أخي مروان
توفي يوم ٢٧ / ٦ / ٢٠٠٦م رحمه الله
كلمة وفاء – مروان قباني الأخ الوفي والعالم المتواضع والعامل المخلص
كلمة وفاء
لم أعرف سماحة الشيخ الدكتور مروان قباني، الأستاذ الجامعي، ومدير عام الأوقاف اللبنانية، ومدير عام صندوق الزكاة، ورئيس ائتلاف الخير لدعم الصمود الفلسطيني، والعضو في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.. و.. و.. ولكن عرفت مروان، الأخ الصديق الوفي، وعايشته في مدينة واحدة أثناء إقامته خمسة أعوام في ألمانيا، حيث حصل على الدكتوراة في الدراسات الإسلامية، وكنا نلتقي في مصلانا الصغير على العبادة وتدارس أحوالنا وأحوال المسلمين، ونتعاون ما استطعنا على أداء قسط من الواجب، ونتبادل الزيارات بين أسرتينا في دار الغربة، ونشارك في اللقاءات والندوات الإسلامية، ونقضي وقتا لا بأس به في مناقشات تسخن أحيانا وتبرد أخرى. وواجهتنا خلال ذلك مشكلات، فالحياة لا تخلو من مشكلات، وحملنا بعض المهام معا في فترة كان العاملون الناشطون فيها قلّة؛ وفي جميع تلك الحالات وسواها، ما عرفت في مروان سوى مروان، ذي العلم الغزير والتواضع الجمّ، القادر على تقديم الأعمال الجليلة وعلى المشاركة في تقديم أبسط الخدمات، خرّيج جامعة الأزهر، المتخصص في الشريعة، يكتب رسالة الدكتوراة ويجلس بين إخوانه يستمع إلى التفسير من أحد الطلبة، فلا يضيق صدره أنه من المستمعين، ويعترض عليه أحدنا في أمر من الأمور وهو من اختصاصه، فلا تجد في جوابه تبرّما، ولا يسارع إلى الرفض قبل أن يستوعب ما يقال، سيّان عمن يصدر، ومدى ضعف الحجة فيه أو قوتها، فكان على الدوام خير من يمثل تلك المقولة التي سمعناها وقدّرناها معا من أخينا الكبير وأستاذنا الجليل عصام العطار، فكثيرا ما كان يقول لنا معلّما ومطبقا: لا يوجد أحد أصغر من أن يعلم ولا أكبر من أن يتعلم.
* * *
مروان الإنسان لم أعرفه غاضبا قط طوال خمسة أعوام، وكم قيل ما يغضبه فرأيت وجهه تكسوه حمرة الحياء لا الغضب، وكنت أتندر على ذلك، فيبتسم، أو يحافظ على ابتسامته، فما فارقت الابتسامة وجهه.
مروان الإنسان لم أعرفه يرفض طلبا من أحد، كبير أو صغير، أخ أو أخت، سيّان ما هو الطلب ما دام قادرا على تلبيته، فيلبي شاكرا وكأنما قدم الطالب له خدمة جلى.
مروان الإنسان عرفته مع إخوانه أخا، كما هو في أسرته زوجا وأبا، وفي حياته العامة ودودا حليما عفوا، ملتزما بما علمه أن الرفق لا يكون في شيء إلاّ زانه.
كان فينا من قد يتشدد في بعض الأمور وهو يحسب أن ذلك أحوط لدينه، وكان بيننا الوسطي المعتدل في فكره وكلامه وسائر مجالات حياته. وقد تعلمنا من مروان الكثير، ورغم ذلك لا أنسى قوله في كلمة وداع إخوته وأخواته قبيل مغادرة ألمانيا إنه درس الإسلام في الأزهر، ولكن تعلمه واستوعبه مع إخوانه وأخواته في ألمانيا.
وخلال إقامتي منذ ١٩٦٥م في بون بألمانيا عرفت كثيرا من الإخوة، الذين حضروا ثم تفرقوا في أنحاء الدنيا، ولا أكاد أعرف مثل مروان أخا حضر إلينا فصار على الفور واحدا منا، ثم غاب عنا عائدا إلى لبنان، فما عرفت أحدا بعده عوض غيابه وملأ الفراغ الذي خلفه، وهو الذي كنا لا نكاد نشعر بوجوده لشدة تواضعه.
وكان بيننا تواصل بعد أن استقر به المقام في لبنان، وأصبح واحدا من العاملين المخلصين في جمعية المقاصد الخيرية وفي صندوق الزكاة، حتى إذا كان آخر لقاء به أثناء زيارة له في ألمانيا، وهو يشكو من مرض أصابه ولا يكاد يجد له علاجا، فما شهدت منه سوى الرضى بقضاء الله، والطمأنينة لما يريد، والصبر على ألم المصاب، والحرص على متابعة عمله حتى الرمق الأخير.
ولفظ أخي مروان أنفاسه الأخيرة أثناء العلاج في الصين بعد بريطانيا، فبلغني النبأ عن بعد، وسبقت عبرة إلى العين التي كانت تتمنى رؤيته من كثب، تودعه كما ودعه أهله وإخوانه ومحبوه وهم كثيرون، ليس في لبنان وألمانيا فقط، بل في كل مكان.
رحم الله أخي مروان رحمة واسعة، وجزاه الجزاء الأوفى، وأسكنه فسيح الجنان مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، وكتب لأهله وأحبته الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب