محاضرة
ألقيت بإيجاز في أمستردام، وعدّل المحاضر العنوان الذي كان مطلوبا وشرح السبب في الحديث عن المصطلحات، وتلا المحاضرة حوار أثراها بالمزيد، فوصل ذلك إلى النص التالي مع بعض الأفكار الإضافية
إشكالية المصطلحات – وقفة تاريخية – معطيات معاصرة – استشراف المستقبل
أولا: إشكالية المصطلحات
يتضمن العنوان ثلاثة مصطلحات نستخدمها دون الالتفات كما ينبغي إلى نشأتها ومفعولها على أرض الواقع، وهي الإسلام السياسي / حركات الإسلام السياسي / الربيع العربي، وليست إشكالية المصطلحات وتأثيرها على واقع العلاقات فيما بيننا ومع سوانا أمرا بسيطا، ولنذكر على سبيل المثال أن النشأة البريطانية الأولى لتعبير الشرق الأوسط مع إعطائه زورا مكانة مصطلح ارتبطت منذ مطلع القرن الميلادي العشرين برؤية فكرية / سياسية أجنبية استهدفت الفصل بين شرق المنطقة الإسلامية وغربها، وتزامن ذلك مع المرحلة الأخيرة من تفكيك الدولة العثمانية، التي كانت -على علاتها- ترمز إلى استمرارية الرباط القائم بين المسلمين عبر الحدود، فأصبحنا نستخدم هذا المصطلح المزعوم في أدبياتنا السياسية والفكرية دون تفكير، ويستخدمه مبتكروه واعين لما يصنعون، حتى ساهم استخدامه في تطبيق مقتضياته عمليا، أي في ترسيخ الفصل ما بين شرق بلادنا وغربها، في أحاسيسنا وواقع تعاملنا وليس جغرافيا فحسب، ناهيك عن مزيد من التجزئة في كل قطر على حدة ما بين انتماءات وتوجهات.
شبيه ذلك يمكن قوله عن تعبير الإسلام السياسي، فلا أصل له في المصادر الأولى للإسلام وتاريخ المسلمين، ولا في اجتهادات المجتهدين على اختلاف توجهاتهم، إنما نشأ -مثل تعبير الأصولية- في أوساط فكرية وإعلامية وسياسية غربية، ونقل إلى البلدان التي انتشرت فيها حركات العمل الإسلامي حتى بات كثير من مفكريها وزعمائها يستخدمونه أيضا، رغم أنه يوهم بأن التعددية الصحية الطبيعية في نطاق المسلمين، تعني تعددية تجزيئية في الإسلام نفسه، وليس لهذا وجود أصلا، ناهيك عن تعميم صورة سلبية عن الإسلام نفسه.
وأمكن تبعا لذلك إلصاق تعبير حركات الإسلام السياسي بكل من يتجرّأ على التحرك سياسيا تحت عنوان الإسلام، مما لفت النظر عن قطاعات عمل دعوية واجتماعية وثقافية وخيرية وغيرها، بغض النظر عن تركيز بعض الحركات على العمل السياسي فعلا، وأصبح هذا الجانب -وهو من صميم مقاصد الإسلام نفسه- وكأنه تهمة توجه إلى الإسلاميين، رغم أن من يوجهون التهمة لا يترددون عن ممارسة العمل السياسي تحت مختلف العناوين الأخرى، بل إن السعي لتطبيق الرؤية السياسية الذاتية من خلال السلطة، عمل مباح للجميع أيضا، ويجري تصويره وكأنه اتهام عندما يحمل عنوانا إسلاميا!
ونجد إشكالية المصطلحات وتأثيرها في استخدام تعبير الربيع العربي أيضا، لوصف الثورات الشعبية الأولى في تاريخ البشرية من حيث نشأتها، فما كان قبلها وحمل وصف ثورات، كان من صنع طبقة أو حزب أو تنظيم، بغض النظر عن حجم التأييد الشعبي، ناهيك عن انقلابات عسكرية انتحلت لنفسها زورا وصف الثورة، أما الثورات الشعبية العربية عام ٢٠١١م وحتى الآن، فكانت أول حدث تغييري تاريخي انطلقت بداياته الأولى من قلب الشعوب، بنسب متفاوتة، وجميعها عالية.
إن تعبير الربيع في وصف الثورات الشعبية التغييرية صدر في الغرب لمحاكاة أحداث سابقة، مثل ربيع براغ وربيع دمشق وغيرهما، أي مع الإيحاء مسبقا أنه سيكون عابرا مثل تلك الأحداث العابرة، كأي فصل من فصول السنة، يمضي ويليه فصل آخر، فالحديث عن الربيع العربي ينفي وصف الثورات بأنها بوابة حدث تغييري تاريخي، فتحت الآن وستوصل إلى التغيير وإن استغرق أجيالا، والعامل الزمني مرتبط بحجم العمل الثوري الجاري والتزامه الصواب هدفا ووسيلة، فإن وقعت أخطاء أو انحرافات وجبت معالجتها، أما اتجاه التغيير فلا يتبدل، ونعلم ذلك من أمثلة تغيير تاريخية كبرى من قبل، عبر الرسالات السماوية، ومن تحولات تاريخية أخرى أصغر بكثير، كالثورة الفرنسية التي لم تصل إلى دولة مستقرة إلا بعد عدة عقود.
إن ترسيخ استخدام المصطلحات القويمة في أدبياتنا السياسية والفكرية جزء من وعينا المطلوب بإلحاح لاستيعاب الحدث وبالتالي جزء من الإسهام في العمل لتحقيق أهدافه.
ثانيا: وقفة تاريخية
تاريخيا وبإيجاز شديد:
كانت نشأة الفكر والعمل الإصلاحي الإسلامي في القرن ١٩م، مناسبة لمعطيات محورها غلبة الانحرافات في الحياة العامة وعلى مستوى السلطات، في أرض جمعت المسلمين وسواهم جغرافيا وإلى حد كبير سياسيا أيضا، وتلاءمت هذه النشأة مع معطيات تقنية مرتبطة بوسائل العمل في ذلك القرن، أي قبل قرنين من عصرنا هذا.
وكانت نشأة الفكر والعمل الحركي الإسلامي في القرن ٢٠م، وكانت بدورها مناسبة لمعطيات أخرى سادت قبل قرن من الزمن، ومن ذلك إسقاط ما بقي يرمز إلى الرابط الجماعي المتمثل في وجود الإسلام في سلطة مركزية، تمثل ما بقي من خلافة عثمانية، فلا نغفل عن أن انتقال العمل من صيغة إصلاحي إلى صيغة حركي، كان نتيجة المتغيرات بين قرنين، وهذا ما ينبغي أن يسري الآن لنقلة تالية.
يمكن الحديث طويلا عن إنجازات عديدة لما سبق، ولكن إذا سألنا الآن عن الحصيلة بمجموعها، لا بد من تأكيد عدم تحقيق الهدف الجوهري أو المحوري، وهو عودة مكانة توجيهية مستقرة للإسلام بمقاصده وقيمه في واقع الحياة وفي أجهزة السلطة التي تدير شؤون الحياة.
أما العوائق فمنها خارجية مثل ما وصفته الأدبيات الإسلامية بالغزو الفكري والثقافي والاجتماعي، وأهم منه ارتكاب أخطاء نخبوية ذاتية، أهمها توقف عجلة التطوير الذاتي. إن قيادة التغيير ترقى إلى مستوى المهمة والمسؤولية، بقدر ما تحقق الهدف رغم وجود عوائق خارجية لا تزول من تلقاء نفسها، والإخفاق هو العجز عن تجاوزها، وهذا القصور ذاتي وهو مناط سلامة أي تقويم تاريخي لحقبتي العمل الإصلاحي والحركي.
في إطار هذا التسلسل التاريخي لا تمثل الثورات الشعبية في القرن ٢١م استئنافا لمرحلتي العمل الإصلاحي والحركي، بل تمثل الثورات حدثا يتجاوز ما مضى ويصنع الجديد.
تغيير الواقع هو هدف الثورات الشعبية، والواقع الواجب تغييره يشمل:
(١) ما نتج عن أفاعيل عدو في صيغة استبداد محلي مرتبط بمعادلة الهيمنة والتبعية الدولية..
(٢) ما نتج عن عجز نخب الدعوات السابقة، بما فيها الدعوات الإصلاحية والحركية، عن تحقيق التغيير الجذري الشامل من قبل.
إن مسار التاريخ الذي أوصل إلى الثورات الشعبية الموصوفة بثورات الربيع العربي، يعطيها مكانة ثورات تصنع التغيير على صعيد المرفوض من ممارسات الاستبداد وقهر الإنسان، وتصنع التغيير على صعيد الأدوات التي لا بد أن تكون على مستوى إنهاء الاستبداد وقهر الإنسان.
وهذا هو الإطار الذي يُطرح فيه السؤال عن مستقبل حركات الإسلام السياسي، أو ما بعدها.
ثالثا: معطيات معاصرة
إن استشراف الدور الذي يمكن أن يؤديه العمل الإسلامي بصيغة مستقبلية أخرى، بعد أن فتحت الثورات الشعبية بوابة التغيير، يتطلب الوقوف أولا عند معنى تغيير الواقع تغييرا جذريا، فالثورات وسيلة، والهدف أكبر من إسقاط نظام محليا أو إنهاء هيمنة إقليميا ودوليا.
هي وسيلة لتحقيق تغيير واسع النطاق، أهم ما سيحدد طبيعته، إيجابا أو سلبا، مرتبط بأن يكون في الميدان الحضاري انسيابيا، ليتتابع مسلسل تعاقب الحضارات البشرية.
كل حضارة جديدة تابعت من حيث الإنجاز حضارة سبقتها، وأعطته منظومة قيم أخرى، والمطلوب في تغيير معاصر هو إزالة الانحرافات وصناعة أدوات جديدة للوقاية مستقبلا منها، وكذلك تحديد الإيجابيات ومتابعة البناء الحضاري عليها.
بين أيدينا واقع بشري حضاري يشمل:
١- المؤشر العام: الحضارة المعاصرة التي بدأت بحقبة التنوير الأوروبية لصالح الإنسان وصلت بعد الحداثة إلى السيطرة المادية القاهرة لجنس الإنسان.
٢- العلة الرئيسية: ممارسة الاحتكار للمنجزات الأكثر تطورا والتحكم بها كما لم تصنع حضارة بشرية سابقة واقتران ذلك بتمييز عنصري متعدد الميادين.
٣- أداة السيطرة: شرعة الغاب في لباس الحقوق الإنسانية، فولادة المواثيق الإنسانية من رحم العنف في الثورة الفرنسية ورحم العنف في الحرب الأهلية الأمريكية، أوصل إلى سريان مفعول الحقوق تنتزع انتزاعا وكأنها بدهية أو إنجاز بشري كبير، وهي في الواقع قاعدة خطيرة رسخت استحالة تحصيل الطرف الأضعف الذي لا يملك أسباب القوة لانتزاع حقوقه من الطرف الأقوى الذي يملك أسباب القوة.
الثورات كسرت مفعول هذه الاستحالة وتراكماته عبر قرنين أسبقين على الأقل، إذ تحرك الطرف الأضعف، وهو الشعب، على غير انتظار، ليواجه قوة عاتية محلية مترابطة بقوى عاتية دوليا.
ما علاقة ذلك بمستقبل العمل الإسلامي؟
أحد التحديات الأكبر في حقبة ما بعد العمل الحركي هو ربط جوهر العمل الإسلامي مستقبلا بالجانب الحضاري، لأن الإسلام يطرح حضاريا مقابل المعطيات الحضارية السلبية الراهنة:
١- على صعيد المؤشر العام: تفصل منظومة القيم الإسلامية أحكام التعامل مع الحقوق العقدية والعبادية عن أحكام التعامل مع الحقوق البينية بين البشر، فالأولى مرتبطة بقواعد كبرى (لا إكراه في الدين) (إليه المصير) (يحكم بينكم يوم القيامة) والثانية، أي الحقوق الدنيوية البينية شاملة لجنس الإنسان (كرامة بني آدم) (العدل للناس جميعا) (الناس سواسية كأسنان المشط).
٢- الميزة الرئيسية حضاريا: لا احتكار ولا عنصرية في جميع العطاء التقني الحضاري، فهو من ميادين الحقوق المادية بين البشر، ويسري هنا أن عطاء الله غير محظور على أحد من عباده، مؤمنا أو كافرا، ولا يجوز حظره.
٣- الأداة التطبيقية: لا مجال في الإسلام لتقنين شرعة الغاب في تحصيل الحقوق، فالحق الفردي، أي حق الإنسان -الضعيف فردا- هو واجب جماعي شامل للمجتمع، ولهذا لا يخاطب الإسلام صاحب الحق أن يعمل لتحصيله وهو لا يملك أسباب القوة، بل يفرض على الطرف الآخر الذي يسيطر على الحقوق أن يعطيها لمستحقيها، سواء كان ممن يملكون قوة المال (وفي أموالهم حق معلوم..) أو كان صاحب عمل (آتوا الأجير أجره..) وهكذا في كافة ميادين العلاقات البشرية، حتى داخل الأسرة الواحدة.
ومن وراء ذلك يبقى عدم جواز الركون الجماعي لحالة الظلم إن سادت، أو عدم المشاركة في دفع الظلم ورفعه فمن لا يشارك، لا يستثنى في حالة فتنة الظلم من أن يعمّه العقاب أيضا.
