التعريف التالي بالضابط المصري الشريف علي مراد، من عام ٢٠٠٣م، ويأتي تحميله في مداد القلم (٢٨/ ١٠/ ٢٠١٧م) مع مرور ٦١ عاما على ميلاده، ولا يُعلم مصيره في هذه الأيام، ولا مصير بعض من تناقل قصته دعما له من الناشطين والناشطات في مصر.. نذكره ونذكر مأساته مع النظام الذي تسلّط ولم يعد ينتمي إلى مصر بممارساته السياسية وغير السياسية.. عسى أن تساهم في بيان مدى "الإساءة" الكامنة في تساؤل من يتساءل بجهل أو جهالة: علام انطلقت الثورة الشعبية في مصر وفي أخواتها عام ٢٠١١م؟ أو لعلها تساهم في تفسير استغراب كثير من المخلصين، لا سيما من أوساط السوريين، عندما تتردّد عبارة "كنا عايشين" المعروفة.. والمؤلمة للحريصين رغم المعاناة والآلام على متابعة الطريق حتى يتحقق التغيير الذي بدأ بانطلاق الثورات الشعبية)
يقول علي مراد في رسالة وجّهها إلى من دافع عن قضيته آنذاك:
(علي مراد هو مجرّد مواطن عربي، ولد وتربّى وعاش على أرض مصر، وتعلّم أنّ لهذه المواطنة العربية قدرها الرفيع، وثمنها الذي يجب أن ندفعه راضين، حتى ولو كان ذلك على حساب مصالح وضرورات شخصية تتطلّبها الحياة اليومية.. فكم من هذه الأمّة من فعل ويفعل ذلك رغم مصاعب الحياة. أفهم أيها الأشقاء أنّ لقب مواطن هو أمر عزيز وشريف، وفي ذات الوقت ليس بدون مقابل، المواطن الفلسطيني العربي في الخطّ الأوّل يدفع روحه مقابل هذا اللقب، والعراقي على الخط الثاني يدفع هو الآخر روحه.. فأين ما فعلته أنا من هؤلاء الشهداء الأبرار وما هو قدري ومقداره أمام نقطة واحدة من الدماء الطاهرة التي روت أرض فلسطين والعراق، والتي أنبتت أملا وضياء ينير للأجيال القادمة الحياة في عزة وكرامة).
قصة من الواقع وكأنها من الخيال!
كلمات كتبت بنور الصدق والإخلاص، وربّما كتبت مثلَها وأبلغ منها أقلامٌ عديدة، بلسان الوجدان، وبلاغة الأدب، وروح الشعر.. ولكن تتحول الكلمة إلى شعلة مضيئة، عندما تقترن بواقع مأساوي، ومعاناة يومية، وتعرّض لمظالم مستمرّة.. وتقترن بالحرمان من الحقوق المعيشية اليومية "عقابا" على وقفة شريفة يمارسها أحد المواطنين في زمن بات من يعتبرون أنفسهم زعماء كبارا يهرولون على عتبات المذلّة والتبعية والانهزامية، ولا يستحيون من إعلان العجز عن استخدام ما يسيطرون عليه من طاقات الأمّة ومقدّرتها في الدفاع عنها وعن قضاياها وحقوقها.. وعندما تقترن الكلمة بقصة صارخة، لا يستطيع خيال أديب أن يخطّ مثلها، ويعبّر من خلالها عن سلسلة من الجوانب المأساوية التي تعيشها الأمة المحرومة من حقوقها، في معاناة تصيب بشظاياها حتى القضاة الشرفاء الذين يتحدّون سياسات التسلّط..
آنذاك تكتسب الكلمة قوّة خلاّقة، تعيد الأمل في تحطيم الأغلال المفروضة، وإزالة العقبات الكأداء على طريق حياة عزيزة شريفة كريمة.
ما هي قصة علي مراد؟
١٥٩ مرّة -حسب أقوال وزير الطيران المصري أحمد شفيق آنذاك- نفّذت بها السلطات الإسرائيلية عمليات تفتيش لطائرات الركاب التابعة لشركة الطيران المصرية، في تنقلاتها بين مصر وغزة، مشاركة منها في "نفق أوسلو"، وفي المرة المائة والستين، في ٨/ ٩/ ٢٠٠٠م، وجد الجنود الإسرائيليون أنفسهم أمام "علي مراد" قائدا للطائرة، فواجههم برفض السماح لهم بتفتيشها، أولا لأنّ هذا التفتيش يخالف القوانين الدولية، وثانيا لأنّه لم يسبق أن أبرزت الجهات الرسمية المصرية أيّ اتفاق "مكتوب" بهذا الصدد.. وثالثا لأنّ في عملية التفتيش توجيه الإهانة لمصر وحكومتها وشعبها، ورابعا.. لأنّ علي مراد كان إنسانا مواطنا شريفا، يرفض أن يطأطئ هامته، كما صنع آخرون في مواقع صناعة قرارات المذلّة.
وانتشر الخبر في حينه في وسائل الإعلام، وأثار موجة من الإحساس بالكرامة في حقبة كانت وما تزال حقبة عارمة بأحاسيس الغضب المتفجّر والمرارة الناقمة على من يتفرّجون -وهم يملكون الأمر والنهي- على ما يصنع الإسرائيليون بفلسطين وأهلها، ولا يتحرّكون بنصرة حقيقية للشعب "الشقيق"، وإن تحرّكوا فيما يخدم في حصيلته الجبهة الأمريكية-الإسرائيلية في الدرجة الأولى، من خلال العمل على حصار المقاومة، وبزعم تخفيف المعاناة عن شعب فلسطين.. وكأنّ المعاناة تنتهي إذا بقي الإسرائيليون مع غياب المقاومة!
علي مراد الإنسان.. كان يشعر بما ينبغي أن يشعر به أي إنسان حرّ، وعلي مراد العربي المسلم كان يحترق مع متابعة مجرى الأحداث كما هو حال كل عربي ومسلم.. وعلي مراد الطيّار المصري صمّم على التصرّف كما يصنع عدد كبير من الشرفاء في مصر، من خلال معارضة السياسة الراهنة، ومكافحة أشكال ما يسمّى "التطبيع"، وممارسة ما يمكن ممارسته من المقاطعة للبضائع الإسرائيلية المتسلّلة والبضائع الأمريكية الغازية لأسواقنا على حساب إنتاجنا الوطني ودموع العاطلين عن العمل في بلادنا.. وكان الثغر الذي يقف علي مراد عليه هو تلك الرحلة التي كانت من نصيبه ما بين مصر وغزة، فلم يكن على استعداد للقبول بأن يؤتى أهل بلاده من ثغره.. فمارس حقّا قانونيا مشروعا في القوانين الدولية، ووفق القانون المصري -رغم ما فيه من علل في ميادين عديدة- فرفض التفتيش الإسرائيلي لطائرته ومن عليها.. وعادت الطائرة إلى القاهرة.
الانتقام.. من المواطن الشريف
لم تستقبل شركة الطيران.. ووزارة الطيران.. وأجهزة الدولة الرسمية والإعلامية علي مراد بأوسمة التقدير كما ينبغي في الأصل، ولا اتخذت من موقفه الشريف مدخلا لتعديل سياسات وممارسات غير مشرّفة، وفي الوقت نفسه لم يكن في الإمكان أمام ما انتقل إلى مسامع عامة العرب والمسلمين في مصر وسواها عن ذلك الموقف أن يتصرّف المسؤولون معه -على الفور- بما بيّتوه له على ما يبدو من "انتقام"، لكشفه عن عوراتهم، عبر كشفه عمّا كان يجري من قبل ١٥٩ مرة كما قالوا، وفق توجيهاتهم المباشرة أو غير المباشرة، وهو ما لا يمكن أن يدخل عبر أي بوابة مضيئة في سجلّ تاريخ شركة الطيران المصرية ولا وزارة الطيران المسؤولة باسم شعب مصر عن كرامة أهل مصر.. ولكن تبييت الانتقام بقي قائما، وبدأ التنفيذ تدريجيا، وشمل في هذه الأثناء:
١- الإيقاف عن العمل في شركة الطيران..
٢- وقف صرف راتبه الشهري ومصدر رزقه مع أسرته..
٣- مخالفة الحكم القضائي الأول الصادر بإعادته إلى عمله، وفصله مرّة أخرى عنه..
٤- تخفيض رتبته من كبير طيارين إلى مساعد طيار.. رغم خبرته الطويلة على امتداد ١٨ عاما..
