مطالعة
العنوان الرئيسي: هل يحتاج مجتمعنا إلى الدين؟
العنوان الثاني: حول قيمة الإيمان
الكاتب: د. فولفجانج شويبلي
صدر في شباط / فبراير ٢٠٠٩م
دار نشر: الدائرة الصحفية لجامعة برلين
عدد الصفحات: ٧٦ من القطع الصغير
ولد الكاتب فولفجانج شويبلي يوم ١٨ / ٩ / ١٩٤٢م، وحمل درجة الدكتوراة في القانون، وكان من قادة حزب المسيحيين الديمقراطيين، وشغل مناصب رسمية عديدة قبل أن يشغل منصب وزير الداخلية عام ٢٠٠٥م، ثم وزير المالية عام ٢٠٠٩م، وتعرض لحادثة إطلاق نار يوم ١٢/ ١٠/ ١٩٩٠م ألزمته الكرسي المتحرك، ولم يمنعه ذلك من متابعة طريقه السياسي، وكان له دور رئيسي في توحيد ألمانيا (إضافة: وشغل منصب رئاسة المجلس النيابي الجديد في ألمانيا عام ٢٠١٧م، وتوفي في نهاية عام ٢٠٢٣م، ودفن يوم الجمعة ٥ / ١ / ٢٠٢٤م).
٠ ٠ ٠
بين أيدينا كتابه (هل يحتاج مجتمعنا إلى الدين؟) ويبين فيه رؤيته للدين في المجتمع، مما يتصل بدوره في تأسيس مؤتمر الإسلام في ألمانيا عندما كان وزيرا للداخلية. وصدر الكتاب في شباط / فبراير ٢٠٠٩م، وهو الكتاب التاسع في سلسلة (خطابات برلين حول السياسة الدينية) وهو لا يطرح فقط صورة عن نهج هذا المشروع، وبالتالي مجموع الأنشطة التي يقف من ورائها بروفيسور شيدر وجامعة هومبولت في برلين، بل يطرح في الوقت نفسه، حصيلة ما وصل إليه وزير الداخلية الألماني السابق من خلال ما أطلق عليه وصف مشروع “مؤتمر الإسلام في ألمانيا”.
يتضمن الكتيب ثلاثة فصول، الأول تكرار لنص أول كتيب (صدر عام ٢٠٠٥م) في سلسلة “خطابات برلين” أو محاضرة شويبلي التي حملت عنوان “الدين – التحدي أمام السياسة”، ثم فصلا بعنوان “الدولة والإسلام في أوروبا” ويحمل الفصل الثالث عنوان “حقوق الإنسان معيار للسياسة”.
حاجة سياسة الدولة العلمانية إلى الدين
يبدأ شويبلي الفصل الأول (محاضرته يوم ٢٥ / ١٠ / ٢٠٠٥م) بالإشارة إلى انتشار التصورات حول انحسار الدين والاقتناع بأنه شأن فردي خاص لزمن طويل، وكانت كلمة العلمانية رمزا لذلك، فأصبح التقويم الغربي لمجتمعات العالم عموما يقوم على الاعتقاد بأنها متقدمة بمقدار ما تكون علمانية، ولكن بدا أن الولايات المتحدة الأمريكية بالذات تشكل منذ الحرب العالمية الثانية استثناء كبيرا وغير طبيعي من هذه القاعدة.
في هذه الأثناء سقط الظن -كما يرى شويبلي في هذا الفصل- بأن الدين مجرد شأن خاص ولا يشكل تحديا للسياسة، وهذا واضح من الأمثلة العديدة في السنوات الماضية، كالخلاف بشأن الإشارة إلى الدين في مشروع الدستور الأوروبي، أو الخلاف العميق حول التعامل مع “الخلايا الجذعية”.
ولهذا (لا يكفي طرح السؤال ما إذا كانت ألمانيا في حاجة إلى الدين، وإلى أي حد، بل يجب أن نستوعب حقيقة وجود أديان متعددة في ألمانيا، مع ضرورة أن نتفق أيضا على أن الإسلام يكتسب أهمية خاصة بهذا الصدد)، ولا ينفي بعد ذلك تعدد الآراء كثيرا حول نوعية التحدي الذي يطرحه الإسلام والكاثوليكية والبوذية أمام السياسة.
ثم يستعرض شويبلي في هذا الفصل سلسلة من النظرات التاريخية للدين، من عصور ميكيافيلي والقيصر فريدريك، ليؤكد أن النصرانية البروتستانتية الأوروبية لم تتقبل قيم الحريات وحقوق الإنسان إلا بصعوبة، بعد الحرب العالمية الثانية، وأن السياسة كانت محقة من الناحية التاريخية في رؤية أخطار دينية، وذلك بمقدار ما كانت هذه الأخطار تتجسد فعلا على أرض الواقع.
يبقى ثابتا أن النظرة الفردية للدين بالغة الأهمية في موقف الفرد السياسي، كما أن مفعول الدين عموما على صعيد تكوين الروابط الجماعية أمر ثابت بالشواهد العملية، ويستشهد شويبلي على ذلك بما أنجزه البابا الكاثوليكي السابق يوحنا بولص الثاني.
لا يكفي إذن الاستمرار على الانطلاق من أن الدولة -وحدها- مصدر الحلول لمختلف المشكلات، بينما تؤكد مقدمة الدستور الألماني على أن (الشعب الألماني أصدر هذا الدستور من منطلق مسؤوليته أمام الله) وهذا عنصر مشترك بين الأديان، فهي التي تجعل أتباعها يشعرون -بغض النظر عن الاختلاف في التفاصيل- بالمسؤولية أمام قوة علوية أكبر منهم ولم يختاروها لأنفسهم بأنفسهم (كما هو الحال مع سلطة الدولة مثلا).
وينفي شويبلي أن يكون الملحد دون دين على الإطلاق، فهو أيضا يطرح التساؤلات عما كان قبل البداية وما يكون بعد النهاية، وعن مغزى الحياة وعن الحقيقة ومفعولها.
ثم يؤكد شويبلي على أن الارتباط بالدين ينعكس على علاقات الفرد مع سواه، وهذا ما انعكس في النص الدستوري الالماني على أن (كرامة الإنسان لا تمس)، الذي ينطلق الكاتب السياسي شويبلي منه في التأكيد على أهمية التسامح بين أصحاب الأديان المتعددة ليتحقق هذا المبدأ.
تبعا لما سبق يقول شويبلي: (من وجهة نظر السياسي يشكل الدين بالفعل تحديا مركزيا للتصرفات السياسية المعاصرة، وتواجهنا بهذا الصدد مهام كبيرة، على المستوى القومي وعالميا، ولم يعد يمكن واقعيا الفصل بين هذا وذاك).
أوروبا الإسلام بمنظور شويبلي
الفصل الثاني بعنوان: الدولة والإسلام في أوروبا، نص يعتمد على محاضرة أخرى ألقاها شويبلي يوم ٤ / ٥ / ٢٠٠٧م، وبدأ فيها باستعراض تاريخي عندما كانت الكنيسة (١٤٩٣م) تقسم العالم بين الأسبان والبرتغال، ثم ما كان من حروب دينية وقارية في أوروبا لم تنقطع حتى القرن الميلادي العشرين إلى أن ثبت موقع “الدولة ذات السيادة”، وطوال تلك الفترة أيضا كان تاريخ العلاقة بين أوروبا والإسلام علاقة حروب دامية، إلا أنها لم تخلُ أيضا من علاقات فكرية وثقافية واجتماعية، فكان العلماء المسلمون هم الذين أنقذوا الفكر الإغريقي من الاندثار ليصبح في القرون الوسطى منطلق تنوير أوروبا، كما يؤكد الكاتب تأثير المسلمين على أوروبا تأثيرا كبيرا، كما كان في ميادين الفلك والطب مثلا، ولهذا تاريخ طويل، إنما لا تنطلق مساعي حوار الدول الأوروبية مع المسلمين فيها اليوم من الماضي التاريخي بل من الواقع القائم، حيث يوجد فيه أصوليون يريدون أسلمة أوروبا بصيغة شمولية لا تجد القبول لدى غالبية المسلمين فيها، ومقابل ذلك يشعر المسلمون بالتهديد المحيط بهم من خلال عولمة تقوم على التصورات الغربية.
هذه النظرة التاريخية التي تبين صعوبات الوصول إلى علاقة سلمية بين الدولة والدين في أوروبا، تستهدف تأكيد استحالة التوصل إلى حلول نهائية بين ليلة وضحاها للمشكلات المطروحة على صعيد العلاقة بين الإسلام والدولة في أوروبا.
ويرى شويبلي أن الدولة توجه اليوم إلى نفسها السؤال (المشهور في قصة فاوست لجوته): ما الذي تراه بشأن الدين؟ وهذا السؤال محرج للغاية، لأن الدولة تجنبت الإجابة عليه زمنا طويلا.
ويرصد شويبلي أن المسلمين الوافدين (وهو تعبير يشير إلى استمرار اعتبار الإسلام وافدا بغض النظر عن تصاعد عدد المسلمين من أهل أوروبا الأصليين) في تزايد مستمر، مما يشمل عموم دول أوروبا ذات الصبغة المسيحية في الدرجة الأولى، ويرى أن الجواب على ذلك لا يمكن أن يكون إلا من اعتبار الاندماج هو الحل، ذلك أن الجوار من دونه لا بد أن يولّد المشكلات، لا سيما في أوروبا ذات الكثافة السكانية العالية، على النقيض من أمريكا.
يجب إذن أن يطرح المرء على نفسه السؤال عما يعتقد، إذا أراد الحوار مع الآخر، لا سيما مع الإسلام، وهذا يقود إلى السؤال: (كيف يندمج في مجتمعاتنا الأوروبية أناس لهم معتقدات تختلف عن معتقدات غالبيتنا).
للجواب على هذا السؤال يعود إلى رصد حقيقة وجود تغيرات متوالية في المجتمع، ما بين جيل وجيل، وقد ضاعفت العولمة سرعتها (ولم يعد يمكن الأخذ بحل الذوبان الذي كان ممكنا في دول منغلقة على نفسها… فالدولة القائمة على نظام حر كألمانيا تعتمد على وجود عناصر مشتركة بين أفرادها، وبقدر ما تنمو هذه العناصر تتقلص الحاجة إلى إملاءات الدولة).
لا يمكن الاعتماد في الاندماج على انتماء مشترك مسبق، إنما لا بد في نظر شويبلي أن يكون الشعور بانتماء مشترك هدفا للاندماج، ويعلل ذلك بقوله: (ينبغي النجاح في أن يشعر المسلمون الوافدون، أو من هم من الجيل الثاني والثالث بل حتى الجيل الرابع، شعور الأمن أنهم في بيتهم، في موطنهم، هنا. أما الشعور بأنهم ليسوا في موطنهم في أوروبا، ناهيك عن الشعور بأنهم معزولون، فلا يمكن أن يجعلهم يريدون الاندماج).
ليس الاندماج شارعا باتجاه واحد إذن -كما يقول- فكما يُطلب من المسلم أن يقبل لنفسه وأولاده العيش في مجتمع أوروبي منفتح، يجب أن يسعى المقيمون هنا منذ زمن طويل من أجل أن يشعر المسلمون أنهم يعيشون في موطنهم.
يجب أن يسعى الطرفان لحل هذه العقدة، ليس من منطلق الموقف النزيه فقط، بل لأن ذلك هو الحل العقلاني الوحيد للتعايش. ويلاحظ شويبلي مستغربا أن مشكلة الاندماج تتنامى مع الجيل الثاني والثالث، بدلا من أن تتقلص، وهو ما يسري على مختلف البلدان الأوروبية، ويرى أن خيبة أمل كثير من الشبيبة تجاه مجتمعات لا تحتضنهم إيجابيا، تولد ردود فعل عكسية.
يجب كسر هذه الحلقة المفرغة، مع ملاحظة أن “عنصر اللغة” -وهو ما يكثر الحديث عنه في ألمانيا- ضروري، ولا يكفي وحده، كما تشهد الأمثلة من بريطانيا وفرنسا، ويساعد على الاندماج تحسين ظروف الدراسة والتأهيل المهني وبالتالي فرص الاندماج على صعيد العمل، وما ينشأ من صلات اجتماعية في هذه الميادين. وينبغي للدولة أن تبين أنها تدعم الاندماج ولكن لا يعني ذلك أن جهودها تغني عن الجهود الفردية لدى أصحاب الشأن أنفسهم.
ويستشهد شويبلي لبيان ما يفهمه من الاندماج بعبارات لمدير سابق لأكاديمية الفنون ببرلين تقول: “ثمن البقاء هو التعلم، فالوافد يجب أن يتعلم اللغة، والثقافة المحلية، والشبكة المعقدة من الحقوق والواجبات، وقد يكون عليه تجميد مفعول ما يحمله من معايير جزئيا، ليس بالتخلي عنها، بل بأن يتبعها ويحافظ عليها ويمارسها بالمقدار الذي لا يؤدي إلى انتهاك المعايير في البلد الذي احتضنه، إلى درجة تثير مقاومة شديدة”. ولأن انتشار المسلمين ومساجدهم لم يعد مقتصرا على مناطق معروفة كما في برلين يجب أن (نعلم بذلك، ونتقبله، فالاندماج يعني هنا أيضا: أن نتعلم كيف نعيش معا) كما يقول شويبلي.
هنا ينتقل إلى مشروع “مؤتمر الإسلام في ألمانيا” ويعتبر ما ذكر غاية له، مع تأكيد استحالة استنساخ ما تحقق من علاقة بين الدولة والكنيسة عبر قرون مضت، لأن للإسلام مفهوما آخر وتنظيما مختلفا، والطريق هو طريق تطبيق ما تقول أوروبا به الآن بشأن قواعد التسامح والتعدد والانفتاح. كما ينبغي على المسلمين الذين يريدون الإقامة الدائمة في أوروبا أن يتقبلوا أن هذا قائم على القواعد الضرورية لتحقيق الديمقراطية ودولة القانون والحريات، ويشيد شويبلي بأن جميع المسلمين المشاركين في المؤتمر يعتبرون الدستور الألماني أرضية تحقق هذه القواعد، ويشترط لمشاركة المسلمين في تشكيل المجتمع أن يتخلوا عن اعتبار “الشريعة” نظاما سياسيا.
ويؤكد صاحب مشروع “مؤتمر الإسلام في ألمانيا” أنه أمكن تحقيق نجاح مبدئي، من محاوره الاقتناع بالموقع الذي ينبغي أن يكون للدين في (نظام سياسي قائم على الحرية والعلمانية). ويتحدث عن التجارب المبدئية في عدد من الولايات الألمانية لتعليم الإسلام بمشاركة المسلمين في تحقيق ذلك، ويعرب عن ثقته بأن هذا سيحقق تقدما ويصبح شاملا للبلاد في السنوات المقبلة.
كما يشير إلى دور الإعلام لإزالة المخاوف والأحكام المسبقة، وإلى قابلية تعميم الحوار مع المسلمين على المستوى الأوروبي، مع التأكيد أن القيم المشتركة ليست صادرة فقط عن الإرث المسيحي وحده في أوروبا، كما يؤكد في الوقت نفسه أن ما يتحقق من تطور ملتزم بمعايير النظام القائم في أوروبا وهو المقصود بضرورة “أوروبا الإسلام” أو نشأة “إسلام أوروبي”، ومقابل ذلك يجب على المجتمعات الأوروبية تقبل الإسلام باعتباره جزءا منها، وهذا ما يسري على جوانبه الدينية، ولا يعني القبول بأطروحات سياسية “إسلامية”، فالسياسة قائمة على أساس النظام الحر والتعددية. ومن هذا المنطلق يمكن أيضا اعتبار تطوير العلاقة بين الدولة والإسلام في أوروبا جزءا من تطوير العلاقات الخارجية على مستوى الدول، وهو ما يسري على جميع الدول الإسلامية وليس على تركيا فقط.
حقوق الإنسان معيار للسياسة
تحت هذا العنوان يأتي الفصل الثالث من الكتيب وهو مستمد من نص محاضرة ألقاها شويبلي يوم ٥ / ٤ / ٢٠٠٨م بعنوان “السلطة والضمير – المسيحية وحقوق الإنسان في أوروبا”.
يبدأ الفصل بالتنويه أن اعتبار حقوق الإنسان معيارا للتصرف السياسي أمر مشترك على مستوى عالمي، وإن تفاوت التركيز في ذلك ما بين الحقوق الفردية والحقوق الاجتماعية، مع التحذير من الاقتناع الأوروبي بأن التركيز على الحقوق الفردية يكفي.
والتناقض كبير مع الواقع القائم، ولا يعود ذلك في نظر الكاتب إلى الخداع في السياسة وسواها فقط، بل يعود أيضا إلى صعوبة عملية في تحويل المبدأ النظري إلى واقع تطبيقي في حالات محددة.
هذا ما يتطلب نظاما قائما على القانون، وملتزما بحقوق الإنسان معيارا له، مع مراعاة وجود حقوق أساسية لا يمكن للنصوص القانونية أن تنتهكها أيضا، فحدودها هي الحدود الدستورية مباشرة، من ذلك حرية الفن والعلم في الدستور الألماني، أو تحريم التعذيب والاسترقاق في الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان.
ويستشهد شويبلي بكتاب للمفكر “راينهولد شنايدر” (المحاضرة كانت احتفالا بذكراه) ليقارن بين تساؤلاته عن مشروعية ما مورس في حقبة استعمارية تجاه السكان الأصليين في أمريكا، وبين مشروعية ما يمارس حاليا في حقبة العولمة. يقابل ذلك عنوان الكرامة الإنسانية، فهذه القيمة تعني تجاوز ما كان من ممارسات تجاه شعوب لا توجد معها روابط عرقية أو دينية، لأن الكرامة الإنسانية قيمة مرتبطة بكون الإنسان إنسانا، وهو ما صدر عن الإرث الديني، المسيحي-اليهودي، في أوروبا وفق ما يقول شويبلي.
ولا ينفصل ذلك عن الارتباط بالإيمان بالله خالق الإنسان، فهذا ما يجعل تصرفاته مرتبطة بمسؤوليته أمام الخالق، على أن الاستناد إلى الإرث الديني المسيحي في ذلك، لا ينفي استيعاب التناقض مع ما صنعته الكنيسة تاريخيا، وهذا ما ينبغي -كما يرى الكاتب- استحضاره في الحوار مع المسلمين في أوروبا كما يجري في “مؤتمر الإسلام في ألمانيا”، فقبول الكنائس في نهاية المطاف بنظام تعددي، يعني القبول بأن المعتقد الذاتي لا يسري بالضرورة على الآخرين، ولهذا يسري اعتبار حقوق الإنسان مكفولة بغض النظر عن معتقده أيضا، وبالتالي التخلي عن جزء من التراث الديني الذاتي، لصالح المبادئ المشتركة الصادرة عن الكرامة الإنسانية أما كيفية سريان ذلك على المسلمين، فهذا ما عليهم هم أن يطرحوه، ولا أحد يستطيع أداء هذه المهمة بدلا عنهم، ولنا مصلحة في تحقيق ذلك، وهو ما يوجب علينا السعي له والصبر على تحقيقه.
على أن التناقض القائم الآن في عصر العولمة، يشير إلى مغريات كبيرة لانتهاك حقوق الإنسان بحجة مصلحة عليا، كالأمن، وسط ما تصنعه أخطار جديدة كخطر الإرهاب، ولئن تطلبت الأخطار الجديدة إعادة النظر في أنظمة قانونية تراعي حقوق الإنسان وحرياته، فهي لا تسوّغ نسفها، وهذا هو الفارق -في نظر شويبلي- بين مثال جوانتانامو وبين ما يصنع لتعزيز إمكانات المتابعة الاستخباراتية للكشف عن الأخطار في الوقت المناسب، وهو ما اشتهر بالقوانين الاستثنائية.
كما يميز الكاتب في الختام بشدة بين الانتقادات والمعارضة للتصرفات السياسية والتشريعات القانونية على هذا الصعيد، وهي في نظره ضرورية للوصول إلى حلول مقبولة عموما، وبين الرفض المطلق للتصرف السياسي بدعوى تعطيل الحقوق والحريات بذريعة الأمن.
على هذا الاساس يرى شويبلي أن من أكبر التحديات في القرن الميلادي الحادي والعشرين الجمع بين اعتبار حقوق الإنسان أساسا للتصرفات السياسية، وبين الحلول العملية الضرورية لمواجهة ظواهر جديدة، تصنعها العولمة، وأخطار عسكرية، ومشكلات الهجرة، وأخطار أخرى كما في ميدان التطورات الحيوية والطبية الحديثة.
وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب