رأي
يتحدث العنوان عن جولة انتخابات تقليدية في مصر مجددا، وكلمة تقليدية تعني أن نتائجها معروفة سلفا كالجولات السابقة، وأنها جولة من قبيل ما قال عنه مراسل صحفي كان في سورية وتابع فيها مسارات الإعداد لإحدى جولات انتخابات الرئاسة، وكان المرشح منفردا بالميدان، فأسهب المراسل في الكتابة عن ذلك الإعداد الضخم، ثم ختم ما كتب بقوله هازئا، إن المسؤولين يخشون من شيء واحد فقط، هو أن تكون النتيجة بنسبة تزيد على ١٠٠ في المائة، فليس سهلا تفسير ذلك إن حدث!
في مصر تتحول الانتخابات بالإكراه، لتكون الحصيلة تقليدية كسواها، حتى وإن كانت من قبل انتخابات حرة ونزيهة، فهي إذا أسفرت عن نتيجة غير مرغوب فيها، قد يقع ما وقع في الجزائر وكان دمويا، وفي مصر أيضا كما حدث عند انتخاب محمد مرسي رحمه الله، إذ تحولت إرادة الشعب بقدرة الأبالسة ليذوق مرسي طعم السجن ثم الموت، وربما كان خطأ مرسي ومن معه وناخبيهم أنهم لم يقدروا تقديرا كافيا حقيقة أن السلطة قبل انتخابه وبعد انتخابه كانت في أيدي من يسيطرون على الجيش والأمن والإعلام والقضاء، وما يزالون يسيطرون.
عندما تكون السلطة الفعلية محسوما أمرها، ما عساها تصنع انتخابات حرة ونزيهة، ولو تكررت مرارا؟
وعندما تكون التوقعات قبل الانتخابات محددة بشخص معين، ومؤكدة، فماذا تعنيه كلمة انتخابات؟
وعندما يكون من المفروغ منه أن تداول السلطة من شخص لآخر أو من اتجاه لآخر أمر مستحيل فعلام الانتخابات؟
ثم هل تكون الانتخابات في مصر عام ٢٠٢٣م قويمة وحقيقية لمجرد أن الرئيس الحالي غير مجرب سوى لمدة عشرة سنين عجاف فقط؛ ولكنه يعد الناس بقدرته على متابعة الطريق؛ ربما ليخلّف مزيدا من السنين العجاف.
إن الانتخابات في أي مكان تكون انتخابات حقا عندما تكون حرة ونزيهة، وليس هذا كلاما إنشائيا عاما، ولا تتحقق الحرية ولا النزاهة بمزاعم السياسيين أو من يعمل لديهم كإعلاميين، حتى وإن تراقصت الحروف على ألسنتهم وهم يكررون الأيمان المغلّظة أن هذا اللون الأبيض هو في حقيقته لون أسود وإذا تبدلت الظروف في نظر الرئيس انقلبت العبارة ذاتها إلى عكسها، دون أن يرفّ لهم جفن.
تكون الانتخابات حرة ونزيهة عندما تتوافر فيها شروط محددة ومفصلة، وهذا ما يبدأ بقاعدة عامة تذكرها المادة ٢١ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وفيها أن إرادة الشعب هي مصدر سلطة الحكومة، ويعبر عنها بانتخابات نزيهة دورية.
والتفاصيل في مواثيق دولية أخرى مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ومن ذلك ما تقول به المادة ٢٥؛ وأهم بنودها:
يكون لكل مواطن، دون أي وجه من وجوه التمييز، الحقوق التالية، التي يجب أن تتاح له فرصة التمتع بها دون قيود غير معقولة:
(أ) أن يشارك في إدارة الشؤون العامة، إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يُختارون في حرية.
(ب) أن ينتخب ويُنتخب، في انتخابات نزيهة تجري دوريا بالاقتراع العام وعلى قدم المساوان بين الناخبين، وبالتصويت السري، تضمن التعبير عن إرادة الناخبين.
(ت) أن تتاح له، على قدم المساواة عموما مع سواه، فرصة تقلد الوظائف العامة في بلده.
بل توجد نصوص متفق عليها لبلدان المنطقة مباشرة، مثل الميثاق العربي لحقوق الإنسان من عام ٢٠٠٤م، وفيه ما يضمن حرية تكوين الجمعيات وحرية العضوية فيها وحرية الاجتماع والتجمع بصورة سلمية، ومثل إعلان القاهرة بشأن حقوق الإنسان في الإسلام من عام ١٩٩٠م وفيه التزامات سياسية من جانب الدول الأعضاء في مؤتمر العالم الإسلامي.
ويوجد المزيد في مواثيق دولية وفي قوانين شرّعت انطلاقا منها، من ذلك ما يتعلق بتكافؤ الفرص بين المرشحين لاستخدام وسائل الإعلام مثلا، أو الحصول على الدعم المالي، ثم أن يكون لهم من يشارك في مراقبة صناديق الاقتراع، وفرز الأصوات، وألا يتعرض أحد من المرشحين والناخبين لصيغة من صيغ الإكراه أو الرشاوى أو ما شابه ذلك وما يتفرع عنه.
مما سبق يتبين أن ما يجري في بلدان عربية وإسلامية عديدة ويحمل عنوان انتخابات لا يرقى إلى هذه التسمية بالمعايير المعتبرة دوليا أو إقليميا ومحليا. والجدير بالذكر أن ما يترتب على الباطل هو باطل أيضا، ومن ذلك عدم مشروعية كثير من الحكومات التي لم تصل إلى السلطة عبر انتخابات حرة ونزيهة ومشروعة، ويترتب على ذلك عدم مشروعية كثير من المعاهدات والاتفاقات التي عقدتها، والممارسات التي أقدمت عليها.
وأستودعكم الله وأستودعه بلادنا وشعوبنا العربية والإسلامية ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب