رمضان
لا يتحول رمضان في واقع حياتنا إلى شهر التغيير في حياة الفرد أو في حياة الأمة من خلال الشعور بيأس أو أمل، بل يتحول من خلال العمل وفق ما تقتضيه دواعي اليأس وما تقتضيه دواعي الأمل على السواء، ليكون في الحالتين نبعا لا ينضب من طاقات العمل والعطاء.
لا يتحول بصيام يفتقر إلى الصيام عن الفواحش واللغو وإن من الفواحش واللغو: الكسل والاستخذاء حيثما يستدعي الواقع القائم حول الفرد العمل والصبر والمجاهدة والجهاد كل بقدر ما يستطيع، وما أعظم ما يستطيع إذا تأمل في ذلك مليّا.
لا يتحول دون أن نرتقي بأنفسنا إلى مستوى العبادة كما قررها الإسلام فلا تكون مجرد عادة، ولا تقتصر على ميدان دون ميدان، ولا نحبسها في تمتمة باللسان وحركات بالجوارح وعزوف عن بعض المباحات في شهر من شهور السنة أو أكثر.
فلنكن في رمضان وفي سائر الأيام والشهور والأعوام كما يريد رب الأكوان والأزمان، ولن نجد آنذاك في أعماق القلب وفي واقع الحياة مكانا لأمل يجعل من التوكل تواكلا يمنع تحقيقه ولا لقنوط محبط يجعل من التشبث به ذريعة للبقاء في قفصه.
رمضان شهر الصبر حقا، عندما نحول الصبر إلى طاقة تتفجر بالعمل كما ينبغي أن يصنع رمضان بالصابرين، وعندما ندرك أن الصبر على التخلف منقصة، وعلى الاستبداد مذلة، وعلى الاستغلال هوان، وعلى الإجرام جريمة، وعلى نشر الفاحشة والانحلال والإباحية عدوانٌ على إنسانية الإنسان، وأن الصبر على ظلم المعتقلين الأبرياء، وقهر الرجال والنساء، وعلى تسليم البلاد والمقدسات، وعلى استعباد الشعوب ونشر الفقر والبؤس فيها عارٌ وشنار.
رمضان شهر الجهاد حقا عندما يكون جهادنا حقا لا زعما، وعملا لا قولا، وحركة لا سكونا، وتغييرا لا خلودا إلى الأرض، والأرض كلّ الأرض، والإنسان جنس الإنسان، والمقدسات بكل مقياس وبمختلف الأعراف، تنادي للجهاد بمختلف أشكال الجهاد ودرجاته، كما أراده الإسلام جهادا بالقلم واللسان والمال والنفس.
رمضان شهر فضيل عظيم بذاته، ورمضان شهر الخير والمغفرة، شهر مبارك نعيش في بركاته بقدر ما يكون فيه من عمل يغير ما بأنفسنا ليغير الله ما بنا، ويباركه الله تعالى فيتحقق التغيير بإذنه، وهو العزيز القدير، الأرض في قبضته والسموات مطويات بيمينه، نسأله المغفرة والهداية والعون، ونسأله النصر الذي وعد به عباده المؤمنين الصادقين القانتين العاملين المخلصين المجاهدين، إنه على كل شيء قدير.
وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب