هل رسخت جذور انقلاب قيس في تونس؟

انقلاب قيس سعيّد انقلاب استبدادي على الشرعية والدستور

رأي

في مثل هذا اليوم، وعلى وجه التحديد يوم ٢٢ / ٩ / ٢٠٢١م اكتملت أركان الانقلاب الاستبدادي من جانب قيس سعيّد في تونس وثورتها التحريرية، وهذا ما كان يعنيه أمر رئاسي تجاوز به كافة الصلاحيات الدستورية، وكافة ما تعنيه انتخابات رئاسية سابقة، أي تجاوز التفويض الذي يعنيه انتخابه سابقا، وهو التفويض بالتصرف في حدود مهمته الدستورية، وهذا ما يقتضيه أيضا القسم الدستوري؛ وفق دستور ٢٠١٤م، الثابتة مشروعيته بمختلف المعايير، بصياغته وبالاستفتاء عليه.

والدستور صريح في شروط مشروعية الأوامر الرئاسية وشروط حالة الطوارئ ومدتها وحدود الإجراءات الاستثنائية الممكنة بموجبها، وصريح في بيان شروط استبقاء السلطة التشريعية لمجلس نواب الشعب، وتحديد مسؤولية السلطة التنفيذية أمام مجلس نواب الشعب. فلا مشروعية لتجاوز جميع ذلك من خلال أوامر رئاسية، مهما كانت التعليلات، فحصيلة الاستبداد أوخم بعواقبها من أي تعليلات انقلابية.

الانقلاب اكتملت أركانه غير المشروعة يوم ٢٢ / ٩ / ٢٠٢١م ولكن التمهيد له بدأ قبل ثلاثة شهور على الأقل، فكان الإجراء الأول الفاصل بين حياة نيابية دستورية وواقع استبدادي في يوم ٢٥ / ٧ /٢٠٢١م بمرسوم قيسيّ يقيل رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي آنذاك، كما يجمّد دون حق حصانة النواب وعمل مجلسهم، فبدأت فوضى الاستبداد بحجة إنهاء فوضى الخلافات النيابية والحزبية من قبل.

لقد انتزع سعيّد لنفسه مباشرة السلطتين التنفيذية والتشريعية، وبدأ التعدّي على السلطة القضائية باغتصاب سلطة النائب العام أيضا، وهو ما وصل لاحقا إلى حل مجلس القضاء الأعلى، ثم ملاحقة من رفض من القضاة الخضوع لمشروعية مزيفة، كذلك فإن ما بدأ بإجراءات استثنائية وفق تفسير يتعدّى على نصوص دستور ٢٠١٤م، وصل لاحقا إلى إلغاء الدستور نفسه.

٠ ٠ ٠

من العسير القول إن قيس سعيّد كان يتصرف منفردا فلولا وجود دعم خفي خارجي ودعم خفي عسكري ما تحرك بمثل هذه الإجراءات الاستبدادية المتتالية، إنما كان الانقلاب العسكري الصريح شبهَ مستحيل في تونس، مهدِ الثورات الشعبية العربية ضد الأنظمة الاستبدادية وضد التبعيات الأجنبية بجميع أشكالها وإفرازاتها.

ولا حاجة إلى المزيد لبيان أن المشروعية الدستورية ولدت من رحم الثورة وأن الانقلاب الاستبدادي جزء من التحرك المضاد غير المشروع لثورات تحرير إرادة الشعوب. إنما نحتاج إلى استخلاص الدروس من نتائج التعامل المحلي والإقليمي والدولي ضد الإنجازات الثورية الشعبية، وفي تونس كمثال كان المفترض أن تتم المواجهة شعبيا وسياسيا فور تحرك قيس سعيد بأول إجراء شاذ اتخذه ومهد به للانقلاب عبر سلسلة إجراءات تالية خلال ثلاثة شهور، فقد تحرك من بعد لشرعنة جذور الاستبداد الجديد وهو ما تطلب زهاء سنتين حتى الآن.

صحيح أن السياسة السلمية في بناء الدولة مطلوبة وضرورية ولا غنى عنها، ولكن لا ينبغي أن يكون الحرص عليها على حساب الحسم مع من ينتهكها لإلغاء تحرير الإرادة الشعبية، مع استهدافها بضربات العنف السياسي وغير السياسي، فهنا لا بد لأي ثورة شعبية من المفاصلة الحاسمة، بقدر ما يفرضها التحرك المضاد على المسار التحرري، ومن دون ذلك يتطور التحرك الالتفافي المحدود في البداية ويتنامى، وقد يفوت أوان مواجهته قبل أن يقضي على الطاقات القيادية التي تولد وتبلغ أشدّها أثناء الثورة الشعبية وبعد مقدماتها الأولى.

وأستودعكم الله وأستودعه تونس وأهلها وبلادنا وشعوبنا جميعا في مسارات تحرير الإنسان من عبودية الاستبداد والاستغلال والعدوان، ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب

الانقلاباتتونسقيس سعيد
Comments (0)
Add Comment