إن العنصر الحاسم في الصيغة المطلوبة أو المتوقعة للعمل الإسلامي مستقبلا، هي مدى صلاحية تلك الصيغة لأداء مهمة التغيير على محور الإنسان، في مواجهة واقع معاصر مرفوض، كي يمكن اعتبار من يمارس ذلك العمل الإسلامي مفوضا من جانب صاحب الحق الأصيل: الشعوب. وهذا هو الإطار الأهم الذي نحتاج إليه عند السؤال عن مستقبل حركات الإسلام السياسي، فهل تبدّل ذاتها، أم يظهر سواها؟..
ولا يقتصر الأمر على الإطار العام، فبين أيدينا معطيات أخرى معاصرة تختلف عما كان قبل قرنين أو قبل قرن من الزمن، ولا يفيد وجود عمل إسلامي معاصر لا يراعي في رؤيته وفي هيكليته المعطيات والمستجدات المعاصرة، ومن ذلك على سبيل الأمثلة، تعدادا دون تفصيل:
١- تشعبت العلاقات في عالمنا فلم نعد أمام عداء مطلق أو تعاون مطلق.
٢- اضمحل مفعول الحدود الفاصلة بين البلدان فلا مجال للعزلة في قطر واحد أو منطقة جغرافية واحدة.
٣- لم يعد يوجد نظام مسيطر على السلطة دون وجود قوى أخرى مرتبطة بحصيلة سيطرته.
٤- تشابكت العلاقات والمصالح، فلا يمكن عزل إسقاط استبداد محلي عن إسقاط ارتباطاته في الهيمنة الأجنبية.
٥- تبدلت أسلحة الصراع وتنوعت، فقد تكون حملات مدروسة عبر مسلسلات تلفازية أخطر بنتائجها في شعب من الشعوب من جيش مدجج بالأسلحة.
٦- تطورت الخدمات المعيشية اليومية في الحياة البشرية، حتى سبقت البحوث والاختراعات إمكانات التصنيع والتسويق.
٧- تسارعت وتيرة الثورات العلمية والتقنية فأصبحت وسائل التواصل والعمل المشترك مختلفة جملة وتفصيلا عن جميع ما عرفه التاريخ عندما بدأ التحرك بأسلوب العمل الإصلاحي قبل قرنين أو بأسلوب العمل الحركي قبل قرن من الزمن.
الحصيلة:
جميع المعطيات تغيرت، فلا يمكن للعمل الإسلامي بعد الثورات أن يكون عملا هادفا وناجحا، إذا بقيت الصيغة المطلوبة أو المتوقعة له شبيهة بما كانت عليه تحت عناوين إصلاحية أو حركية من قبل، من حيث الشكل والمضمون، ومن حيث أساليب العمل ووسائله.
رابعا: استشراف المستقبل
لا أحد يستطيع أن يرسم صورة مستقبلية بتفاصيلها وينطلق لتطبيقها، لا سيما وأنه لا يخطط وينفذ في جزيرة منعزلة بل في قلب عالم متشابك، فيؤثر ويتأثر، ولا يتقدم دون القدرة على التفاعل الصحيح في اتجاه ما يتطلع إليه من أهداف بعيدة.
إذا توقفنا عند سطح الأحداث لا يصعب الحديث عن تطورات محتمة، منها ما يدور حول محورين:
١- ما بدأ من عداء مباشر للحركات الموصوفة بحركات الإسلام السياسي، سيتصاعد بمختلف الوسائل، بهدف استكمال القضاء عليها.
٢- في نطاق العمل الإسلامي يرجح اضمحلال استخدام كثير من الأساليب التقليدية للعمل الحركي، مع غياب المعطيات التي كان يتفاعل معها، وتبدل الوسائل التي كان يستخدمها.
إنما الحديث المطروح هنا لا يدور حول ما سيؤول إليه ما كان قائما، فالأهم هو ما ينبغي التلاقي على صنعه للمستقبل صنعا، من رؤى يدور محورها حول استمرارية جوهر ما قام من أجله العمل الإصلاحي والعمل الحركي، وليس الشكل بحد ذاته.
جميع الدعوات والحملات والتنظيمات وسائل وأدوات، أما جوهر مشروعيتها وصلاحيتها فهو صواب العمل للانطلاق من الإسلام في الحياة المعيشية والإدارة، وكلمة إدارة هنا لا تقف عند حدود سياسية أو اقتصادية أو سوى ذلك من ميادين العلاقات البشرية.
من العسير التنبؤ ما إذا كانت التنظيمات الحالية ستطور نفسها لهذا الغرض، فتطرح الفقرات الختامية التالية خواطر وأفكارا مبدئية، في نطاق استشراف ما ينبغي أن يكون، وتحتاج بطبيعة الحال إلى دراسات أعمق وحوارات أوسع، وهي أمثلة على سواها:
١- أوجدت المراحل الماضية تصنيفات عديدة، فهذه مدرسة سلفية، وتلك جهادية، وهذه إخوانية، وتلك تحريرية وهكذا، ومع كل ما يمكن قوله بشأنها تسري قاعدة أنه يؤخذ منها ويترك، كأي اجتهاد بشري، والحد الفاصل -ويشمل التسميات- هو الرجوع إلى المصطلح القرآني والنبوي.
٢- شرط النجاح الربط بين المنطلق ومتطلبات الواقع والعصر، وبين صيغة العمل الاحتياجات المشروعة.
٣- الثوابت ليست اجتهادات، بل هي القواعد الكبرى مثل لا إكراه في الدين والقيم المقاصدية الكبرى مثل الكرامة لبني آدم، والعدل للناس جميعا.
٤- الحضارة الإسلامية إنسانية، وهذه الصفة لازمة لأداة بنائها عبر عمل إسلامي.
٥- تشعبت مجالات العمل ووسائله، مما يتطلب تطبيق مبدأ التخصص في العمل الإسلامي أيضا، ولا يفيد التشبث بمنظمة أو جماعة يتفرع عنها كل ميدان تخصصي ويتبع لها، فاستيعاب جميع الميادين بالقدر الضروري للنجاح مستحيل على أي قيادة مركزية مهما كان شأنها، أو بلغت قدرة أفرادها.
٦- التخصص يفصل هياكل العمل المستقلة عن بعضها بعضا، والتكامل يضمن تحقيق أهداف مشتركة بينها.
٧- المعيار هو المرجعية، بمعنى الرجوع إلى ما يمكن وصفة بالبوصلة في التوجيه العام ضمن منظومة القيم والمقاصد الإسلامية، وليست المرجعية المستقبلية مرجعية بنية هيكلية تنظيمية، بل مرجعية مكانة مكتسبة تصنعها إنجازات من يحصلون على قدر واسع من الثقة العامة بصواب اجتهاداتهم.
٨- يشهد التاريخ والحاضر وجود مرجعيات بشرية من المجتهدين، لا يربطهم انتماء إلى تنظيم حركي أو اتجاه انتمائي، بل اكتسبوا مكانتهم من ارتفاع نسبة المقتنعين باجتهاداتهم وتوجيهاتهم.
٩- التزام العمل التخصصي طوعا بالمرجعية الاجتهادية الجامعة، يصنع وحدة معرفية صادرة عن النصوص القرآنية والنبوية، دون تقديس مرفوض لأي اجتهاد أو شخص، ودون انتقاص من القيمة الذاتية له.
١٠- هذا الالتزام الطوعي بنواة مرجعية صلبة مع التعدد العملي والإداري تخصصا وتكاملا، يحقق مفعول العرف في تعميم معايير انتساب أي جهة متخصصة لما يوصف مستقبلا بالعمل الإسلامي بعد حقبتي العمل الإصلاحي والحركي.
١١- ما عدا ذلك يبقى في حدود الاجتهاد أيضا ما يجد توافقا نسبيا من قواعد عامة، مثل (العمل وسيلة وخدمة والقيادة كفاءة ومسؤولية) و(تميز العمل بقدر الضرورة والتشارك بقدر المصلحة) وغير ذلك مما بات مع الزمن من مقومات أي منظومة قيم صالحة، لحياة بشرية مشتركة.
١٢- التنظيمات الحركية اليوم قادرة على تغيير هياكلها بحيث لا تكون جامعة، بل تتخصص في الدعوة مثلا، ولا تحاول ربط تنظيمات تخصصية بها تنظيميا، ولا يمنع ذلك من نشأة سواها بصيغة جديدة.
الصورة المستخلصة مما سبق:
(١) نواة مرجعيات بشرية ذات مكانة مكتسبة دون ارتباطات تنظيمية.
(٢) تنظيمات عمل تخصصي مستقلة عن بعضها بعضا تسترشد ببوصلة النواة المرجعية.
(٣) أدوات عمل حسب نوعية التخصص، كالأحزاب السياسية أداة العمل السياسي، والنقابات والاتحادات المهنية للميدان الاقتصادي، والروابط والنوادي للميادين الأدبية والثقافية وغيرها، وزد على ذلك منظمات حماية البيئة، والدفاع عن حقوق الإنسان، والعمل الإعلامي، والتربية، وغير ذلك مما ينتشر بقدر كثرة التشعبات في حياتنا البشرية المعاصرة.
والله ولي التوفيق، وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب