسمح بنشأة مسخ استبدادي جديد.
ثم إننا عايشنا التحالف والتعايش لعدة عقود بين استبداد محلي أرعن، وقوى دولية شرقية وغربية عديدة، فنقول بكل وضوح وقوة:
رغم المعاناة يرفض شعبنا الخضوع للضغوط الخارجية إذ يدرك تماما أن الخضوع لها اليوم، يعني أن يواجه أولادنا وأحفادنا، لمدة جيل أو جيلين، أسوأ مما واجهناه في خمسين سنة مضت.
. . .
أرحب بكم أيها الإخوة والأخوات
أرحب بجميع من لبى هذه الدعوة، وأخص بالترحيب من استطاع الحضور لمشاركتنا باسم إخواننا في ميادين البطولة والشهادة، وباسم إخواننا العاملين في إعادة تأمين أسباب الحياة المدنية والمعيشية، والعاملين في تخفيف وطأة المعاناة في المستشفيات الميدانية ومخيمات التشريد، الذي شمل مع النزوح داخل الوطن في هذه الأثناء، أكثر من خُمس أهلنا في المدن والأرياف السورية، وهو الأشد والأخطر من ظاهرة الهجرة والتشريد عبر خمسة عقود ماضية، ليعيش أكثر من ربع شعب سورية في المغتربات، كما هو الحال مع من يشاركنا اليوم من الأحبة من كندا وأمريكا وأوروبا وبعض البلدان العربية.
المشاركون في هذا اللقاء يشغلون إلى جانب العمل للثورة مواقع متنوعة تساعد على التكامل، فنحن بمجموع ما سبق قطعة معبرة عن جانب من نسيج شعبنا الثائر، ولا يستهان بتلاقينا على مشروع يخدم الشعب في لحظة حاسمة من مسار الثورة، إذا علمنا أن المطلوب ليس عملا سياسيا نظريا أو تنظيميا محضا، سيقوم بعضنا بأدائه عبر لجان نشكلها، فهذا ضروري، ولكن قيمته رهن بما يرافقه العمل على أرض الواقع، في قلب الوطن، في قلب المجتمع، ولن يكون لنا حزب فاعل سياسيا في المستقبل، دون أن تكون له كوادر شعبية قادرة على ممارسة العمل السياسي والإنتاجي على مختلف المستويات وفي مختلف الميادين.
وأرجو أن يحمل الحاضرون جميعا من أعباء العمل الفعلي بعد اللقاء، ما يؤكد لشعبنا أننا نصنع ما تحتاج إليه هذه المرحلة المفصلية من مسار الثورة الشعبية في سورية.
هي أيام مفصلية حاسمة وبالغة الخطورة، والأخطار متربصة بالدولة التي نريد أن تجسد الثورة منذ اللحظة الأولى وأن تحقق أهدافها وإرادة شعبها، بعد استكمال إسقاط بقايا النظام الفاجر، دولة الثورة مستهدفة سلفا، الآن، بجهود كبرى من خارج نطاق الثورة كي تقوم الدولة بصيغة متلائمة مع الأهداف والرؤى والمصالح والمطامع، الدولية والإقليمية، أكثر من تلبيتها للاحتياجات الشعبية الفعلية، وأكثر من تجسيدها لإرادة شعب متحررة، صنعت الثورة وستصنع الدولة بإذن الله، عبر التضحيات الغالية والبطولات المذهلة والمنجزات المتوالية.
. . .
أيها الإخوة والأخوات، نحن أمام عملٍ كبير كبير، وليس مجرد عمل تنظيمي وسياسي بسيط. نحن لا ننشئ حزبا لمجموعة منفصلة عن سواها، فانتماؤنا إلى الوطن، إلى الشعب، إلى الأمة، فوق كل انتماء حزبي.
نريد حزبا شعبيا كبيرا فاعلا، على قدر المسؤولية التاريخية الجليلة، ولا يتحقق ذلك بحزب لا يكون سيد نفسه، أو بحزب يتبع تجمعا بعينه. لهذا أيضا لا ينبغي الاشتباه بأن هذا الحزب يتبع اليوم أو سيتبع غدا تيار العدالة الوطني الذي دعا إليه، سواء حمل اسمه أو اسما آخر تختارونه أنتم.
كل ما ورد في الدعوة ومرفقاتها مطروح مع ما تطرحون أنتم للتغيير والتعديل. فلقاؤنا معا يقرر ما ينبغي أن نصنع لتأسيس حزب شعبي كبير، أكبر -عبر ارتباطه بالوطن- من أي فئة وأكبر من أي فرد مهما بلغ شأنه.
ليس عيبا أن يقال إن المواطنين في سورية جميعَهم رؤوس وقادة، هذا مديح، ولكن العيب ألا يتعاون الجميع مع بعضهم بعضا، الاختلاف أصل، والخلاف لا سيما في مسار الثورة وفي عملية البناء انتحاري، الاختلاف أمر طبيعي، والعجز عن الالتقاء على قواسم مشتركة رغم الخلاف عجز مرفوض، والعيب الأكبر أن يعمل أي تجمع أو حزب أو نظام حكم ليكون المواطنون إمعة أو أن يتعامل معهم كإمعة، فمن ينقاد دون وعي لقيادة صالحة، يمكن أن ينحرف إذا انحرفت القيادة الصالحة أو حلت مكانها قيادة منحرفة.
يجب أن نعمل فرادى وأن نعمل معا، من خلال الجهد الفردي المتواصل، ومن خلال البرامج والمشاريع، الجماعية الفورية والمستقبلية، ليرتفع مستوى الجميع، بالوعي السياسي وبالعطاء، إلى مستوى الوطن وهذه الثورة، وإلى مستوى مستقبل الأمة وصناعة المستقبل وفق التغيير الحضاري الكبير الذي تصنعه الثورة.
يجب أن نعمل جميعا ومعا ليكون هذا الحزب أحد مكونات المستقبل، وأن يكون حزب القادة لا حزب أفراد وقائد، فيتعاون ويتكامل فيه قادة سياسيون، وقادة حزبيون، وقادة فكريون، وقادة شعبيون، وقادة في كل ميدان من الميادين، جميعهم من قلب الجيل الذي صنع الثورة.
. . .
نسأل الله التوفيق
أولا للعمل في مواصلة الثورة ودعم الثورة، وما يحتاجه العمل السياسي وغير السياسي الآن في خدمة الثورة
وثانيا للعمل عبر مشاريع واقعية لدعم إعادة بناء شبكة الخدمات المدنية والمعيشية.
وثالثا للعمل مستقبلا في النهوض بدولة الثورة، كمواطنين في مختلف ميادين البناء الحضاري الجديد.
ورابعا -وليس أولا ولا ثانيا ولا ثالثا- لأداء الأعباء التنظيمية والشكلية الأخرى لتأسيس حزب متطور، على مستوى حمل المسؤولية الجسيمة للإسهام في صناعة التغيير الذي تفتح أبوابَه هذه الثورة الشعبية.
وعندما ندعو -أيها الإخوة والأخوات. إلى حزب شعبي على منهج الإسلام، ولا يوجد حزب دون منهج يتميز بنفسه به عن سواه، إنما لا نعني بمنهج الإسلام صورة مستنسخة عن صور شائعة، نشأت وعُمّمت نتيجة عداء وتشويه، ونتيجة قصور ذاتي وردود أفعال، ولا نعني تجسيد صيغة اجتهادية سابقة بعينها، بل ننطلق من أن الإسلام هو الإسلام، دون توصيف إضافي، وأن منهجه في الحياة والحكم، قائم على مبادئ نلتزم بها وبتطبيقها:
لا إكراه في الدين
الكرامة لبني آدم جميعا
العدالة للناس كافة
استقلال شخصية الفرد ذكرا وأنثى، فاليقين راسخ أنه لا يضيع عمل عامل من ذكر أو أنثى
الحرية حق أصيل للبشر كما ولدتهم أمهاتهم أحرارا
العدالة الاجتماعية لا تمييز فيها لانتماء عقدي أو غير عقدي: كلا نمدّ هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا.
هو منهج إسلامي لا نتجنب الإعلان عنه باعتزاز كبير، ولا نجهل أن أصحاب المناهج الأخرى لا يترددون عن إعلان تشبثهم بها، تسمية ومضمونا، رغم تعدد كثير من الصور المنفرة عبر تطبيقها في بلادنا وفي أنحاء العالم، وهذا ما شمل الشيوعية والعلمانية والليبرالية وحتى الديمقراطية، إنما نحمل إلى جانب التجاوب مع ما تتطلع إليه غالبية شعبنا، واجب الحرص الكبير على بيان ما نتبناه وعلى تطبيقه، اقتناعا منا- وهذا أمر بالغ الأهمية- بأنه.. بأن هذا المنهج يعطي من تلقاء ذاته، مَن لا يتبناه أيضا، حقوقه وحرياته دون نقصان، فإن لم نفعل ذلك على أرض الواقع خالفنا نهج الإسلام نفسَه، وإن زعمنا حمل اسمه.
. . .
هذا اللقاء كما ذكرت سيد نفسه، يراد أن يخرج بخطوات عملية، ولنذكر أن العمل الحقيقي يبدأ بعد اللقاء، فهو وسيلة على الطريق للعمل، ولكم القرار، وشعبنا ينظر إلينا، كما ينظر إلى سوانا، وينتظر أن نساهم فيما يعبر عن الإخلاص والوفاء للدماء الطاهرة وآلام المعاناة المتواصلة، وفيما يرضي شعبنا من بعد طلب رضوان الله عز وجل، والله ولي التوفيق
والسلام عليكم ورحمة الله.
نبيل شبيب