العمل الإسلامي والحركي – مستقبل العمل الاسلامي
٤/٤
خطوط عريضة لصيغة مقترحة
أستاذ العلوم السياسية ورئيس تحرير موقع “إسلام أون لاين” سابقا هشام جعفر، في التعريف بكتابه “سردية الربيع العربي ورهانات الواقع” الصادر عن دار المرايا عام ٢٠٢١م، إذ يقول:
(هناك سردية جديدة لانتفاضات الربيع العربي تعلن نهايات صيغ القرن العشرين. وفي القلب منها دولة ما بعد الاستقلال والحركات السياسية الإسلامية والعلمانية التي استندت إلى “أيديولوجيات شمولية” وأننا بصدد صيغ جديدة لمّا تتمأسس بعد).
ويتحدث الكاتب هشام جعفر عن مسار انسيابي للتغيير المنتظر، ويمكن الرجوع لمزيد من التفصيل إلى موقعه الشبكي:
توجد جملة من الدراسات الاستشرافية من هذه الكتابات ما ظهر في فرنسا تخصيصا، وكتابات بالعربية مثال عليها من موقع العربي الجديد (https://www.alaraby.co.uk) يوم ١٧ / ٧ / ٢٠١٨م بقلم محمد أبو رمان تحت عنوان “الحراك الإسلامي بعد الربيع العربي”.
وتوجد كتابات إيجابية مثال ذلك ما ورد في مركز دراسات الجزيرة تحت عنوان “التحولات في الحركات الإسلامية”، بإشراف شفيق شقير، وقد نشر بتاريخ ٦ / ٩ / ٢٠١٦م.
(https://studies.aljazeera.net/ar/files/2016/09/6-160922142449696.html)
انطلقت الجهود الإقليمية والدولية المضادة للتغيير وتحرير الإرادة الشعبية بحملات عدائية شرسة، وحملات فكرية وإعلامية متحاملة، استهدفت العمل الحركي الإسلامي أكثر من سواه، وهذا ما يتناقض مع إنكارهم وجود دور له، واتهامه بالغياب أصلا عن ثورات تريد تحرير إرادة الشعوب؟
– – – –
كل تغيير يقوم على أربعة عناوين كبرى:
المرجعية – الرؤية – البنية الهيكلية –عنصر الزمن
أولا: المرجعية (والهوية)
المسألة الأولى: العلاقة بين المرجعية والهوية
المسألة الثانية: كيف نفهم المرجعية والهوية مستقبلا..
تنطلق من مبادئ كبرى، من هذه المبادئ بالنسبة إلى العمل الإسلامي:
لا إكراه في الدين / الحرج شرعا مرفوع / لا ضرر ولا ضرار / كل نفس بما كسبت رهينة
(١) العلم بالوحي والنص الشرعي (٢) استيعاب الواقع واحتياجات الإنسان فيه (٣) ممارسة الاجتهاد البشري والإبداع فيه (٤) الالتزام الطوعي بالمرجعية وضوابط الهوية الذاتية
— عقديا / هي مصدر توجيه المسلم عبادة وفكرا وعملا
— إنسانيا / هي أطروحات تتناول إنسانية الإنسان: الفرد وعبر كينونة الأسرة ومن خلال العلاقات البشرية
— حضاريا / هي ما يتجلى في نوعية التعامل مع منظومة القيم ومع معطيات طبيعية وكونية
الفكر المرجعي الذي نستشرف نشأته ونحتاج إليه هو فكرٌ الوحي منطلقه، والأصالة جوهره وجوهر رؤاه الكبرى، والتجديد المنضبط محور إبداعاته، والتوازن معيار تفاعله مع الاحتياجات البشرية الواقعية والمستجدات المعاصرة
المسألة الثالثة: كيف تتكون المرجعية مستقبلا؟..
تتكون المرجعية مستقبلا وفق معادلة:
إنجاز أو موقف..
يصنع تأثيرا إيجابيا،
ويحقق اهتماما جماعيا،
ويتلاقى كثير من الناس حوله،
بغض النظر عن المواقع الشكلية كالمناصب، أو الارتباطات التنظيمية والتمويلية وغيرها.
ثانيا: الرؤية (والأهداف)
ليس في تعدد الرؤى مشكلة بل هذا وضع طبيعي، ولكن المشكلة كامنة في:
(١) ربطِ الرؤية المتعددة بهيكلية تنظيمية بعينها..
(٢) غيابِ أدوات مراجعة موقعها من العمل الإسلامي..
(٣) غيابِ أدوات تطويرها المتجدد لا سيما من حيث ما يصدر عنها من أهداف عملية..
المطلوب هو مراعاة تعدد الرؤى بدلا عن محاولة جمعها في رؤية تنظيمية واحدة..
الرؤى المتعددة هي الأصل..
والأهداف المنبثقة عنها أهداف محلية تراعي اختلاف الواقع واحتياجاته..
والصيغة الجامعة للأهداف أنها إلى جانب الغاية العقدية الكبرى، تحدد مغزى العمل الإسلامي لغرض دنيوي، محوره هو النهوض الحضاري الإنساني الإسلامي.
ثالثا: البنية الهيكلية (والتشبيك)
في العقود الماضية تضخم حجم هياكل العمل الإسلامي بقدر كبير، فبات يشمل الدعوة والتربية والتأهيل، ويشمل السياسة والاقتصاد والبحث العلمي، ويشمل مراعاة تعدد الفئات العمرية، والحفاظ على مكانة الروابط الأسروية، والتوسع في رعاية العلاقات الاجتماعية، وغير ذلك، ومع مخرور الزمن لم يعد ممكنا وضع جميع ذلك تحت سقف تنظيمي واحد مهما بلغت القدرات الفردية والجماعية، فلا مكان للعالم العلامة، ولا المرجعية الشاملة، ولا الجماعة الكبرى، بغض النظر عن المرحلة النوعية التي يمر بها العمل الإسلامي، أي سيان هل يكون في موقع التوجيه لأدوات السلطة أو لا يكون، أو يكون مستهدفا بالعداء أو لا يكون.
السؤال المركزي هو:
ما هي المعالم الكبرى للبنية الهيكلية المستقبلية للعمل الإسلامي والتي تستدعي العمل ببذل الجهود الفكرية والعملية من أجلها؟
إنها في حدود اجتهاد المتكلم، وهو ما يحتمل الخطأ والصواب بطبيعة الحال، قابلة للإيجاز في أربع نقاط:
١- عدم الربط من الأصل بين البنى الهيكلية للعمل بأي صيغة تنظيمية تقليدية، وإلغاء ما يوجد من ذلك في ميادين فرعية أو اعتبرت فرعية للعمل الإسلامي، وعدم تجاوز صبغة الاسترشاد والاستشارة فيما يتعلق بالمرجعية والرؤية والتخطيط وتحديد الأهداف.
٢- الاقتصار في اعتماد الأشكال التنظيمية التقليدية -وقد تطورت عالميا- على الأعمال العلمية التخصصية بقدر ما تتطلبه نوعية العمل وتعدد التخصصات، كتحقيق الإنجازات في ميادين الطب والهندسة والحقوق وغيرها من العلوم الطبيعية والإنسانية، سواء عن طريق روابط العمل المستقلة، أو نقابات العمل، أو مراكز البحوث، وما شابه ذلك.
٣- اعتماد أشكال التشبيك الحديثة في جميع ما يتجاوز ما سبق من فروع كانت تُربط مركزيا بالعمل الإسلامي، كالنهوض بواقع المرأة والأسرة، أو التوعية السياسية للمواطنين في بلد من البلدان، وكذلك في فروع حديثة نسبيا، مثل التأهيل والتدريب في قطاعات معينة كالتنمية البشرية وحل الأزمات وعلوم التخطيط والإدارة وما شابه ذلك.
٤- إن العمل الإسلامي بحد ذاته وسيلة لهدف، وقيمة الوسيلة صادرة عن درجة اعتمادها على حسن اختيار الأدوات المناسبة، ومن ذلك الحرص على التعامل مع إدارة أي عمل إسلامي وفق علوم الإدارة الحديثة، ومن ذلك أيضا العمل لاستخدام أحدث الوسائل التقنية في ممارسة أي عمل إسلامي، هذا مع قابلية تبديل الأدوات وفق الضرورات والمستجدات، ومع الحرص عن تكامل مفعولها مع بعضها بعضا، كالتكامل عبر التواصل والتعاون ما بين التخصصات المتعددة، وإن أخذ كل منها مسارا مناسبا له.
رابعا: عنصر الزمن (والمرحلية)
إن مراعاة عنصر الزمن هي الوعاء الذي يحمل العمل إلى أهدافه، وعدم مراعاته يعني حرق العمل ونتائجه من حيث الأساس.
كثيرا ما نتحدث بأسلوب التيئيس عن الهوة الفاصلة بين ما نزعم وجوده لدينا كبذرة للنهوض الحضاري مجددا وبين ما وصل إليه سوانا في هذه الأثناء.
في ذلك مغالطات يحسن التنويه إليها قبل الحديث عن بعض ما يتعلق مباشرة بعنصر الزمن.
أولا: إن ولادة أي حقبة حضارية جديدة لم تبدأ تاريخيا إلا من قاع التخلف بالمقارنة مع مستوى وضع حضاري متزامن مع ذلك التخلف.
ثانيا: إن المسارات العلمية والتقنية والإنتاجية وما يتبع لها تمثل مسارا لتاريخ بشري مشترك، فتنطلق كل حضارة جديدة بهذه المسارات من حيث انتهى إليه سواها، فتحمله وتضيف إليه. لا مجال إذن لتخيلات تقول إن مسار نهوض حضاري جديد يعني البدء تقنيا وعلميا وإنتاجيا من الصفر مجددا، إنما تقوم دورة الحضارات على منظومة قيمية وإرهاصات حضارية، ومتابعة ما تراكم من إنجازات بشرية علمية وتقنية وإنتاجية، من حيث وصل التقدم البشري المشترك.
ثالثا: إن مفعول عنصر الزمن تبدل مع تبدل معطياته العملية في المسارات الحضارية، فكانت النقلة الحضارية تقاس بألوف السنين وهبطت إلى عدة قرون وقد لا تستغرق حديثا أكثر من بضعة أجيال شريطة توافر الشروط الأخرى للنهوض.
باختصار:
إنّ هوة التقدم والتخلف أعمق ممّا كان في الماضي، ولكنّ ردمها قابل للتحقيق خلال فترة زمنية أقصر بكثير بالمقارنة مع نقلات حضارية سابقة، إنما تزداد هذه الهوّة عمقا واتساعا، نتيجة عدم الشروع في التحرّك على طريق النهوض بدلا من الكلام عنه.
ومثال ذلك البحث العلمي، إذ لا نحتاج له في هذا العصر بفضل تطور التقنيات الحديثة، إلى فترة زمنية مطولة كالتي كانت أيام اضطرار الباحث إلى السفر أياما أو شهورا للوصول إلى أحد العلماء أو إحدى المكتبات.
إن عنصر الزمن بالغ الأهمية ولكنه عنصر نستطيع التحكم بطوله أو قصره؛ عوامل القعود، والانتظار، واليأس، تطيل الحقبة الزمنية التي نحتاج إليها لتحقيق هدف النهوض الحضاري عبر عمل إسلامي مستقبلي، أما الشروع في العمل، وتحسين شروطه، وتكامل جوانبه، والتلاقي عليه، فهي العوامل التي تحدد الحقبة الزمنية طولا وقصرا.
خاتمة
إن العنوان العريض للمطلوب من العمل الإسلامي المستقبلي هو التطوير، فالعمل الإسلامي وسيلة، ونجاح الوسيلة رهن بتطويرها المتجدد لتكون دوما على مستوى متطلبات الواقع ومتغيرات العصر والاحتياجات المشروعة، ونوعية التطوير التي تتقرر ينبغي أن تكون مستمدة من أن التطوير وما يعنيه من مراجعات وتعديلات وآليات وتخطيط وخطوات تنفيذية، أصبح علما منهجيا له محدداته وموازينه وأساليبه وأدواته.
وتلخيصا لهذا الحديث في الختام؛ إن بناء العمل الإسلامي المستقبلي يحتاج منا إلى:
١- التلاقي على دعم ظهور مرجعيات جامعة ظهورا طبيعيا تصنعه الكفاءات الذاتية والقبول الجماهيري.
٢- تشكيل شبكات عمل حديثة مرنة قابلة للتعديل باستمرار.
٣- دعم ظهور أدوات عمل تنظيمية مستقلة كالمهنية والنقابية حسب الحاجة التخصصية لذلك.
٤- اعتماد الوحدة المعرفية التي تتكون تلقائيا وليس تنظيميا بالضرورة، ولا تتناقض مع تعايش الاجتهادات المتعددة.
٥- اعتبار العطاء الفردي واجبا وارتقاء ذاتيا.. واعتبار القيادة كفاءة ومسؤولية.
٦- نجاح العمل هو انتشاره الأفقي نوعيا وبشريا وليس تناميه شاقوليا وفق ما يعرف بالتنظيم الهرمي.
٧- الحرص على الشروط الموضوعية لثقافة الفعالية والإنجاز واستبعاد ثقافة البيانات العامة.
٨- التميز الذاتي في التصورات بقدر الضرورة المفروضة.. والتشارك مع الآخر بقدر المصلحة المطلوبة.
٩- الإدارة التخصصية الحرفية، والشفافية مع المراقبة والمحاسبة.
١٠- استعادة علاقة الثقة مع عموم الفئات الشعبية في المجتمعات العربية والإسلامية وخارج نطاقها، وذلك عبر الطرح الإيجابي العملي إلى جانب الطرح الإيجابي الفكري والنظري.
١١- اعتماد وسائل التأهيل والإعداد والتدريب ومنهجية التخطيط والاختبار والتقويم، مع مواءمة ما وصلت إليه المجتمعات الحديثة من ذلك وبين منظومة القيم الذاتية العقدية القويمة والحضارية الإنسانية، وهذا ما نعرفه عن الإسلام كما أنزله الله عز وجل لخير جنس الإنسان في دنياه وفتح أبواب الخير له في آخرته.
والسلام عليكم ورحمة الله