خواطر
هل يمكن حذف ما خلفه الخوارزمي حول قواعد الجبر في علم الرياضيات، لأنه من العلماء الأقدمين، من عصر المأمون وبيت الحكمة في بغداد؟ كلا.. ولكن ربما أخطأ في بعض ما قال به ولم يعد يؤخذ به!
هل يمكن حذف قانون الجاذبية من علوم الفلك وتطبيقاتها الحديثة، لأن إسحق نيوتن الذي وضع قانون الجاذبية كان من العلماء الأقدمين قبل حوالي ٣٠٠ عام؟ كلا.. ولكن ربما أخطأ في بعض ما قال به ولم يعد يؤخذ به! تاريخ العلوم الطبيعية والإنسانية على السواء جزء من مسلسل التاريخ البشري، وهو حافل بأخطاء وشطحات ونظريات ثبت خطؤها، وحافل بآراء صائبة وفرضيات ثبتت صحتها، فلا يمكن تعميم الخطأ على موروث أي علم منها، كما لا يمكن تعميم الصواب، ولم يمنع تجاور الخطأ والصواب من التمحيص في تلك العلوم ومتابعة مسيرة تطورها.
هذا ما يجعل الأسئلة المطروحة أعلاه تبدو لنا أقرب إلى التندر والفكاهة، ولكن يوجد في واقعنا من يتخذ مواقف غريبة من قبيل ما تذكره تلك الأسئلة، عندما يدور الحديث عن علوم الإسلام بدءا بأصول الفقه والفقه، انتهاء بعلوم القرآن والحديث، لا سيما علم التفسير، رغم أن جميع تلك العلوم ساهمت مع ولادتها إسهاما كبيرا في مسيرة الضبط لقواعد المنهج العلمي في البحث ومنهج التوثيق في المعلومات ونقلها.
إن مراجعة العلوم الإسلامية أمر طبيعي ومطلوب وضروري ولكن توجد للمراجعات قواعد وضوابط عامة تسري على هذه العلوم وسواها، وقواعد وضوابط تفصيلية تسري على كل علم على حدة تبعا لطبيعة تخصصه وفروعه، ومن دون تلك القواعد والضوابط لا نصل إلى نتائج قويمة، إثباتا أو نفيا، عبر المراجعة بما في ذلك التصويب والتنقيح منطلقا للتجديد والتطوير.
لا يصح تجاهل جانب سلبي، ولكن لا يصح أيضا التركيز على جانب سلبي بحيث تضيع معالم المشهد بكامله، ومثال ذلك التركيز على مواقف وممارسات سلبية صدرت عن “فريق” من علماء الإسلام المحدثين، فاتخذت ذريعة لنشر (أو انتشار) ردود فعل سلبية لدى قطاع من جيل الشباب، المتدين وغير المتدين، ومن ذلك رفض التسليم بما يقول به علماء الإسلام، مع تعميم ذلك الرفض على جميع ما يقولون به، وكذلك على صعيد التعامل مع الموروث الفقهي، حتى شاع اعتباره عند بعضنا، أو بعض شبابنا – بغض النظر عن درجة التدين – إرثا قديما مرفوضا جملة وتفصيلا، دون مراجعة، ولا تمحيص، ودون دراية ولا دراسة.
هذا تعميم خاطئ مثل تعميم أن كل ما في الإرث الفقهي صائب ملزم، ويسبب هذا وذاك اضطرابا كبيرا في فهم الإسلام وممارسته، وكذلك في مراجعة علومه وتطويرها. ولكن:
من يمكن أن يتولى تمييز إرث فقهي (وسواه) لتحديد ما لم يفقد صلاحيته مع مرور الزمن وتبدل المعطيات والاحتياجات البشرية، عمّا فقد تلك الصلاحية، فأصبح من الواجب أن نطبق بشأنه مقتضى مقولة “كل يؤخذ منه ويترك إلا صاحب هذا القبر” أي النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟
إن المطالبة بالتجديد والإصلاح والتطوير أو ما يشمله عنوان المراجعات الإسلامية ظاهرة صحية والأخذ بها مصيري في صناعة المستقبل.
وإن الانحراف بذلك إلى درجة الرفض التعميمي الشامل لجميع ما خلفه العلماء الأقدمون أو تقديسه وتنزيهه دون حق، هو انحراف مرضي في الحالتين.
والمطلوب من عامة العلماء والدعاة والمفكرين، طرح واجب التمييز والمراجعة بهدف القبول أو الرفض، وكيف ينبغي أن يكون ذلك، وما هي ضوابطه وقواعده، ولا بد في شأن الإرث الفقهي تحديدا من تجاوز أطروحات تفصيلية تقليدية، قد تفيد المتخصصين، والتركيز بدلا من ذلك أو إلى جانب ذلك على صياغة ما يطرحون بأساليب تصلح للعامة، ولا سيما من جيل الشباب والفتيات الذي بلغ به الوعي مبلغا يجعله يتساءل كيف يتعامل مع الإرث الفقهي، ويحتاج ذلك الوعي أن يجد قواعد وضوابط في إجابات مبسطة مقنعة، وإن لم يكن لدى كثير منا باع كبير في الفقه وأصوله والاستنباط وضوابطه.
وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب