مقالة – المتنافسون في الإغاثة

من البداية تعمد النظام الأسدي الإيراني سلوك نهج إجرامي يستهدف مضاعفة الأعباء الثقيلة على الشعب الثائر، وكان من ذلك التشريد المتعمد والحصار الممنهج، حتى أصبح أكثر من نصف من كان داخل الحدود من شعب سورية مشردا ونازحا وقسم كبير محاصرا، هذا علاوة على أن ثلث الشعب بمجموعه يعيش من قبل الثورة في المنافي والمغتربات.

هذا ما جعل الإغاثة قضية قائمة بذاتها ضمن نطاق القضية الأكبر والأشمل: ثورة التحرر، وهذا ما جعل الإغاثة واجبا مفروضا على كل فرد قادر، لا سيما وأن كثيرا من القوى الإقليمية والدولية تعاملت مع "الإغاثة"

لتكون -جزئيا على الأقل- أداة من أدوات ممارسة الضغوط لتحقيق أهداف تلك القوى ومآربها، وعلى وجه التحديد تطويع مسار الثورة لتكون حصيلتها في نطاق معادلة التبعية والهيمنة، المنتشرة عالميا لا سيما في المنطقة العربية والإسلامية، ولا يستثنى من ذلك السلوك المنافي للمعاني الإنسانية سوى القليل من المنظمات الدولية غير الخاضعة للحكومات، وإن اعتمد أكثرها على تمويلها إلى جانب التبرعات العامة.

. . .

ليس واجب الإغاثة خلال الثورة واجب طرف دون طرف، أو فصيل دون فصيل، أو منظمة دون منظمة، بل هو واجب الجميع، ولا بد أن تسري على الجميع قواعد أساسية في أداء هذا الواجب، تمنع من تحويل الإغاثة إلى أداة تضيف مزيدا من أسباب التعثر في مسار الثورة، أو حتى التمزق والتشرذم.

ليس الحديث هنا عن الفساد والمفسدين، فجرم الفساد عظيم في الأحوال الاعتيادية وهو أشد حرمة وأكبر وأنكى في وضع الثورة، وهذا ما لا يخفى على ذي بصر وبصيرة، ولكن التعامل مع الفساد والمفسدين هو من شأن القضاء التخصصي المستقل عن كل ارتباط تعددي، مما يحتاج بدوره إلى بذل جهود متميزة.

الحديث هنا عن قواعد يرجى ازدياد الالتزام بها من جانب كافة المخلصين العاملين في الإغاثة من جميع الفصائل الثورية والتشكيلات السياسية ومنظمات المجتمع الأهلي/ المدني، دون استثناء.

. . .

في مقدمة ما يسري على قطاع الإغاثة:

{أنفقوا من طيبات ما كسبتم…}

{الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم}

ويسري أيضا:

{وفي ذلك فليتنافس المتنافسون}.. فهذا مبدأ أساسي لقطاع الإغاثة.

ولكن أين يكون التنافس؟

١- {لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى}..

التنافس الأكبر المطلوب هو على تجنب آفة الغرور والاستعلاء والمنّ على من يتلقى الإغاثة، فذاك أسوأ تأويل خاطئ للحديث الشريف حول "اليد العليا"، فليس من يتلقون الإغاثة متسوّلين مع القدرة على عمل، بل الذين يعطونها هم المتسوّلون في هذه الحياة الدنيا على باب الله عز وجل ليحصلوا على الأجر يوم الحساب، وهنا يتنافس المتنافسون، وهم الذين إذا امتنعوا عن تقديم ما يستطيعون ارتكبوا إثما، بعدم أداء الواجب مع القدرة على أدائه، ففي أموالهم هم.. في ثرواتهم.. في جميع ما يملكون، حق معلوم للسائل والمحروم.  

٢- {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا}..

التنافس المطلوب هو على الوصول بأكبر قدر من الإغاثة إلى أكبر عدد ممكن من المحتاجين إليها، دون تمييز بين قريب وبعيد، وإنسان وإنسان، وموقع وموقع، ودون تمييز بسبب انتماء أو ولاء أو معتقد، كذلك لا ينبغي بحال من الأحوال إغفال حاجة الثوار المسلحين إلى الإغاثة المعيشية، بل ولا ينبغي أيضا إغفال "الأسرى من العدو" كما تعلمنا الآية الكريمة {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا}.

٣- الصدق أمانة والكذب خيانة..

يجب أن يتجنب التنافس بين العاملين في الإغاثة السعي غير المشروع لكسب "قنوات" الدعم، باختلاق معلومات وأرقام وقصص لا تلتزم الصدق المطلق في التعريف بالذات، ناهيك عن تجاوز ذلك إلى ما هو أشدّ حرمة عبر الافتراء على العاملين الآخرين في الإغاثة كيلا يكون "نصيبهم" من الدعم هو الأكبر.

٤- {وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله}

التنافس المطلوب هو على الإحساس بالسرور لأداء الواجب بحد ذاته، وليس لأدائه تحت هذه الراية أو تلك، وباسم هذا الطرف أو ذاك، لا سيما من خلال الانزلاق إلى ربطه برؤية ما، سيان هل كانت على حق أم لم تكن، أي من أجل بروز فصيل أو أكثر من الثوار في منطقة من المناطق أو ميدان من الميادين.. فليست آلام الناس واحتياجاتهم وسيلة لذلك، وإن الغاية مهما كانت سليمة قويمة بنظر صاحبها، لا تبرر استغلال هذه الآلام والاحتياجات.

٥- {وتعاونوا على البر والتقوى}

الأصل في العمل الثوري المسلح والسياسي هو العمل على التنسيق وتوحيد الكلمة والصفوف، وهو ما يستدعي اختصار عدد الرايات والتنظيمات وتجميعها، أما في العمل الثوري الإغاثي فإن التنسيق والتعاون والتكامل يتحقق مع وجود أكبر عدد ممكن من التشكيلات الإغاثية، لا سيما فيما تستدعيه الحاجة إلى "التخصص النوعي"، أو المعرفة الجغرافية والاجتماعية المباشرة بمواطن أداء الواجبات المطلوبة.. فليس في مثل هذا التعدد مشكلة إلا عند تحويله إلى سبب صراع مرفوض بدلا من تنافس إيجابي مطلوب.

. . .

إلى الله عز وجل نتوجه أن يحقق الفرج لكل مظلوم ومحروم، وكل مشرد ونازح، وكل مستضعف ومحتاج، وكل جريح ومعتقل، وكل صابر على فراق أحبته من الشهداء أو المشردين أو المجاهدين الصادقين..

إلى الله عز وجل يجب أن يتوجه كل قادر على الإغاثة، أن ينعم الله تعالى عليه بالمزيد من العطاء.. ليؤدي واجبه أضعافا مضاعفة، وألا يتعرض لابتلاء بحرمان أو تشريد أو مصيبة من مصائب الدنيا، وأن يعينه على أن يتصور نفسه في كل يوم في موقع من يقدم لهم العون، ليستشعر أنه يقدم العون لنفسه، وما أحوجنا جميعا إلى ذلك في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. 

نبيل شبيب