الشعبوية الرسمية في أمريكا وأوروبا

والموقف من الآخر: المسلمون نموذجا

دراسة – نشرت في العدد ١٥ من حولية “أمتي في العالم” لمركز الحضارة للدراسات والبحوث، صدر بتاريخ ١٠ / ١ / ٢٠٢١م

66
الشعبوية-الرسمية-ومناهضة-الإسلاموفوبيا


pdf word

دراسة

ممارسة الشعبوية التي تركبها ظاهرة الإسلاموفوبيا، انتقلت من مستوى أفراد وأعمال شاذة وأنشطة تنظيمات محدودة الحجم نسبيا إلى مستويات سياسية رسمية، يعتبر ترامب وماكرون نموذجين لها، ويوجد سواهما، وهذا محور ما استهدفت هذه الدراسة بيانه، في نطاق مجموع محاور العدد الخامس عشر من حولية “أمتي في العالم” الصادرة عن مركز الحضارة للدراسات والبحوث، وقد حمل العدد عنوان: سياسات ما بعد الإسلاموفوبيا: الجديد في الهجوم على الإسلام والعالم الإسلامي (2010-2020)

 

المحتوى

مقدمة

المبحث الأول: السياسات الرسمية في مسار الرهاب الشعبوي

المبحث الثاني: الاستقطاب المجتمعي عبر مسارات شعبوية رسمية

المبحث الثالث: ملامح استراتيجية لمواجهات حضارية وعقدية؟

المبحث الرابع: معطيات ومنطلقات للتحرك فكريا

خاتمة

هوامش

مقدمة

يقيم كاتب هذه السطور في بون، وهي مدينة صغيرة نسبيا تقع غرب ألمانيا الموحدة، وكانت عاصمة ألمانيا الغربية لأربعين عاما، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى انهيار الشيوعية في الشرق الأوروبي. ويسري على بون ما يسرى على المدن الألمانية الأخرى، من حيث أن سكانها من الألمان كانوا قبل حوالي جيلين، أي عقب نهاية الحرب العالمية الثانية يتوجسون من كل ما هو أجنبي، وهو ما اضمحل تدريجيا مع مرور الزمن. والمهم فيما يتعلق بموضوع الدراسة أن بون تميزت عن المدن الأخرى بأنها وإن شهدت بعض المظاهر المعبرة عن الرهاب أو العداء للإسلام، إلا أنها لم تتعرض لحالات عدائية عنيفة، وهذا ما تشهد عليه الخبرة الشخصية لكاتب هذه السطور، المقيم في بون منذ بضعة وخمسين عاما.

يمكن تعليل هذا الوضع الخاص للمدينة بالجانب التاريخي، فهي مدينة جامعية فيها نسبة عالية من الطلبة “الأجانب” بمن فيهم المسلمون، كما كانت طوال أربعين عاما مقرا للبعثات الديبلوماسية الأجنبية، بما فيها تلك من الدول الإسلامية، باعتبارها العاصمة المؤقتة وبالتالي مقر الحكومة الاتحادية، إلى أن انتقلت الحكومة إلى برلين بعد إعادة توحيد ألمانيا ١٩٨٩ / ١٩٩٠م، وتم تعويض ذلك بتوطين عدد من المنظمات الدولية في بون، وهو ما يشمل وجود كثير من الموظفين والعاملين الأجانب. يضاف إلى ذلك أن بون لم تعرف أحياء سكنية للمسلمين منعزلة عن سواهم، وهذا على النقيض مما كان في مدن أخرى مثل كولونيا وبرلين، لأسباب ترتبط بتعامل الدولة قديما مع من تجلب من العمال من خارج الحدود.

إذا استخلصنا من ذلك أن للاحتكاك الشعبي المعيشي المباشر بين المسلمين وسواهم في بلد أجنبي دورا مؤثرا وراء انخفاض نسبة انتشار الخوف المرضي وممارسة العداء، فهذا يُظهر وجود خلل في الفرضية القائلة، إن الظواهر السلبية والعدائية تنتشر أولا على مستويات شعبية في بلد “مضيف”، كرد فعل على الوجود “الغريب”، يتمثل في تشكيل تجمعات تميل إلى التطرف واستخدام العنف، ثم يأتي – في وقت لاحق – تعامل السياسة الرسمية مع تلك الظواهر السلبية.

ليس هذا التسلسل صحيحا، ومن الأَوْلى الانطلاق من فرضية مقابلة:

المصدر الأهم لانتشار ظواهر سلبية بما فيها الاستقطاب المجتمعي، هو ما يصدر أولا من مواقف وممارسات عن الطبقة السياسية، في السلطة والمعارضة، ثم عن بعض النخب الفكرية والثقافية والإعلامية ذات التأثير عموما، والحصيلة شعبيا هي انتشار أحكام مسبقة وتوتر في العلاقات الاجتماعية.

الجدير بالذكر هنا هو تأثير ضوابط الدساتير والقوانين والأنظمة على الممارسات والمواقف الرسمية، السلبية تجاه الانتماء الإسلامي، إذ لا يجري تعليلها بصيغة صريحة من جانب من تصدر عنهم، أي من جانب صانعي القرار، بالإعلان مثلا عن نظرة عدوانية مباشرة للإسلام نفسه أو لعموم المسلمين، وعندما يحدث ذلك في حالات شاذة، تفعل الضوابط مفعولها فيوصم ذلك الموقف أو التعليل المعلن بالتطرف، وقد يحاسب من يمارسه على ذلك أو يفقد موقعه الرسمي.

بالتالي فإن الكشف عن وجود “نوايا ومقاصد” عدائية مكتومة لدى الطبقة السياسية الرسمية، ليس أمرا سهلا، حتى وإن عبرت عن نفسها شعبويا في بعض الأحيان، فالكشف عن ذلك يعني هنا التكهن وليس تقديم دليل قاطع على مفعول الشعبوية الرسمية في معاداة الظاهرة الإسلامية (الإسلام والممارسة الإسلامية في الحقبة التاريخية الآنية). لذا تبقى الفرضية المذكورة آنفا في حدود فرضية تفتقر إلى الأدلة، وإن وجدت استنتاجات تحليلية، فالدراسة تتعامل مع ظواهر ومسارات عامة لا تصلح في معالجتها أساليب تحقيق قضائي يتعامل مع القرائن لتحديد مسؤولية فردية.

بتعبير آخر: يمكن الحديث عن أقوال وأعمال تصدر عن مسؤولين رسميين من صناع القرار، وعن أن صياغتها ومضامينها تستدعي الاشتباه بأنها تثير حالات استقطاب بين فئات ما من المجتمع، ولكن لن يوصل البحث – إلا في حالات استثنائية – إلى أدلة قطعية تصلح للربط بين السبب، وهو هنا التصرف الرسمي، وبين النتيجة، وهي هنا حدوث الاستقطاب المجتمعي.

يضاف إلى ذلك أن موضوع الدراسة مرتبط – كسواه من المواضيع المجتمعية – بعوامل عديدة متداخلة، ومن بينها عامل الشعبوية الرسمية، وعند ربط هذا العامل تحديدا بمعاداة الظاهرة الإسلامية، يبقى ذلك على وجه التعميم، نتيجة عدم التعرض للعوامل الأخرى بالبحث والدراسة. ويبقى التعميم دون مستوى إثبات وجود سببية مباشرة بين الشعبوية الرسمية تخصيصا، وبين نتائج نرصدها في الواقع المجتمعي. ومثال ذلك:

قد ترتفع نسبة عدد الاعتداءات التي يتعرض لها مسلمون ومنشآت إسلامية في بلد غربي ما، بعد رصد صدور بعض التصريحات الرسمية الشعبوية بصيغة سلبية تجاه الإسلام والمسلمين، ولكن لا يكفي هذا التعاقب الزمني لأكثر من “ترجيح” وجود علاقة سببية.

محاور البحث

هذه الدراسة جزء من كل، وهي بالتالي:

(١) محددة موضوعيا إذ تقتصر على الجانب الرسمي من التعامل مع الظاهرة الإسلامية الشاملة للإسلام ووجوده بشريا وثقافيا واجتماعيا، وبالتالي فالنتائج المستخلصة جزئية تكتمل بعرضها على النتائج المستخلصة من دراسات وبحوث حول الجوانب الأخرى كالشعبوية النخبوية والدراسية الجامعية والشعبية العامة..

(٢) محددة جغرافيا إذ تقتصر على مواطن هذا التعامل في الغرب وتركز في هذا الإطار على الغرب الأوروبي، لأكثر من سبب، من ذلك أن ما يظهر في الغرب الأمريكي ينتقل إلى الغرب الأوروبي ويتفاعل فيه تفاعلا أعمق، فيتجاوز حالة “الطفرة” الأولية، ويمكّن من رصد أدق للظواهر المجتمعية، ومن الأسباب أيضا المعرفة المباشرة للكاتب بالغرب الأوروبي، وهي الأجدى بما توفره من معطيات في متابعة موضوع الدراسة الذي يمثل تكوين حالة اجتماعية مستجدة، من معطيات توفرها المعرفة الفكرية والبحثية..

(٣) محددة زمنيا بالتركيز على ما بعد فترة معينة غلب عليها انتشار ظاهرة الرُهاب أو التخوف المرضي من الإسلام، علما بأنها ما زالت متشعبة ومستمرة، وفترة تالية غلب على معالمها انتشار ظاهرة حملة عدائية شعبوية تنسب إلى اليمين المتطرف عموما، بينما يراد التركيز في الدراسة على ما ينسب من ذلك إلى الطبقة السياسية التقليدية في العالم الغربي، فهذا ما يحمل صفة الشعبوية الرسمية.

رغم محدودية إطار الدراسة إلا أنها تتناول جوانب متشعبة إلى درجة تستدعي الاكتفاء في كل مبحث من مباحثها الأربعة بنماذج محدودة، تسري مقتضياتها على كثير سواها، فالهدف هو الوصول إلى صورة مركزة المعالم ما أمكن لعلاقة متشعبة وواسعة النطاق، ما بين الشعبوية الرسمية في الغرب وبين واقع ما يتعرض له الإسلام والمسلمون في الغرب نفسه وعالميا (١).

المحور الأول:

في إطار ارتفاع نسب الاعتداءات على المسلمين والمنشآت الإسلامية في الدول الغربية، شهدت مدينة هاناو جنوب ألمانيا في التاسع عشر من شباط / فبراير ٢٠٢٠م عملية قتل جماعي، ارتكبها رجل يبلغ ٤٣ سنة من العمر، وثبت عبر التحقيقات التي شملت كتاباته، أنه تصرف من منطلق عنصري محض، وعلاوة على أن الجاني قتل في النهاية أمّه وانتحر، أسفرت الجريمة عن مقتل تسعة أشخاص، معظمهم مسلمون من أصول تركية وبوسنية وكردية وأفغانية.

ويوم ٥ / ٣ / ٢٠٢٠م ألقى فولفجانج شويبلي، رئيس المجلس النيابي الاتحادي في برلين، كلمة افتتح بها جلسة نقاش نيابية حول الحادثة ودوافعها وتداعياتها، وقال فيها: «يجب على السياسة أن تنتقد نفسها، لقد أغفلنا خطر التطرف اليميني زمنا طويلا» (٢).

من حيث الأساس تنطلق هذه العبارة من تبرئة الطبقة السياسية الرسمية من ممارسات “التطرف اليميني” المرفوضة، ولكن في العبارة نفسها إشارة غير مباشرة إلى أن قسطا من المسؤولية عن التوجهات العنصرية بصياغات شعبوية يتجاوز حدود ما يوصف باليمين المتطرف، فلا يكفي أن يشار إليه وحده عند الحديث عن خطاب – أو فكر – شعبوي، إنما تغلغل ذلك بدرجات متفاوتة في الطبقة السياسية التقليدية / الرسمية أيضا.

هذا إضافة إلى سريان قاعدة “المشاركة في المسؤولية” عن ظاهرة التطرف أو التعصب العنصري، أي ما يرتبط بعدم مواجهتها بما يكفي من الجهود المضادة، رغم القدرة على ذلك، وهذه مقولة توزن بالاعتبارات السياسية في التعامل مع القضية عموما، إنما يحاكي مضمون هذه المقولة بلغة الحقوق والقضاء مصطلح “الإغفال أو الإهمال / omission” في سلم درجات المسؤولية الجنائية.

بالمقارنة مع مقولة فولفجانج شويبلي أعلاه مضى الرئيس السابق لحزب الديمقراطيين الاشتراكيين بألمانيا زيجمار جابرييل شوطا أبعد أثناء برنامج حواري تلفازي معروف، يحمل اسم مديره “ماركوس لانس”، بثته القناة الألمانية الثانية مساء ٣ / ٣ / ٢٠٢٠م، ودار الحوار فيه حول التعامل العنيف من جانب القوات العسكرية والأمنية اليونانية مع اللاجئين القادمين من الأراضي التركية باتجاه الاتحاد الأوروبي، أثناء هجمات عسكرية مكثفة على منطقة إدلب، فقال زيجمار جابرييل:

«قبل أربع سنوات (يعني: ٢٠١٥ / ٢٠١٦م وكان وزيرا للاقتصاد والطاقة قبل أن يشغل منصب وزير الخارجية) كان السؤال المطروح: لا نستطيع أن ندع اللاجئين عند الحدود اليونانية يموتون، فكان الجواب: عند الضرورة يجب إطلاق النار عليهم، ولم يصدر هذا الجواب عن ساسة حزب البديل (وهو حزب يميني يوصف بالتطرف في ألمانيا) بل صدر عن سواهم أيضا» (٣).

على خلفية ما سبق في هذه الفقرة وما يشابهه من أمثلة عديدة، يتحدد في هذه الدراسة عنوان المبحث الأول: السياسات الرسمية في مسار الرهاب الشعبوي، إذ يطرح السؤال عن تصريحات وممارسات شعبوية خلال العقد الثاني من القرن الميلادي الحادي والعشرين، هل كان صدورها عن الطبقة السياسية تطورا جديدا بعد أن كانت خطابا ملازما لما يوصف بالتطرف اليميني، أم أنها تمثل خطاب مرحلة متقدمة من التعامل السياسي الرسمي نفسه مع الإسلام والمسلمين عموما، بالإضافة إلى الوجود الإسلامي في الغرب، وهذا إلى جانب التوجهات الشعبوية اليمنية المتطرفة المعروفة.

المحور الثاني:

طريقة التعبير المستخدمة في المثالين المذكورين آنفا طريقة متعارف عليها سياسيا، إذ تلتزم بقواعد الصياغة السياسية والديبلوماسية، ومن ذلك الاكتفاء بالتلميح دون توجيه أصابع الاتهام مباشرة لجهات سياسية بعينها ومع ذكر الأسماء. إنما شهد الغرب خلال سنوات ٢٠١١ – ٢٠٢٠م سلسلة من المواقف الصريحة والإجراءات الرسمية التي لا تدع مجالا للبس، إلى أين ينبغي توجيه أصابع الاتهام.

من ذلك المواقف المعلنة والسياسات التطبيقية لدونالد ترامب منذ الحملة الانتخابية للرئاسة الأمريكية عام ٢٠١٦م، ثم شروعه في تنفيذ مقتضيات مقولاته فور وصوله إلى المنصب الرئاسي، مثل جهوده الفورية لحظر دخول الأراضي الأمريكية على مواطني عدد من الدول الإسلامية، فلا حاجة للبحث عن دليل بعد أن أصبح عداؤه معلنا ورسميا وتطبيقيا تجاه الوجود الإسلامي في بلاده على الأقل، مع ملاحظة وجود أمثلة أخرى في نطاق العلاقات الأمريكية – الأوروبية تشير إلى أن هذا العداء يشمل الوجود الإسلامي في الغرب عموما. والتناقضات في تصريحات دونالد ترامب معروفة، ويسري ذلك على بعض ما قاله عن الإسلام والمسلمين في زيارته الشهيرة إلى السعودية، بالمقارنة مع ما قاله من قبل ومن بعد، إنما تغلب بوضوح الشواهد على المواقف السلبية، فهي واسعة الانتشار، ويختصرها تورستن دينكلر، المحرر والمراسل حول الشؤون السياسية من نيويورك، بقوله: «إذا تحرك الإسلاميون أي حركة لا يمكن أن يدعها ترامب دون تعليق لاذع بتغريداته، أما إذا قُتل المسلمون فيبقى صامتا، وليس ترامب منفردا داخل البيت الأبيض في موقفه العدائي للإسلام” (٤).

شبيه ذلك يسري – كمثال آخر – على الوضع في فرنسا، فيما كان في قضايا تمحورت حول حجاب المسلمات في فرنسا، في عهد جاك شيراك، ثم ما كان من مواقف عدائية في عهد نيقولا ساركوزي، فكان جميع ذلك ممارسات سياسية متوارثة وعامة الانتشار، ثم وصلت إلى مستوى متقدم في عهد رئاسة إيمانويل ماكرون لفرنسا، وهو ما بدأ يظهر في حملته الانتخابية على الرئاسة في بلده، وتصاعد في سنوات رئاسته الأولى، ثم أثناء مشاركته في حملة الانتخابات البلدية ٢٠٢٠م، فعلى سبيل استمالة الناخب المسلم وفق ما تذكره ميشائيلا فيجل، مراسلة الشؤون السياسية من باريس، ومؤلفة كتاب “إيمانويل ماكرون ورؤيته المستقبلية لأوروبا”، كان من أقواله تحت عنوان رفض “الإسلام السياسي!” إنه لا يقبل بامتناع الرجال المسلمين عن مصافحة النساء، ولا يمكن أن يقبل أيضا بزواج يتضمن الإكراه، ولا بالدعوة إلى العذرية حتى الزواج (٥). ولا يخفى أن ذلك وأمثاله يتجاوز مسألة “الإسلام السياسي” كعنوان يفتقر لمصداقية “مصطلح معتبر”، وقد أقحم عنوانا لمحتوى التصريحات، فمضمون ما يقوله ماكرون يمسّ صميم تعامل عموم المسلمين مع قيم عقدية واجتماعية، وهذا بغض النظر هنا عن توافق بعضها أو عدم توافقه مع اجتهادات فقهية إسلامية معتبرة.

لقد اتسع نطاق مخاطر الشعبوية وتجاوز حدود حاضنة متطرفة لظاهرة الرهاب نفسها، ولم تعد مجرد أرضية إعلامية وثقافية وفكرية، وسياسية أيضا، بل أصبحت تقترن أحيانا بوقوع أعمال عنف عدائية أو تتزامن على الأقل مع ارتكابها من جانب أفراد وجماعات، ولا ينفصل ذلك التطور الخطير من حيث مصادره “السياسية” على ضوء الأمثلة المذكورة، عن انتشار الظاهرة في قطاعات أوسع من الطبقة السياسية الرسمية نفسها، وهذا أعمق تأثيرا مما يوصف بالتطرف اليميني غير الرسمي، ومن شأنه أن يضاعف مفعول تجييش حضانة شعبية لأعمال عدائية مباشرة، تستأنف ما كان في عقد التسعينات من القرن الميلادي العشرين على مستوى ارتكاب الجرائم، وكذلك ما كان على مستوى شنّ حروب مباشرة في مطلع القرن الميلادي التالي.

على خلفية ما سبق في هذه الفقرة يتحدد في هذه الدراسة عنوان المبحث الثاني: الاستقطاب المجتمعي عبر مسارات شعبوية رسمية، ويطرح السؤال عن علاقة الموقف السياسي الرسمي، السلبي أو العدائي أو المضاد للإسلام والمسلمين وللوجود الإسلامي في الغرب، بتعبئة بيئة ثقافية واجتماعية مضادة للإسلام والمسلمين. ويشمل ذلك السؤال عن تحول المرتكزات التاريخية السابقة لنشر الرهاب، والعداء المنبثق عنه، مثل انتشار الجهل بالإسلام عموما، وتشويهه إعلاميا وفكريا في الغرب، إلى تحويل ظاهرة الرهاب نفسها – غير المبررة أصلا – إلى حاضنة لتعليلات سلبية، من شأنها ترسيخ اقتناعات ثقافية وممارسات اجتماعية صدامية في نطاق الحياة المعيشية والاحتكاكات المجتمعية المباشرة، بغض النظر عن ظاهرة التشدد والتعصب دون المستوى الرسمي أيضا.

المحور الثالث:

في تناول الظاهرة الإسلامية في المشرق العربي والمستقبل ما نزال ننطلق عموما من رؤية إسلامية تستند إلى منظور سردي تاريخي ومعاصر، وهذا ما ينطلق منه مثلا د. حاتم يوسف أبو زايدة، الباحث الأكاديمي الفلسطيني، وليس هذا السرد موضع حديث في هذه الدراسة، إنما الشاهد هو إشارته كإشارة كثيرين سواه، إلى الحجم الكبير للاهتمام الفكري والبحثي في الغرب الأمريكي والأوروبي بمستقبل الوجود الإسلامي عالميا، ويعدد بهذا الصدد بعض المراكز والمعاهد المعروفة بدراساتها البحثية والاستشرافية في الولايات المتحدة الأمريكية ومعظم البلدان الأوروبية (٦). ومع التنويه إلى أن محدودية هذه الدراسة موضوعيا وجغرافيا توجب النظر إلى نتائجها من حيث التكامل مع نتائج سواها، لا بد من الإشارة التعميمية إلى بعض ما يمارسه معظم الباحثين من العرب والمسلمين حول الإسلام والمسلمين، من إعطاء الأولوية (الحصرية أحيانا) للاعتماد في دراساتهم على أطروحات نشأت في الغرب وانتشرت وتطورت أو تبدلت فيه، وانتقلت تباعا وأحيانا دون تمحيص وتقويم، إلى أدبيات فكرية وسياسية في البلدان الإسلامية المعنية بها. مثال ذلك انتشار تعابير محورية أعطيت منزلة المصطلحات بمنظور غربي، فانتشرت بأقلام إسلامية بالمنظور نفسه، كما هو معروف من عقود سابقة كالأصولية والإسلام السياسي، ويسري شبيه ذلك على ما بدأ ينتشر حديثا من نحت “مصطلحات” غربية جديدة كالشعبوية مع ملاحظة أن أطروحاتها تشمل فيما تشمل العداء للإسلام والمسلمين. وليس سهلا التعامل في أي دراسة جديدة مع تلك التعابير كمصطلحات عند متابعة استخداماتها ومدى الفوضوية الملازمة لها، والتي تظهر للعيان عند تقويمها بمعايير منهجية علمية.

لا ينفي ذلك وجود دراسات غربية تنطوي على رؤى إيجابية تراعي المنظور الإسلامي، ومن ذلك كمثال ما يتحدث عنه المفكر الأمريكي جون إسبوزيتو في كتابه The Future of Islam (٧) وقد ترجمه إلى العربية سندس عاصم بعنوان “مستقبل الإسلام”، إنما الغرض من الملاحظة السالف ذكرها هو التنويه بأن الرجوع – في هذه الدراسة وسواها – إلى مصادر “فكرية” غربية يتطلب الالتزام بضرورة التمحيص والنقد، بحيث يكون الاهتمام بالأطروحات الغربية حول الإسلام والمسلمين، منضبطا باستقصاء السلبي والإيجابي والمخطئ والصحيح للتعامل معه بمنظور إسلامي، دون الانزلاق إلى الأخذ به كمصدر موثوق دوما دون تمييز، وإلى أنه يستحق وضعه في الصدارة إطلاقا.

صحيح أن البحث العلمي في الغرب لا سيما في العلوم الطبيعية والتقنية، متقدم كما ونوعا عما يوجد في المنطقة الحضارية الإسلامية حاليا، ولكن في العلوم الإنسانية يبقى البحث الغربي بطبيعة الحال مرتبطا بتأثير الإرث المعرفي الغربي الذاتي، لا سيما من حيث المعلومات والرؤى ذات العلاقة بدائرة حضارية أخرى كالمنطقة الإسلامية. وفي الصورة المقابلة، عندما يلتزم الدارسون في هذه المنطقة بالمنهج العلمي بحثا ودراسة دون إغفال الإرث المعرفي الذاتي، يمكن أن يصلوا إلى نتائج أقرب إلى الصواب مما تصل إليه الاستنتاجات والتحليلات في كثير من البحوث الغربية حول منطقتهم بما في ذلك ما يتعلق بالظاهرة الإسلامية مناطقيا وعالميا.

يتصل بذلك أن التعامل مع كتابات غربية من مستوى مقالات تحليلية ورؤى تحليلية استشرافية، لا ينبغي أن يرفعها تلقائيا إلى مستوى بحوث ودراسات محكمة ونظريات استراتيجية مدروسة، لا سيما ما انطلقت الأقلام الغربية منه عبر التركيز على أعمال إرهابية تنتحل عناوين إسلامية، وجعلته أساسا لما ينبغي أن تأخذ به السياسات الرسمية وتمارسه تجاه الإسلام والمسلمين عموما.

من الأمثلة الأشهر من سواها على رفع رؤى تحليلية أو مقالات استشرافية أولية إلى مستوى بحوث ودراسات استراتيجية: فرضية نهاية التاريخ لفرانسيس فوكوياما Francis Fukuyama، وقد رجع عنها فيما بعد، فبغض النظر عن النهج العلمي للكاتب كان قد بدأ بطرح الفرضية عبر مقالة، كما قال لاحقا عن نفسه (٨). كذلك نظرية صموئيل هنتنغتون Samuel Huntington عن صدام الحضارات، فقد بدأ طرحها أيضا في “مقالة” نقدية لمقالة فوكوياما، وفي الحالتين كان الاهتمام كبيرا قبل توسيع الطرح إلى مستوى دراسات استراتيجية مستقبلية، أخذت مكانها في مسلسل تطور الرؤى والممارسات الغربية المعاصرة تجاه الإسلام والمسلمين.

وتصدر الدعوات إلى “استراتيجية” تتعامل مع الوجود الإسلامي في الغرب عن جهات عديدة، بدءا بالدعوات الإعلامية المباشرة (٩)، وتصل إلى المسؤولين في مستويات عليا سياسيا ونخبويا بصورة غير مباشرة، أو تحذيرية، كما يؤخذ من تصريحات الفاتيكان التي تترك أثرا واسعا جغرافيا وزمنيا، ومثال ذلك القول على لسان فيتوري فورمينتي، المتحدث الرسمي باسم الفاتيكان “إن الإسلام هو الديانة الأكثر انتشاراً في العالم، وقد تجاوز المسيحية بأكثر من ثلاثة ملايين مؤمن عبر أنحاء المعمورة منذ ما يقرب من عام تقريبا” وهذا ما تناقلته وسائل الإعلام لسنوات عديدة منذ الإدلاء به لأول مرة آخر آذار / مارس ٢٠٠٨م (١٠).

إن الطرح الفكري المكثف بصدد التعامل مع مستقبل الإسلام والمسلمين عموما وفي الغرب تخصيصا يدفع إلى تحديد عنوان المبحث الثالث بالسؤال: ملامح استراتيجية لمواجهات حضارية وعقدية؟ ويتوافق الاقتصار على تعبير “ملامح” مع حقيقة أن الأطروحات الغربية المعنية بالبحث، لا تزال في بداياتها وتتطلب إزالة الخلل الصادر عن وصفها بالاستراتيجيات، وبين افتقارها إلى ما يعنيه مصطلح استراتيجية من محددات وشروط.

المحور الرابع:

خلال العقود الماضية تبدلت العناوين الكبرى لمداخل التعامل في الغرب مع الإسلام والمسلمين والوجود الإسلامي في الغرب، مما حمل موروث عصر الاستشراق قديما إلى ما انتشر تباعا تحت عناوين مبتكرة أشهرها الأصولية والإسلام السياسي ثم الإرهاب الذي انتحل عناوين إسلامية، ومنذ فترة وجيزة نسبيا بدأت على الصعيد الفكري الغربي مراجعات جزئية متفرقة من بينها مثلا قراءات نقدية حول خطورة انتشار الرهاب من الإسلام، وأهمية النظر في نتائجه الثقافية والاجتماعية وحتى الأمنية على ضوء تصاعد ارتكاب أعمال عدائية للمسلمين ومؤسساتهم في معظم الدول الغربية (١١).

وما يزال كثير من الطرح الفكري الحالي يكرر بعض ما سبق طرحه تحت عنوان الرهاب، مع التعرض لبعض المستجدات حول ما يوصف بالشعبوية، ولا تصل هذه الدراسة أيضا إلى نتائج مستقرة بهذا الصدد، إنما هي إشارات لاتجاه الريح إذا صح التعبير، ومن ذلك بعض الأفكار المطروحة تحت عنوان: المبحث الرابع – معطيات ومنطلقات للتحرك فكريا.

هذه المباحث بمحتوياتها التالية الموجزة تقف حاليا (٢٠٢٠م) أمام مرحلة فكرية جديدة، لا تزال تبحث عن “عنوان” جامع جديد، يتجاوز ما انتشر من قبل. وفي حدود علم كاتب هذه السطور وربما بسبب استمرارية حالة السيولة في الأحداث ومجرى التطورات، لا توجد كتب أو دراسات وبحوث بنتائج مستقرة، حول طبيعة العلاقات الراهنة وتصنيفها، هل هي تلاقح حضاري مرفوض أم صدام حضاري مفروض، وهل نواجه مرحلة جديدة من ترسيخ الهيمنة الغربية أم هي بداية تحرر وتغيير.

المبحث الأول

السياسات الرسمية في مسار الرهاب الشعبوي

 يُستهل الحديث في هذا المبحث بوقفة قصيرة لوضع إطار توضيحي لما يستخدم من مفاهيم بمنزلة المصطلحات في هذه الدراسة، وعلى وجه التخصيص كلمات الرُهاب، والشعبوي، والتطرف اليميني.

كلمات ومصطلحات

كلمة الرهاب أو الخوف المرضي من الإسلام، أو إسلاموفوبيا المعربة لفظيا عن كلمة “phobia” الإنجليزية هي من بين الكلمات الثلاثة المذكورة الكلمة الوحيدة التي اكتسبت مع مرور الزمن مكانة قريبة من المفهوم الاصطلاحي. وانطلاقا من ربط الوقائع المشهودة بالشروح التي تطرحها المعاجم، وبعض الدراسات العلمية، فمحور هذا المفهوم في المعاجم اللغوية العربية هو: “خوف عميق مستمرّ على غير أساس من واقع الخطر أو التهديد من موقف ما أو شيء معيّن” (١٢).

ومن الدراسات المرجعية الأولى بالإنجليزية لتحديد عناصر أساسية لتعريف الرهاب من الإسلام دراسة صدرت عام ١٩٩٧م عن مؤسسة مناهضة العنصرية / Anti-Racism Foundation في بريطانيا، وحملت عنوان “Islamophobia – A Challenge for Us All”، وعموما يسري بالإنجليزية نص التعريف التالي القريب من نص التعريف بالعربية: an extreme fear or dislike of a particular thing or situation, especially one that is not reasonable (١٣).

أما كلمة شعبوي الحديثة الاستعمال نسبيا، فيعتمد فهمها بالعربية على صيغة اشتقاق كان نحتها لأول مرة في المغرب العربي ثم شاع استخدامها، بإضافة الواو إلى ياء الوصف النسبي لتصبح شعبوي بدلا من شعبي، كما يقال حديثا إسلاموي، علمانوي.. وهكذا، لبيان أن الانتساب إلى الوصف الأصلي انتساب غير منضبط أو أنه منتحَل، ويلفت النظر في الكتابات العربية أن استخدام كلمة شعبوية (كأمثالها من التعابير المترجمة أو المعربة) لا ينطلق من واقع ممارسة الشعبوية قديما وحديثا في البلدان العربية نفسها، بل من استخدامات الكلمة الأصل في اللغة الأجنبية، وهذا يسبب خللا كبيرا نظرا إلى تباين الظروف والمعطيات ذات العلاقة.

ونجد ما يختلف عن ذلك المقابل لغويا واصطلاحيا مع كلمة “populist” الإنجليزية ذات المفهوم التراكمي، إذ بدأ استخدامها متزامنا مع نشأة علاقة واقعية مع مطالب شعبية، عبر تأسيس “حزب الشعب / People’s Party” في الولايات المتحدة الأمريكية عام ١٨٩١م، وقد طرح آنذاك أهدافا تتلاقى مع أهداف شعبية، وتتناقض مع أهداف أو مصالح معتادة من جانب الطبقة السياسية المسيطرة، وحقق ذلك الحزب مطالبه نسبيا، ثم في عام ١٩٠٨م حلّ نفسه بعد أن تبنى معظمَ مطالبه حزب الديمقراطيين (١٤).

قبل ذلك كان التعبير السياسي المنتشر هناك هو التعبير التقليدي “شعبي / popularity” فكان وصفا مقبولا للمطالبة بأهداف تجد التأييد الشعبي، أو تُطرح بلغة مفهومة لدى العامة، ويبدو أن هذا الإرث المعرفي سياسيا والإيجابي نسبيا، ما زال مؤثرا في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد يكمن مثلا وراء عدم انتشار أصداء سلبية شعبية واسعة عندما يوصم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالشعبوية في الغرب الأوروبي، حيث غلبت على إرثه المعرفي السياسي عناصر سلبية لتداول الكلمة ، كاستغلال أهواء العامة والتجييش، وهذا ما يؤخذ حاليا من التعبير الفرنسي “populace” أو الألماني “Mob” (١٥)، ومن العسير اعتبار مفهوم الكلمة العربية “الشعبوية” منطبقا دوما على جميع هذه الخيارات معا (١٦)، ولهذا نجد تضاربا في الحديث عنه في الأدبيات السياسية العربية حسب تأثرها بالمصدر الغربي للكلمة وبالخلاف مع الآخر محليا (١٧).

 ما يسري على كلمة شعبوي بصدد تعدد طرق فهمها واستخدامها في كتابات عربية، يسري أيضا وبصورة أوسع نطاقا على كلمة اليمين المتطرف، حيث لا يميز التعبير العربي بما فيه الكفاية بين: (١) توجهات شديدة التطرف، انتشرت في الغرب نتيجة توجهات فكرية وعقائدية منحرفة في التعامل مع أسس الديمقراطية والدولة الحديثة، كالنازية والفاشية ويسري عليها تعبير (extremism)، وقد يكون الأصح ترجمتها إلى “منحرفة”.. (٢) توجهات فكرية وسياسية يسري عليها تعبير (radicalism)، وهي الأقرب إلى تعبير التطرف بالعربية، إذ تطرفت هنا بمعنى ابتعدت ببعض أطروحاتها أو أساليب طرحها عن أسس الديمقراطية والدولة الحديثة، ولكن ما زالت تتحرك ضمن القواعد والضوابط الدستورية والسياسية أو في حدود الاختلاف المقبول على تفسيرها، ولهذا لا نجد في كثير من الدول الغربية حظرا لها أو لعملها من جانب سلطة نيابية أو قضائية دستورية، إنما انتشر في التعبير عنها وصف المتطرفة / الراديكالية على مستوى التفاعلات والمناكفات السياسية والإعلامية، وليس بصيغة اصطلاحية مستمدة من معطيات فكرية وعلمية جامعية (١٨).

إن غياب الحياة النيابية المستقرة والمنضبطة دستوريا في البلدان العربية يجعل من استخدام تعبير “اليمين المتطرف” غالبا مجرد كلمة مترجمة أو مستوردة من وسط سياسي آخر، وتابعة لمعطيات أخرى. لهذا يحسن التمييز في البحوث والدراسات بين (١) تنظيمات يمينية متطرفة محظورة، أو متطرفة تحت الرقابة استخباراتيا وقضائيا تحت طائلة “الاتهام” بالتطرف / بمعايير الأسس الدستورية، وهذا بغض النظر عن طبيعة أنشطة تلك التنظيمات، وبين (٢) حركات متطرفة / متشددة وأحزاب اليمين المتطرف / المتشدد، التي تلتزم أطروحاتها وممارساتها بقواعد اللعبة السياسية.

يمكن أن تشمل أنشطة اليمين المتطرف والمتشدد أطروحات عنصرية من حيث الأساس فيكون العداء تجاه الإسلام والمسلمين والوجود الإسلامي في الغرب نتيجة لها، ومثال ذلك حركة “بيجيدا Pegida” في أوروبا، ولا سيما ألمانيا، واحتجاجاتها ضد ما تصفه بأسلمة الغرب. بالمقابل قد يكون تجييش العداء نتيجة طرح شعبوي لقضايا تنطوي على توظيف ضغوط اجتماعية واقتصادية كالبطالة والفقر، ثم ربط ذلك دون تعليل منهجي بارتفاع نسبة الوجود الإسلامي في البلد المعني، وهذا بدوره دون تمييز بين الوافدين ابتداءً، وبين مواليدهم أو معتنقي الإسلام من أهل البلد الأصليين (١٩).

لا يخفى على ضوء ما سبق أن غياب دلالات اصطلاحية مستقرة يؤدي إلى عرقلة وصول مقصود الكاتب إلى القارئ عندما يدور الحديث حول قضايا ترتبط بتعابير متداولة في منزلة مصطلحات دون توحيد مفاهيمها، وهذا ما يزداد مفعوله سلبا نتيجة عوامل تاريخية أخرى، فكرية وثقافية وسياسية، لا مجال هنا لسردها.

معايشة المتغيرات

تواجه البحثَ في علاقة السياسات الرسمية بمسار الرهاب الشعبوي صعوبة أخرى ناجمة عن معايشة الباحث للمتغيرات التاريخية ذات العلاقة. فقليلا ما يشهد مسار التاريخ البشري منعطفا مفصليا أو لحظة تحول تاريخية مفصلية بمعطيات واضحة للعيان، ليمكن تمييز معالم كبرى بعد تلك “اللحظة” التاريخية مباشرة عما ساد من معالم كبرى قبلها.

وغالبا ما تحول المعايشة المباشرة لحدث تاريخي بعينه دون رؤية استشرافية واضحة للحلقات التالية بعده، وقد عرفنا مثالا على ذلك عند اندلاع الثورات الشعبية العربية عام ٢٠١١م، وهو ما انعكس في كثير من الرؤى المتسرعة فيما صدر من كتب ودراسات تناولت الموضوع أثناء السيولة الزمنية للأحداث الجارية. شبيه ذلك يسري على ما بدأ ينتشر عام ٢٠٢٠م من توقعات مبدئية، بصدد المفعول المنتظر من نتائج جائحة كوفيد – ١٩ وتداعياتها.

وللتوضيح على نطاق أوسع يمكن الاستشهاد أيضا بأحداث مفصلية تاريخيا مثل سقوط الدولة العثمانية وهو حدث قريب تاريخيا، ويتبين الآن فقط أن ما تذكر كتب التاريخ وقوعه كلحظة مفصلية تزامنت مع الحرب العالمية الأولى، قد كان بداية حلقات متتالية من عملية تغيير ناشئة عنه واستمرت لعدة عقود، أي إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية، فبعد ذلك فقط بدأ استقرار معالم كبرى في واقع البشرية تتميز عما كان قبل تلك “اللحظة” المفصلية.

عند الحديث عن الرؤى والممارسات الغربية تجاه الإسلام والمسلمين لا بد من مراعاة مفعول عنصر المعايشة، وأن نتعامل مع المسارات التاريخية باعتبارها مسارات سيولية أو انسيابية بطبيعتها، وهذا بغض النظر عن لحظات معينة تبدو وكأنها أحداث متفجرة، فنستشعر أنها منعطفات زمنية مفصلية، ولا نرصد إلا نادرا أن نتائجها لا تستقر غالبا إلا بعد زمن طويل نسبيا، ولا يصح أثناء تلك المنعطفات الاستعجال بطرح توقعات ونتائج قاطعة.  

إن مفعول هذه العقبة في البحث أعمق تأثيرا عند تركيز النظر على جانب بعينه من مشهد تاريخي شامل بين حقبتين، فالجوانب الأخرى تؤثر عليه بقوة دافعة أو معرقلة، وهذا ما يسري على موضوع هذه الدراسة بالذات، فهو – كما سبق التنويه – محدد موضوعيا وجغرافيا وزمنيا، في نطاق ظاهرة أشمل مضمونا بكثير وأوسع نطاقا وتأثيرا.

الطبقة السياسية

على خلفية ما سبق نطرح التساؤلات التالية:

هل نعايش في الوقت الحاضر نقلة نوعية في العداء الشعبوي من منشئه الموصوف بالتطرف اليميني إلى حاضنة رسمية تبيح وصفه بالعداء الشعبوي الرسمي؟

أليست الصورة الواقعية هي صورة تداخل بين منشأ التطرف والمنشأ الرسمي كسبب للعداء؟

إذا رصدنا مواقف وتطورات فكرية ترتبط بالعداء الشعبوي، هل يمكن ربطها عبر البحث العلمي ربطا محكما بالعداء الشعبوي الرسمي وإثبات أنه أصبح يتبع استراتيجيات بعينها؟

قد يسهل الوصول إلى قرائن عديدة في الإجابة على هذه التساؤلات، إنما لا تسهل الإجابات القاطعة، لا سيما مع سيولة الأحداث التاريخية، وغياب لحظة زمنية فاصلة بالفعل ضمن ترتيب جدولي لحلقات متتابعة مما صدر شعبويا وما يزال يصدر عن اليمين المتطرف / المتشدد، وبين ما صدر شعبويا وما يزال يصدر في نطاق “سياسة رسمية” في صيغة تصريحات ومواقف مقترنة بممارسات ذات علاقة بالموضوع.

الواقع أن ما نرصده مباشرة من مواقف ورؤى شعبوية، ومنها ما يقترن بعداء علني تجاه الإسلام والمسلمين، جميعه موروث جماعيا وهذا لأجيال عديدة متتابعة، وليس بالعدوى أو الاقتباس من طرف إلى آخر فحسب ضمن جيل واحد.

الطبقة السياسية في العقد الثاني من القرن الميلادي الحادي والعشرين، كانت تبني من البداية على إرث خلفته طبقة سياسية رسمية مثلها بين ١٩٩٠ و٢٠١٠م، وكانت قد أنتجت آنذاك فيما أنتجت رؤى عدائية من قبيل وصف الإسلام بالعدو البديل على لسان وزير الدفاع الأمريكي ديك تشيني في مؤتمر ميونيخ الأمني، بعد سقوط الشيوعية عام ١٩٨٩م، وكذلك وصف المنطقة الإسلامية بهلال الأزمات على لسان الأمين العام لحزب شمال الأطلسي مانفريد فورنر بعد مؤتمر بروكسل ١٩٩٣م لتبرير ما بدأ يطرح لتعديل مهام الحلف على خلفية “العدو البديل”، ثم في الفترة التالية عبر استهداف الإسلام والمسلمين تحت عناوين “الأصولية” ولاحقا “الإرهاب” في نطاق تعديل الوثيقة الرسمية لمهام الحلف عام ١٩٩٩م، وبموازاة ذلك التعديلات المشابهة في “الكتاب الأبيض” في عدة وزارات دفاع في دول غربية وفي روسيا (٢٠).

 

الشعبوية السياسية

لا يصح إذن الانطباع القائل إن الظاهرة الشعبوية بدأت تنتشر “شعبيا” وإن هذا ما عبر عنه ارتفاع نسب تأييد أحزاب يمينية “متطرفة” في بعض البلدان الغربية أو معظمها، مثل فرنسا والنمسا، والواقع أن نجاح “اليمين” في الانتخابات على المستوى الوطني للدول الأوروبية كان دوما في صالح اليمين المسيحي والمحافظ وما يزال، أي في صالح أحزاب غير موصومة بالتطرف أو التشدد. هذا مع التنويه مجددا أن هذه الوصمة وصمة سياسية وليست وليدة تعبير اصطلاحي، وباتت تُطلق في معترك الصراعات السياسية على أحزاب أكثر تعبيرا عن التشدد في السياسات اليمينية من أحزاب يمينية تقليدية عرفت بمسميات المحافظين والمسيحيين. ولكن في إطار هذا الوصم أو الوصف أيضا كانت النجاحات في العقد الأول من القرن الميلادي الحادي والعشرين محدودة، أي دون مستوى الانفراد بالسلطة أو تشكيل الكتلة الأكبر في المجالس النيابية إلا نادرا (المجر مثلا)، وهذا ما يؤخذ من الجدول المنشور في الهامش من جانب وكالة الصحافة الفرنسية (٢١).

كما يؤخذ الاستدراك المذكور بشأن وصمة التصرف / التشدد من الخريطة المنشورة في الهامش مع جدول ملحق بها عن نسب نجاح الأحزاب المعنية وذلك في آخر انتخابات وطنية في دول الاتحاد الأوروبي قبل انتخابات ٢٠١٩م المركزية للاتحاد (٢٢).

وسبق هذا “الصعود” انتشار مقولات في الأوساط اليمينية التقليدية، ترى أن تبني أطروحات المتشددين، يمكن أن “يسحب البساط” شعبيا من تحت أقدامهم، وهذا مما أثبتت خطأه نتائجُ الانتخابات النيابية للاتحاد الأوروبي عام ٢٠١٩م. إذ كانت تلك المقولات وما تأثر بها في صياغة البرامج الانتخابية المحافظة، في بلدان أوروبية لم ترتفع شعبية التطرف اليميني فيها بعد، أشبه بدعوة غير مقصودة للناخب الأوروبي أن يختار أطروحات متشددة ومتطرفة، وبالتالي أن يختار الأحزاب “المتطرفة” نفسها كما توصم سياسيا وإعلاميا.

يؤكد ذلك بصورة غير مباشرة الباحث فريد حافظ من خلال دراسته “الرهاب من الإسلام على مستوى الشارع وعلى مستوى الحكومات في بلدان مجموعة فيزيغراد” (تضم بولندا والمجر وتشيكيا وسلوفاكيا في تجمع سياسي تنسيقي ضمن الاتحاد الأوروبي) وتناولت الدراسة خلفيات عدم ظهور حركات وأنشطة شعبوية فيها، ويعزو المؤلف ذلك إلى سيطرة أحزاب يمينية محافظة على السلطة، وهي تمارس على كل حال سياسات يمينية شعبوية فتغني عن نشأة حركات شعبوية تحمل توجهات اليمين المتطرف (٢٣)، ولعل التعبير الأصح هنا أنها تغني عن نشأة تجمعات سياسية مشابهة من حيث سياساتها ومختلفة من حيث تسمياتها فحسب.

ولا يخفى أن هذا التطور في اختلاط الشعبوية الرسمية مع غير الرسمية سياسيا، يعني انتشار حاضنة شعبوية أوسع لصالح تلك الأحزاب وسياساتها مما يمكن أن يؤدي إلى وصول المزيد منها إلى السلطة وبقائها فيها عبر الانتخابات الدورية.

الواقع أن انتشار الأطروحات الشعبوية، لا سيما فيما يتعلق بالوجود الإسلامي في الغرب، على ألسنة المسؤولين فيما يوصف بالأحزاب التقليدية، من اليمين واليسار، قد مهد الطريق أمام تطور تلك الأطروحات حتى أصبحت من الأعمدة التي ارتكز عليها ما أصبح يوصف لاحقا باليمين المتطرف.

إن ما شهدناه ونشهده من “عداء شعبوي رسمي” تجاه الإسلام والمسلمين بين ٢٠١٠ و٢٠٢٠م هو حلقة لاحقة بحلقات سابقة من عداء شعبوي “رسمي” أيضا، وإذا أردنا السؤال من نقل إلى من، كان الأصح هو القول إن النهج الرسمي للسياسيين المرتبطين بما اختاروه من فكر عدائي، هو ما نشأت عنه مواقف فكرية وغير فكرية على مستويات غير رسمية، ولدت في حاضنتها أحزاب يمينية متشددة وحركات متطرفة، وليس العكس.

لا يتعارض ذلك مع استثناء الترويج لارتكاب أعمال العنف العدوانية محليا من جانب أفراد ومنظمات ذات توجه يميني متطرف، وبالمقابل ينسجم تأكيد أسبقية العداء الشعبوي الرسمي للظاهرة الإسلامية فكريا، مع ممارسات سياسية وعدوانية حربية تحمل السلطات الرسمية مسؤولية مباشرة عن صناعة القرار بصددها، علاوة على ما يتطلبه ذلك من تهيئة الأجواء الشعبية العامة فكريا وإعلاميا وسياسيا.

عموما وكما ورد في دراسة سابقة للكاتب حول أثر صعود اليمين المتطرف على المسلمين في أوروبا:

«لا يُبرّأ اليمين المتطرف من مسؤوليته الذاتية عن نشر الاحتقان والعداء، إنما لا ينفي ذلك أيضا أنه يجد “تربة” مواتية، ومن ذلك تعدادا دون تفصيل:

١- إرث ثقافي معرفي سلبي تجاه الإسلام والمسلمين.

٢- استمرار غلبة تأثير هذا الإرث في الإعلام والفكر رغم بذور توجهات موضوعية منصفة.

٣- تهاون سياسي نسبي (بدأ يتراجع تدريجيا) مع الطرح المتطرف الذي يهوّن بصورة غير مباشرة من دور المسؤولين عبر سياساتهم على الصعيد المعيشي.

٤- مخاوف تثيرها عمليات إرهابية تحت عناوين إسلامية مضللة، تستهدف المجتمعات الأوروبية.

٥- غياب آليات مشتركة تجمع صناع القرار الفكري والثقافي والسياسي والتربيوي والاجتماعي في الدول الأوروبية وفي تنظيمات إسلامية، من أجل تعامل منسّق وهادف بصدد الوجود الإسلامي ومستقبله، بما يشمل مواجهة أطروحات اليمين المتطرف وممارساته» (٢٤).

 

المبحث الثاني

الاستقطاب المجتمعي عبر مسارات شعبوية رسمية

لكل تصريح سياسي أثره على الرأي العام أو قطاعات منه، فعندما يقال مثلا إنه لا يمكن القبول بعضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي بسبب قيمه المستمدة من التاريخ الذاتي للمسيحية واليهودية، لا بد أن يكون لذلك أثر على الرأي العام، فينشر موقفا سلبيا تجاه “الآخر.. المسلم”.

وقد ورد مثل هذا القول على لسان أكثر من مسؤول أوروبي، لا سيما الرئيس الفرنسي السابق نيقولا ساركوزي، وهذا رغم أن عوامل عديدة كانت تستدعي عدم التشبث في العلاقات الأوروبية – التركية بالرفض المطلق رسميا، فتقرر إجراء مفاوضات على امتداد بضعة عشر عاما، وشهدت العرقلة والمماطلة مرارا. وجاء بهذا الصدد في تقرير إذاعي ألماني:

«إذا لم تكن العوامل الاقتصادية والسياسية هي العائق الحقيقي أمام الاندماج الأوروبي لتركيا، فما هو سبب عدم تحقق أمنية الالتحاق؟ هذا السؤال طرحه عدد من الصحافيين الأتراك… حتى رئيس هيئة الإصلاح الدستوري للاتحاد الأوروبي فاليري جيسكار ديستان يعتقد أن التحاق تركيا بالاتحاد الأوروبي “سيكون نهاية الاتحاد الأوروبي”» (٢٥).

التعصب السياسي الديني

رغم ترجيح وجود علاقة مباشرة بين مثل تلك التصريحات بشأن تركيا وما ينتشر من أجواء سلبية على صعيد الرأي العام تجاه الإسلام أو تجاه التوجه الإسلامي الفكري والقيمي ناهيك عن السياسي، عموما وليس في تركيا تحديدا، فإن إعطاء الدليل على هذه العلاقة السببية عسير، ناهيك عن إمكانية وصف التصريحات نفسها بأنها تعصب سياسي من منطلق ديني.

قد تظهر في وقت متأخر الأدلة على ممارسة التعصب الديني من جانب السياسيين، هذا مع أن مقتضياته في غالب الحالات مكشوفة للعامة وتؤثر عليهم، مباشرة وعبر وسائل التأثير الفكرية والثقافية والإعلامية، ويتبين ذلك عبر النموذج التالي كمثال على حالات مشابهة.

عبر اتفاق رسمي بين ألمانيا الغربية وتركيا عام ١٩٦١م بدأ جلب ما سمي “العمال الضيوف” من تركيا، واستمر ذلك سنويا حتى عام ١٩٧٣م، ومع مرور الزمن ارتفع عدد العمال وأفراد أسرهم، وليس مجهولا أنهم مسلمون بغالبيتهم العظمى، وفي عام ١٩٨٣م، أقدم المستشار الألماني الأسبق هلموت كول، على استصدار قانون يرصد دعما ماليا لمن يغادر ألمانيا من الأتراك ويعود إلى تركيا، ولم يكن معلوما بشكل رسمي آنذاك أنه أراد التخلص من العدد الأكبر من الأتراك لأنهم مسلمون.

بعد ثلاثين سنة رفع “الأرشيف الوطني البريطاني” السرية عن وثيقة رسمية، نشر نصَّها الصحفي الألماني كلاوس هيكينج يوم ١ / ٨ / ٢٠١٣م تحت عنوان: “كول أراد التخلص من نصف العمال الأتراك”، وقد صرح كول بذلك وفق تلك الوثيقة لرئيسة الوزراء البريطانية آنذاك مارغريت تاتشر، وعلل موقفه باعتقاده أن اندماج الأتراك في المجتمع الألماني مستحيل، لأنهم مسلمون، وأنهم بذلك من بيئة ثقافية أخرى، بينما لا تواجه ألمانيا مشكلة في اندماج البرتغاليين أو الإيطاليين أو الإسبان (٢٦).

لم يوصف هلموت كول المتوفى ٢٠١٧م بأنه شعبوي أو يميني متطرف، بل كان من أبرز ساسة ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، ورئيسا لحزب المسيحيين الديمقراطيين لفترة ٢٥ سنة، ومستشارا لألمانيا لفترة ١٦ سنة، ولم تكن رغبته في تخفيض نسبة وجود الأتراك في بلاده لأنهم مسلمون خافية على صعيد الرأي العام، إنما كان الدليل على ذلك غائبا. ومن الطبيعي أن سياساته تترك – رغم غياب الدليل على خلفياتها – أثرها على الصعيد الشعبي، وتصنع تربة شعبية ملائمة لما ظهر لاحقا من دعوات تتبناها جماعات وأحزاب متطرفة ومتشددة تصرح برفضها المبدئي ومن حيث الأساس للوجود الإسلامي في الغرب، وبعدائها للإسلام عموما.

 

يمكن على الأقل القول إن الاستقطاب الثقافي تجاه الإسلام والمسلمين، مع خلفيته العقدية في المجتمعات الغربية، لم ينشأ شعبيا بقدر ما نشأ نتيجة حلقات متتابعة من التعامل الرسمي مع “الآخر” أي مع من ينتمي إلى الإسلام.

السياسة وراء الفكر والثقافة والإعلام

نموذج آخر يتناول بعض ما يتوارى وراء اعتزاز الغرب باستقلالية الإنتاج الثقافي والفكري والإعلامي، وهي استقلالية تستحق التقدير بغض النظر عن واقعها من حيث تأثير العامل المادي عليها.

في إطار موضوع البحث هنا، يلاحظ أنه كثيرا ما اعتبرت المسؤولية عن انتشار الرهاب من الإسلام في الغرب وعن نشر ما يسيء إلى الإسلام والمسلمين، هي مسؤولية النخب الثقافية والفكرية والإعلامية في الدرجة الأولى، وهذا صحيح أيضا وهو من أسباب التركيز على المطالبة بالحد من غلوائها، وكذلك التركيز على مطالبة الطبقة السياسية في السلطتين التشريعية والتنفيذية أن تلعب دورا يحد من تلك الظاهرة، وهنا تأتي الردود بأن الحرية في الغرب قيمة إنسانية تاريخية لا يمكن المساس بها، ولكن الأهم من ذلك أنه قليلا ما دار الحديث عن تأثير صانع القرار السياسي على النخب المذكورة في ممارسة ما تمارسه مما يضاعف انتشار ظاهرة الرهاب وتوابعها.

في عام ٢٠١٥م نشر الأستاذ الجامعي في فيينا، الألماني الأصل، ميشائيل لاي كتابا بعنوان “انتحار الغرب –  أسلمة أوروبا” يطرح فيه خطورة ما وصفه بـ “وهم الترويج إلى التعدد الثقافي والمجتمعي للتغلب مستقبلا على القومية والعنصرية”، كما نشر عام ٢٠١٧م كتابا آخر بعنوان “آخر الأوروبيين – أوروبا الجديدة” يرى فيه أن «المستشارة الألمانية أنجلا ميركل أكبر من ينتهك القانون – بعد أدولف هتلر – عبر فتح أبواب أوروبا أمام أسلمتها» وأن الوقت يقترب من مقاربة جديدة «حرب أوروبا وهي تعود إلى نصرانيتها مع أوروبا مؤسلمة معربة ذات ثقافات متعددة، وستكون تلك الحرب هي هرمجدون الأوروبية» ويرى أيضا أن حركة الاسترداد (بالإشارة إلى ما يوصف به القضاء على العهد الأندلسي وتحرير أسبانيا من المسلمين) بدأت بوضوح مع انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية (٢٧).

والمهم هنا أن الاحتفال بنشر هذا الكتاب لم يكن حدثا “أدبيا ثقافيا” فحسب بل جرى تحت رعاية حزب الشعب اليميني، الشريك في تشكيل حكومة النمسا أكثر من مرة، والذي يركز على أن العلاقة مع الوجود الإسلامي في الغرب معركة غربية سياسية ووجودية.

ولا يختلف توجه هذا المؤلف كثيرا عن الضابط في الجيش النمساوي هيرمان ميتيرر، الذي يحذر في كتابه “تبديل سكان أوروبا”، من أن إحلال الملايين من اللاجئين في أوروبا يجري بتوجيه وتخطيط مقصود لتبديل السكان الأصليين بسواهم (٢٨).

وتوجد في المكتبة الأوروبية منذ عقود كتب عديدة باتجاه مشابه، إلى درجة تطابق العناوين علاوة على المحتوى مثل كتاب “أنقذوا الغرب – الأسلمة المتسللة”، بقلم أودو أولفكوته، وهنا أيضا يظهر أثر للعلاقة مع الطبقة السياسية، فقد كان المؤلف بين عامي ١٩٩٩ و٢٠٠٣م عضوا في مجلس التخطيط لمؤسسة كونراد أديناور الفكرية السياسية المقربة من حزب المسيحيين الديمقراطيين في ألمانيا (٢٩).

هذه الكتب وسواها يجري تصنيفها على أنها حصيلة الرهاب من الإسلام، ولكن عند التدقيق فيها وفيما يرتبط بسيرة كتّابها وفي التعامل مع محتوياتها يظهر عمق التشابك بين الفكري والسياسي أو الثقافي والسياسي في الغرب بوضوح. إنما يحذر السياسي الغربي بطبيعة الحال من صياغة مواقف تعبر بصورة مباشرة عما يتناقض مع نصوص الأسس القيمية والدستورية في بلده، ولا ينفي هذا حجم التأثير المتبادل مع النخب المعنية بالإنتاج الثقافي والفكري والإعلامي، بما في ذلك ما يتعلق بالأطروحات المتشددة إلى درجة التطرف المباشر ضد الإسلام كدين، والمسلمين في الغرب وعالميا، وكان من الأمثلة على ذلك اصطفاف السياسيين إلى جانب أصحاب الإساءات المتعددة للإسلام ولمقام النبوة باسم الفنون والأدب وما شابه ذلك خلال السنوات الماضية، بل خلال العقود الماضية كما هو معروف مع “حكايات سلمان رشدي الشيطانية”.

السياسة والاستقطاب المجتمعي

من أخطر ما تحمل الطبقة السياسية قسطا من المسؤولية عنه هو أن ما يصدر عنها من أقوال وأعمال يصدر باسم الدولة وشعبها، وبالتالي يمكن عند تعميم اتهامات ما أو مواصفات ما على المسلمين لأنهم مسلمون أن ينتشر ذلك سريعا على المستوى الشعبي، ويصبح مبررا لمزيد من الحملات العدائية بمختلف ألوانها، وهو مما بدأت أوساط الدفاع عن حقوق الإنسان تشير إليه وتحذر من مخاطره بإلحاح، كما يؤخذ من النموذج التالي من بريطانيا.

«من أجل فهم الرهاب من الإسلام في المملكة المتحدة، يجب أيضا دراسة علاقة الدولة بالمجتمعات المسلمة»، بهذه العبارة تبدأ مساهمة بحثية بمشاركة بربارة كوهين ووقاص طفيل في تقرير سنوي عام ٢٠١٨م حول التعامل مع الرهاب من الإسلام، إذ يستعرضان ما أقدمت عليه الحكومة البريطانية من إجراءات تجاه المسلمين في بريطانيا، تحت عنوان الوقاية من الإرهاب، ليؤكدا:

«كان لتركيز الدولة في مكافحة الإرهاب على الجاليات المسلمة على مدى العقدين الماضيين دور في تعزيز كراهية الإسلام، وهي شكل من أشكال العنصرية يمكن رصده بسهولة في المملكة المتحدة حاليا». ويضيفان:

«كانت وسيلة الحظر أقوى فعالية وانتشارا منذ أن وضعت ضمن مسؤولية المدارس والجامعات والمستشفيات والمجالس المحلية والسجون…». ومن نتائج ذلك:

«توجد قصص عديدة عن طلاب مسلمين في المدارس والكليات والجامعات تتم إحالتهم للتحقيق تحت عنوان الحظر لأمور بسيطة للغاية، مثل قراءة كتاب معين في المكتبة، أو الانخراط في نشاط جامعي مؤيد لفلسطين أو مناهض للعنصرية» (٣٠).

تكمن خطورة هذه الممارسات التي تحمل السلطات المسؤولية عنها، في تمكين جهات غير متخصصة ودون صلاحية قانونية، من توجيه الاتهام وممارسة حظر الحقوق تبعا لذلك، فهذا ينذر باحتمال خروج الممارسات اليومية من دائرة الرصد والضبط، ويضاعف الاستقطاب المجتمعي في اتجاه تمييز عنصري.

أخطر من ذلك ما لا تسهل متابعته بالبحث والتحقيق دون إمكانات واسعة النطاق هو مدى تهاون السلطات الرسمية في متابعة ما يتعرض له المسلمون والمنشآت الإسلامية في الدول الغربية من اعتداءات عنصرية يتصاعد تعدادها عاما بعد عام، بينما يوجد احتمال كبير أن السلطات لا تعلن الأرقام الحقيقية حولها، وتهون من شأنها، فضلا عن اتخاذ إجراءات فعالة للحيلولة دون المزيد منها. وقد بدأ ينتشر الحديث إعلاميا عن تراخي السلطات إزاء الاعتداءات العنصرية على منشآت المسلمين كالمساجد، ومثال ذلك من ألمانيا: ما تبث إذاعة “دويتشلاند فونك – الثقافية” أخباره تباعا (٣١).

 

العمل والتأمينات الاجتماعية

من المعروف على المستوى الداخلي في الدول الغربية أن العنصر الحاسم في العلاقة بين المسؤولين في السلطة السياسية والناخبين هو الوضع المعيشي المادي، وهذا بالذات ما تعتمد عليه الدعوات الشعبوية في استقطاب الأنصار، لا سيما في فترات الركود الاقتصادي المتعاقبة، ومكافحة الركود التي تشمل كالمعتاد في الأنظمة الرأسمالية إجراءات تقشف واسعة على حساب الطبقة العاملة وعلى حساب التأمينات الاجتماعية، فهنا تزداد الفرصة أمام تنشيط الخطاب الشعبوي، مع ملاحظة أنه يعتمد على طرح حلول شمولية، دون الاستناد إلى مخططات مدروسة وآليات عملية.

في هذا الإطار كانت حملات التشدد والتطرف اليمينيين في التسعينات من القرن الميلادي العشرين، أي عندما بدأت الدول الرأسمالية الغربية تتشدد (الليبرالية المتوحشة) عقب انهيار الشيوعية، وتكررت تلك الحملات من بعد لتجييش فئات شعبية متضررة ماديا وتعبئتها ضد “الآخر”، والآخر هنا هو المسلم الأجنبي، الوافد ومعه كل من يشبهه بملامحه أو يشاركه في معتقده.

ولا يستبعد أن تجد هذه الحملات قريبا وقودا إضافية مع ارتفاع نسب البطالة كإحدى نتائج جائحة الفيروس التاجي كوفيد – ١٩ في القطاع الاقتصادي، وهذا بعد أن حدّ من فعالية تلك الحملات في السنوات السابقة تصاعد الحاجة المصيرية اقتصاديا، إلى ذوي الكفاءات المهنية من الشبيبة من خارج الحدود، نتيجة تناقص نسبتها السكانية محليا، وهذا بدوره نتيجة انعكاس تطور هرم توزع الفئات العمرية لصالح المتقاعدين والمسنين عموما، على حساب القادرين على العمل في معظم البلدان الغربية (٣٢).

وبتكليف المنتدى الأوروبي لدراسات الاندماج في جامعة بامبيرج Bamberg في ألمانيا، أُعدّ بحث من ٨٨ صفحة ونشر إحصاءات تفصيلية تكشف عن وجود “تمييز عنصري بسبب الانتماء الديني الإسلامي” على نطاق واسع في قطاعات العمل على مختلف الأصعدة، وتوجه المسؤول عن الدراسة ماريو بويكر بتوصيات عديدة للدولة من بينها مثلا: «ينبغي على المشرعين والفاعلين السياسيين والشركات والنقابات أن تعيد النظر في القوانين والأنظمة ذات العلاقة» (٣٣).  

ويدحض ذلك ما انتشر من حملات يمينية متطرفة منذ التسعينات الميلادية الماضية، محورها الزعم القائل إن المسلمين يشغلون أماكن عمل السكان الأصليين، وهو زعم يتضمن مغالطات عديدة، من بينها تعويم وصف المسلم بالأجنبي، مع أن نسبة عالية من المسلمين هم من السكان الأصليين، ومن المتجنسين، ومن مواليد الوافدين سابقا.

وهنا – بغض النظر عن المغالطات – تشير الدراسة المذكورة وسواها إلى القصور في بيان المعلومات المحضة، بما فيها الإحصاءات الرسمية، مما يشمل سوق العمل والتأمينات الاجتماعية وكذلك معدلات ارتكاب الجرائم سنويا.

وفي الواقع كان من النادر أن تتحدث السلطات الرسمية عن ذلك لتدحض الادعاءات المتشددة والمتطرفة، إلا في حالات المساءلة النيابية أو عندما يتسع نطاق الاعتداءات وتزداد أخطار ممارسة العنف، فآنذاك يسارع المسؤولون إلى التهدئة بتصريحات تستند إلى إحصاءات رسمية، كما كان في ألمانيا في التسعينات الميلادية، عبر الكشف عن أرقام إحصائية تؤكد أن فئة “الأتراك المسلمين” المعنية بالاتهامات آنذاك تسدد من رسوم التأمينات الاجتماعية أكثر مما تتلقاه من الدعم الاجتماعي القانوني، فيبقى فائض بالمليارات سنويا، هو الذي يغطي النقص في موازنة التأمينات لصالح “أهل البلاد الأصليين”، كما أن المستثمرين وأصحاب العمل من تلك الفئة من المسلمين يوجدون مئات الألوف من أماكن العمل التي يشغلها “أهل البلاد الأصليون”.

وشبيه ذلك تكرر مع تصاعد الحملات المتطرفة بصدد موجة الهجرة عام ٢٠١٥م والتي كان نصيب ألمانيا منها كبيرا بالمقارنة مع دول أوروبية أخرى، وتقول أسبوعية دي تسايت في تحقيق بقلم تينا جرول وكاترينا شولر نقلا عن المسؤولين: «في الوقت الحاضر (٢٠١٩م) بلغت نسبة العاملين من اللاجئين ٣٥ ٪ وتسعى الدائرة الاتحادية للعمل لكي تصل هذه النسبة عام ٢٠٢٥ إلى ٥٠ ٪» (٣٤).

 

شعبوية رسمية أمريكية

ما سبق ذكره عن الفاتيكان وتحذيره من زيادة انتشار الإسلام وارتفاع أعداد المسلمين عالميا يتكرر من جانب جهات عديدة، منها مراكز بحوث أمريكية مثل مركز بيو للأبحاث كما ورد فيه بصيغة دراسة استطلاعية عام ٢٠١٧م بقلم ميشيل ليبكا بعنوان “المسلمون والإسلام: النتائج الرئيسية في الولايات المتحدة الأمريكية وعالميا”،

وقد توقع الباحث أن يصبح الإسلام هو الديانة الكبرى عالميا ٢٠٧٠م، والبحث حافل باستطلاعات منها ما يركز تحديدا على مدى متانة الانتماء الأمريكي للمسلمين في أمريكا وعلى موقفهم من الإرهاب، بينما يذكر أحد الاستطلاعات الواردة فيه أن حوالي نصف الأمريكيين (٤٩ ٪) يعتقدون أن “بعض” المسلمين الأمريكيين على الأقل معادون لأمريكا، وفقًا لاستطلاع من كانون الثاني / يناير ٢٠٠٦م (٣٥).

وانطلاقا من منظور “إسلامي حركي” يقول الكاتب أمين شعبان أمين المقيم في رومانيا في كتابه بعنوان “الاستراتيجية الأمريكية تجاه حركات الإسلامي السياسي في مصر”، بوجود من يرى غياب استراتيجية أمريكية تجاه الإسلام والمسلمين، ولكن يؤكد من جانبه وجودها ويعتبرها متبدلة من رئيس أمريكي إلى آخر (٣٦)، وفي هذه الرؤية وجهة نظر لعل مصدرها معايشة الإسلاميين، وبالذات جماعة الإخوان المسلمين في مصر، للفارق بين سياسات الرئيسين الأمريكيين باراك أوباما ودونالد ترامب، إنما يصعب اعتبار ذلك استراتيجية، لا سيما وأن من المعروف عن ترامب تخصيصا أنه أقرب إلى إهمال ما تقول به مراكز البحوث والدراسات أو ما يوصف بمصانع الفكر والقرار في الولايات المتحدة الأمريكية.

أما على صعيد الممارسة السياسية الشعبوية المحضة خارج نطاق استراتيجية محكمة، فقد اتسع نطاق الحديث عن ذلك في أوروبا مبكرا مع وصول جان ماري لوبان رئيس حزب الجبهة الوطنية إلى المرتبة الثانية في الانتخابات الرئاسية الفرنسية عام ٢٠٠٢م، وتكرر الحديث باهتمام أكبر مع استلام دونالد ترامب بأسلوبه الشعبوي الرسمي والصارخ منصب الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية مطلع عام ٢٠١٧م، فأصبح – كما سبقت الإشارة – مصدر إلهام للمتطرفين والشعبويين في أوروبا، مثل الكاتب “ميشائيل لاي” الألماني وحديثه في النمسا عن بداية حركة الاسترداد في أوروبا، في إشارة إلى ما يوصف به تحرير أسبانيا من المسلمين (٣٧).

ولم تكن هذه اللحظات المعاصرة واللافتة للأنظار في مسار الشعبوية والتطرف وليدة ساعتها، ولا تنفصل عن أدوار سابقة للطبقة السياسية الأمريكية في صناعة الرهاب والتطرف تجاه الإسلام والمسلمين.

الأهم من ذلك أن تصريحات ترامب العدائية للإسلام والمسلمين وقضاياهم عموما (فلسطين مثال صارخ ومباشر) قد صنفتها جهات عديدة تحت عنوان “سياسة شعبوية” خاصة به، مع تأكيد أن القرار السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية تصنعه المؤسسات، ولكن هذا تبرير ضعيف الحجة، فترامب هو مؤسسة رئاسة الدولة في بلده، وهو- بغض النظر عن أسلوب خطابي خاص به – لا يمثل نفسه فقط، ولا يمثل حزبا شعبويا أو حزبا مصنفا تحت عنوان اليمين المتطرف، بل ارتبط وبقي مرتبطا بحاضنة مؤسساتية أخرى راسخة منذ زمن طويل، وهي حزب الجمهوريين، أي أحد الحزبين السياسيين الكبيرين والعريقين في بلده، وهذا رغم ما نشب من نزاعات ومناكفات بين ترامب وعدد من “رفاق دربه” وحتى ابنة شقيقه “ماري ترامب”، حول بعض التفاصيل وأساليب العمل.

وعلى وجه أوسع نطاقا يمكن القول، إن ما نشره نجل ترامب في منصة “إنستجرام” مطلع ٢٠٢٠م، وشمل صورته مع بندقية عليها وسم “شعار الحروب الصليبية” (٣٨)، لا ينفصل عن ممارسة ترامب لمهام الرئاسة بأساليب شعبوية عدائية للمسلمين في حدود ما سبق إعلانه أثناء حملته الانتخابية ٢٠١٦م بما في ذلك “الحرب المقدسة” على ألسنة مساعديه في الحملة (٣٩)، وهذه بدورها حلقة تالية لما مارسه بوش الابن وعبر عنه بكلمة “الحروب الصليبية” أكثر من مرة بعد عمليات التفجير في نيويورك وواشنطون ٢٠٠١م (٤٠)، فلا ينبغي اعتبار العداء الشعبوي في العقد الثاني من القرن الميلادي الحادي والعشرين حدثا جديدا منفصلا عن مجموع مسار تشويه صورة الإسلام والمسلمين في الآداب كالقصص والفنون وأفلام هوليوود والإعلام وحتى الكتب المدرسية، ثم  الرهاب من الإسلام لا سيما عبر مراكز الفكر ودور النشر ووسائل الإعلام، وحتى العداء الشعبوي الرسمي، وهذا ما يشمل معظم البلدان الغربية.

المبحث الثالث

ملامح استراتيجية لمواجهات حضارية وعقدية؟

 

الاستراتيجية

رغم كثرة ما يكتب عن التعامل الغربي سياسيا مع الإسلام والمسلمين، يمكن أن نفترض أنه لا يرقى من ذلك إلا القليل من ذلك إلى مستوى الانطلاق من صياغة استراتيجية محكمة في هذا الميدان بالذات، بغض النظر عن اعتماد التخطيط الاستراتيجي في معظم شؤون الدولة والمجتمع في الغرب.

المقصود هو غياب تلك الاستراتيجية بمعايير المفهوم الاصطلاحي للكلمة، وقد تجاوز هذا المفهوم النشأة الأولى له في القطاع العسكري، فتعددت محاولات التعريف لاحقا، ومن ذلك ما ورد في قاعدة البيانات الشبكية المفتوحة باسم “الموسوعة السياسية / political Encyclopedia”: «الاستراتيجية strategy مصطلح يوناني الأصل شائع الاستعمال، واسع المعنى متعدد الوجوه، ارتبط بفن الحرب وقيادة القوات العسكرية من الناحية التاريخية، ثم اتسعت مضامينها على فترات متلاحقة نتيجة تراكم الخبرات والمعارف حتى أصبحت ميزة للتفكير العالي المستوى، المسيطر لتحقيق الغايات الكبرى والمصالح السامية لمن يتخذ الاستراتيجية نمطا تخطيطيا لتحقيق أهدافه» (٤١).

وتوجد محاولات أخرى لتعريف الكلمة ويُستخلص منها ما يمكن اعتماده في هذه الدراسة أن الاستراتيجية العليا هي الجهود المتشابكة للتقدير والتنمية والتخطيط والحشد والتطوير لأسباب القوة والإمكانات المتوافرة والطاقات الممكنة، لتحقيق أهداف شاملة بعيدة المدى أو بعضها. من هذا المنطلق شبه الاصطلاحي يُطرح السؤال: هل توجد استراتيجية أو استراتيجيات غربية للتعامل مع “الظاهرة الإسلامية” بمختلف تجلياتها؟

ومع تجنب الخوض فيما يقال عن مخططات استراتيجية كبرى توضع وراء ستار، وربط ذلك بتنظيمات توصف بحكومة العالم الخفية، كمؤتمرات بيلدربيرج  Bilderbergوغيرها، فبعيدا عن ذلك يمكن القول حول التعامل الغربي مع الظاهرة الإسلامية إنه لا توجد بصدده أطروحة محكمة وذات أبعاد استراتيجية شاملة، أوسع نطاقا مما سبق وصفه بالطرح الاستراتيجي الصادر عن مؤسسة “راند RAND research and development” عام ٢٠٠٧م، وكان في ثلاثة بحوث متكاملة، نشرت تباعا تحت عناوين “إسلام ديمقراطي مدني” و”العالم الإسلامي بعد ١١/ ٩” و”بناء شبكات إسلامية معتدلة” (٤٢).

فيما عدا ذلك يمكن عبر البحث أن نجد كثيرا من الرؤى التحليلية، التي تُنسب إلى جهات رسمية غربية وإلى مؤسسات بحثية استشارية أو مقربة من جهات رسمية غربية – مثل كارنيجي / Carnegie وبروكينجز / Brookings وغيرهما، ولكنها لا ترقى إلى مستوى استراتيجيات عليا، إن صدور مقالات إعلامية متميزة حول الموقف من الإسلام والمسلمين، عن بعض الدارسين في تلك المراكز البحثية وسواها (٤٣)، لا ينفي عدم صدور دراسات محكمة عنها، وذلك منذ الدراسات الصادرة عن مؤسسة “راند” قبل عام ٢٠١١م.

والجزم بذلك يحتاج لبحث منهجي قائم بذاته، ولا ينفي الانطباع بأن غالب ما انتشر من تحليلات وتقارير تحليلية يركز على التعامل مع بعض الجوانب التي ربطت بالظاهرة الإسلامية، كالإرهاب الذي ينتحل عنوانا إسلاميا، أو الحركات الإسلامية التي كان الغربيون يصنفونها تحت عنوان الاعتدال وأصبحت في تصنيفاتهم متطرفة، أو تناولت حتى بعض البلدان الإسلامية رغم ارتباط أنظمة السلطة فيها بالدول الغربية الرئيسية، وقد وجد هذا الطرح منذ ظهوره كرؤية استراتيجية من جانب مؤسسة “راند” اهتماما ملحوظا ومتابعة متكررة في كتابات عربية عديدة، ولعل ذلك التكرار ناجم عن عدم وجود سواه بقيمة رؤية استراتيجي، وكان أول صيغ الاهتمام على الأرجح وربما أشملها مضمونا، كتاب د. باسم خفاجي “استراتيجيات غربية لاحتواء الإسلام”، ومن المحاور المذكورة فيه التأكيد أن المطلوب أمريكيا هو بناء شبكات من التيارات العلمانية “المسلمة”، وضرورة أن يكون توصيف الاعتدال وفق مفهوم أمريكي غربي وليس المفهوم الإسلامي (٤٤).

غياب البعد الاستراتيجي

شتيفان بوخن الكاتب والباحث الإعلامي الألماني المرموق يؤكد اضمحلال الطرح الاستراتيجي الغربي أو غيابه في المنطقة، ويلقي الضوء على أسباب ذلك، فيقول:

«مسألة تفكير الغرب في شكل الحكم الذي من شأنه أن يكون الأفضل لبلدان الشرق، واحدة من تقاليد الاستشراق الراسخة منذ حملة نابليون على مصر، بيد أن تصورات الغرب عن طبيعة السلطة المثالية في الشرق لم تتغير بهذه الكثرة وهذه الجذرية كما حدث في السنوات الخمس عشرة الماضية إطلاقا» ويضيف:

«لقد أطاح الغرب بمصداقيته في الشرق الأوسط لعدة أجيال قادمة من خلال مغامرة العراق في سنة ٢٠٠٣». ويختم بقوله:

«هناك احتمال كبير بأن يضطر الغرب قريبا لأن يبتدع من جديد أفضل نموذج ممكن للدولة في الشرق. ولكن من المحتمل أيضا ألاّ تسعفه قواه بعد الفشل المرجح للشراكة المصيرية الحالية (يقصد التحالف الدولي ضد داعش) وربما ستتوقف أخيرا هرمجة (في الأصل الألماني: أرجوحة Karussell) إنتاج الأفكار في وزارات الخارجية ومراكز الأبحاث والدراسات عن الحركة» (٤٥).

وهذه محاولة من عام ٢٠١٥م لبيان أسباب غياب رؤية استراتيجية متكاملة منذ بضعة عشر عاما، ويشهد على ما ورد فيها ما كان يطرح قبلها بزهاء ٨ سنوات عن الافتقار إلى تلك الاستراتيجية، وكانت تشكو من ذلك جهات أمريكية يفترض أن تكون هي مصانع الفكر ومحاضن الاستراتيجيات المتجددة، كما يفترض أن تطرح ما لديها لمواكبة حدث بحجم موجة التحركات العسكرية الأمريكية في العقد الأول من القرن الميلادي الحادي والعشرين، وبدلا من ذلك يذكر تقرير معهد السلام الأمريكي في واشنطون عام ٢٠٠٧م:

«بعد قرابة خمس سـنوات من أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول ٢٠٠١، ما زالت الولايات المتحدة تفتقر إلى استراتيجية متكاملة ومستدامة لمجابهة التطرف الديني في العالم الإسلامي. فالتحديات في العراق وعدم اسـتقرار الوضع في أفغانستان تثير الشكوك حول قوة الزخم الحالي “للحرب العالمية على الإرهاب”. بل إن فرص نجاحات الإسلاميين المتشددين في الانتخابات البرلمانية تضعف من الأمل في أن تشجيع الديمقراطية سـيقود إلى أنظمة معتدلة وعلاقات طيبة مع الولايات المتحدة. كما أن مساعي كسب “القلوب والعقول” من خلال الدبلوماسية العامة لم تتمخض عن نتائج ملموسة» (٤٦).

مقابل ما تشكو منه جهات أمريكية معتبرة، يبدو أن ما ينشر في أدبيات سياسية عربية عن وجود استراتيجيات غربية عليا في التعامل مع الظاهرة الإسلامية، لا يستند إلى معلومات موثقة، بل هو حديث تحليل يستنبط ما قد يشير إلى ذلك مما يتم رصده من أقوال، ومن أحداث تجري علنا على أرض الواقع، وهذا من قبيل الطرح التحليلي الذي يكتسب المصداقية بقدر التزامه بقواعد البحث المنهجية، وبقدر ما تثبت الوقائع صحة استنتاجاته.

تناقض الاستراتيجية والعشوائية مع التأكيد المتكرر على غياب استراتيجيات برؤية شاملة وأهداف واضحة وآليات فاعلة يبقى السؤال عما تعنيه استمرارية الممارسات العدائية حصارا وحربا وتدميرا وحملات إعلامية وفكرية وثقافية! وقد يحسن تجنب تعبير الاستراتيجية والأخذ بوصف من قبيل الفلسفة السياسية لأصحاب السلطة وصناع القرار، على حد تعبير مراسل بي-بي-سي بالعربية أنطوني زورتشر في إطار متابعته لتصريحات دونالد ترامب ومساعديه فيما يتعلق بالإسلام والمسلمين (٤٧).

إذا كانت الاستراتيجيات العليا في الأصل حصيلة تقدير منهجي وفكر منطقي يضعها الباحثون من أصحاب الرؤى الشاملة والاستشرافية إلى ما وراء أفق الواقع، فإن السعي دون جدوى لربط الوقائع المنظورة في التعامل الغربي مع الإسلام والمسلمين بوجود استراتيجية عليا، يضعنا أمام خيارين، إما أنها استراتيجية عدوانية فاسدة لا يستثني ضررها حتى من يطرحونها وينطلقون منها، فلا يفيد معها بحث علمي يلتزم بقواعد المنطق الإنساني والفكري والسياسي، أو أن الوقائع العدوانية صادرة عن ردود فعل من صنع أوهام ذاتية بدءا بما يصنعه الرهاب من الإسلام انتهاء بما يصنعه توهم القدرة الذاتية على فرض الهيمنة بلا حدود والسيطرة العالمية إلى ما لا نهاية، وهذا أمر مستحيل كما يشهد مجرى التاريخ البشري وسنن التغيير وما يذكّرنا به حدث من قبيل موجات ربيع الثورات العربية أو من قبيل جائحة الفيروس التاجي المستجدّ ٢٠٢٠م.

إن التدليل على غياب رؤية استراتيجية عليا، متكاملة ومستدامة، لا ينفي ما يقع علنا على أرض الواقع، بل يعني التدليل على عشوائية شن الحروب العسكرية وغير العسكرية على الإسلام والمسلمين في العالم وفي بلدان إسلامية متعددة، وتصعيدها المتواصل.. إلا إذا كان التدمير العشوائي بسبب عقدة الرهاب من الإسلام هو ما يوصف بالاستراتيجية المعتمدة رسميا. 

عنصرية “حضارية”

الأجدى من الخوض في البحث عن استراتيجية متكاملة الأركان، العمل على استخلاص معالم كبرى باستقراء واقع ما يجري، ومحاولة تصنيف تلك الوقائع لتثبيت أركان رؤية شاملة مقابلة، للتعامل مع العشوائية العدوانية، مع العلم أنها تستخدم مختلف الوسائل، وقد تمتد لعدة عقود في نقلة سيولية من عقود سابقة، وأن الظاهرة الإسلامية المستهدفة تشمل شعوبا ودولا وثروات وثقافة وفكرا ومناهج.. كما تشمل الدين عقيدة وقيما وتربية وسلوكا.

من خلال الخوض بالبحث “منهجيا” في واقع ما تمثله عشوائية العدوانية الغربية، يمكن التركيز على استخلاص أهم عناصرها ابتداء بالسؤال:

هل يمكن الحديث عن بعد حضاري فيها؟

في كتابها الصادر عام ٢٠١٨م: الإسلام “العدو المفضل”، تعدّد الباحثة الألمانية بيترا فيلد مختلف الأبعاد التاريخية والثقافية والحضارية، والممارسات السياسية والعسكرية على أرض الواقع، والتي يمكن أن تشكل معا عناصر شبكة فكرية وعملية لرؤية غربية شاملة مفترضة، ونتوقف هنا عند ما يتعلق من ذلك بالبعد الحضاري، وهو العنصر الأهم في الكتاب، وتطرحه المؤلفة من زوايا متعددة في أكثر من فصل من فصول الكتاب الخمسة عشر:

١- في الفصل الرابع يدور الحديث حول تغلغل العنصرية نظريا وتطبيقا في مسار الحضارة الغربية تاريخيا، والوصول بذلك حتى إلى تطبيق منظومات قيم غربية إيجابية مثل حقوق الإنسان، تطبيقا يستهدف ديمومة السيطرة والهيمنة العالمية على الآخر.

٢- في الفصل السابع تناقش الكاتبة أطروحة هنتنغتون حول صدام الحضارات، وتتابع كيف كان التعامل الغربي معها يتجاوز الجوانب الفكرية والنظرية، وتمضي إلى اعتباره هو العقل المدبر وراء التمييز العنصري ضد المسلمين حديثا.

٣- في الفصل الثامن تفصل المؤلفة في الواقع المعاصر للتمييز العنصري في تعامل الغرب مع الإسلام والمسلمين وتؤكد أنه ما زال يُصنع صنعا داخل المجتمعات الغربية باستخدام أدوات ثقافية وسياسية للتأثير عليها، فتشير على سبيل المثال إلى انفتاح الإعلام الغربي حديثا على التعرض للإسلام أكثر مما مضى، ولكن اقترن هذا الانفتاح في غالب الحالات بالتركيز على مناقشة مواضيع جدلية وشاذة، مثل ما يسمى “القتل دفاعا عن الشرف” أو “الزواج بعد الاغتصاب” أو “ترويج الكراهية في بعض المواعظ” مما يساهم في ترسيخ نشر صور عدائية عند الشعوب الغربية (٤٨).

الجدير بالذكر أن ما تطرحه بيترا فيلد في هذا الكتاب يكتسب لوحة متكاملة الأفكار، لا يغيب طرحها عن الأدبيات الفكرية الغربية الحديثة، ولكن قليلا ما تجتمع في كتاب واحد وتكون بأداء لغوي يصلح لتجاوز النخبة الفكرية إلى العامة في الغرب.  

ويمكن القول تبعا لذلك إن التطور العلمي والتقني يمثل مسيرة متتابعة لا تنقطع في التاريخ البشري وإن تبدلت الرايات الحضارية، وهنا يبدو تغلغل العنصرية في مسارات الحضارة الحديثة المهيمنة، إشكالية مرضية تجعلها حضارة احتكارية، لا تتورع عن استخدام العنف للحفاظ على ما تملك، فبدلا من التلاقح الحضاري أصبحت سجينة منطلق أناني فهي تخشى من ظهور مؤشرات قيمية تنذر بحلقة تالية من تعاقب الحضارات، وهذا ما يعتبر أعمق مفعولا من الرهاب المرضي، في تعليل عدائية التعامل مع الإسلام والمسلمين.

عقدة عقائدية استشراقية

السؤال التالي الجدير بالطرح في البحث عن نسيج شبكة رؤية متكاملة مقابل التعامل الغربي العدائي المتصاعد هو السؤال عن الجانب العقائدي، أو وفق الكلمة المعربة لفظا: “الإيديولوجيا”، التي طالما يتردد انتساب الأديان لها، وأنه انقطع تأثيرها في عالم المصالح الحداثي، ووفق ضوابط العلاقات الحضارية والإنسانية فيه.

يمضي بعض الباحثين إلى اعتبار أنّ الرهاب من الإسلام بحد ذاته أصبح مبدأ عقائديا لدى السلطات في الولايات المتحدة الأمريكية ودول غربية أخرى، وأن ما يصدر عن ذلك من ممارسات سياسية وغير سياسية يصل إلى درجة التمييز العنصري.

وإذا أردنا تصنيف ذلك في نطاق ملامح “استراتيجية” غربية ما، يمكن اعتماد ما يقول به الباحث البريطاني، ومؤلف كتاب “المسلمون قادمون The Muslims are coming!”، والأستاذ المساعد في جامعة نيويورك آرون كوندناني:

«في السنوات الأخيرة من الحرب الباردة وما بعدها، تم رسم الإرث الاستعماري الأوروبي عن الاستشراق كمستودع من الأساطير لبناء عدو إيديولوجي جديد. فبدلا من رؤية الحركة الوطنية الفلسطينية كحركة نضال وكفاح ضد الاحتلال العسكري، أصبح مناسبا لهم أكثر التفكير بأن العرب متعصبون أساسا، وبكلمات أخرى، المشكلة هي “ثقافتهم” (ثقافة العرب)، وليست “سياستنا”. ومع الحرب على الإرهاب، أصبح الخطاب معمما على كل المسلمين، وأصبح دينهم بطريقة ما عرضة للعنف على نحو خاص. مفردات “الإرهاب”، “التطرف”، “الراديكالية” طبقت عليهم بشكل انتقائي لكي يتم ربط المسلمين بشكل ممنهج مع العنف الناشئ عن التعصب. وبالتالي العنف الخاص بالحكومة الأمريكية – التعذيب، وأهداف الطائرات من دون طيار، والغزوات العسكرية، وغيرها – يمكن أن تكون طبيعية حين ذاك بسهولة».

ويضيف: «الإسلاموفوبيا الأمريكية بالتالي تتضمن، من بين أشياء أخرى، تسييس معارضة المسلمين للإمبريالية، والتبني الثقافي للصراع بين “الإسلام” و”الغرب”، وإزالة الشرعية الإنسانية عن العنف الممارس بحق المسلمين، ما أنتج أعدادا كبيرة من الوفيات في أفغانستان، العراق، باكستان، فلسطين، الصومال، اليمن وغيرها».

ويؤكد آرون كوندناني أن القطاع الأكاديمي أيضاً في الولايات المتحدة الأمريكية لم يعر الكثير من الاهتمام بالارتباطات التاريخية بين العنصرية والإمبريالية، ولم يقم بتحليل التفاعل الحاصل بين الإسلاموفوبيا والحرب على الإرهاب (٤٩).

دون الخوض في التفاصيل ومع تجاوز محددات هذه الدراسة اضطرارا، قد يؤخذ على المكتبة العربية الإسلامية بالمقابل غلبة الجانب الدعوي على جانب البحث العلمي في التعامل مع الخلفيات العقائدية والحضارية والنهضوية للعلاقات الغربية – الإسلامية، وهذا ما لا ينبغي تبريره بالعدوانية الغربية، فردود الأفعال الخطابية وحدها لا تفيد كثيرا.

على جميع الأحوال لا يصح بالمقابل الطرح القائل إما الخطاب الدعوي أو النظرة المنهجية، فلكل منهما دور ومجال، كذلك لا يمكن القبول بأسلوب الاكتفاء بالحديث عن زلات ألسنة، أو التهوين من شأن المقصود ودون السؤال عن مدى تأثير المعتقدات الذاتية على السياسات والممارسات وتصاعد العداء فيها، عندما تتكرر عبارات من قبيل الحرب الصليبية العاشرة، على ألسنة كبار المسؤولين وصناع القرار في الغرب.

في المكتبة العربية نجد كتاب “كراهية الإسلام – كيف يصور الاستشراق الجديد العرب والمسلمين”، الذي يركز على إشكالية الخلفية العقائدية الغربية من بين عناصر الرؤية الفكرية السياسية للتعامل مع الإسلام والمسلمين، وهو بقلم المؤلف في الأدب والفلسفة والاستشراق، الإعلامي الفلسطيني في الأردن، فخري صالح، ويتناول العنصر العقدي من مدخله الاستشراقي الحديث فيعتبره على ضعف المستوى الفكري والبحث فيه هو المحرك المحوري في السياسات الغربية، لا سيما الأمريكية.

يقول الكاتب في مقدمة كتابه: «أما ما سميته “الاستشراق الجديد”، أو بالأحرى “الاستشراق الراهن”، ممثلا في كتب برنارد لويس الدعوية الأخيرة، وتنظيرات صموئيل هنتنغتون، وسياحة الكاتب الترينيدادي الأصل والبريطاني الجنسية والثقافة، في. إس. نايبول (فيديادر نيبول Vidiadhar Naipaul) في العالم الإسلامي، فهو يتسم بالسطحية، وتغلب عليه الصور النمطية، والتحليلات المستمدة من مصادر ثانوية، إنه “استشراق” ذو أغراض وغايات أيديولوجية فاقعة ومفضوحة».

ويتابع قائلا: «أما النسل الجديد من المستشرقين… فهو يسعى إلى بيع معرفته وخبرته للسلطة، لوزارة الخارجية الأمريكية، للسي آي إيه، لمراكز صنع القرار في أمريكا والغرب، لتوفير معرفة نظرية (؟) يمكن من خلال الاستعانة بها اتخاذ قرارات التدخل وشن الحروب على مناطق ذات أهمية حيوية بالنسبة للولايات المتحدة».

ثم يقول: «ومع أنني لا أؤمن أن الأفكار وحدها يمكن أن تقود إلى صناعة السياسات، فثمة عوامل اقتصادية وسياسية وجيو-استراتيجية وثقافية تقيم في صلب هذه السياسات، إلا أن أفكار لويس هنتنغتون والمحافظين الجدد، إضافة إلى صحفيين وكتّاب رأي وباحثين في بيوت الخبرة الأمريكية، قد صنعت رأيا عاما في الأوساط اليمينية المتطرفة كانت نتيجتها انتخاب رئيس أمريكي شعبوي، معاد للثقافة، معاد للتجربة الديمقراطية الأمريكية، كاره للأجانب، محتقر للنساء، قد يجرّ العالم إلى كارثة، وربما مواجهة نووية» (٥٠).

 

والحصيلة:

صحيح أن للمصالح المادية دورها ولكن للتأثير العقائدي دوره أيضا في الرؤية الشاملة والفاعلة من وراء السياسات والممارسات الغربية العدائية تجاه الإسلام والمسلمين، مهما تردد من حديث موجه إلى الطرف الآخر، أي المسلمين، من جانب طرف غربي أو من داخل نطاقهم، عن نهاية عصر الإيديولوجيات!

المبحث الرابع

معطيات ومنطلقات للتحرك فكريا

 

منذ مطلع القرن الميلادي الحادي والعشرين يتمحور التعامل الغربي مع الظاهرة الإسلامية، على استهداف عدائي متصاعد لمختلف تجلياتها، الدينية العقدية والتاريخية والتجديدية، والنهضوية الفكرية والعلمية والثقافية، والتنظيمية القويمة والمنحرفة وما يوصف بالاعتدال أو التطرف، وكذلك تجلياتها الشعبية على المستويات المعيشية والسلوكية والقيمية والتربيوية، كما ينبغي التأكيد أيضا أنه استهداف يتجاوز ما يوصف بالظاهرة الإسلامية بالمعنى الضيق للكلمة، ويعمل لعزلها عن محيطها الحضاري، من جهة عبر تكوين بيئة سلبية تجاهها، ومن جهة أخرى عبر شمول العداء أصحاب توجهات غير إسلامية وحتى الأنظمة المرتبطة بالغرب، إرهاقا وتطويعا، وتحريضا على الشعوب وعلى بعضها بعضا.

من العسير أثناء المواجهات استشراف ما سيأتي بدقة كافية في حدود المستقبل المنظور، فما الذي يمكن التحرك به للتعامل مع تلك المواجهات؟

لمحاولة الإسهام في الإجابة على هذا السؤال تطرح السطور التالية بعض المعطيات والمنطلقات على الصعيد الفكري، نحو إيجاد شروط أولية لأي خطوة أو آلية عملية تهدف إلى الحد من التعامل العدائي الغربي ضد الظاهرة الإسلامية، ومن خلال ذلك ضد مجموع الدائرة الحضارية الإسلامية تاريخيا (على حد تعبير أحمد صدقي الدجاني رحمه الله) هذا مع التنويه بافتراض العمل بجهود متوازية لإيجاد تلك الشروط أو تحسينها، بغض النظر عن ترتيبها فيما يلي.

 

التواصل

إن التحرك تحركا منهجيا فاعلا، مطلوب لأداء مهمة على مستوى عالمي، وإن بقي ذلك في الميدان الفكري تخصيصا، فهل يمكننا التحرك دون التمهيد بجهود أكبر مما مضى، لترتيب البيت الداخلي كما يقال، بمعنى الدائرة الحضارية المشتركة التي ننتمي إليها انتماءً متعدد المشارب، ينعكس في تعدديتنا، التي صنعها تاريخنا المشترك، وهي جزء من واقعنا المشترك، ولا بد أن نتعايش معا ومعها، فلن تغيب في المستقبل القريب ولا البعيد، حسب ما تقتضيه نواميس الكون والتاريخ.

ويفرض المطلوب منا في المجال الفكري استخدام الوسائل الممكنة والمناسبة، وهي وسائل يُعتبر عنصر التواصل محورها الأول، سواء للتحرك في نطاق دائرتنا الحضارية، أو للتحرك تجاه الآخر حضاريا، ومن أجل العمل للتعايش هنا وهناك، وهذا هو المطلوب في نطاق التمايز الحضاري قيميا، ويفترض أن يكون مطلوبا كذلك بمنظور من يعطي القيم الحضارية الغربية منزلة “قيم عالمية” مع إعطائها الأولوية على ما عداها، تحت عنوان العلاقات الإنسانية الأوسع – في تقديره – مما ندعوه التلاقح الحضاري.

التواصل مطلوب للعمل على تحقيق أي تأثير إيجابي أو سلبي على “الآخر” من وراء الحدود، الجغرافية والثقافية والقيمية وغيرها، فبدون التواصل، تنعدم قيمة التحرك، ويبقى وهم قابلية التأثير عن بعد على نخبة “الآخر” الفكرية وما يشابهها من نخب ذات تأثير مجتمعي.

ولا يستقيم التواصل ويتحقق الهدف منه دون الاحترام المتبادل، والحرص على التعرف على ما يراه “الآخر”، كالحرص على وضوح ما يطرح عليه. ولا يتنافى ذلك مع التطلع إلى دفع تلك النخب لتساهم في العمل للحد من عدوانية التعامل الغربي مع الظاهرة الإسلامية وما يتصل بها، ناهيك عن التطلع إلى التلاقي الفكري والثقافي والقيمي الأوسع نطاقا، لزراعة بذور التلاقح الحضاري، فالتواصل مفتاح كل انفتاح مرجو في الأوساط الفكرية والثقافية والإعلامية وتغليبه على الانغلاق أو العداء.

 

عوائق

يفترض أن يكون أي تحرك يصدر عنا تجاه “الآخر” حضاريا، تحركا مشتركا يحمل الجميع المسؤولية عنه وما يترتب عليه، بدلا من التحرك فرادى وجماعات متعددة، وهذا ما يستدعي الجمع لدينا بين التعددية دون إقصاء، وبين التلاقي على قواسم مشتركة، في وقت واحد، والبداية إلى تحقيق ذلك هو ميدان الأفكار والتصورات الكبرى في نطاقنا الحضاري المشترك.

بمفهوم الانتساب الحضاري المشترك وليس العقدي تحديدا، انطلقت مبادرات عديدة من الطرف الإسلامي، تضمنت الانفتاح على الآخر، محليا وعالميا، بأبعاد فكرية وحضارية، وإن توقف بعضها، أو أوقف، ومن تلك المبادرات مثلا:

المركز العالمي للوسطية في الكويت، المعهد العالمي للفكر الإسلامي في الولايات المتحدة الأمريكية، برنامج حوار الحضارات في القاهرة، مجلة الأمة ثم كتاب الأمة في الدوحة، وغيرها. وبغض النظر عن النجاح والإخفاق، والتوقف أو الاستمرار مع تطوير هيكلي للعمل، فلا يستهان بعطاء هذه المبادرات وما حققته في عقدين ماضيين، وهو ما يؤكد أهمية دراسة مساراتها كتجارب يُستخلص منها ما يفيد في تطوير ما لا يزال مستمرا منها، وفي طرح مبادرات جديدة، والإقدام على خطوات تالية.

وفيما يلي أمثلة عما كان من إنتاج فكري على امتداد عدة عقود، وهو على علاقة بموضوع الدراسة، ويمكن أن يمثل معظمه منطلقا لعقود قادمة.

من ناحية الرؤى الفكرية:

– سلسلة كتب “نافذة على الغرب” وقد توقفت بعد إصدار كتابين مترجمين إلى العربية، ولهما أهمية بالغة في طرح خلفيات العلاقات بين المسلمين والغرب، أولهما الإسلام كبديل بقلم مراد هوفمان، والثاني الإسلام بين الشرق والغرب بقلم علي عزت بيجوفيتش، رحمهما الله.

– “سلسلة حوارات لقرن جديد” الصادرة عن دار الفكر المعاصر في بيروت ودار الفكر في دمشق، وتناولت عشرات المواضيع ذات العلاقة باختلاف الرؤى الفكرية بين الاتجاهات الإسلامية والاتجاهات العلمانية.

من ناحية الممارسات الحوارية:

– سلسلة كتب صدرت مطلع القرن الميلادي الحادي والعشرين عن برنامج حوار الحضارات، حول مساراته وخبراته وما طرح فيه من رؤى متنوعة، مع أن الظروف المتغيرة تجعل هذا الإنتاج آنيا مرتبطا بما انعقد من مؤتمرات وندوات، ما لم تستخلص منه فوائد محددة للباحثين في مرحلة تالية.

من ناحية المعلومات الميدانية:

إصدارات مركز الحضارة للدراسات السياسية في القاهرة، لا سيما دورية “أمتي في العالم” التي يمكن اعتبارها مرجعا للباحثين فيما تناولته من قضايا في إطار موضوعي وهيكلي مدروس.

دون الدخول في التفاصيل حول الأسباب والكيفية التي أدت إلى انقطاع الطريق ببعض هذه المبادرات يمكن التنويه الحذر إلى جهات داخل دائرة وجودنا الفسيفسائية، لا تريد أن يُفتح الطريق أمام حوار الحضارات وتلاقحها بدلا من استمرار التموضع في موقع التبعية لقوى دولية مسيطرة على أسباب القوة المادية منذ مطلع الحقبة التاريخية الحالية، وقد أصبحت هذه القوى في هذه الأثناء مجرد فئات محدودة العدد، تهيمن على مراكز القوة المادية في ظل الحضارة الغربية المعاصرة، وتتحكم بها، على حساب الشعوب، وقد انحرف هذا المسار الحضاري بذلك قيميا وفكريا، عما كان عليه عند النشأة الأولى للحضارة الغربية عبر ولادة الفلسفة الإنسانية وفلسفة التنوير آنذاك.

الإشكالية الأكبر في الميدان الفكري تجاه بعضنا بعضا، تتمثل في:

– جانب مرفوض أساسا، وهو وجود تصورات إقصائية تتوهم قابلية إنهاء التعددية بالقهر، وهذا مستحيل واقعيا وفكريا وسياسيا، بل تُعتبر هذه التصورات هي المرتكز الأول لصناعة الاستبداد والفساد والتخلف، ولا ينبغي لأي طرف أن يتهاون في رفض وجود الإقصائيين داخل نطاقه..

– وجود قطاعات فكرية عريضة على استعداد للتعامل المباشر أو الحوار البيني، مع الإقرار بالتعددية، الفكرية وغيرها، ولكن لم تتركز جهودها على البحث عن قواسم مشتركة، أو إيجادها إن غابت، بقدرٍ يكفي لتجاوز اشتراط كل فريق دفع الفريق الآخر دون جدوى للقبول بكل ما لديه أولا.

إن الانطلاق في العمل المشترك من القواسم المشتركة رغم التعددية شرط لا غنى عنه في أي تواصل أو عمل أو تعامل مع الآخر حضاريا.

قواسم مشتركة

للتوضيح: بين أيدينا – كمثال – صيغتان مختلفتان لرؤية الواقع، وإن تقاطعتا في أكثر من مجال، يعبر عن إحداهما د. بشير موسى نافع عبر تخصصه التاريخي فيؤكد أنّ «التوتر والصراع المتصاعد بين الإسلام والغرب يعود في القليل منه فقط إلى الدائرة الحضارية والثقافية. الأسباب الرئيسة لهذا التوتر والصراع لا بد أن تُفحص في دوائر أخرى، دوائر السياسة والاستراتيجية والاقتصاد».

ثم يوضح ما يريد فيقول: «أما التوتر المتصاعد بين العالم الإسلامي والقوى الغربية فمرجعه علاقات الهيمنة والقوة في عالم يسيطر على شؤونه منتدى صغير من الدول» (٥١).

والصيغة الثانية يعبر عنها د. برهان غليون، إذ يرى وفق تخصصه في العلوم الاجتماعية والسياسية، أن مسارات ما يسمى العولمة تفرض نفسها على مختلف الأصعدة، وهذا ما «يتطلب اليوم، حتما، تجاوز الأخلاقيات القومية الكلاسيكية القائمة على الأنانية الوطنية أو الدينية أو القبلية، وهذا التجاوز، الذي يعني استيعاب القديم وتخطيه نحو ما هو أعلى منه في الوقت نفسه، هو شرط تأسيس رؤية كونية شمولية»

ويضيف موضحا لما يريد: «بهذا المعنى تشكل منظومة المعايير الإنسانية المشتركة حاجة أكثر مما تمثله دعوة إيديولوجية» (٥٢).

مرة أخرى: لا بد من التركيز على قواسم مشتركة “مع الآخر” لدينا، والبناء عليها، كي توجد فرصة نجاح لأي مبادرة جادة عند التواصل “مع الآخر” حضاريا. آنذاك قد ينفسح المجال للتوصل إلى خارطة طريق بمستوى رؤية فكرية مشتركة وآليات عمل مناسبة، للتواصل فكريا وثقافيا مع الآخر الغربي، من أجل تعزيز مواجهة التعامل العدائي مع الظاهرة الإسلامية. لعل أول ما ينبغي العمل له هو مضاعفة الجهود لتعزيز التكامل والتعايش بين التوجهات الفكرية المتعددة، ووضع مناهج للعمل المشترك على أساس القواسم المشتركة.

غرب وغرب

إن التعددية الغربية منضبطة مع وجود قواسم مشتركة للتلاقي، الشامل أو الجزئي، على أهداف محددة في كثير من الميادين. ولا يوجد توافق على التعامل العدائي مع الظاهرة الإسلامية ومجالها الحضاري، فالغرب هنا أيضا لا يمثل بنية متجانسة واحدة، بل هو أقرب إلى لوحة الفسيفساء من حيث تكوينه على كل صعيد، سياسي وعسكري واقتصادي ومصلحي، وكذلك على الأصعدة الفكرية والثقافية.

لئن وجدت استراتيجيات شاملة بتوجيه غربي مركزي في بعض الحالات، فقد تميزت مسارات القرن الميلادي الحادي والعشرين من البداية بحالة مزدوجة تجمع بين انقسامات حول قرارات انفرادية (حرب احتلال العراق مثلا) وبين عشوائية غير مسبوقة، يغلب فيها العنف باستخدام مختلف أدوات القوة الخشنة والناعمة كما يقال. إنما يعني ذلك أيضا استنفاذ الوسائل الأخرى، أو إخفاق تحقيق أهداف من خلالها، فبقي الاستخدام العشوائي لما لا يزال يتوافر من القوة الباطشة أكثر مما كان يقع من قبل، أي منذ تثبيت معادلة الهيمنة والتبعية عالميا، عبر الاستعمار الغربي المباشر ومن بعده.

وقد واكبت معادلة الهيمنة والتبعية هذه مسارات القرن الميلادي العشرين بكامله، ولئن كانت الاتفاقات والمواثيق المكتوبة ترسم حدا أدنى من المشتركات في البنية الهيكلية للنظام العالمي، فإن تعامل القوى الدولية المتنفذة مع سواها، أثناء الحرب الباردة وبعدها، تجاوز نصوص المواثيق الدولية (كالمساواة بين كافة الدول.. وعدم مشروعية اغتصاب الأراضي بالقوة.. وعدم المساس بحق تقرير المصير) إلى ما يمكن وصفه بالتوافق الضمني على استبقاء الكيانات الأصغر تحت السيطرة، سواء ساد التنافس والصراع بين تلك القوى الدولية أو ساد التفاهم والوفاق.

رغم ذلك يبقى التواصل الفكري في المرحلة الساخنة الراهنة مطلوبا، وهو ممكن أيضا رغم ضجيج التحركات العدوانية، لا سيما وأن التعددية ضمن حدود الكليات الكبرى المشتركة في الغرب تعددية واسعة النطاق، متعددة المجالات، فبقدر ما يوجد من لا يريد السماع ومراعاة الآخر، يوجد من يقدر أن هذه هي السبيل المحتمة لمنع مزيد من الأضرار على حساب إنسانية الإنسان ورقيه. هذا ولا نغفل عن كون التعددية الغربية تعددية يضبطها وجود قواسم مشتركة للتلاقي، الشامل أو الجزئي، على أهداف محددة في كثير من الميادين.

فكر وفكر

في هذا الإطار نرصد وجود مفكرين غربيين ناقدين ورافضين للتعامل العدائي الغربي مع الظاهرة الإسلامية، بل نجد من تجاوز حالة المشاركة في موقف المواجهة وممارساتها، وربط بوضوح بين بحثه الفكري – مع ما يشمل ميدان الاستشراق المتميز عن سواه منذ القدم – وبين طرح علاقة غربية إيجابية بالإسلام. الأمثلة على ذلك معروفة نسبيا، كالمستشرق الأمريكي جون لويس إسبوزيتو John Louis Esposito (من مواليد ١٩٤٠م) والأستاذ الجامعي للقانون والاستشراق الألماني ماتياس روهي Mathias Rohe (من مواليد ١٩٥٩م) والأستاذ الجامعي للقانون العام والخبير الدستوري، الألماني أيضا، هانس ماركوس هايمان Hans Markus Heimann (من مواليد ١٩٦٨م)، والأستاذ الجامعي في العلوم السياسية الفرنسي أوليفييه روا Olivier Roy (من مواليد ١٩٤٩م)، ومن قبل يوجد من استغرق في تجاوبه مع جانب عقدي، كالتصوف، مثل المستشرقة الألمانية أناماري شيمل / Annemarie Schimmel (توفيت ٢٠٠٣م).

ومن المعروف أيضا أن عددا لا بأس به من المفكرين الغربيين وسواهم من ذوي التأثير على الرأي العام، قد وصل إلى اعتناق الإسلام، مثل محمد أسد Leopold Weiss من النمسا (توفي ١٩٩٢م)، ورجاء – روجيه جارودي Roger Garaudy من فرنسا (توفي ٢٠١٢م)، ومراد هوفمان Murad Wilfried Hofmann من ألمانيا (توفي ٢٠٢٠م)، وأبو بكر خوسيه غاييغو José Javier Gallego من إسبانيا (من مواليد ١٩٥٥م)، وعبد الحكيم مراد أو تيموثي جون وينتر Timothy John Winter من بريطانيا (من مواليد ١٩٦٠م).

ويمكن التوقف لدى أمثلة أخرى لبيان أن ما يسري على الميدان الفكري، يسري بدرجات متفاوتة على ميادين أخرى كالإعلام والسياسة والدراسات الإنسانية، وهذا ما يستدعي التمييز بين غربي وغربي، عند البحث عن معالم كبرى لخارطة طريق في ميدان الفكر والثقافة.

 

إن أي تواصل يتطلب المعرفة العميقة بالآخر وتنوعه ومجالات التأثير عليه، وهذا ما لا يتحقق دون رصد ما يوجد في البلدان الغربية من توجهات إيجابية، فردية ومؤسساتية، على أن يكون رصدا عميقا يتجاوز حدود التعداد العام إلى التصنيف الموضوعي، وإلى استيعاب طرق التفكير وميادين التأثير في المجتمعات الغربية، وتقدير تعاملها مع الظاهرة الإسلامية ودائرتنا الحضارية.

