خواطر
الغالبية من عامة السكان وبالتالي الرأي العام الشعبي في الغرب غائبون أو مغيّبون عن استيعاب حقيقة الحدث، وإلّا لما انتشر ذلك القدر من الانحياز السياسي المفضوح في مواكبة طوفان الأقصى وتداعياته، إزاء ارتكاب جرائم علنية كبرى من إبادة جماعية وحصار تجويع وقصف مساكن ومستشفيات ومنشآت مدنية بمن فيها من البشر، وارتكاب أفظع الموبقات التي تنتهك قوانين الحرب والسلم الدولية دون انقطاع ودون محاسبة رادعة.
بل لم يعد يوجد ما يردع الطبقات المهيمنة من ساسة وإعلاميين شيء دون انحيازهم هذا، كمخافة السقوط، ولا نغفل التحرك الجماهيري المضاد، ولكن لا نغفل أيضا أنه بقي في نهاية المطاف تحركا محدود الحجم، أمّا ما يسمى الفئات الصامتة من العامة، فيبقى في الحصيلة العملية أن صمتها لا يغير شيئا من توجهات صناعة القرار وتنفيذه.
أين الخلل؟
هل يصح ربط هذه الظاهرة بصعود مفعول الشعبوية وانتشارها؟
إن الأوضاع بهذا المنظور شاذة إجمالا وتنذر بمخاطر كبيرة، لا تقل شأنا عما وقع في الأيام الأخيرة من عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في الرئاسة، والجدير بالذكر أن انحيازه في قضية فلسطين آنذاك لا يختلف عن انحياز خلفه بايدن لاحقا، فكأن هذا وذاك مجرد أسماء تتبدل على كرسي يخضع في صناعة القرار لما يوصف بالدولة العميقة، المهيمنة على كل حال.
لكن الأوضاع الشاذة وحدها لا تفسر ظاهرة الانحياز المفضوح والقدرة على تمريرها، بل هي جزء من تضاريسها فحسب، ويتطلب البحث عن الخلل نظرة أعمق في الخلفيات البعيدة والقريبة، وليس سهلا في معايشة المآسي والآلام انتظار إجراء ما ينبغي لتحقيق ذلك من بحوث ودراسات رصينة، ولا تغني عنها مقالات الرأي والتحليل، فهي تنوّه إلى بعض الجوانب فحسب، ونرصد في هذا الإطار ما أنفق وينفق من طاقات مادية ضخمة لتوظيف وسائل الإعلام وبعض ميادين الفن والفكر والعلم مما له صلة بتكوين الإنسان، لتعطيل محفزات التفكير المرتبط بضمير حي وقيم أخلاقية، وهو ما عبر محطات عديدة منها محطة نشر مقولات بعينها، مثل إنكار قابلية التزام السياسة بالأخلاق، ومقولة انتهى عصر الأيديولوجيات / العقائدية، ثم مقولات تمجيد حرية العمل المطلق انطلاقا من واقعية نفعية ذاتية عرجاء عنوانها البراغماتية، ولم تنته عملية تعطيل المحفزات تلك عند محطة صناعة أفلام الرعب وألعاب القتل، وما انتشر عبرها من التعويد المبكر نسبيا على تقديس القوة مهما صنعت من خراب وتدمير ومهما أهرقت من دماء بشرية. وبين هاتين المحطتين محطات أخرى لتحويل مفعول الغرائز إلى أنماط حياة وحشو مكامن الفكر بمسلسلات وبرامج تلفازية لا تطرح هدفا كريما ولا تعالج جذور مشكلة عويصة.
الهدف المشترك هو نشر اللامبالاة أو انحراف التفكير عبر العقل البشري وانحراف الحوافز في محرك القلب الإنساني، فإذا عايش الإنسان الفرد مأساة كبرى كتلك التي أوصلت إلى طوفان الأقصى وتداعياته، اختلط تفاعل غالبية البشر معها بنمط تفاعلهم مع مشاهد فيلم سينمائي أو عرض تلفازي أو لعبة من ألعاب التقنيات الحديثة، مما يدغدغ المشاعر والغرائز فحسب، ولا يصنع مواقف مدروسة وعواطف تعبر عن ضمير حي.
مع هذه الإشارة الموجزة لواجب من واجبات التعامل مع أحد جوانب الأحداث التي تعصف بقضية مصيرية أستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب