ظهر موقع “ويكي ليكس” يوم ٤ / ١٠ / ٢٠٠٦م وسرعان ما أصبح من أبرز محطات ثورة “الشفافية” مقابل إساءة استخدام ما يوصف بحفظ أسرار الدولة، إذ لم يعد مجرد حفظ أسرار بقصد السلامة والمصلحة، بل باتت ممارسة ذلك تخدم في الدرجة الأولى انحرافات خطيرة، منها حماية من يرتكب جرائم جنائية وسياسية في الحروب ووقت السلم من المحاسبة، وتوظيف ذلك لأغراض هيمنة القوى الاستبدادية الدولية، مما يصل إلى منحدرات شرعة الغاب.
ولم ينقطع تصعيد جولات معركة القضاء على مؤسس الموقع جوليان آسانج Julian Assange إما بسجنه وجعله “عبرة لمن يعتبر” أو بمواصلة شغله عن طريق جولات قضائية لا نهاية لها بحيث لا يستطيع متابعة المهمة التي نذر نفسه لها.
وسبق نشر هذه الورقة البحثية في ثلاث حلقات في موقع “إسلام أون لاين” مع التأكيد أنه قد يمكن القضاء على “ويكي ليكس” ولكن ليس على جوهر ثورة “الشفافية” التي أحدث الموقع على صعيدها نقلة نوعية كبرى.
وأمام الكمّ الهائل والنوعيّة الحساسة للوثائق التي كشف عنها ويكي ليكس وما أثارته من ردود أفعال ومواقف وجدل، يأتي الحديث هنا بشيء من التبسيط لتسهيل رؤية معالم الصورة الإجمالية بمعالمها الكبرى. ولا تخفى استحالة الإحاطة بجميع الجوانب، أو حتى الجانب السياسي وحده، فتكفي الحصيلة في حدود ما يعتبر نماذج يسري مفعولها على جوانب تفصيلية، أو ما يمكن وصفه ببصمات ويكي ليكس على طبيعة “المعلوماتية” وحربها المستقبلية، وتأثيرها على العلاقات السياسية، مع التنويه إلى “بصمات” أخرى هامة، في الميادين الإعلامية والشبكية، والخلفية الفكرية التي تتحكّم فيها وتأثير ذلك على الجانب السياسي، وكذلك في الميدان الحقوقي والقانوني الدولي، ومدى تأثير “حسن استخدام الشبكة” مستقبلا على تخفيف قبضة موازين القوى الدولية المسيطرة عليها.
في هذا الإطار العام نستخلص أسئلة محدّدة من بين ما استغرق البحث فيه عبر كثير ممّا يُقال ويُنشر مع كل حلقة من الحلقات المتتابعة لنشر الوثائق والتفاعل معها، ومحاولات تفسير عملية الكشف بحد ذاتها، وتأكيد أهمية تجنب الاستغراق في جدل “موجّه” نحو زوايا لا تتعلّق بمحتوى الوثائق بل بمسألة “سرية المعلومات” و”السمعة الأمريكية” والعلاقات الديبلوماسية وما شابه ذلك، أي جوانب بعيدة عن جوهر مضامين الوثائق نفسها، وبعيدة عن جوهر ما يساهم الموقع فيه في مسار ثورة الشفافية المعلوماتية.
* * *
عناصر المحتوى
أولا: بصمات ويكي ليكس على العلاقات السياسية
تفسير من وحي “فكر المؤامرة” – التهوين من شأن الحدث – تعامل الحلفاء مع “سقوط الأقنعة” – بين الهيمنة الأمريكية والأتباع
ثانيا: معالم المعركة من وراء الضباب والصخب
كلمة في الخلفية التقنية – كلمة في نقل المعلومات – كلمة في الخلفية القانونية – كلمة في “التحرير والنشر”
ثالثا: بين الإعلام التقليدي والإعلام الشبكي
حدود المهمة الإعلامية في موقع “ويكي ليكس” – مشكلة الإعلام التقليدي مع “ويكي ليكس”
رابعا: مستقبل النشر الشبكي والشفافية
أصحاب المصالح المادية في معركة يائسة – صعود قوة المستهلكين في الشبكة – تبدل عالم الشبكة كتبدل المناخ العالمي – أسئلة جوهرية
نبيل شبيب