مشروعية من يمثل شعب سورية

السيادة الشعبية هي وحدها مصدر المشروعية

كل قول أو تصرف يوحي بأن بقايا نظام استبدادي فاجر تعبر عن سلطة تمثل الشعب في سورية، أمر يدفع إلى الشك بعقل من يأخذ به، وكذلك إلى اعتبار من يدري ما يعنيه ذلك ثم لا يأبه به عدوا خطيرا، سيان من يكون وما هي أغراضه من ذلك.

هذه جريمة تدنيس طهارة دماء الشهداء وآلام الضحايا -ليس خلال ثورة ٢٠١١م فقط- بل طوال حقبة الاستبداد والفساد منذ اللحظة الأولى لاغتصاب البعث ثم الطغمة الأسدية للسلطة اغتصابا، ناهيك عن جريمة امتهان المبادئ والمواثيق الدولية وحقوق الإنسان وفي مقدمتها حق تقرير مصير الشعوب. 

بالمقابل:

عند التأمّل في بعض التطورات الجارية حاليا، يصبح طرح السؤال عمّن يمثل شعب سورية ضروريا من جانب عملي آخر، هل تمثله هيئة مفاوضات عليا أم ائتلاف وطني أم هيئة أركان أم حكومة مؤقتة أم تجمعات ثورية مسلحة وغير مسلحة، أم ماذا؟

لا بد من العودة إلى أصل كلمة تمثيل الشعب للخروج من دوامة إلقاء الكلام على عواهنه، أو الاختلاف على ما لا يفيد الاختلاف حوله بل يسبب أضرارا كبيرة.

* * *

منذ انطلاق الثورة الشعبية على عصابات متسلطة، مغتصبة للدولة والسلطة، لم تكن لها في يوم من الأيام مشروعية نظام، أصبح السؤال عن تمثيل الشعب هو السؤال عمن يكتسب تلك المشروعية، مؤقتا أثناء مسار الثورة، وبصورة مشروطة بالعمل وبالقدرة على العمل للوصول بالشعب إلى أهداف ثورته، بعد أن استعاد بها عبر دمائه، حقا مغتصبا منه، وهو تمثيل نفسه بنفسه، وهو حق يشمل صناعة أوضاع داخلية قويمة للوطن والدولة، وهذا وحده مصدر مشروعية ممارسة العلاقات الخارجية، أما أن تصبح الإرادة السياسية الخارجية هي مصدر المشروعية لسيادة الشعب، فذاك عبث هيمنة شرعة الغاب، يقلب المعادلة رأسا على عقب، ولا علاقة له بشرعية ومشروعية ولا بقانون دولي على الإطلاق.

إن المنطق يقول، ونصوص المواثيق الدولية أيضا تقول: 

الشعب سيد نفسه، وإن تمثيله تمثيلا مشروعا، هو صفة فرعية عن سيادته، وصفة مكتسبة مشروطة بانتخابات دستورية حرة نزيهة، مضمونة من حيث شروطها وإجراءات تنفيذها والالتزام بنتائجها، ألا يشوبها تزييف أو تزوير. وفي جميع ذلك تفصيل، فمن مقتضياته مثلا عدم حظر الترشيح أو التصويت على أحد، وتساوي فرص حق التعبير، وضمان الرقابة الحيادية، وهكذا، مما لا يوجد بين أيدينا شيء منه على الإطلاق منذ عشرات السنين في سورية المغتصبة.

يجب إذن عندما يدلي أحدنا بدلوه في الحديث باسم هذا الشعب ألا نجعل من تمثيله لعبة عبثية، حتى وإن بات العدو والصديق، وبات كثير من المخلصين من داخل صفوف الشعب وثورته وداعميها يتعاملون بقدر كبير من العبثية السياسية والقانونية مع الشعب السوري وحقه الأصيل أن يختار بنفسه من يمثله.

* * *

دون تفصيل طويل لا ينبغي أن يغيب في مراحل الضعف والقوة وحالات الانتصار والانتكاس على السواء، أنه لا يوجد في القانون الدولي ومواثيقه أي بند يشرعن لأي طرف أجنبي، بصفة عدو أو صفة صديق، أن يعطي المشروعية لأحد ولا أن ينزعها من أحد بشأن تمثيل شعب سورية، بما في ذلك ما يسمّى المجتمع الدولي، وهي تسمية فضفاضة، وحتى لو كانت منضبطة، فإن المجتمع الدولي لا يمثل الناخب السوري ولا يملك حق الوصاية عليه.

وبالتالي:

من العبث استخدام تعبير نزع الشرعية أو إعطاء الشرعية لوصف موقف هذه الدولة الأجنبية أو تلك وهذه المنظمة الدولية أو تلك، من بقايا نظام فاجر، أو من أي جهة سورية أخرى، إنما تقتصر ماهية ذلك الموقف الأجنبي على أمر واحد: نريد التعامل مع هذا الطرف أو ذاك، أي هو تعبير عن إرادة سياسية أجنبية، ومصلحية نفعية ذاتية في الدرجة الأولى، قد تتوافق بمضمونها مع بعض مصالح شعب سورية، أحيانا، ولكن تتناقض مع معظم تلك المصالح في الأعم الأغلب.

يسري هذا بطبيعة الحال على إعلانات قديمة وأخرى جديدة بشأن نزع المشروعية أو إعادتها تجاه بقايا الأسديين في سورية، فهم لم يكتسبوا المشروعية أصلا، ثم إن من يعلن عن نزعها أو إعادتها يعبر فقط عن سياسته وليس عن صفة المشروعية وسريان مفعولها أو غيابه، بموجب أي وجه من وجوه القانون الدولي ونصوص مواثيقه.

هذا عبث إجرامي أجنبي خطير بسورية الوطن والدولة والشعب وبالحقوق المنبثقة عن القانون الدولي، وأخطر منها أن يوجد طرف من الأطراف الذين يتحدثون من منطلق تمثيل ثورة شعب سورية، فيتعاملون مع تلك المواقف كما لو أن لها قيمة تشريعية فعلا، بل هم الذين ينشرون الوهم التضليلي بأنها تكتسب تلك القيمة بذريعة مضللة أن الطرف الثوري الشعبي اعترف بها.

* * *

إن الجهات التفاوضية المذكورة آنفا، مهما بلغ شأنها وبغض النظر عن وصف بعضها بالمخلص للثورة وبعضها الآخر بالمتسلق عليها، ليست مخولة أصلا باتخاذ قرار ملزم للشعب يتعلق بأي شأن من شؤونه السيادية، وإن تصنيفها بميزان المشروعية، أنها منذ اندلاع الثورة أنها جهات تتنافس أو تتنازع على تحقيق أهداف الثورة -إن صدقت في ذلك- فإن حققتها اكتسبت مشروعية تمثيل الشعب مؤقتا، أي حتى تثبيت ما تصل إليه من نتائج، عبر استفتاء شعبي شامل حر نزيه مضمون، على دستور قويم، ثم عبر انتخاب حر نزيه مضمون على سلطة قويمة.

* * *

هذه مرحلة تتيح فرصة العمل للجهات التفاوضية المذكورة آنفا وسواها، ولكنه عمل مهما كان شأنه يبقى مقيدا بالإرادة الشعبية، مصدر المشروعية، أما القبول بقيود إرادة قوى أجنبية تفرض مشاريعها عبر سفك الدماء وفرض وقائع جديدة، فيمكن أن يؤخر عملية التغيير الثوري ولكن لا يمكن أن يعطي لأي حصيلة أو اتفاق أو مؤتمر سياسي مشروعية حقيقية تبيح الركون لوضع جديد، ما دام متناقضا مع إرادة الشعب، سيد نفسه وقراره بمختلف المعايير.

(١) المشروعية الشعبية هي المشروعية الأصيلة من قبل ومن بعد، هي الأصل من وراء كل ما يكتسب صفة المشروعية عبر الآليات المعروفة استفتاء وانتخابا، فقط لا غير.

(٢) لا يوجد حاليا أي تجمع بأي اسم يمثل بحق شعب سورية، إنما توجد تجمعات وهيئات ومجالس، تسعى لذلك فتصيب وتخطئ، وتخلص وتغدر.

(٣) يجب على كل من يدخل باسم شعب سورية وثورته في مفاوضات ما، سيان ما اسمها وأين تنعقد ومن يشارك فيها، وتدور حول شأن سيادي للشعب ووطنه ودولته أن يحذر من المشاركة في اتخاذ إجراءات سيادية مسبقا، أو التوقيع على وثائق تزعم قابلية إلزام الشعب بذلك.

(٤) ما يسري على تجمعات سياسية الصبغة يسري أيضا على تجمعات ثورية مسلحة، ولا يعطيها أي إنجاز سابق، على الأرض أو على مسرح دولي، حقا للتنازل عن شؤون سيادية، أي عما لا يملكه فريق مفاوض أصلا، فالشعب لم يخول أحدا بصددها، ولا يمكن أن يخوّل أحدا تخويلا مشروعا قبل قيام الدولة المنبثقة عن الثورة في وطن الثورة وشعبها.

(٥) من أراد تخفيف المعاناة، ووقف إراقة الدماء، واستغلال عنصر الزمن، فجميع ذلك مطلوب ومفروض مشروع، إنما لا يعطي أحدا الصلاحية أن يتبنى موقفا أو يوقع وثيقة حول جوانب إجرائية من دستور وسلطة وما شابه ذلك، إنما المطلوب هو الاجتهاد في الوصول إلى مكاسب دون إيجاد عقبات أخرى على الطريق إلى الأهداف الكبرى للثورة الشعبية من حرية وكرامة وعدالة وأمن

وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب

 

الإرادةالتغييرالمشروعيةثورة