(هذه كلمات نشرت قبل عام.. وكان يرجى أن تنتهي الفتنة فلا تتكرر الحاجة إلى إعادة نشرها)
رغم الألم ورغم الحرص على أن تنتهي الفتنة في الغوطة بمخرج يجمع الكلمة ويوحد الصفوف ويساهم في تحقيق النصر، ومع اليقين بعدل الله المطلق وأنه سينصف من قُتل ظلما ومن حرم بغيا، ورغم الاعتقاد الجازم بانتصار الثورة الشعبية وتحقيق أهدافها التغييرية في نهاية مطاف المعاناة، فإن ما جرى ويجري في "بوابة دمشق" -ولا نصر للثورة الشعبية في سورية دون دمشق- يفرض التأكيد، من أجل الغوطة والثورة، أن كل اقتتال بين الثوار اقتتال انتحاري لمن خاض ويخوض فيه من "شرعيين وأمنيين" -كما شاع وصفهم- ومن قادة عسكريين.. ومن مجندين أيضا، ولقد كان تجنيدهم للثورة.. وليس للاقتتال بين الثوار، وجميع الثوار خدام الثورة وشعبها، وليسوا سادتها وسادته، وسوف تبقى الثورة بهم ومن دونهم، وستستمر حتى النصر، على أيدي من يبقى ملتزما طريقها الثوري الشعبي الجامع.
. . .
إن من يقتتلون تحت رايات "إسلامية"، وكأن كل فريق منهم هو "الثورة"، لن يحملوا يوم القيامة راية فريقهم ليدافعوا عنها، ولن يجدوا في هذه الحياة الدنيا من جانب الشعب الثائر حضانة ولا تأييدا ناهيك أن ينالوا مكانة القيادة يوم النصر الثوري الشعبي.. ولقد فقدوا الكثير من مكانتهم بالفعل نتيجة ما صنعوا.. ويبقى الخطاب واجبا تجاه عامة المجندين تحت رايات متعددة:
يا أيها الثوار المجندون المقاتلون من أفراد الفصائل المتناحرة.. إن من يسير وراء "الشرعيين والقادة" خبط عشواء فيساهم في الاقتتال الانتحاري، لن تعذره الفتاوى بطاعة الأوامر مهما كان شأنها وشأن من يصدرها.. فحتى قيادة رسول الله صلى الله عليه كانت "على بصيرة" تشمل معه كل من يمضي من ورائه:
{قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين}..
ولا ينبغي أن نغفل عن التحذير في الآية التالية من سورة يوسف نفسها:
{.. أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ولدار الآخرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون}
ونبقى واثقين بالنصر على كل حال وهو الذي تؤكده الآية التالية للآيتين:
{حتى إذا استيأس الرسل وظنّوا أنهم قد كُذِبوا جاءهم نصرنا فنُجّي من نشاء ولا يُردّ بأسنا عن القوم المجرمين}
. . .
بكل قوة ووضوح:
ليس من يقتتلون من الثوار ثوارا وليسوا على بصيرة سيان ما حملوا من أسماء ورايات وما أوردوه من تعليلات وأعذار..
بكل قوة ووضوح:
ليس في اقتتال المقتتلين استجابة للخطاب الرباني بصيغة السؤال الاستنكاري: أفلا تعقلون.. ثم هيهات يشملهم النصر الموعود والنجاة الموعودة وتجنّب مصير المجرمين.. ما لم يتوبوا ويصلحوا ويعودوا إلى طريق الثورة..
بكل قوة ووضوح:
لا عذر لأحد في الاقتتال ولا التحريض عليه ولا في المشاركة والاستجابة للتحريض، سواء كان قائدا أو "شرعيا" أو مجندا ثوريا، حتى من هو أمّي لا يقرأ ولا يكتب، فتحريم هذه الصورة من القتل عبر الاقتتال هو مما يعرف من الدين بالضرورة، ومهما بلغت منزلة القائد بين يديه، فإن من يتلقى الأوامر يعلم أن الحلال بيّن وأن الحرام بيّن، وإنّ كل ما يُلقى من خطب تحريضية وينشر من "تبريرات" للاقتتال هو ضرب من الجدال المرفوض بجميع معايير الفقه وأصوله والدين وثوابته، وليست طاعة من يطيع الأمر بالإثم إلا إثما لا يختلف كثيرا عن إثم الذين يقول لهم إبليس يوم القيامة كما ورد في سورة إبراهيم:
{وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم}.
يوجد في الغوطة الشرقية وقد أصبحت عرضة لإعادة احتلالها بعد العجز عن ذلك في السنوات الماضية.. يوجد فيها وكذلك على "مقاعد المتفرجين والمواكبين لما يجري" من خارجها من لا يزال يجادل، ولا يتوقف عن الجدال، في تراشق الاتهامات، وتدافع المسؤولية، وفي تبرئة الذات، وفي توجيه اللوم للمحرضين وغير المحرضين والمتحدثين عن الفتنة علنا والمتحدثين سرا..
وهؤلاء سيأتون ربهم في الحساب يوم القيامة فرادى، فكل نفس بما كسبت رهينة.. ولكن جميع ما يجري على هامش الاقتتال، لا يوازي بإثمه وخطره معشار ما يسري على الاقتتال نفسه، فالاقتتال هو الفتنة، وصانعوها والمساهمون فيها هم المسؤولون عنها وعن الخروج منها.
. . .
على سبيل المثال:
(المثال من العام الماضي.. ويتكرر عبر أمثلة القابون وبرزة وتشرين حاليا)
تردد في يومي الخميس والجمعة، ١٩ و٢٠ / ٥/ ٢٠١٦م، أن عدو هذا الشعب وثورته استغل الاقتتال في الغوطة فاقتحم جنوب الغوطة الشرقية، وغضب بعض أولئك "القادة الثوار الأحبة": علام تصدقون أن جنوب الغوطة قد سقط، وما زال القتال مستمرا دفاعا عن القرى والبلدات والأهل والنازحين.. وسوف نسترجعها.
المشكلة أيها "الثوار الأحبة" أن ما تخوضون فيه من "اقتتال" تسفك فيه الدماء وتدفن الآمال وتزداد المعاناة، أكبر شأنا وأخطر مآلا مما يخوض فيه سواكم من "الكلام" حول ما تصنعون، فما تصنعون وتقولون هو ما أضعف الثقة فيكم وفيما تعلنون إلى درجة تصديق العدو المشترك وعدم تصديقكم.
إن المشكلة ليست "التحريض" ولا مصدر التحريض، بل تنفيذ ما يستهدفه التحريض، وأنتم أدواته التنفيذية!
على سبيل المثال:
يعتبون وهم في قلب المشكلة على من يتحدث عن المشكلة علنا.. ألا ليتكم أيها "الثوار الأحبة" لم تصنعوها كيلا يتحدث أحد عنها!
يعتبون وهم في اقتتال انتحاري على من ينتقد ويهاجم.. ألا ليتكم تتوقفون عن الاقتتال كي تنقطع الألسنة وتتكسر الأقلام..
يعتبون لغياب مبادرة "جيدة".. "متوازنة".. "عقلانية".. "واقعية".. ألا ليتكم تصدقون في الاستجابة لأي مبادرة أو تبادرون بأنفسكم إلى وضع حد للفتنة الانتحارية..
ليتكم تتخلون عن تقديس البندقية ولشرعيين صنعتموهم ولمستشارين انتقيتموهم وهم يخشون بندقيتكم أو يحتمون بها أو يستقوون على سواهم بمن يحملها.. فإن تخليتم عن ذلك وعن "تقديس بعض مصادر التمويل" سترون في المبادرات أو من دونها مخرجا، ولقد طرح كثيرا منها أهلكم الأقربون، من العقلاء المدنيين، ممن يتقون الله عز وجل ويفكرون ويعون ويخاطرون ويعانون.. وهم الذين يدفعون الثمن الأعظم من أجل أن تقاتلوا معا عدوكم، ثم قد يجد بعضهم نفسه في معتقل من معتقلاتكم أو ضحية الاقتتال فيما بينكم.
. . .
يا أيها "القادة الثوار الأحبة" أنتم المشكلة الآن..
لا طريق أمامكم لتعودوا إلى الثورة وأهلها وشعبها وطريق نصرها القادم إلا أن تروا هذه المشكلة على حقيقتها، أي أن تروا أنفسكم وما تصنعون، فتحلّوا المشكلة.
أما الثورة فمستمرة.. حتى النصر.
هذا ما نعلمه جميعا.. الثوار في الميدان ومن يدعمون الثورة والثوار بصدق وإخلاص، فهي من صنع الشعب الذي صنعها، وصنعنا من أجلها، ولن تكون لأحد مكانة متقدمة في هذه الثورة الشعبية وفي يوم انتصارها إلا بقدر ما يعود بنفسه إلى الشعب، وبقدر ما يكون جزءا من الشعب، ولا يستعلي عليه، فلا نصر لمن يستعلي على سواه.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.
نبيل شبيب