٥- تلفيق قصة واهية ضدّه أنّه لم ينفذ طلب مرصد مطار الأقصر بشأن إقلاع طائرة كان يقودها قبل تسريحه..
وسوى ذلك ممّا يبدو لمن يتابع التفاصيل، كما لو أنّ "اوامر الانتقام التعسفية" لم تصدر عن مسؤولين في شركة الطيران ووزارة الطيران في القاهرة.. بل في تل أبيب أو واشنطون!
ولجأ علي مراد إلى القضاء المصري معلّلا ذلك بقوله: (أنا لست مناضلا، ولا أرغب أن تأخذ قضيتي أكبر من حجمها، وأرفض استغلالها وإعطائي حجما أكبر من حجمي! كلّ ما هنالك أنّني أدافع عن حقّي وأدفع الظلم عنّي لأنّ الله سوف يسألني لماذا لم تدافع عن حقك وتدفع الظلم عنك)
ولئن كان علي مراد يقول هذه الكلمات.. فالواجب أن يقول كل شريف مخلص لمصر ولهذه الأمة:
١- علي مراد مناضل.. لأنّ كل مواطن شريف في بلادنا بات مناضلا حتى في معيشته اليومية في ظلّ ما بات مفروضا من ألوان التسلّط وألوان التدخّل في حياته اليومية.. وحرمانه من حقوقه وحرياته الأساسية، ناهيك عن التصرّف بمصيره ومصير بلاده وقضاياه، بما يخالف إرادته..
٢- قضية علي مراد قضية كبرى.. لأنّها نموذج معبّر عما تواجهه هذه الأمّة، بأفرادها لحساب فئات محدودة العدد تتصرّف بخيراتها وثرواتها وقضاياها المصيرية..
٣- نصرة علي مراد في قضيته الخاصة.. واجبة، كنصرة كل قضية عادلة، لكل فرد يبلغ الظلم بحقّه مثل ما بلغه بحقّ علي مراد أو أقل من ذلك أو أكثر.. ومن يؤدّ واجب النصرة إنّما يدافع بذلك عن نفسه، وأسرته، وأهله، وشعبه، وبلده.. وليس عن علي مراد بالذات..
٤- كما أنّ الله تعالى سيسال علي مراد في قضيته وردّ الظلم عن نفسه، فسوف يسألنا فردا فردا، عن مواقفنا في مثل قضية علي مراد.. وفي القضايا الكبرى التي تواجهنا في قلب ديارنا..
ولقد أصدر القضاء المصري حكمه، في ١٦ / ٤/ ٢٠٠٣م، وقضى بإلغاء سائر القرارات التعسفية الصادرة بحقّ علي مراد، بما يشمل:
١- إعادته إلى وظيفته التي حرم منها "ظلما" كما ذكرت وسائل الإعلام مثل جريدتي الأهرام والأخبار استنادا إلى حيثيات حكم المحكمة..
٢- وإعادة رتبته التي كانت له كبير طيارين، ومدير عام، بعد تخفيضها غلى مساعد طيار وموظف درجة ثانية..
٣- وصرف الرواتب المستحقة له بعد حرمانه من رزقه ورزق أسرته لمدة ١٣ عشر شهرا.. ما زالت في ازدياد لعدم تنفيذ قرار المحكمة حتى ساعة كتابة هذه السطور (٢ / ٨/ ٢٠٠٣م)
٤- وعدد آخر من القرارات التفصيلية..
الفساد الأكبر من قضية علي مراد
الأصل في أي دولة تحترم نفسها أن يبادر المسؤولون فيها إلى تنفيذ حكم القضاء على الفور، والمسؤولون هم وزارة الطيران وشركة الطيران في مصر، لا سيما وأنّ وزير الطيران أحمد شفيق نفسه قال فيما قال في مقابلة صحفية: (لو ثبت عكس ما يقول الموظفون وأنّه تمّ ظلمه وافتُريَ عليه سيطير فيها رقاب).. ولكن يبدو أنّ ما ذكره الصحفي "سعد وهبة" في جريدة العربي المصرية بتاريخ ٢٢/ ٦/ ٢٠٠٣م صحيح، أنّ الوزير "حلف بالطلاق" أمام عدد من الصحفيين، ألا يعود علي مراد قائدا لطائرة مرة أخرى! ولهذا ما تزال رقاب المسؤولين في الوزارة والشركة -رغم حكم القضاء- في مكانها، وما تزال أحكام القضاء معطّلة، وما تزال أسرة علي مراد محرومة من رزقها، وما يزال الموقف المشرّف الذي وقفه علي مراد يستدعي من المسؤولين "الانتقام" ومن الشرفاء النصرة والتأييد.
إنّ قضية علي مراد لا تكشف فقط عن مأساة فرد وعائلة فحسب من بين مآس لا عدّ لها ولا حصر في طول بلادنا وعرضها، مذ أصبحت السلطة في معظمها إن لم نقل فيها جميعا، يعتمد على الاستبداد والفساد والمحسوبية، ويحوّل المتسلط من "موظف" يختاره الشعب لفترة من الزمن، إلى "مالك" يتصرّف بالبلاد كمزرعة تابعة له، وبالشعب كقطيع يملك ناصيته بيديه.
إنّها قضية تتميّز عن سواها في أنّها تكشف في الوقت نفسه عن سائر "العيوب" المأساوية القائمة من خلال أساليب التسلّط المتبعة:
١- ظلما للمواطن بمختلف أشكال الظلم بما يشمل حياته المعيشية اليومية..
٢- استهتارا بالقوانين وتحويلها إلى "لعبة" في أيدي القائمين في الأصل على تنفيذها.. ممّا يفقدهم مشروعية وجودهم في كراسي السلطة التي يمارسونها..
٣- تعطيلا للقضاء وأحكامه.. ممّا يوجب -وفق قانون العقوبات المصري- ووفق أي منطق تشريعي في دولة جديرة بهذا الوصف، أن يكونوا هم المحكومين بالفصل من وظائفهم، وتخفيض رتبهم، ووقف صرف رواتبهم.. بل وإيداعهم بالسجن لاستغلال مناصبهم الرسمية..
٤- قمعا لكلّ من تحدّثه نفسه بمواجهة الصلف الصهيوني والأمريكي، بمختلف الوسائل مهما كانت محدودة، بعد أن أعلنوا هم "عجزهم" عن مواجهته وهم يتصرّفون بالبلاد وإمكاناتها وأهلها وطاقاتهم وثرواتهم..
٥- مشاركة في توجيه الضربات لقضايانا المصيرية مثل قضية فلسطين، ممّا ينزع عنهم أهلية التحدّث باسمها أو جعلها ذريعة للبقاء في السلطة، ناهيك عن التصرّف بها، باتفاقات وتصريحات وتوقيعات، فقدت مشروعيتها منذ أصبحت في واد.. وإرادة الشعب في واد آخر.
إنّنا نتطلّع أن تكون مصر في الطليعة.. كشرفائها الذي لا يسلّمون رقابهم ومصير أمّتهم للمطامع الإسرائيلية والأمريكية، وكدعاتها العاملين وسط أشدّ الظروف قسوة للنهوض بمصر وبالأمة العربية والإسلامية ممّا أوصلتها إليه الانحرافات بها بعيدا عن تاريخها المضيء وأصالتها في مواقف العزّة والشموخ والإباء والمجد..
نتطلّع إلى أن يثوب المسؤولون إلى رشدهم، في قضية علي مراد وسواها، قبل فوات الأوان، فقد بلغ الغليان في مصر مبلغه، وبلغ واقع الأمة العربية والإسلامية درجة من الخطورة لم تعد تحتمل الانتظار..
وما لم يعد المسؤولون إلى رشدهم في قضية علي مراد وسواها، ففي شعب مصر الملايين من أمثاله، كلّ على ثغر من الثغور، وسيشقون بمصر وبهذه الأمّة بإذن الله الطريق إلى أهدافها العزيزة الجليلة، رغم العقبات الداخلية والخارجية،
العجز.. إّلا عن التنكيل الداخلي
من أشدّ التناقضات في بلادنا الصورتان التاليتان المتكررتان بأشكال متعدّدة وفي ميادين مختلفة:
الصورة الأولى: لا يكاد ينقطع الحديث على المستوى الرسمي عن رفض الدخول في معارك مع "العدوّ"، تارة بدعوى العجز مع التبجّح به وكأنّ الذي يجعل العجز عذرا لا يحمل المسؤولية عن صنعه وعن التمسّك بالسلطة ليزيده تفاقما، وتارة أخرى بدعوى أنّنا نعيش في "عصر السلام" والتعامي عمّا تتعرّض له أراضينا وشعوبنا، تحت أبصارنا حتّى تلوّثت ثيابنا بدماء ضحايانا، من ألوان العدوان المتواصل المتصاعد، بصورته الوحشية الدموية العسكرية المباشرة كما في فلسطين والعراق، وبصورته الوحشية الإجرامية كحصار التجويع الرسمي بمشاركة عربية كما كان في حالة العراق أو ليبيا، أو بصورة غير رسمية تحت عناوين حرية التجارة الدولية كما هو الحال مع كثير من البلدان النامية لا سيما الإسلامية!
والصورة الثانية: عدم انقطاع المسؤولين من دعاة "السلام" ودعاة العجز أولئك عن خوض معارك جانبية لا تنقطع، مع هذه الفئة أو تلك، وهؤلاء الأفراد أو أولئك، من أبناء شعوبنا، تارة من خلال اعتقالات عشوائية، وأخرى من خلال محاكم صورية، وثالثة من خلال تحدّي الأحكام القضائية، لا سيما الفئات والأفراد الذين باتوا يتمسّكون -رغم القهر- بالتعبير بصورة من الصور حسب استطاعتهم عن إرادة أمّـهم وكرامتها، ويدافعون عنها، مع تعريض أنفسهم لما تعنيه تلك المعارك غير المتكافئة!
كأن المطلوب من "ولاة الأمور" المعاصرين هو توجيه الضربات لجبهتنا الداخلية، إمعانا في صناعة العجز على صعيد الجبهة الخارجية!
وهذا بالذات ما يسري على واقعة علي مراد!
علي مراد ينال العقوبة مغلّظة دون أن يكون قد ارتكب ذنبا أصلا، ودون أن يرتكب مخالفة قانونية.
المفروض لو كان فيما صنعه علي مراد مخالفة للقوانين والأنظمة، أن يعتبر عمله تنبيها على وجود خلل في نلك القوانين والأنظمة فيجري تعديلها.. لا التسفيه به واضطهاده وتحويل "بطولته" إلى "قضية" من قضايا انتهاك حقوق الإنسان من جانب الدولة!
إنّ ما أقدم عليه الطيّار المصري علي مراد برفضه أن تقوم السلطات الصهيونية بتفتيش طائرته، يمثل صورة رمزية لدفاع المواطن العادي في أرض الكنانة، عن أرض الكنانة وأخواتها وفي المقدّمة فلسطين، ولو في زاوية واحدة صغيرة من زوايا فضائنا، المنكوب بمعادلات العجز العسكرية والسياسية على ألسنة المسؤولين وفي واقع ممارساتهم لمسؤولياتهم!
وإنّ كل اضطهاد لعلي مراد هو جزء لا ينفصم عن الاضطهاد الذي تمارسه سلطات بلادنا عموما، والذي يحتلّ رأس قائمة الاسباب التي تؤدّي إلى العجز داخليا عن توفير الحياة الكريمة، وتؤدّي خارجيا إلى العجز عن توفير الأمن والسلامة والكرامة في واقع الخارطة الدولية.
لقد آن الأوان لوضع حدّ لهذا الخلل الخطير في التعامل مع قضايانا الداخلية والخارجية، وآن الأوان أيضا، أن يرتفع صوت الشعوب بالاعتراض على هذه الممارسات، فقد أصبح من الثابت بوضوح أنّها لن تتوقف دون أن توقفها الإرادة الشعبية التي تعبّر عن نفسها بمختلف الوسائل، ومع الوعي الكامل للأخطار المحيطة بنا وببلادنا، والوعي الكامل للسبل الكفيلة بالخروج بنا من منحدرات العجز والتسليم والمعارك الجانبية نتيجة المطامع الأنانية المتحكّمة بمصائرنا وبأسباب قوّتنا ونهوضنا.
وتحية صادقة إلى علي مراد وأمثاله، وكلّ من يناصره ويسعى لمنع تكرار مثل هذه المظالم الواقعة بحقه، وتحية صادقة إلى كل من يعمل على تغيير الواقع المريض الراهن في بلادنا ويرتفع بنفسه وأهله وبلده إلى المستوى الكفيل بتحقيق الحياة الحرّة الكريمة التي نتطلّع إليها، ولا يجوز أن ينقطع النضال بمختلف أشكاله من أجل الوصول إليها وتثبيتها وضمانها.
نبيل شبيب