أزعم أنني من أكثر الناس رغبة في الحوار وممارسة له مع كافة أطياف المجتمع، كما السلطة، ومنذ اعتلى الرئيس د. بشار الأسد كرسي الرئاسة أرسلت له عدة رسائل كان أولها بتاريخ ٢ / ٢ / ٢٠٠١ لخصت فيها رؤيتي لعمل مستقبلي كما يلي:
١- إلغاء القانون ٤٩ لعام ١٩٨٠ لتعارضه مع الدستور ومع قانون العقوبات والمعاهدات الدولية.
٢- إلغاء حالة الطوارئ والمادة ١٦ من قانون إدارة أمن الدولة رقم ١٤ لعام ١٩٦٨.
٣- إعادة الاعتبار للذين صدرت بحقهم أحكام من المحاكم الميدانية العسكرية.
٤- تفعيل المحكمة الدستورية.
٥- فتح باب الحوار.
ثم أتبعت ذلك برسائل عديدة، منها مطالبة الرئيس بفتح بابه لاستقبال شخصيات في المعارضة لمناقشتهم بالحالة العامة للبلاد.
لم أتلق أي جواب خطي أو عملي على جميع رسائلي التي بلغت ست رسائل.
كما خاطبت وزراء رئيسيين في الدولة، وزير الدفاع، وزير الداخلية، وزير الخارجية، وزير العدل، وزير التربية، وزير التعليم العالي، فضلاً عن مخاطبتي واجتماعي وجهاً لوجه مع مسؤولين أمنيين كبار.
هذا التحرك الذي بدأته منذ نحو ثمان سنين لم يأت أكله حتى الآن، ولم أر أي رد فعل إيجابي لهذا الحراك، برغم أن عدداً من الوزراء قد طلبوا مني هذا الحوار، فما هو الحل؟
يعتقد بعض الناس أن الاستمرار في الحوار مع السلطة إنما هو نوع من العبثية باعتباره “حوار طرشان”، ومن هنا عبرت هيئة إعلان دمشق عن رأيها بضرورة القطع مع السلطة لعدم جدوى الحوار.
أتساءل أحياناً هل المطلوب أن نعلن الهزيمة؟! وهل تدفع السلطة العاملين في الشأن العام لخطوة من هذا القبيل؟ أم أن السلطة ترى أن الحوار ليس لغة العصر وأنها مع الانعزال والعنف وما إلى ذلك وهي اللغة المناسبة في رأيها! وأن الأحادية هي الأصل.
إن ثقافة الحوار والحرية والديمقراطية لا تهبط على الناس بصورة مفاجئة، ولكنها تحتاج لتراكم معرفي في زمن ليس بالقصير، ومن هنا فإن وقوع الشعب تحت قمع أنظمة استبدادية شمولية لأكثر من خمسين عاماً، أدى لتدمير البنية المجتمعية، ونشر الفساد، كما حال دون تراكم المعرفة لتخريج القادة الذين بقوا محصورين في جهة النظام.
تغولت السلطة التنفيذية على القضاء الذي فقد استقلاله من خلال النظام الحالي، ونادينا بضرورة استقلال السلطة القضائية، ووضعنا الحلول المناسبة لذلك، ولكن ما من سامع، ما أدى إلى أن المواطن لم يعد يطمئن إلى وصوله لحقه إذا لجأ إلى القضاء، خاصة إذا كان الحق مرتبطاً بوضع سياسي معين، فأنا كغيري من المواطنين العديدين ممنوع من السفر وسطرت كتبا عديدة حول هذا الموضوع إلى رئيس الجمهورية ووزير الداخلية، والأجهزة التي يشرف عليها فلم أفلح، فلجأت إلى القضاء، فماذا كانت النتيجة؟!
لقد منح القضاء السلطة الضوء الأخضر لتستمر في منعي وأمثالي من السفر وإبقائي في السجن الكبير دون أن نتمكن من التمتع بحريتنا، كما وتم تجاوز سائر القوانين والمعاهدات الدولية وميثاق حقوق الإنسان العربي.
انحدر التعليم إلى مستوى بالغ السوء بفضل تدخل السلطة التنفيذية في جهاز التعليم ومنح المزايا الدراسية والدرجات المجانية لأناس يصنفون بانتمائهم الحزبي أو غير الحزبي! وبالتالي أضحى المتخرج من الجامعة يحمل ورقة ممهورة بعبارة طبيب أو مهندس أو.. إلخ وهو ينظر إلى الشهادة باعتبارها طريقة للكسب بغض النظر عن مضمون هذه الشهادة التي يحملها.
انعدمت الشفافية تماماً في جميع مرافق الدولة، فمن غير المسموح الكلام حتى في أبسط القضايا، فمثلاً منذ سنوات قريبة وقع حادث سير أدى لانفلات دبابة من على حاملتها فوقعت على سيارة نقل كبيرة تنقل تلميذات كن متجهات إلى المدرسة فَسحقت السيارة بمن فيها ثم سحق عدد آخر من السيارات التي كانت متواجدة في المنطقة، وتم تطويق المكان ومنع تسرب أي خبر، وحتى وسائل الإعلام الحكومية لم تذع عنه شيئاً، وكأن هذا الموضوع يمس أمن الدولة!
تتم اعتقالات خارج إطار القانون وتزعم الأجهزة الأمنية أن المعتقلين ينتسبون إلى “الفكر السلفي” أو “السلفي الجهادي” دون أن يقوم هؤلاء بأي عمل ضد القانون، ومع أن قانون العقوبات لا يعاقب الناس على أفكارهم إلا أن محكمة أمن الدولة الاستثنائية، قد هيأت مسبقاً تهماً استمدتها من نصوص عائمة لقانون العقوبات من أمثال “نفسية الأمة وهيبة الدولة.. إلخ” تسقطها على المعتقلين، ومعلوم أن هذه المحكمة لا رقابة قانونية على أحكامها.
وتعج دور التوقيف الغير معدودة ولا محدودة بالنزلاء الذين يمارس عليهم التعذيب الجسدي والنفسي بصورة منتظمة، بينما لا يضفي القانون أية حماية على أي شخص مهما كان موقعه ومركزه إذا رغبت السلطة احتجازه، فحالة الطوارئ المعلنة منذ انقلاب ٨ آذار ١٩٦٣ وحتى الآن تعلو كل قانون وتعطل سائر التشريعات التي تحمي المواطن وعلى رأسها الدستور، بينما المرسوم ١٤ لعام ١٩٦٨ يشرعن الجريمة.
حصلتُ على أحكام من القضاء العادي، وبخاصة من القضاء الشرعي، وحاولت تنفيذ هذه الأحكام إلا أنني اصطدمت بالقرارات ورفض الموظفون المعنيون تنفيذ حكم بزعم وجود قرارات وتعليمات تعلو القانون، فأين هو الحل؟
انتشر الفساد في البر والبحر ولم يبق مفصل من مفاصل السلطة خالياً منه، وتشابك هذا الفساد مع منتفعين في جهات أمنية لتشكل لهم حماية، وأضحى مسؤولون من أسر معينة يكنزون ليس الملايين ولكن المليارات من الدولارات وتحال إليهم معظم مشاريع الدولة التي يجري تنفيذها بصورة سيئة ولا يتمكن أحد من مناقشة الموضوع، لأن هذا فوق المساءلة.
يجري رفع أسعار المحروقات والكهرباء وتقفز بالتزامن أسعار سائر المواد الغذائية ويزداد الفقير فقراً، بينما يزداد الفسادون غنى وتخمة، ومع ذلك ترفع السلطة شعار الاشتراكية وتهدد بعض المعتقلين بتطبيق جريمة عرقلة مسيرة الاشتراكية، ويجري يومياً نهب المال العام وتمد السلطة يدها إلى جيوب الفقراء لتستنزف ما بقي فيها من قروش، بينما المتربعون على الكراسي يرفلون بالحلي والحلل، والسيارات الفارهة الحديثة على حساب الشعب وتزود دورهم بالوقود لتشغيل أجهزة التدفئة مجاناً وبصهاريج الحكومة، ويتحرق الفقير حين يرى ذلك فماذا عساه يفعل؟ هل ينتظر منه الحكام أن يسبح بحمدهم؟!
في عام ١٩٦٨ كانت صفيحة البنزين ب”٨” ليرة سورية واليوم ب”٨٠٠” مع أن سوريا تصدر هذه المادة، والسبب بسيط كما قدمت، هو أن المسؤول يتمتع بالسيارات والمحروقات مجاناً وبالتالي لا يشعر هو بأي أثر لرفع الأسعار.
في مطلع حكم البعث كان سعر كيلو الخبز الممتاز ب”٥٥ قرش سوري” وقس على ذلك سائر المواد، فهل نحن فعلاً في دولة العدل والقانون أم في دولة يجري فيها نهب المواطن وإفقاره وإذلاله؟!
اختفت كسور الليرة السورية بدءاً من القرش وانتهاء بالليرة وبالتالي فإن من يدفع أي مبلغ لقاء استهلاك الكهرباء أو الماء أو لضريبة فإن كسور الليرة السورية لا ترد إليه، وهي تشكل سرقة مكشوفة تحيق بالفقير في حين لا يأبه لها الغني.
عقب مؤتمر القمة الذي عقد في دمشق تم تسخير جميع وسائل الإعلان للدعاية والترويج لأهمية هذا المؤتمر “ونحن مع هذه الأهمية” ولكن أليس لدينا نحن الشعب ما هو هام جداً في إطار وضعنا الداخلي الذي يتراجع طرداً على كل صعيد من سيء إلى أسوء والذي هو في نظر الناس أهم من كل شيء حتى ومن مؤتمر القمة؟!
هذه النقاط المختصرة التي قدمتها تشكل مع غيرها حصاراً قاسياً وممضاً للمواطن في الداخل الذي يجد نفسه لا يستطيع لها دفعاً ولا رداً.
بينما نشاهد التكالب علينا من الخارج بدءاً من غزو أفغانستان ثم العراق ثم الحصار الدائم للفلسطينيين، وتشريعات تصدرها مجالس نيابة وغير نيابية في الغرب بغرض دعم الإرهاب الصهيوني، ويجري حصارنا في كل مكان ويلهث الغرب ليس وراء الشعارات التي يطلقها وإنما وراء ثرواتنا، وتتصدر الولايات المتحدة طابور الشر في العالم لتفرض هيمنتها وهمجيتها على سائر دول العالم حتى الغربية منها وتتدخل في الأمور الداخلية للجميع، ويشاهد شعبنا كل هذا المشهد مما يشعره بأنه تحت ضغط وإرهاب خارجي يستهدفه أرضاً وشعباً وثروة وهو بين هذين الفكين كيف يستطيع حماية حريته وحياته وكيف يمكنه أن يحارب الفقر والمرض في الداخل؟ بينما يرى ضغط العالم الخارجي يصيبه بالوهن، في حين أن السلطة تتمترس خلف هذه الحالة، التي تستعملها في مواجهة المواطنين؟
فحين تتحرك أي فئة أو تجمع مدني أو سياسي للضغط على السلطة في سبيل تحقيق بعض المطالب، تشهر السلطة في وجهه شعارات من مثل أن الوقت غير مناسب وأننا نتعرض لضغوط خارجية كبيرة وأن البلاد في خطر، هذه الحجج والأنشودات التي تشهرها السلطة في وجه المعارضين لها أفراد وجماعات، تجعل المواطن في حيرة من أمره فإما أن يستكين ويستسلم أو يعلن هزيمته؟ فهل إلى خروج من سبيل؟!
هيثم المالح