تنظيمات – تأسيس المجلس الإسلامي السوري
الجميع أمام مسؤوليات جسيمة.. العلماء ومن يتفاعل معهم، سلبا أو إيجابا
ــــــــــ
(نشر هذا الموضوع يوم ١٦/ ٤/ ٢٠١٤م عقب الإعلان عن تأسيس المجلس الإسلامي السوري، وينشر مجددا بعد إعلان المجلس عن المبادئ الخمسة للثورة الشعبية في سورية)
لا يفيد التسرع في متابعة تأسيس المجلس الإسلامي السوري بأسلوب التشكيك وما يتبع له، تحت وطأة الظروف المأساوية الراهنة أو تحت تأثير أحكام مسبقة، وغالبا مع الإحساس العام أن هذه الخطوة تأخرت، وأن لقاء العلماء بروابطهم المتعددة تحت سقف واحد، كان مطلوبا من قبل الثورة وأصبح ضرورة ملحّة بعد انطلاقتها الشعبية.
الأهم من ذلك أن تأسيس المجلس كان مطلبا يردده الجميع تجاه العلماء، فهم بهذه الخطوة يلبون هذا المطلب، ويدركون كما ندرك جميعا أن كل خطوة تجمع فريقا من “السوريين”، ثوارا، وناشطين، وسياسيين، وأصحاب علم وفكر وقلم، وإعلاميين، ليست خطوة سهلة، ولم نعطها جميعا ما يكفي من الجهود الهادفة لتحقيقها، وإذ تحقق التقاء العلماء في مجلس مشترك الآن، فذاك يعني أنهم سبقوا سواهم على طريق جمع الكلمة، التي نعلم أن أهمية اجتماعها على صعيد العلماء تتناسب مع أهمية الدور المنتظر منهم، لا سيما وقد أصبحت المسؤوليات على هذا الصعيد جسيمة ومتراكمة.
لقد وضعت الانطلاقة الشعبية للثورة الجميع أمام مسؤوليات ضخمة، بقدر ما أوجدت من معطيات جديدة تختلف جذريا عن جميع ما ساد قبل الثورة، ولهذا نشكو من عدم ظهور قيادة موحدة فاعلة للعمل الثوري المسلح، ونشكو من عدم ظهور تشكيل سياسي مرتبط بالثورة ومسارها وفاعل على المستوى الداخلي والخارجي، ونشكو من شبيه ذلك في ميادين أخرى، ومن المفروض بالعاملين في جميع هذه القطاعات، أن يربطوا ربطا محكما ما بين “توقعاتهم” من المجلس الإسلامي السوري، وبين “أسلوب تعاملهم” هم مع بعضهم بعضا ومع الثورة.
من ينتظر فتوى أو توجيها أو إرشادا من المجلس بتلاقي من فيه على رؤية إسلامية محكمة من وراء تعدد الاجتهادات، ينبغي أن يوجد الشروط الضرورية من جانبه، وأقلها:
١- اعتبار المجلس مرجعية في المجال الذي يمثله “التخصص” الشرعي لدى العلماء
٢- دعم المجلس عبر الأخذ العملي بما يصدر عنه وتأييده
٣- إطلاع المجلس على ما يحتاج إلى معرفته من جانب مختلف الجهات
٤- اعتبار تلاقي العلماء في مجلس مشترك خطوة تحتذى في العمل على توحيد الهدف والقيادة في كل ميدان ثوري وسياسي تخصيصا وعلى صعيد ما يدعم الثورة في القطاعات الأهلية والإعلامية والعلمية والفكرية وغيرها.
بتعبير آخر: عندما نطالب العلماء في مجلسهم الجديد بأداء واجباتهم، يجب أن نطالب أنفسنا بدرجة كافية من التوازن في التعامل مع ما نطالبهم به، ومن ذلك:
صحيح أن الاجتهاد اجتهاد، فكل يؤخذ منه ويترك إلا الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن لا ينبغي أن يتحول الاقتناع بهذه القاعدة إلى تمييع ما يعنيه تلاقي العلماء على اجتهاد مشترك، ولا ينبغي تمييع كلمة اجتهاد نفسها، بتضييع أصوله وشروطه ليكون اجتهادا حقا، فهذا بعض ما نشكو منه بإطلاق كلمة اصطلاحية في الشرع على وصف كل هيئة توافرت لها الشروط أم لم تتوافر، وإطلاق كلمة “شيخ، ومجتهد، وعالم” دون ضوابط ولا معايير، حتى أصبح من نتائج ذلك هدر دماء بريئة وارتكاب محرمات فاحشة.
وصحيح أن الطاعة الواجبة هي الطاعة المبصرة، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولكن لا ينبغي أن يتحول الأخذ بذلك إلى درجة تجعل “المعصية” هي الأصل، وتجعل كلمة “مبصرة” خالية من المضمون المرتبط بقدر كاف من العلم والمعرفة مع الإيمان، ومتناقضة مع واجب الالتزام بوحدة الكلمة والمسار، فهي جزء حاسم من المصلحة العليا المقدمة على ما سواها.
وتوجد أمثلة أخرى وتبقى الأولوية للحرص على الإيجاز.
شكونا كثيرا من تعدد الروابط الممثلة للعلماء في بلد واحد، لا سيما وأنها قامت تبعا لتلاقي كل منها على نهج اجتهادي معين، ولئن كان إعطاء الأولوية للحرص على الاجتهاد الذاتي مشروعا أثناء الأوضاع المستقرة، وتوافر شروط التعامل مع تعدد الاجتهادات، فلا يسري ذلك على الحالة التاريخية الاستثنائية، بمنظور الثورة في سورية، وبمنظور الربيع العربي وأبعاده عربيا وإسلاميا، وبمنظور ما يتعرض له الإسلام تخصيصا على مستوى دولي.
هنا لا يصح القبول بتعدد الصفوف والتنظيمات بسبب تعدد الاجتهادات.
هنا لا تصح الفتاوى والمواقف عبر محاولة “التوفيق على حد أدنى” ما بين الاجتهادات.
هنا لا يصح التشبث بأساليب ما قبل الثورة بعد أن تبدلت الظروف والشروط والمعطيات.
هنا لا يصح اتباع أسلوب الدراسة المكتبية دون التواصل المباشر مع الفئات المستهدفة على أرض الواقع.
وقبل ذلك وبعده ندرك أن في مقدمة ما تميز به العلماء المخلصون هو التواضع، ولا يشغل عالم ولا مجلس علماء الموقع الجدير به لريادة الأمة أو أي شعب من شعوبها، عبر فرض نفسه عليها فرضا لأنه عالم، أو لأنه مجلس علماء، بل يصل إلى ذلك عبر الإخلاص والعطاء، والحكمة والعلم، والبصيرة النافذة والاطلاع المباشر، وكذلك عبر مراعاة كافية لما يراه المتخصصون في كل ميدان من الميادين، لا سيما وأن جميع ما تواجهه الثورة، في مختلف الميادين وعلى مختلف المستويات، تفرض تلاقي المتخصصين والعلماء على نهج يحقق الأهداف الجليلة، ويوصل إلى الغايات الدنيوية المرتبطة بالغاية الكبرى، رضوان الله تعالى، الذي وعد به عباده المخلصين الصادقين العاملين.
نبيل شبيب