 

وسائل وآليات

تكتسب المعلومات قيمتها الذاتية بقدر صوابها وتوثيقها وتتحول هذه القيمة إلى واقع عبر اعتماد تلك المعلومات في التخطيط بتحديد أهداف العمل ومراحله وتحديد الآليات والوسائل المناسبة لتحقيقه، وفي مقدمة الأهداف الفكرية ضمن موضوع الدراسة العمل لإزالة العقبات والعراقيل في وجه انتشار ذهنية الانفتاح من أجل التلاقح الحضاري لدى النخب الغربية الفكرية والثقافية تخصيصا، وإقصاء الذهنية العنصرية والهيمنة واحتكار المنجزات الحضارية. ويقال أحيانا إن لحظة الأزمات والمواجهة لا تسمح بسلوك طريق التواصل والتفاهم، وفي هذا تناقض كبير، فإن وجود الأزمات والمواجهات دافع قوي للتواصل بحثا عن مخرج منها، وهذا قابل للتحقيق خلال المرحلة المتأزمة وقد يساهم ما يصنعه التأزم في الحرص على نجاح الهدف، وهذا بعض ما يؤخذ من مراجعة اللحظات المفصلية في مسارات التحول والتغيير الكبرى في التاريخ البشري، وفي الحالة الراهنة بالذات يساهم في تيسير تحقيق الهدف ما تحقق من منجزات ثورات التواصل المعاصرة المتتالية وتطور آلياته.

لا يعني ذلك أن التحرك الفكري المطلوب مهمة سهلة التحقيق، بل لا ينتظر – رغم ما سبق من إنجازات – أن تتحقق أهداف التحرك خلال فترة وجيزة، لا سيما وأن تحقيقها يحتاج إلى الوسائل المناسبة والإمكانات الكافية، ومعظمها مما ينبغي العمل على إيجاده.

جيل المستقبل

إيجاد الوسائل والأدوات، وحسن استخدام الحديث منها مع إبداع المزيد، من الأسباب الحاسمة لتأكيد أهمية التركيز على انتقال الراية من جيل إلى جيل، هذا إلى جانب انتشار الوعي والإقبال عل سلوك طريق التأهيل والإعداد، وازدياد ذلك يوما بعد يوم.

أي تحرك نهضوي حضاري يعتمد اعتمادا رئيسيا على عطاءات القادرين على العلم والعمل في مختلف الميادين، ففي عالمنا المعاصر وما وصل إليه من التطور والتشابك، لا يقوم مجتمع منتج ومتماسك، دون أن يتوافر لقيادته وتوجيهه في الصفوف الأولى وما يليها، أعداد كافية من ذوي الاختصاص والمهارة في المجالات العلمية والتقنية والإنتاجية والإدارية.

وفي مسارات ربيع الثورات الشعبية ما يؤكد، أن طاقات الشباب قادرة على التحرك لفتح بوابة التغيير، إنما الأعمق من ذلك بطبيعة الحال هو القدرة على متابعة الطريق لإقامة البنى الهيكلية في كيان حضاري جديد، ولهذا على الأرجح تصف د. نادية محمود مصطفى الثورة الشعبية في مصر ٢٠١١م بأنها “ثورة الشباب” ولكن تعتبرها في الوقت نفسه “نموذجا ثوريا حضاريا، لتحقيق تغيير حضاري”، وهذا هدف أبعد مدى من الثورة نفسها، ولا يتحقق تلقائيا، بل عند تغلب جيل الثورة من الشباب على العقبات، أو بقدر ما يتمكن من التغلب عليها، فطريق التغيير هو طريق التعامل مع “تحديات وتهديدات تتطلب بدورها الوعي والتدبر وبذل الجهد الدؤوب والمستمر والمنظم” (٥٣).

هذه شهادة على مكانة الشباب في التغيير الحضاري تصدر من قلب المعايشة “العلمية” المباشرة لحدث ربيع الثورات الشعبية العربية.

وتواكبها شهادة أخرى مشابهة من خارج الحدود، من قلب العالم الغربي، يقدر صاحبها حجم الحدث المستقبلي فيعبر عن ذلك بقوله «عندما بدأ الشباب المسلم في تغيير العالم».. وهذا نص العنوان الثاني من كتاب بعنوان “الربيع العربي” بقلم يورج آرمبروستر، أحد المحررين الإعلاميين المشهورين في ألمانيا، وقد عايش بنفسه الإعلان عن استقالة مبارك، أثناء مراسلة تلفازية له بطريقة البث الحي من القاهرة، ويبرز الكتاب أيضا دور الشباب في مختلف الثورات الشعبية عام ٢٠١١م (٥٤).

ويلتقي مع هذا وذاك في تأكيد مكانة الشباب والفتيات وأهمية انتقال الراية من جيل إلى جيل من عايش انطلاقة الثورات من داخلها عندما يقول قبل انطلاقها «إن التجدد هو سنة الحياة، وقد خلق الله الناس مختلفين متنوعين لحكمة عظيمة وهي رفد الحياة على نحو دائم بشخصيات جديدة وأفكار جديدة ودماء جديدة» (٥٥).

يوجد الكثير من مثل هذه الاستشهادات التي تؤكد دور جيل المستقبل من حيث أعمار أفراده، في مسيرة أيام الثورات التغييرية وما يتوقع منهم عبر المسيرة التالية لعدة عقود على الأرجح، لصناعة مستقبل حضاري جديد على أرض الواقع.

هل يمكن أن يتحول جيل الثورة إلى جيل المستقبل، وينفض عن نفسه الموروث من حقبة القحط في الماضي القريب؟ نعم، ولكن ليس بين ليلة وضحاها، مهما كانت لياليه وأيامه “ثورية” حافلة بالتضحيات والمعاناة وبالبطولات المضيئة إلى العلياء.. فلا بد أن تحفل بالعمل النوعي الدائب الهادف أيضا (٥٦).

وليس هذا الكلام من حيث جوهره جديدا بصدد أهمية الدور المحوري لجيل الشباب والشابات، فهي قاعدة سارية المفعول، الآن وفي كل وقت، كشرط من شروط نجاح أي تحرك يستهدف سلوك طريق الإبداع، والتطوير، والإنتاج، والرقي، وغير ذلك من مفردات صناعة التغيير الحضاري على مستوى البشرية، وعلى مستويات أدنى من ذلك في مختلف الميادين، كالمؤسسات والشركات والتنظيمات، ومن ذلك أيضا الحركات والتجمعات الإسلامية، فالمطلوب هو «الحفاظ على الغاية البعيدة والمسيرة الإسلامية لتحقيقها، جيلا بعد جيل، وقيادة بعد قيادة، ولا يتحقق ذلك دون تسليم زمام الأمور التنظيمية إلى جيل الغد» (٥٧).

التخصص والتشبيك

لم يعد يوجد مجال من المجالات العلمية والفكرية والإنتاجية إلا ويرتبط النجاح والإخفاق على صعيده بمدى تحقيق مبدأ التخصص فيه، كما أصبحت الإنجازات الكبرى وذات التأثير الواسع النطاق رهنا بتحقيق مبدأ التكامل بين التخصصات المتعددة.

جميع ذلك يرتبط بأداة “التشبيك” وحسن استخدامها، وقد أصبح فرعا علميا قائما بذاته، ومحوره «بناء العلاقات ورعايتها، والتقدم الحرفي بسرعة أكبر وطريقة أليق لتحقيق الأهداف الذاتية، كأنها ممارسة لعبتك مع الآخرين مع الشعور بالمتعة، فهنا تتلاشى حدّية مفهومي النصر والهزيمة لصالح مفهوم الربح المتبادل، وهنا نحتاج للاطلاع على الحقل المتاح للعبة التشبيك والقواعد الواجب اتباعها فيها» (٥٨).

إن النجاح في أداء مهمة التواصل والتأثير فكريا على “الآخر” مرتبط أيضا بالتزام مقتضيات مبدأ التخصص والتكامل، واستخدام أداة التشبيك الأبعد مدى من التنظيم بعد أن كان من العلامات الفارقة في القرن الميلادي العشرين. لا سيما عند وضع هذه المهمة في موضعها من هدف أوسع نطاقا يمكن عنونته بكلمة النهوض الحضاري.

إن «إرهاصات التغيير الحضاري الحالية لتحقيق خير الإنسان حضاريا قابلة للتنامي إذا التزمت:

– اعتماد معيار إنسانية الإنسان في تقويم النجاح والإخفاق

– مواكبة مسارات التخصص الهادف حيث وصلت في عصرنا الحاضر

– مشاركة شبكات التكامل بين المتخصصين وعطاءاتهم أفرادا وتجمعات

– توظيف تقنيات التشبيك بصيغتها المتطورة الحديثة توظيفا راشدا هادفا» (٥٩).

يضاف إلى ذلك مضاعفة السعي للتشابك بهدف التكامل والتعاون والتخطيط المشترك، بين مراكز البحوث العاملة في ميادين الفكر والدراسات الإنسانية، على مستوياتها القطرية والعربية والإسلامية والعالمية.

خاتمة

وبعد فإن هذه الدراسة لم تتناول إلا جانبا واحدا من جوانب المحور الفكري ضمن المحاور المطلوبة في المرحلة الراهنة للموضوع المطروح بصدد التعامل الدولي والإقليمي المحلي مع الظاهرة الإسلامية (الإسلام والمسلمون في اللحظة التاريخية الآنية)، وما طرأ عليه من معالم تبرر وصفه بتصعيد عدائي.

وقد ساد في الأوساط الإسلامية لوقت طويل الاعتقاد بأن السبب الأهم من أسباب العداء الغربي خاصة، في المراحل السابقة للمرحلة الحالية، هو غلبة الجهل بالإسلام، فمع الإشارة إلى أن هذه المقولة تسري على العامة من الشعوب وليس بالضرورة على النخب الفكرية والتوجيهية والسياسية تخصيصا، يرجى أن تكون هذه الدراسة قد ساهمت في بيان أن المصدر الرئيسي للوجه الشعبوي الحديث نسبيا في ممارسة هذا العداء سياسيا، هو النخبة السياسية وصناع القرار من خلالها، في نطاق التأثير المتبادل بينها وبين النخب الأخرى، بما في ذلك النخب الفكرية، التي تركز بطبيعة تكوينها على جوانب أساسية، قيمية وعقدية، في تحديد أركان صبغة المسار المادي والتقني حضاريا، وبالتالي تحديد نقاط التماس مع أركان ما نعتبره يمثل معايير الدائرة الحضارية الإسلامية المستهدفة.

يحتاج بيان ذلك إلى دراسات أعمق وأبعد مدى مما يركز – ضمن الانطباع العام السائد – على نقاط التماس ذات العلاقة بالتقدم التقني والمادي المجرد. بتعبير آخر: لا تكتمل الرؤية الشاملة المطلوبة حول التقدم الحضاري ونقاط التماس في نطاقه، دون أن تؤخذ بالاعتبار أيضا فرضية أن الجانب التقني والمادي فيه يمثل تاريخيا حلقات تاريخية متتابعة تحمل في كل مرحلة بصمة أخرى من بصمات انتماءات متعددة، وهذا ما يتميز قيميا وعقديا في الحقب الحضارية المتتالية، وإن كان التسارع الكبير في مسار الجانب التقني والمادي من التقدم الحضاري ومفعول نتائجه في العقود الأخيرة خاصة، قد أضعف القدرة البشرية على رؤية تلك البصمات والتوجهات.

أمر آخر يحسن التأكيد عليه في ختام هذه الدراسة، وهو أن التسارع المشار إليه يشمل أيضا عجلة التطورات والأحداث الرئيسية ذات العلاقة بموضوع الدراسة، الوجه الشعبوي الرسمي في التعامل مع الظاهرة الإسلامية، كما يشمل عجلة التطورات والأحداث الرئيسية الكبرى في عالمنا وعصرنا ذات التأثير على مختلف القضايا ومنها القضية المطروحة في الدراسة والدراسات الأخرى في نطاق الحولية.

إن سرعة وقوع الأحداث والتطورات أكبر بكثير من سرعة وصول ما يكتب أو يقال عنها إلى الأبصار والأسماع، رغم أن سرعة التطورات تشمل أيضا التسارع في ميدان نقل ما يكتب ويقال تقنيا وإلكترونيا فيما يوصف بثورات تقنيات الاتصال المتتابعة مع فواصل زمنية تزداد قصرا يوما بعد يوم. هذا التسارع الأشبه بالسباق بين القلم والحدث يضاعف صعوبة الخوض في موضوع كالمطروح في هذه الدراسة، فبعض التطورات كانت تجري أثناء جريان القلم أو بالأحرى حركة أزرار الحاسوب المحمول.

ومن الشواهد على ذلك أن إعداد هذه الدراسة بدأ قبل أن تتخذ جائحة الفيروس التاجي / كوفيد – ١٩ مداها عالميا، وتزامن مسار إعدادها مع ظهور المؤشرات الأولى لتوقعات جديرة بالاهتمام، تؤكد أن كثيرا من جوانب العلاقات البشرية، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وقيميا، ستشهد تطورات جذرية عالميا ومناطقيا ومحليا، ولا ينفي تأكيد الاهتمام بذلك أن مجرى التطورات المحتملة والمتوقعة لن يكون فوريا، بل سيتخذ على الأرجح صيغة تحولات تدريجية وجولات صراع تستأنف ما كان قبلها، وإن تفاوتت سرعة خوضها وحسمها بالمقارنة مع جولات سابقة.

وسيتطلب ذلك دراسات وبحوثا جديدة في جميع الميادين للوصول إلى رؤى مستقبلية “مبدئية” على الأقل، ومنها ما يرتبط بمستقبل الإسلام والمسلمين عموما وما يتعلق به، وقد لا تصلح الأساليب التقليدية المتبعة حتى الآن لتحقيق الغرض منها، فتسارع الأحداث يفرض تسارع مراحل المتابعة وتداخلها، وبالتالي تطوير أساليب الإعداد والنشر ثم التقويم والتطوير.

جميع ذلك ضروري إلى حد بعيد، في معالجة الموضوع الفكري المطروح هنا وسواه، ويمكن التنويه هنا ببعض ما يمس موضوع الدراسة كالجهود المتميزة في الغرب من جانب فئات عديدة من المسلمين، لا سيما الخبراء والأطباء والممرضين والممرضات، وحتى جهود بعض الدول الإسلامية مما تجاوز الحدود السياسية الفاصلة قطريا ومناطقيا.

مما يعنيه ذلك أن صياغة الأطروحات الواردة في هذه الدراسة تحتاج إلى الاستكمال على ضوء ما يظهر من محاور ذات صلة، لدراسات جديدة، ولمسارات تطورات فعلية على صعيد التحولات والعلاقات السياسية والثقافية والاجتماعية، في نطاق ما يوصف منذ الآن بعصر ما بعد كورونا. وبتعبير موجز: لا بد من مراعاة قابلية ظهور متغيرات ما بين إعداد هذه الدراسة عن الجانب الفكري لحالة ما بعد الإسلاموفوبيا عموما، وبين وصولها إلى القراء.

والحمد لله رب العالمين.

وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب

هوامش

(تنويه: المراجع والمصادر المذكورة في الهوامش كنسخ بصيغة pdf متوفرة لدى الكاتب، ومنشورة في الشبكة).

مقدمة

(١) – كمثال من بلد غربي واحد على تشعب موضوع الرهاب من الإسلام وما ترتب عليه، انظر:

كاي سوكولوفسكي Kay Sokolowsky، “صورة المسلم كعدو / Feindbild Moslem”، دار نشر Rotboch، برلين ٢٠٠٩، صفحة ١٧٣ وما بعدها، ويطرح الكتاب تفاصيل ما وصل إليه تشويه صورة الإسلام والمسلمين في المجتمع الألماني بمختلف الوسائل، فيشمل ذلك حتى الحيثيات القانونية في بعض ما يصدر من أحكام قضائية تتعلق بالمسلمين.

(٢) – كلمات فولفجانج شويبلي Wolfgang Schäuble، منشورة في وسائل الإعلام الألمانية يوم ٥ / ٣ / ٢٠٢٠م مثل أسبوعية “دي تسايت”:

https://www.zeit.de/politik/deutschland/2020-03/wolfgang-schaeuble-hanau-rechtsradikalismus-bundestag

أو جريدة “فوخن بلات”:

https://www.wochenblatt.de/news-stream/deutschland-welt/artikel/318492/schaeuble-staat-hat-gefahr-durch-terror-von-rechts-unterschaetzt

(٣) انظر حول أقوال زيجمار جابريل Sigmar Gabriel:

https://www.zdf.de/gesellschaft/markus-lanz/markus-lanz-vom-3-maerz-2020-100.html

(٤) – انظر: تورستن دينكلر Thorsten Denkler، “كيف ينشر ترامب الكراهية للإسلام»، كما ورد بقلمه في مقالة بعنوان “ترامب والمسلمون” في يومية زود دويتشه الألمانية، ٢١ / ٦ / ٢٠١٧م:

https://www.sueddeutsche.de/politik/trump-und-die-muslime-wie-trump-hass-gegen-den-islam-schuert-1.3553745

(٥) – انظر ميشائيلا فيجل Michaela Wiegel في يومية فرانكفورتر آلجيماينه الألمانية يوم ١٨ / ٢ / ٢٠٢٠م

https://www.faz.net/aktuell/politik/ausland/macron-ueber-islam-unser-feind-ist-der-separatismus-16640628.html

(٦) – د. حاتم يوسف أبو زايدة، الظاهرة الإسلامية في المشرق العربي والمستقبل، ٨ / ٢٠١٨م، الطبعة الثانية إلكترونية، دار نشر Kindle، صفحة ٥٤-٥٥

(٧) – John L. Esposito, The Future of Islam, Oxford University Press Inc (1. April 2010)

(٨) – انظر:

Francis Fukuyama “Second Thoughts: Last Man in a Bottle” National Affairs / 1999

(٩) – مثال على الدعوات الصحفية إلى استراتيجيات للتعامل مع الوجود الإسلامي في الغرب، دعوة “دير تاجس شبيجل / Der Tagesspiegel” الألمانية في ٢٧ / ٧ / ٢٠١٦م تحت عنوان “الغرب في حاجة إلى استراتيجية جديدة في صراع الحضارات”.

https://www.tagesspiegel.de/politik/islam-und-terror-westen-braucht-eine-neue-strategie-im-kampf-der-kulturen/13932794.html

(١٠) – انظر تصريحات فيتوري فورمينتي في موقع National Catholic Reporter يوم ٣١ / ٣ / ٢٠٠٨م على الرابط التالي:

https://www.ncronline.org/news/vatican-official-world-has-greater-number-muslims-catholics

وفي صحيفة الجارديان البريطانية في اليوم نفسه على الرابط التالي:

https://www.theguardian.com/world/2008/mar/31/religion

(١١) – كانت بداية التحذير من انتشار ظاهرة الرهاب من الإسلام مبكرة نسبيا، ومن ذلك في ألمانيا كمثال، ما طرحته سابينه شيفر/ Sabine Schiffer المتخصصة في العلوم السياسية والإعلامية، منذ ٢٠١١ في دراسات موثقة ومقالات إعلامية، ومن ذلك: مقالة في صحيفة فرانكفورتر روندشاو يوم ١ / ١١ / ٢٠١١م بعنوان “معادون للإسلام حيث يغيب القانون /Islamfeinde im straffreien Raum”، وكذلك كتابها المشترك مع كونستانتين فاجنر / Constantin Wagner، “اللاسامية والرهاب من الإسلام / Antisemitismus und Islamophobie”، HWK Verlag، Juni 2009

 

السياسات الرسمية في مسار الرهاب الشعبوي

(١٢) – انظر مادة الرهاب كحالة نفسانية في قاموس المعجم الطبي الموحد، وفي قاموس المورد.

(١٣) – انظر مادة Phobia في معجم كامبردج الجامعي.

(١٤) – انظر مادة populist في معجم أوكسفورد.

(١٥) – انظر مادة populist في المجلد ١٣ صفحة ٢٣٦ من معجم مايرس الألماني الطبعة الرابعة، وفي موقع “كلمة حديثة” الألماني على الرابط:

https://neueswort.de/populist/

(١٦) – انظر مادة شعبوية في قاموس المنهل طبعة ٢٠ صفحة ٧٩٩،

(١٧) – انظر كأمثلة حول التعدد في طرح المقصود من الكلمة إلى درجة الشطط أحيانا، ربما على حسب توجهات الكاتب نفسه أو وسيلة الإعلام في كثير من الحالات:

– موسوعة شبكة الجزيرة: الشعبوية.. تيار سياسي يرسم ملامح مستقبل الغرب، ٦ / ١٢ / ٢٠١٦م

– حسام أبو حامد: الشعبوية.. من المصطلح إلى المفهوم، صحيفة العربي الجديد، ١٠ / ١٠ / ٢٠١٩م

– علي إبراهيم: الشعبوية من السياسة إلى الفقه، صحيفة الشرق الأوسط، ١١/ ١٠ / ٢٠١١م 

(١٨) – انظر من منشورات “المركز الاتحادي للتوعية السياسية في ألمانيا” للتمييز بين التطرف والانحراف:

Gabriele Nandlinger: Wann spricht man von Rechtsextremismus, Rechtsradikalismus oder Neonazismus? Bundeszentrale für politische Bildung, 25.07.2008.

https://www.bpb.de/politik/extremismus/rechtsextremismus/41312/was-ist-rechtsextrem

(١٩) – انظر حول تشعبات مفهوم اليمين المتطرف بالعربية مادة اليمين المتطرف في موسوعة الجزيرة، ٣٠ / ١١ / ٢٠١٥م:

https://www.aljazeera.net/encyclopedia/conceptsandterminology/2015/11/30/%d8%a7%d9%84%d9%8a%d9%85%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%aa%d8%b7%d8%b1%d9%81

(٢٠) – انظر حول تطور الأطروحات العدائية السياسية تجاه الإسلام والمسلمين: حلف شمال الأطلسي في عامه الستين، تقرير في مركز الجزيرة للدراسات، تحرير ومشاركة نبيل شبيب، ٢٣ / ٧ / ٢٠٠٩م، صفحة ٢٨ – ٣٤

https://studies.aljazeera.net/ar/reports/2009/201172122316703405.html

(٢١) – وكالة الصحافة الفرنسية حول الأحزاب اليمينية في المجالس النيابية الأوروبية قبل عام ٢٠١٩م، والجدول منشور باللغة العربية دون تأريخ في باب إنفوغراف في جريدة القدس العربي على الرابط التالي:

https://www.alquds.co.uk/%d8%b5%d8%b9%d9%88%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ad%d8%b2%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%8a%d9%85%d9%8a%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%82%d9%88%d9%85%d9%8a%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b9%d8%a8-2/

(٢٢) – صحيفة (نيوز) النمساوية يوم ١٠ / ٩ / ٢٠١٨م نقلا عن وكالة الصحافة النمساوية APA، على الرابط التالي:

https://www.news.at/a/politik-rechtspopulistische-parteien-eu-staaten-10336439

(٢٣) – انظر: فريد حافظ Farid Hafez، “الرهاب من الإسلام على مستوى الشارع وعلى مستوى الحكومات في بلدان مجموعة فيزيغراد street-level and government-level Islamophobia in the Visegrád Four countries” فيPatterns of Prejudice Journal, 2018, vol 52:5, pages 436-447

https://www.tandfonline.com/doi/full/10.1080/0031322X.2018.1498440

وحول بدايات ظهور اليمين المتطرف ومفعول السياسات الرسمية من وراء ذلك انظر للكاتب ورقة بحثية بعنوان: اليمين المتطرف ومستقبل المسلمين في أوروبا، في شبكة الجزيرة، يوم ٣ / ١٠ / ٢٠٠٤م:

https://www.aljazeera.net/specialfiles/pages/dcce1044-f0bc-4b6a-b0d8-d148c80c2feb

ويمكن الاطلاع عليها في الموقع الشبكي الشخصي للكاتب مداد القلم على العنوان التالي:

http://midadulqalam.info/articles/%d9%88%d8%b1%d9%82%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%8a%d9%85%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%aa%d8%b7%d8%b1%d9%81-%d9%88%d9%85%d8%b3%d8%aa%d9%82%d8%a8%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d9%84%d9%85%d9%8a%d9%86/

(٢٤) – للكاتب، “أثر صعود اليمين المتطرف على المسلمين في أوروبا” نشرت في حولية “التقرير الارتيادي” عام ٢٠١٨م للمركز العربي للدراسات الإنسانية – القاهرة – مصر، ويمكن الاطلاع عليها في الموقع الشبكي الشخصي للكاتب مداد القلم على العنوان التالي:

 http://midadulqalam.info/articles/%d8%af%d8%b1%d8%a7%d8%b3%d8%a9-%d8%a3%d8%ab%d8%b1-%d8%b5%d8%b9%d9%88%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%8a%d9%85%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%aa%d8%b7%d8%b1%d9%81-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d9%85%d8%b3%d9%84%d9%85/

 

الاستقطاب المجتمعي عبر مسارات شعبوية رسمية

(٢٥) – انظر تقرير “دويتشه فيلله / Deutsche Welle” في موقعها الرسمي (https://p.dw.com/p/5zWU) بعنوان “الاتحاد الأوروبي منقسم بشأن انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي”، بدون تاريخ، ويؤخذ من المحتوى أنه من عام ٢٠٠٤م وكان الاتفاق الأوروبي في نهاية العام على تحديد موعد بدء مفاوضات الانضمام بتاريخ ٣ / ١٠ / ٢٠٠٥م.

(٢٦) – انظر: د. يشار آيدين / Dr. Yaşar Aydın، “ألمانيا وطن – الاندماج التركي الألماني”، المركز الاتحادي للتوعية السياسية ٢٥ / ٥ / ٢٠١٨م:

https://www.bpb.de/internationales/europa/tuerkei/253189/heimat-almanya#footnode1-1

ومقالة كلاوس هيكينج Klaus Hecking وما ورد على لسان هلموت كول Helmut Kohl في الوثيقة التي كشف عنها، منشور يوم ١ / ٨ / ٢٠١٣م في صحيفة “دي بريسهDie Presse ” النمساوية.

(٢٧) – ميشائيل لاي Michael Ley في كتابيه: “انتحار الغرب – أسلمة أوروبا”، و”آخر الأوروبيين – أوروبا الجديدة”

Der Selbstmord des Abendlandes – Die Islamisierung Europas, Hintergrund Verlag, Juli 2015

Die letzten Europäer Das neue Europa, Kopp Verlag, 2017

(٢٨) – هيرمان ميتيرر Hermann Mitterer، “تبديل السكان في أوروبا Bevölkerungaustausch in Europa، دار نشر Kopp Verlag، 2018

(٢٩) –

Udo Ulfkotte, SOS Abendland: Die schleichende Islamisierung Europas, Kopp Verlag, 2008

(٣٠) – تقرير عام ٢٠١٨ السنوي: لا يزال الرهاب من الإسلام تحديا يواجهنا جميعا – Runnymede: Islamophobia Still a Challenge for Us All، صفحة ٤١

https://www.runnymedetrust.org/uploads/Islamophobia%20Report%202018%20FINAL.pdf

(٣١) – من ذلك كمثال: فابيان جولدمان / Fabian Goldmann، “اعتداءات ضد المسلمين يهملها الرأي العام والسلطات / Angriffe auf Muslime von Behörden und Öffentlichkeit alleingelassen”، Deutschlandfunk-Kultur، يوم ٢٤ / ٦ / ٢٠١٩م

https://www.deutschlandfunkkultur.de/angriffe-auf-muslime-von-behoerden-und-oeffentlichkeit.1005.de.html?dram:article_id=451980

(٣٢) – انظر: مارجريت كارش / Margret Karsch، معهد برلين للسكان والتنمية، “ارتفاع نسبة المسنين وشبكة تأمينات التقاعد في دول الاتحاد الأوروبي”:

https://www.berlin-institut.org/fileadmin/user_upload/handbuch_texte/pdf_Karsch_Renten_EU.pdf

(٣٣) – انظر ماريو بويكر Mario Peuker، “التمييز بسبب الانتماء الديني الإسلامي /Diskriminierung aufgrund der islamischen Religionszugehörigkeit، في موقع هيئة مكافحة العنصرية، صفحة ٧٠

http://www.antidiskriminierungsstelle.de/SharedDocs/Downloads/DE/publikationen/Expertisen/Expertise_Diskr_aufgrund_islam_Religionszugehoerigkeit_sozialwissenschaftlich.pdf%3F__blob%3DpublicationFile

(٣٤) – تينا جرول Tina Groll وكاترينا شولر Katharina Schuler، “اللاجئون – ما تم تحقيقه وما لم يتم / Flüchtlinge – Was schon geschafft ist und was nicht”، أسبوعية دي تسايت – Die Zeit، ٢٥ / ٦ / ٢٠١٩م

(٣٥) – انظر بحث مركز بيو بقلم ميشيل ليبكا Michael Lebka بعنوان “المسلمون والإسلام: النتائج الرئيسية في الولايات المتحدة الأمريكية وعالميا – Muslims and Islam key findings in the US and around the world المنشور يوم ٩ / ٨ / ٢٠١٧م في موقع المركز على الرابط التالي:

https://www.pewresearch.org/fact-tank/2017/08/09/muslims-and-islam-key-findings-in-the-u-s-and-around-the-world/

(٣٦) – أمين شعبان أمين، “الاستراتيجية الأمريكية تجاه حركات الإسلامي السياسي في مصر، مركز المحروسة للنشر والخدمات الصحفية والمعلومات، عام ٢٠١٤م، صفحة ٢٥٤ – ٢٥٥

(٣٧) – انظر الهامش رقم (٢٧) أعلاه. وحول ما صدر عن دونالد ترامب Donald Trump ضد المسلمين في أول سنة من رئاسته: “الإسلاموفوبيا في عهد ترامب”، جريدة الشروق، ٣٠ / ١٢ / ٢٠١٧م، نقلا عن مقال عمر عزيز في الجريدة الأمريكية “New Republic“.

(٣٨) – نُشرت صورة نجل دونالد ترامب Donald Trump مع بندقيته في وسائل إعلام عديدة يوم ٧ / ١/ ٢٠٢٠م كشبكة الجزيرة.

(٣٩) – انظر مثلا ما نقلته شبكة الجزيرة يوم ١٢ / ١٢ / ٢٠١٦م عن جريدة واشنطون بوسط الأمريكية، بعنوان “حرب ترامب القادمة على الإسلام”.

(٤٠) – انظر مادة “الحملة الصليبية العاشرة” في موسوعة “المعرفة”.

https://www.marefa.org/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%85%D9%84%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%84%D9%8A%D8%A8%D9%8A%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D8%B4%D8%B1%D8%A9

ملامح استراتيجية لمواجهات حضارية وعقدية؟

(٤١) – انظر تعريف الموسوعة السياسية لكلمة استراتيجية في موقعها الشبكي:

https://political-encyclopedia.org/dictionary/%D9%85%D9%81%D9%87%D9%88%D9%85%20%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%AC%D9%8A%D8%A9

(٤٢) – انظر لمحة عن مؤسسة راند في الجريدة الشبكية “المناطق السعودية” يوم ١١ / ٨ / ٢٠١٥م تحت عنوان: ” راند.. مركز أسسته وزارة الدفاع الأمريكية لتفكيك الإسلام وتقسيم تابعيه”: https://almnatiq.net/107548/

(٤٣) – من المراجع البحثية التي تشهد على غياب استراتيجية محكمة حول الشعبوية المعادية للإسلام بما فيها الرسمية السياسية، انظر كأمثلة:

١- في العالم الغربي عموما:

Dr John Esposito, + Ibrahim Kalin (Eds.) Islamophobia: The challenge of pluralism in the 21st century. USA. Oxford University Press, Washington, 30.03.2011

(مقالات بأقلام علماء أمريكيين وأوروبيين ومسلمين، حول أساليب التعامل الراهنة وتغييرها مع ظاهرة العداء والعنصرية)

٢- في الولايات المتحدة الأمريكية:

Khaled A. Beydoun, American Islamophobia: Understanding the roots and rise of fear. Univ of California Press, 2018

(ينبه المؤلف إلى ما يوجد في القوانين الأمريكية من معطيات أساسية تساهم في انتشار الرهاب من الإسلام في البلاد)

٣- في الاتحاد الأوروبي:

Zuhal Yesilyurt Gündüz, The European Union at 50—Xenophobia (TED-University-Ankara-Turkey), Islamophobia and the Rise of the Radical Right. Vol 30, 06.05.2010, p 35-47

(يركز المؤلف على منظومة قيم الاتحاد الأوروبي وتعرضها للانتهاك والضياع بسبب انتشار الخطاب الشعبوي واليميني المتطرف وما يتضمنه من ألوان العداء تجاه الإسلام والمسلمين)

٤- في بريطانيا:

Chris Allen, Political Approaches to Tackling Islamophobia: An Analytical Review of the British Coalition Government 2010-2015, American Journal of Islamic Social Sciences, vol. 6, pages 1-19, July 2017

(تبحث المقالة في تعامل حكومة المحافظين بين ٢٠١٠ و٢٠١٥م مع دواعي مواجهة مخاطر استفحال ظاهرة العداء للإسلام في بريطانيا، وأسباب إخفاقها في تحقيق ذلك)

٥- في إسبانيا:

Francois Soyer, „Faith, culture and fear: comparing Islamophobia in early modern Spain and twenty-first-century”. Ethnic and Racial studies, Vol 36, pages 399-416. (2013)

(يستند المؤلف في مقالته إلى تاريخ اضطهاد المسلمين بعد سقوط الأندلس، ليحذر من خلال ذلك من إخفاق محتمل لتعامل السلطات مع الإسلام والجالية الإسلامية في أسبانيا في العصر الحاضر)

(٤٤) – د. باسم خفاجي، “استراتيجيات غربية لاحتواء الإسلام”، المركز العربي للدراسات الإنسانية، أيار / مايو ٢٠٠٧م

https://download-islamic-religion-pdf-ebooks.com/17261-free-book

(٤٥) – شتيفان بوخن Stefan Buchen، ترجمة أحمد حجازي، مقالة منشورة بالألمانية والإنجليزية والعربية بعنوان “استراتيجية الغرب في الشرق الأوسط – تحالف أجوف / Strategie des Westens im Mittleren Osten-Hohle Allianz ” في موقع قنطرة الألماني، ١٦ / ٢ / ٢٠١٥م

https://de.qantara.de/inhalt/strategie-des-westens-im-mittleren-osten-hohle-allianz

(٤٦) – انظر: عبد السلام م. المغراوي، تقرير خاص رقم ١٦٤، ٧ / ٢٠٠٦م لمعهد السلام الأمريكي في واشنطونUnited States Institute of Peace، مقدمة التقرير

https://www.usip.org/sites/default/files/sr164_arabic.pdf

(٤٧) – أنتوني زورتشر Anthony Zurcher، “ما قاله فريق ترامب عن الإسلام”، موقع بي بي سي – عربي، ٩ / ٢ / ٢٠١٧م

(٤٨) – بيترا فيلد Petra Wild، “الإسلام عدو مفضل Lieblingsfeind Islam”، دار نشر Pro Media Verlag، فيينا، ٢٠١٨م، صفحة ٤٩ وما بعدها + ١٢٨ + ١٤٥

(٤٩) – الاستشهاد من أقوال آرون كوندناني Arun Kundnani، مقتبس من مقالة: “عرض كتاب دعوة إلى التضامن مع ضحايا العنصرية – ظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب”، في يومية الخليج الإماراتية، يوم ١٦ / ٩ / ٢٠١٧م.

http://www.alkhaleej.ae/alkhaleej/page/3a6ad3a7-cdc2-4f4f-88c7-e8b14cfa5c68#sthash.vKcXSt2f.dpuf

(٥٠) – فخري صالح، “كراهية الإسلام – كيف يصور الاستشراق الجديد العرب والمسلمين”، الدار العربية للعلوم، ٢١ / ١٠ / ٢٠١٦م – المقدمة

معطيات ومنطلقات للتحرك فكريا

(٥١) – د. بشير موسى نافع، “حضاري أم سياسي؟ – حقيقة التوتر المتصاعد بين العالم الإسلامي والغرب”، في كتاب “الإسلام والغرب – نحو عالم أفضل” إصدار مركز الجزيرة للدراسات – الدوحة، الناشر: الدار العربية للعلوم – ناشرون، ٢٠٠٧م، صفحة ٧٧ وصفحة ٨٤

(٥٢) – د. برهان غليون، “أخلاقيات التعايش – نحو ميثاق أخلاقي عالمي”، في كتاب “الإسلام والغرب – نحو عالم أفضل” أيضا، صفحة ٥٥ وصفحة ٥٩.

(٥٣) – أ. د. نادية محمود مصطفى “الثورة المصرية.. نموذجا حضاريا” -الجزء الأول من سلسلة الوعي الحضاري، مركز الحضارة للدراسات السياسية، القاهرة، فبراير – مارس ٢٠١١م، مقدمة، صفحة ٥.

(٥٤) – يورج آرمبروستر Jörg Armbruster، “الربيع العربي – عندما بدأ الشباب المسلم في تغيير العالم”، الناشر Westend، فرنكفورت / ٢٠١١م.

(٥٥) – ياسر العيتي، “الإنسان أولا”، إصدار مكتبة الأسرة العربية / إسطنبول، ٢٠١٩م، صفحة ٩٣. ويجمع الكتاب مقالات كتبت في السنوات القليلة التي سبقت اندلاع الثورات العربية كما يقول الكاتب في مقدمته.

(٥٦) – للكاتب: “جيل الثورة وصناعة التغيير”، مقالة في “مجلة اتحاد شباب المستقبل” السورية، ١٥ / ٦ / ٢٠١٤م، وهي مجلة شبابية ثورية توقفت عن الصدور في هذه الأثناء.

(٥٧) – للكاتب: “حاجة العمل الإسلامي إلى صياغة جديدة”، مقالة في مجلة البيان السعودية، ٢٦ / ٤ / ٢٠٠٤م

(٥٨) – مونيكا شيدين / Monika Scheddin، “استراتيجية نجاح التشبيك / Erfolgsstrategie Networking”، Allitera Verlag، الطبعة السادسة، صفحة ١١.

(٥٩) – عناوين جانبية من محاضرة ألقاها الكاتب يوم ١٤ / ١١ / ٢٠١٩م في مؤتمر “ملتقى الحضارات” في الرباط.