مسلمو الغرب والتمييز بحقهم من المسؤول؟

فرصة كبيرة لعمل تغييري

حوار

هاني صلاح من موقع مسلمون حول العالم ـ يحاور مع نبيل شبيب

رابط النشر في موقع مسلمون حول العالم

إذا ربطنا ما تقدم بجائحة كورونا وما تصنعه من ظروف ومعطيات جديدة، يمكن القول إن الفرصة كبيرة الآن لأداء واجبات لا نزال مقصرين بصددها وأظهرت جهود بعضنا أنها قابلة لترك أثر كبير إذا وجدت النية والإخلاص والعمل المستدام الواجب.

بهذه الكلمات أكد الباحث الإسلامي نبيل شبيب، المقيم في ألمانيا، أن معطيات الواقع الجديد الذي أثرت عليه جائحة كورونا في المجتمعات الغربية، وسطوع تجارب ذاتية لمسلمين انعكست بشكل إيجابي على المجتمعات الأوروبية، قد خلقت فرصة كبيرة للبدء بعمل مستدام يساهم مستقبلا في تغيير النظرة السلبية وحالات التمييز بحق مسلمي الغرب.

جاء ذلك في حوار خاص له مع موقع “مسلمون حول العالم” حول تصاعد حالات التمييز بشأن مسلمي الغرب والتي أسفرت كذلك عن زيادة ملحوظة في نسبة الاعتداءات عليهم وعلى مؤسساتهم ومساجدهم..

وإلى الحوار

سؤال:

تشير الدراسات والاحصائيات الغربية بأن المسلمين في الدول الأوروبية هم الفئة الأكثر تعرضاً للتمييز؛ بل والاعتداء بصور مختلفة؛ وتزداد هذه النسبة مع المسلمين الوافدين من خارج البلاد؛ فهل تتفق مع هذا النتائج وتراها صحيحة تتسق مع الواقع الأوروبي؟

جواب:

يأتي هذا السؤال في خضم موجة جديدة تكرر ما سبقها مرارا، من أخبار الاحتجاجات العنيفة في الولايات المتحدة الأمريكية بسبب صورة واقعية صارخة أخرى للتمييز العنصري ضد ذوي الأصل الإفريقي، وهو التعبير المنتشر لوصف ذوي البشرة السوداء من سكان ما يوصف بالدولة الزعيمة للعالم الحر في عالمنا وعصرنا.

المقصود بهذه الإشارة هو التنويه لضرورة وضع التعامل مع المسلمين عموما أو في الدول الغربية على الأقل ضمن دائرة أوسع من مجرد التمييز ضد المسلمين بالذات، فعامل العنصرية والتمييز العنصري جزء من مسالك انحراف الحضارة الغربية عن مسارات ميلادها الأول تحت عناوين الفلسفة الإنسانية وقيمها وفلسفة التنوير وعقلانيتها في أوروبا.

لقد ترك الانحراف آثارا عديدة، منها ما يظهر على صعيد استيعاب مفاهيم حقوق الإنسان وطرحها، فمحاضنها هي حصيلة الحرب الأهلية الدموية العنيفة في الولايات المتحدة الأمريكية وحصيلة الثورة الدموية العنيفة في فرنسا، وفي الحالتين اقترن تحرير المجتمع من الاستبداد بحصر تحصيل الحقوق الفردية والفئوية المشروعة في نطاق الصراع وبالتالي امتلاك أسباب القوة، وهي ما لا يملكه الضعفاء المحرومون من تلك الحقوق، لهذا مضت القرون التالية وبقي التمييز ضدهم متواصلا كما يشهد واقع الأحداث المتكررة في الولايات المتحدة الأمريكية وسواها.

من هنا يمكن التنويه إلى أمر محوري: إن الانطلاق من وضع المسلمين في الغرب في موضع فئة قائمة بذاتها، منفردة في الميدان، لتواجه وحدهما مجموع فئات المجتمعات القائمة والسلطات الحاكمة، ودون أن تملك ما يكفي من أسباب القوة لتحصيل حقوقها ودفع التمييز عن نفسها؛ هذا المنطلق لا يخدم هدف تحصيل الحقوق والتخلص من آفات التمييز العنصري وعواقبه.

