تعريف
هذه وقفة عند نقلة أخرى لمداد القلم في العالم الافتراضي، مع ظهور الإصدارة السادسة يوم ١٤ / ٢ / ٢٠٢٠م. وهي مناسبة يتجدد معها الشكر لرواد مداد القلم منذ ظهوره الأول عام ١٤١٩هـ و١٩٩٨م؛ وهو الآن بحلة جديدة مع الحفاظ على جوهره, موقعا شخصيا وإعلاميا بحكم ما يغلب على المحتوى، وإن تعددت ميادينه، ويرجى له أن يصبح موقعا حواريا بين يدي جيل المستقبل، مع التأكيد أن الإرث الذي يخلفه جيلنا لجيل المستقبل إرث ثقيل، يستدعي الحياء وربما الاعتزال لا التشبث بما كان معظمنا عليه.
كثير منا، يصنفون أنفسهم في مواقع النخب من هذه الأمة، وقد استقبلوا الاستقلالَ عند رحيل جيوش المستعمر الأجنبي وهم في مقتبل أعمارهم، وها نحن على أبواب الرحيل ونعايش مآسي الاحتلال والاستبداد معا.
كثير منا أعلنوا مرارا امتلاك مفاتيح النهوض والتقدم والوحدة والتحرر بما تبنوا من رؤى ومناهج، وليس بين أيدينا من الحصيلة سوى الانهيار والتخلف والتمزق والتبعية.
كثير منا بدؤوا النضال والكفاح والعمل والجهاد بالدعوة إلى تيار أو حزب أو جماعة، أو تأسيس تنظيم للتمرد والثورة، أو تدبير انقلاب والسيطرة على السلطة، والجميع اليوم أمام ركام ما صنع النزاع والصراع، والإقصاء والاستئصال، والخصومة والعداء.
وأشد وطأةً من هذا الإرث الثقيل على جيل المستقبل، أن فريقا كبيرا من هذه التيارات والاتجاهات، لا يزال يمارس احتكار الصواب دون أن يبدل نهجه القديم، ويمسك بما لديه من بقايا إمكانات وطاقات ويأبى تسليم الزمام لآخرين، ويغلب علينا الإصرار على متابعة الطريق رغم ظهور أوزارها وعواقبها.
لا تعميم قطعا؛ فقد عرفنا قلة من أعلام الحقبة الماضية، ومشاعل في حلكة سوادها، وقد طرحوا مفاتيح النهوض، عقيدة وفكرا وأدبا وقيما، وإن لم يتمكنوا من امتلاك أسباب النهوض المادية والفكرية الأخرى، ولكن بفضل جهودهم بعد فضل الله تعالى، وصلت مشاعل الطريق إلى جيل الصحوة والتغيير، وإن أهم مكامن النهوض في الصحوة والتغيير هو الإنسان. فنستبشر بجيل المستقبل خيرا لمتابعة طريق النهوض الذي لم يبلغه جيلنا؛ وليست مهمة النهوض يسيرة، ولكنها ليست مستحيلة أيضا، فلا ينبغي التهوين من شأن مسؤولية حملها، ولا ينبغي السقوط في وهدة التيئيس من القدرة الذاتية على حملها.
والمسؤولية هنا أمانة وتكليف، ومعرفة ووعي، واستيعاب للواقع وتخطيط، وعمل يجمع الخبرات، وعطاء وقدرة على التعامل الهادف مع الآخر.
وإذ نتوجه إلى جيل المستقبل ليحمل هذه الأمانة، فمن حقه علينا أن نصدقه فنقول إن عليه أن يحملها على نحو آخر غير الذي صنعناه، وأن يعطيها حقها من الإيمان اليقيني، والفكر المستنير، والعلم المنهجي، والمعرفة الثاقبة، والوعي السديد، والتخطيط المدروس، والكفاءة والتأهيل، والتخصص والتكامل، والعمل الدائب، والجهد المتواصل، والصبر على المغريات والمرهبات، فذاك جميعه من شروط النهوض.
ومن أهم شروط النهوض أيضا أن يتمكن جيل المستقبل مما لم نتمكن منه: دوام الحوار والتفاهم والتعاون، من وراء سائر الانتماءات والتوجهات دون استثناء، وتوظيف الإمكانات والثروات والطاقات الذاتية الوفيرة توظيفا مدروسا هادفا، فآنذاك فقط تتحول الشعارات إلى منجزات وتتحول الأحلام إلى حقائق.
مداد القلم يود تقديم قسط من الواجب من هذه المهمة الكبيرة، وأن يكون دعوة للمشاركة في حملها، موجهة إلى جيل المستقبل، ذكورا وإناثا، مسلمين وغير مسلمين، من مختلف التيارات والانتماءات.
ومداد القلم يؤكد أن الكلمة لا تفقد مهمتها الأولى، مهمة تحقيق التواصل والحوار وتحريك عجلة التغيير، سواء انطلقت على شـفاه خطيب أو شـاعر أو محاضر إلى جمهـور بين يديه، أو كلمة حملتهـا الأوراق بين دفتي كتاب أو مجلة، أو مضت تتهادى على أجنحة موجات أثيرية شبكية، قد لا ندري ما كنهها، ولكن نعلم أنها وسيلة نرجو أن تكون مأمونة على نقل ما يصدر عن القلب والفكر، والوصول به إلى القلب والفكر.
وإذ يرجو هذا القلم أن يكون أمينا على الكلمة التي يكتب، سيواصل السعي لتكون سديدةً تتحرى الصواب، طيبة تعف عما لا يليق، ويرجو أن تجد لديك صدرا رحبا يستوعب ما قد يتفق أو لا يتفق مع رأيك، وإن النقدُ أحب إلي من الإطراء، فلعل رسائلكم تحمل استكمالا يغطي نقصا أو اقتراحا لجديد أو تعقيبا على موضوع أو فكرة، تحرك الطاقات على طريق التعاون من وراء الحدود والمسافات، لبلوغ غاية أحسبها مشتركة وإن تعددت الاتجاهات والاقتناعات، هي تحقيق سعادة الإنسان وبيان طريق خيره ومنفعته وهداه.
وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب
* * *
حرر النص الأصلي لأولى إصدارات مداد القلم يوم: ٢٣/ ٩/ ١٤١٨هـ و٢١ /١ /١٩٩٨م، وينشر في هذه الإصدارة بعد تعديلات طفيفة.