مشهد – عزّة الإسلام

ــــــــــ

في رمضان عام 1400هـ (آب/أغسطس 1979م) دعا الرئيس المصري السابق أنور السادات، جمعا من العلماء والدعاة ليعلن عليهم تشكيل “مجلس أعلى” يضمّهم ولا يملك أكثر من تقديم المشورة، وكان قد بدأ منذ مسيرته إلى “كامب ديفيد” بالعمل على ملاحقة التيار الإسلامي وحصاره والبطش به. وشهد الاجتماع مواقف مخزية، لم تكن تقتصر على مصر آنذاك، وقد جمعت ما بين تجبّر الحاكم وصمت العالم، حيث لا ينبغي أن يكون الصمت، على الأقل ممّن هم في موضع القدوة، فكانت الكلمات التالية، التي نشرت يوم ٢٦ / ٢ / ٢٠١٥م في إصدارة سابقة من مداد القلم بعد نشرها في مجلة الرائد (٩ / ١٩٧٩م) لتصوّر في حينه مشهدا، يرجى أن يصبح جزءا من واقع نعيشه، وليس من خيال الأقلام والعواطف والخطب.

*        *        *

رأيت في شبه ما يراه النائم، وكثيرا ما يرى النائم ما يفتقده اليقظان في الواقع القائم، رأيت عالما جليلا مهيبا، ممن يتمثل فيهم قول الله تعالى {إنما يخشى اللهَ من عباده العلماء} وتخشع قلوبهم لقول رسول الله صلّى الله عليه وسلم: (من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار).. رأيته يظهر في آخر أيام رمضان، من عالَم الماضي الجليل، ويعود إلى أرض مصر التي قضى فيها ردحا من عمره، وعرفتْ منه مواقف الإباء والجهاد، وإذا به يتخطى أرتال جماعاتٍ من رجال الشرطة والمخابرات، وهم ينظرون إليه نظرة المغشيّ عليه من الموت، لا يملكون له ردا ولا صدا، وكيف يملكون ذلك وهو من عمالقة التاريخ الجليل، وليس من أقزام الحاضر الذليل المهين، ممن دُرّب هؤلاء على صدهم وردهم، وعلى سوقهم وجمعهم، كما دُرّبوا على العمل في قمع الأحرار الأباة ممن يرتفعون بقاماتهم إلى العلياء رغم ثقل الاستبداد والفساد.
ودخل العالم الجليل المهيب على جمع من العلماء، أحاط بعضهم بحاكمٍ بأمره، وجلس بعضهم الآخر قبالته، يستمعون إليه أو يحاورونه، وكان لبعضهم لحىً أطول من لحية العالم المسنّ، وأجسامٌ أشدّ قوّة من جسمه العملاق، ولكنّ في وجهه نورا يبهر الابصار، فحملقت العيون تنظر إليه بذهول، ووجمت بعض الوجوه لمرآه، واستبشرت وجوه أخرى على استحياءٍ تواريه، واكفهرّ وجه الحاكم بأمره، فانطلقت نظرات الشرر من عينيه، وظهر الاضطراب على حركات يديه، وقطع حديثَه ليقول للعالم الجليل بصوت غاضب:
– ما الذي جاء بك إلى هذا المكان، وأنا لم أصدر التعليمات بتوجيه الدعوة إليك؟
وران سكونٌ عظيم، وكأنّ على رؤوس الحاضرين الطير، لا العمائم، واشرأبّ بعض الأعناق نحو العالم الجليل المهيب، ينتظر أصحابها الجواب، وغاصت رؤوس أخرى بين الأكتاف على وجل، وقطع السكونَ صوت العالم قويا جهوريا:
– جاء بي الحقّ الذي تخشاه على نفسك وحكمك، ويخشاه على نفوسهم وعلى متاع الدنيا بأيديهم من تركوه في الكتب مهجورا وتجمهروا حولك.
قال الحاكم بأمره متمالكا نفسه ما استطاع إلى ذلك سبيلا:
– فاجلس إذن واستمع كما استمع سواك، والزم طريقَ الحق الذي رسمتُه قبل حضورك.
– إنّما ذاك ما تريد، وأريد أمرا آخر في ذكره الصواب، فاستمع أنت وليستمع الحاضرون لما أقول، فإنما اقول ما أمر الله بقوله في مثل هذا المقام.
وتململ الحاضرون في مقاعدهم، واتجهت أنظار فريق منهم نحو الأبواب فكأنما يريد بعضهم الفرار، أو يخشى أن تنفتح الابواب وتقتحم القاعةَ ثلّة من أتباع الحاكم بأمره فتقتاد ذلك الرجل الذي خرج على أمر الحاكم على رؤوس الأشهاد. ولم يهتز العالم الجليل المهيب في وقفته، ولا ظهرت الرعدة على مفاصله كما تظهر – هذه الأيام – على مفاصل كثيرين سواه في مواقف دون موقفه، وكأنما أخذت الحاكمَ بأمره العزّة بإثمه، وأراد متابعة ممارسة التحدّي الذي مارسه لتوّه قبل ظهور العالم الجليل المهيب، دون أن يجد اعتراضا كافيا على باطله، أو صوتا يصدح بالحقّ كاشفا ضآلة أمره وجهالة قوله، فانبرى لسانه يردّد ما كان يقول قبل قليل ويعيد:
– فإنّني أقول وأكرّر ما أقول، فاسمع: لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين، فإن أردت الدين فالزم مسجدك والتزم بالخط الذي وضعته لسواك، وإن أردت السياسة فعليك بالأحزاب التي سمحتُ بها، والقنوات السياسية التي صنعتها.
وقاطعه العالم الجليل يقول:
– إنّك بهذا الذي تقول وبكثير ممّا تفعل قد اخترتَ لنفسك أن تكون في إحدى فئات ثلاث، فأنت كافر من الكافرين، أو ظالم من الظالمين، أو فاسق من الفاسقين، ولستَ بمعجزٍ ربَّ العالمين، وإنّ الهيكل الذي تصنعه بأجهزته وقنواته ومزاميره وطبوله، هيكل يأباه ربّ العزّة أن يكون في ديار المسلمين، وأمرُ الله فوق أمرك وأمر سواك، في مساجده وفي كلّ مكان من أرضه، وإنّ في طاعتك الذلّ والضلال والخسران، وفي طاعته ومعصيتك النجاة والحقّ المبين والفوز العظيم.
واستشاط الحاكم بأمره غضبا، ولكنّه تمالك نفسه مظهرا “ديمقراطيته”، ورفع صوته يحاول أن يطغى به على الصوت المدويّ في المكان، وقد انكفأت له الوجوه وطأطأت الجباه وانعقدت الألسن عن الكلام.
– فإنك أيها العالم المغرور بعلمه، تتحدّث بلسانٍ واراه التراب، وتريد أن تعود بدولتي وشعبي إلى الوراء أكثر من ألف عام، وأريد أن أخرج بمصر من عهود الحكم الأجنبي، وأبني بناءها العظيم على أساس حضارتها الزاهرة قبل سبعة آلاف عام.
وعاد الصوت المهيب يجلجل فوق رؤوس الواجمين:
– تريد أن تعيد عجلة التاريخ سبعة آلاف سنة، وأريد أن تتابع مصر طريقها الأصيل على عجلة الإسلام الذي أعزّها فاعتزّت به، بأرضها التي لا تملكها أنت ولا يملكها سواك فالملك لله وحده يورث الأرض لعباده الصالحين، وبشعبها الأبيّ المناضل على الدوام، وهيهات أن يطول به عهد من عهود البغي والاستبداد، تريد جاهليةَ {أنا ربّكم الأعلى} وأريد إسلامَ {ألا لله العزّة ولرسوله وللمؤمنين}، وإنّما أنت مدّعٍ ادّعاءً باطلا حتى في هذا الذي تقول به، فعجلتك المشحمة بزيت فرعون ومَلَئه مصنوعةٌ من خشب الضالّين من الأمريكيين، وبتصميم أعداء مصر من المغضوب عليهم وهندستهم، ومسيرتُك التي تريد سوق مصر وأهلها وراءك فيها، إن شادت قبورا جديدة مع قبور الأهرامات، فإنها تحفر حول مساجد الإيمان وفي جامعات العلم قبورا للشهداء الصالحين لتدوس عليها بأقدام المجرمين.
وكاد الحاكم بأمره يفقد صوابه وهو يصيح:
– إنّني أنا الذي أصنع مصر كما أريد فالزم حدود أدبك، وأبنيها كما أريد فعُدْ إلى جدران مسجدك، وأدخل بها الحروب متى أريد على من أريد فحوّل وجهة حماستك وارجع عن مقصدك، وأقيم فيها صرح السلام كيف أريد فاحذر على روحك من التمادي في اعتراضك. أنا صوت مصر ولا أسمح لأحد أن يعكّر صفو المجالس التي أعقدها، أو يعرقل المسيرة التي أقودها إلى حيث أريد، ولن تجد في مصر اليوم أحدا يتبعك في شذوذك عن هذا الطريق، إلاّ – إذا شئت – أولادا صغارا جاهلين لا يغيّرون ولا يبدّلون شيئا ممّا أريد.
ورفع العالم المهيب رأسه عاليا فبدا بقامته العملاقة مخيّما على المجلس ومن فيه، ينظر إلى الحاكم بأمره من علٍ ويجيبه بصوت بدا كقرع الطبول في أسماع الحاضرين وهو يقول:
– ذاك يا فرعونُ الصغير ظنّ الطغيان الذي أردى سواك من قبلك وسيرديك، تحسب نفسك قادرا على كلّ شيء إذ كبُرَ في نفسك الطاغوت ولا يكبر الطاغوت إلاّ في النفوس الصغيرة، واللهُ أكبر من كلّ طاغوت، والله قادرٌ على أن يُخرج مصر من محنتها، وأن يزلزل تحت أقدامك صرحك الذي تبنيه كما زلزل صروح النمرود وفرعون وعادٍ وقومِ ثمود، وستنتصر مصر بإذن الله على كلّ ما تريده لها من مصير أسود، ستنتصر على أيدي من يجاهدون في سبيل الله ويخلصون لدينهم وأمّتهم، ولو كانوا هم الفئة القليلة وكنتَ وأعوانك وأسيادك من الفئة الكثيرة. وإنّ هؤلاء الشباب المناضلين الذين تسمّيهم الأولاد الصغار الجاهلين هم أبناء مصر الشرعيون، من لبن عزّتها بالإسلام يشربون، وبقوّة صمودها على طريق الإيمان والحقّ يتحرّكون، وعلى طريق انتصار شعبها المستضعف من الظلم والظالمين برعاية الله يسيرون، إنّهم الجيل الذي يجد بإخلاصه وجهاده عون الله ونصرته، وإن افتقد في مجالسك العونَ والنصير. عد إلى صوابك ورشدك أيّها الحاكم بأمره إن أردتَ النجاة، وإلاّ فاعلم أنّ مصر ككلّ أرض أعزّها الله بالإسلام لا تجد العزّة بسواه، وقد عرفت من قبلك من كانوا أكبر منك شأنا، وأشدّ منك تجبّرا، وأفحش في الناس ظلما وعلى الحق عدوانا، وذهبوا، وبقيت مصر رافعة الرأس بالإسلام، ناصعة الجبين بالجهاد، ولا تغرّنك جموعٌ تحشدها على الباطل، فالباطل بكل أشكاله ينهار في غمضة عين، وسيندم كلّ من ينخدع به وقد يفوت عليه الأوان، والحقُّ يأتيك من حيث لا تحتسب ولا ترتقب، فيأخذك أخذة واحدة، ثمّ تجد نفسك بين يدي العزيز الجبّار وكأنّك لم تلبث إلاّ عشية أو ضحاها، فتحاسَب الحساب العسير، وتنال -إن قضيت نحبك المحتوم دون توبة نصوح- أسوأ مصير.

وأشار الحاكم بيده فانفتحت الأبواب، وظهرت الأسلحة موجّهة إلى القاعة لا تكاد تُرى من ورائها الأجساد، وتلفّت كثيرٌ من الحاضرين وقد أصابهم الذعر، وحاول بعضهم التواري وراء قامة العالم الجليل المهيب المنتصبة وسط المكان كالطود الشامخ، لا تطرف له عين، ولا يحجب نورَ وجهه الضباب وقد عمّ أرجاء المكان. وجال الحاكم بأمره ببصره بين الوجوه، ثم قال حانقا:

– أليس فيكم يا شيوخ من يردّ هذا المارق إلى الصواب؟ أليس فيكم بما حُمّلتُم من العلم من يردّ على كلامه؟ أليس لكم أيها الملأ من المكانة والوجاهة وقد أغدقتُ عليكم ما أغدقت ما يُمكّنكم من إسكاته وإفحامه؟
ونكّس بعضهم الرؤوس، واتّجهت أبصار بعضهم الآخر إلى كبيرهم، فتململ أمام نظرات الذعر والاستنجاد، ووقف في مكانه وسط بضع خشباتٍ مسندات، ففكّر وقدّر، ثم نظر، ثمّ عبس وبسر، ثمّ أدبر واستكبر، فقال بعد طول انتظار:
– إنّنا نقرّ بسعة علمك وطلاقة لسانك أيها العالم الجريء، وإنّ حاكمنا الذي بايعناه على الطاعة من دون سواه قد تفضّل فأمر بتشكيل مجلس أعلى نتشاور فيه بما نريد، وكيف نريد، ثمّ نرفع إليه ما نقرّر لينظر فيه برأيه، فكن أنت رئيسنا في مجلسنا الأعلى إن شئت، ولا حاجة لك بشيء لتنالَ ذلك كلّه إلاّ أن تقبل ببعض ما قبلنا به جميعا وأعلناه جميعا، من ولاء للحاكم وعهده الميمون، ثمّ إن لك بعد ذلك مطلق الحرية في أن تقول ما تريد، فنحن عائلة واحدة تتشاور في أمرها، حتى تسير الأمة في طريقها المرسوم، فاحفظ للأمة وحدة الكلمة، ولا تشقّ عصا الطاعة ولا تفارق الجماعة، وكن معنا يكن لك ما لنا وعليك ما علينا.
وابتسم العالم الجليل المهيب ابتسامة الإشفاق والرثاء، ونطق فكان في صوته الغضب لحقّ الله فقال:
– “ياقوم، أنتم في وادٍ وأنا في واد، الحمد لله الذي عافاني ممّا ابتلاكم به”، ليس لي بما لكم حاجة ولا رغبة، ولا أستطيع حمل ما تحملونه على كاهلكم من أوزاركم وأوزار من يتبعكم.
يا قوم، إلى اين أنتم ماضون؟ وبأية وجوه تقابلون العزيز المقتدر يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم؟
يا قوم، ما تفعلون بقول ربّكم جلّ وعلا: {من كان يريد العاجلة عجّلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثمّ جعلنا له جهنّم يصلاها مذموما مدحورا}؟
ما تفعلون بقول ربّكم جلّ وعلا: {أتخشونهم فاللهُ أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين}؟
يا قوم، ما تفعلون بأحاديث نبيّكم عليه الصلاة والسلام، وهو القائل: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)؟
يا قوم، ما تفعلون ببيعة رسول الله صلّى الله عليه وسلم فوق كلّ بيعة ويد الله فوق أيدي من يبايع: (.. وعلى أن نقول كلمة الحق أينما كنّا لا نخاف في الله لومة لائم)؟
يا قوم ما تفعلون بقول الإمام أحمد بن حنبل لقوم جاؤوه بمثل ما جاء به بعضكم: (إن أجاب العالم تقية وجهل الجاهل فمتى يتبيّن الحق)؟
يا قوم، ما تفعلون بقول سفيان الثوري عن حكامٍ هم في ظلمهم دون ظلم مَن تخشونهم: (ما أخاف من إهانتهم لي وإنّما أخاف من إكرامهم فيميل قلبي إليهم)؟
يا قوم، اتقوا الله فيما أنتم فيه، أين علمكم الذي تعلمون؟ أجعلتموه في بطون الكتب وملأتم البطون بالشهوات، وهجرتم العمل به سرّا وجهرا طلبا لدنيا أنتم مهاجرون منها – إن شئتم أو أبيتم – إلى يوم لا تنفع فيه الظالمين معذرتهم، ولا يُنجي فيه الضعفاءَ ضعفهم: {وبرزوا لله جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا إنّا كنّا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنّا من عذاب الله من شيء قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواءٌ علينا أجَزِعْنا أم صبرنا ما لنا من محيص}.
وجلس كبير الحاضرين في مكانه لا ينبس بكلمة، وقاطع الحاكم بأمره العالم الجليل المهيب ووقف يقول مرغيا مزبدا:
– أنت مدسوسٌ علينا في مجلسنا، ولا مكان لمثلك في مثل هذه المجالس، فارجع لمن أرسلك من الحكام الذين يهاجمون ما أصنع ويصنعون مثله وزيادة، وإلاّ وضعتك في سجن معدٍّ لأمثالك فلا يُسمع لك صوت ولا ينفعك اعتراض.
ونظر العالم الجليل المهيب إليه، ورفع جبهته إلى العلياء قائلا:
– أمّا الحكام الذين تتكلّم عنهم، ومجالسُهم وندواتهم وبطانتهم كمجالسك وندواتك وبطانتك، وأعمالُهم وأوزارهم كأعمالك وأوزارك، فإنّ مصيرهم كمصيرك، وكلمةُ الحقّ التي تقال فيك هِيَ هِيَ كلمة الحق التي تقال فيهم، وما كان لأمثال هؤلاء أن يرسلوا بمثلي، وإنّما جعلك الله وإياهم في السبل المتشعّبة الخارجة عن الصراط المستقيم، فمن سار فيها وإياكم كان مع الشيطان وافتقد تأييد الرحمن، وأمّا السجن الذي تهدّدني به فقد عرفته من قبل ولا أخشاه، وإنّما يخشاه من يخشاك، وعرفه الكثيرون مثلي ورأوا فيه ما رآه ابن تيمية في سجن القلعة بدمشق في مثل هذه الأيّام الحالكات المظلمات {فضُرب بينهم بسورٍ له بابٌ باطنُه فيه الرحمةُ وظاهرُه من قِبَلِه العذاب}.
وخرج الحاكم بأمره عن طوره، فصاح ببعض سدنته:
– خذوه فغلّوه.
فقال العالم الجليل المهيب:
– ذاك حكم الله أنطق به لسانك، وستسمعه يوم القيامة وأمثالك من كلّ متجبّر يصرّ على الفجور والحكم بغير ما أنزل الله، فقد بلغني عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: (إنّ أشدّ الناس عذابا يوم القيامة رجل أشركه الله في حكمه، فأدخل عليه الجَورَ في عدله)
واختلطت أمام ناظري المشاهد باقتحام المدجّجين بالسلاح القاعة على من فيها، وتنبّهت على قول أحد الأصحاب من حولي:
– مَن هذا الذي تكاد تهذي بالحديث عنه وأنت بين النائم واليقظان؟
وتفكّرت في نفسي لحظات، وعدّتُ إلى عالم المحسوسات، ثمّ قلت:
– ذاك ما لا نرى مثلَه هذه الأيام إلا نادرا، ذاك الذي قال لأصحابه ذات يوم: (استحضرت في قلبي خشية الله فصار السلطان في عيني كالقطّ)، ذاك الذي كان يتكلّم بعزّة الإسلام، العالم المجاهد العزّ بن عبد السلام.

نبيل شبيب

الإسلام السياسيالعلماء