الصورة المقابلة هي في اعتقادي المنبثقة عن وجود قواسم مشتركة بين المسلمين وسواهم من فئات المجتمع في كثير من الميادين، فلا يصح الطرح الانفرادي لقضايا مشتركة مع آخرين في المجتمعات الغربية، وهذا من شروط التمكن من تحرك جماعي أوسع نطاقا وأمضى مفعولا وتأثيرا مما تصنعه كل فئة على انفراد.

نبقى كمثال على ذلك في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث رصدنا كيف طرح دونالد ترامب قبل وصوله لمنصبه وبعد ذلك، تصورات وممارسات عنصرية شملت المسلمين وسواهم، وبقدر تلاقي هذه الفئات المتضررة مع بعضها في مواجهة هذا الخطر، يمكن تحقيق مكاسب أكبر، ولا يختلف ذلك عن الوضع الأوروبي، ومثاله في ألمانيا، وهنا أعود إلى الجانب الرئيسي في السؤال المطروح، إن ما يوصف باليمين المتطرف مارس اعتداءاته على المسلمين والمنشآت الإسلامية خلال عامي ٢٠١٩ و٢٠٢٠م، بنسبة أعلى مما كان في السنوات السابقة، هذا صحيح، ولكن تصاعدت في الوقت نفسه نسبة اعتداءاته أيضا ضد جهات سياسية وإعلامية وفكرية من صفوف غير المسلمين، بما في ذلك ارتكاب جرائم القتل والتهديد بالعنف، فأصبح قضية اعتداءاته تهم الجميع وينبغي طرحها من زوايا تهم الجميع.

أما بصدد الوافدين من المسلمين، فلا نستطيع القول إن العنف يتصاعد ضدهم بالذات أو لأنهم مسلمون تحديدا، فالجدد هم الوافدون في نهاية عام ٢٠١٥م، وهؤلاء لم يكونوا في أوروبا من قبل، أي لم يكونوا ضمن إحصاءات ارتكاب أعمال العنف، فلا نستطيع القول بتصاعد العنف الذي يستهدفهم أو تراجعه، وهو إنما نشأ الآن، حديثا.

سؤال:

في الوقت الحاضر، وبعد أزمة وباء فيروس كورونا المستجد كوفيد-19، هل ترى تغيّرا في هذه النظرة نحو المسلمين خاصة بعد ظهورهم بمظهر الملتزم بالقرارات الصادرة المتعلقة بالحجر الصحي من جهة، وبالنشاط الخيري الذي قامت به المراكز الإسلامية من جهة أخرى، أم أن الأمر ظل كما هو أو ربما زادت هذه النسبة في نظرة التمييز بحقهم؟ 

جواب:  

كثير من الرؤى الاستشرافية المستقبلية تنطلق من أسباب وجيهة للقول إن الأوضاع العالمية بعد كورونا ستختلف عما كان قبلها، وهذا إطار عام يشمل المسلمين حيث هم غالبيات في بلادهم وحيث هم فئات أقل عددا من سواهم في بلدان أخرى، ولكن ينبغي التأكيد على أمرين رئيسيين على الأقل:

أولهما: أن أي تغيير عالمي لا يتحقق بين ليلة وضحاها، بل يحتاج إلى جيل كامل أو أكثر حتى تستقر الأوضاع الجديدة على صيغة تختلف بمعالمها ومحاورها الكبرى عما كان قبل عنصر التغيير وهو في السؤال جائحة وباء كورونا المستجد.

والأمر الثاني: أن هذا العنصر وأمثاله لا يصنع التغيير إنما يوجد ظروفا جديدة ومعطيات جديدة، أما صانع التغيير فهو الإنسان، أي فئات من البشر تستوعب تلك الظروف والمعطيات وتوظف الجديد منها لتحقيق أهداف بعينها، فإن صنع ذلك المسلمون أو بالأحرى إن صنع فريق من المسلمين مباشرة شيئا ما وتعاونوا مع سواهم تحققت أهدافهم، وقد تتطور أوضاعهم آنذاك نحو الأفضل، إن كانت الأهداف قويمة والجهود سليمة، وهذا ما يشمل تجاوز معطيات وظروف سابقة، ذاتية وخارجية، كانت قد جعلتهم ضحايا التمييز العنصري وسواه مما يُصنع على حسابهم وعلى حساب حقوقهم ومصالحهم.

ينبغي أن نلاحظ هنا أن تغيير واقع فاسد أو ظالم أو رديء لا يتحقق عندما تقتصر جهود التغيير على مجال دون آخر، فالتغيير منظومة متكاملة، وقضية التمييز العنصري وهي محور الحديث هنا، لا تنفصل عن قضايا اجتماعية كبرى كالفقر والتخلف والجهل والفرقة والتعصب تجاه الآخر، أو قضايا سلوكية كالأنانية والحماسة دون واقعية موضوعية أو كالارتجالية أو التشاؤم والتيئيس دون سبب جوهري أو التفاؤل دون تخطيط وعمل. إن بعض الحالات الإيجابية المذكورة في السؤال، وجد اهتماما إعلاميا جزئيا في الغرب كنماذج على حسن أداء رجال ونساء من المسلمين في الغرب وسواه، لواجباتهم في ميادين الطب والتمريض والعلم والبحث والتضامن، وهذه حالات تبشر بالخير ويمكن أن تؤثر اجتماعيا بقدر معين في الغرب، ولكن لا تكفي وحدها، فقد وقعت تلك الحالات في فترة استثنائية من مجرى العلاقات الاجتماعية، وهي فترة صنعتها جائحة الوباء، ولا تغني عن مواصلة العمل الإيجابي في الفترات غير الاستثنائية، فهو الأدوم والأعمق تأثيرا في مسارات التغيير الإيجابي المرجو.

سؤال:

السؤال الثالث وهو الأهم والمتعلق بالمستقبل؛ على من تقع مسؤولية تغيير هذه النظرة السلبية من المجتمع الأوروبي أو بعض شرائحه نحو المسلمين وتخفيض نسبة التمييز بحقهم؟

جواب:

في الأصل تقع المسؤولية على السلطات عند التطلع إلى إحداث تغيير مجتمعي أساسي مثل ترسيخ علاقات سليمة بين البشر، ولكن عندما تكون السلطات أو الأنظمة جزءا من المشكلة، تنتقل المسؤولية إلى النخب من العلماء والدعاة والمفكرين والإعلاميين والفنانين والمتخصصين، فإن لم يوجد من هؤلاء ما يكفي عددا ونوعية، تسري قاعدة ما لا يتم الواجب به فهو واجب، أي يصبح على من يستوعب المهمة وحجمها أن يحمل مسؤولية العمل لإيجاد الأفراد من أصحاب الكفاءات والتخصصات ليتكاملوا ويتعاونوا على تحقيق الهدف المرجو.

أما إذا اقتصر السؤال على ما يتعلق بالوضع الآني وما يتطلبه من جهود، فلا يسهل الجواب دون دراسات ميدانية وافية للإحاطة بالجهود المتنوعة المطلوبة الآن، وبالتالي معرفة الأعمال الضرورية لتحقيقها وتحديد مواصفات من يمكن أن يقوم بها.

ولكن نبقى في إطار التعميم عندما نقول كالمعتاد في حالات مشابهة، إن المسؤولية الأولى تقع على الأقرب فالأقرب، وعلى وجه التحديد على الكفاءات المتوافرة بين المسلمين المقيمين في البلدان الغربية، ممن يهمهم مستقبلهم ومستقبل أبنائهم وبناتهم، ويهمهم أداء واجباتهم الإسلامية والإنسانية، فهم أعرف بالأوضاع بحكم المعايشة المباشرة، وهم الأقدر على أداء الواجب في المجتمعات التي يرون أنفسهم جزءا منها، ولدى كثير منهم شروط موضوعية لذلك من حيث اللغة والعلاقات والمعطيات القانونية والثقافية وحتى العلمية، وإذا ربطنا جميع ذلك بجائحة كورونا وما تصنعه من ظروف ومعطيات جديدة، يمكن القول إن الفرصة كبيرة الآن لأداء واجبات لا نزال مقصرين بصددها وأظهرت جهود بعضنا أنها قابلة لترك أثر كبير إذا وجدت النية والإخلاص والعمل المستدام الواجب.

وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب

الإسلام في الغربالتعايشالعنصريةحوار