تحليل
مبدئيا لا يسمح السؤال المطروح مسار السعودية الجديد إلى أين، بأكثر من التكهنات، إنما المؤكد أن سائر الإجابات المحتملة تمتد إلى ما هو أوسع نطاقا بكثير من السعودية نفسها، من حيث الرقعة الجغرافية ومن حيث التطورات المستقبلية القريبة والبعيدة على حد سواء.
داخليا نجحت حركة التغيير -كما يسميها من لا يودون إزعاج المسؤولين في السعودية- أو الانقلاب العائلي الداخلي، الذي:
– يجمع مراكز القوى في نطاق سيطرة ملكية مطلقة، قديمة جديدة، بدلا من سياسات التفاهم وتوزيع تلك المراكز في العقود الماضية
– وينهي تقاسم النفوذ الثقافي والإعلامي والاجتماعي كما ساد بين اتجاه ديني مؤسساتي واتجاه ليبرالي خلال عقود ماضية أيضا
ويمكن اعتبار من بين أهداف الاعتراف للمرأة ببعض حقوقها المنتهكة سابقا وحملة مكافحة الفساد، محاولة مدروسة ومقصودة لكسب تأييد شعبي، هذا بغض النظر عن حجم ذلك التأييد وعن حجم السخط المحتمل بالمقابل، فلا يمكن للسخط أن يطفو على السطح، ما دامت حركة التغيير أو الانقلاب لا تشمل إطلاق الحريات العامة والحقوق الأساسية، ثم إن المعطيات الجديدة المفروضة لا تسمح بظهور حركة معارضة أصلا، لا سيما وأن التأييد الخارجي لها شبه منعدم، فالدول ذات العلاقة لا تخفي ترحيبها بما يجري، ولا يتجاوز الإعلام الغربي حدود انتقادات خفيفة المضمون والصياغة بصدد استمرار سيطرة الملكية المطلقة على البلاد، أما روسيا فلا تملك مقومات التدخل حتى بالرأي، وتحتفظ بموقف متردد يترقب بحذر على ما يبدو ما يمكن أن تتخذه السلطة الجديدة من خطوات تتجاوز بها حدود البلاد.
خارجيا لا ينفصل التطور الجديد في السعودية عن التفاهمات التي سبقت انطلاقته الأولى وظهرت إلى العلن مع السلطة الأمريكية، وعلى وجه التحديد مع ترامب الذي لم يتمكن من الحصول على تأييد من الحلفاء التقليديين في أوروبا، ولا يبدو أنه يملك كثيرا من الأوراق ليكسب تأييد الحلفاء التقليديين في الشرق الآسيوي على خلفية الصراع مع كوريا الشمالية، والسياسات الصينية والروسية، والأهم من ذلك أنه خسر الكثير بسبب أسلوبه المتهور في صناعة القرار وعجزه عن الوفاء بكثير من وعوده للناخبين أو للقوى ذات العلاقة بقضايا متعددة مثل التأمينات الصحية.
وترامب يعمل بعقلية تاجر أكثر من عقلية رئيس، فما دام يضمن تغطية التكاليف المالية للحرب، وانخفاض نسبة مشاركة الجنود الأمريكيين بصورة مباشرة لن يتأخر عن ذلك، ولا يُنتظر أن يعرقله الكونجرس الأمريكي إذا توافرت تلك الشروط، ومن هنا فإن الإجابة على السؤال: مسار السعودية الجديد إلى أين خارجيا؟ تتطلب طرح عدد من الأسئلة المنبثقة عنه:
١- هل يقف طموح الرجل القوي الجديد والشاب في السعودية عند حدود السيطرة الملكية المطلقة داخليا، أم يطمح (وربما يتوهم فحسب) أن يحول السعودية إلى الدولة رقم واحد في الاستراتيجيات الأمريكية إقليميا، مع عدم إغفال مكانة الإسرائيليين بهذا الصدد، ثم هل يعتقد أن الحرب تحقق هذا الطموح؟
٢- هل يحسب صانع القرار في السعودية أن التحرك العسكري على انفراد يكفي لخوض الحرب ولو بدعم أمريكي كبير، أم يبحث عن حلفاء والأرجح ألا يجد، إذ لا يوجد حليف حقيقي لها سوى الإمارات، وقد لا تغامر زعامتها الحالية بذلك مهما بدا التلاحم الحالي بينها وبين السعودية، وقد يقتصر دورها على دعم تحرك عسكري مؤجل ضد قطر دون تقدير ما سيترتب عليه، ويسري شبيه ذلك على مصر؟
٣- إذا كانت القوة الإسرائيلية الضاربة هي المرشحة للتحالف، فهل تكسر السلطة الجديدة في السعودية آخر الحواجز بينها وبين تحالف من هذا القبيل ويجعلها في موقع رفض شعبي عربي وإسلامي واسع النطاق، شبيه بموقع السادات ومن تلاه في مصر بعد كامب ديفيد؟
٤- إذا كانت إيران مستهدفة بالحرب في نهاية المطاف، فهل تنتظر “نهاية المطاف” ولا تحرك ساكنا حتى في حال اقتصار تحرك عسكري في البداية على استهداف وجود الميليشيات التابعة لإيران في لبنان، وهو ما لا يمكن فصله عن استهدافها في سورية والعراق أيضا؟
٥- هل تخاطر السعودية بمواجهة تحالف مصلحي جديد محتمل، مع خلفية عسكرية وليس سياسية فقط، يشمل تركيا وإيران ربما بدعم روسي دون تدخل مباشر، أي على غرار نوعية الدعم المقابل المنتظر من جانب الولايات المتحدة الأمريكية للسعودية؟
٦- بعد كثير من المعارك بالنيابة عربيا والمعارك المباشرة في اليمن تخصيصا، هل يمكن أن يتخذ المسؤولون العسكريون والسياسيون في السعودية قرار حرب واسعة النطاق وإن بدأت محدودة، وهم يعلمون أن تجربة اليمن لا تبيح بالمنطق العسكري الإقدام على مثل هذا القرار؟
٧- هل ستجد السلطة في السعودية تأييدا شعبيا داخليا رغم عدم الاعتياد المعيشي على حالة الحرب أم ستنقلب حركة التغيير داخليا رأسا على عقب نتيجة المخاطرة بالعمل لتحقيق أهداف خارجية لها ثمن داخلي باهظ على الأقل، على افتراض تحقيقها فعلا؟
وسؤال أخير:
٨- هل يؤمن جانب الأمريكيين من وراء إشعال حرب جديدة في المنطقة، أم أنهم -كما صنعوا من قبل مع دول أخرى- يستدرجون السعودية إلى حرب، قد تؤدي إلى نتائج أبعد مدى من كل ما سبق، والهدف هو استكمال إعادة رسم خارطة المنطقة، بعد ما حققته ظاهريا ومرحليا على الأقل التحركات الدولية المضادة لتحرير إرادة الشعوب في ثورات الربيع العربي؟
. . .
ما سبق تساؤلات وتكهنات، ولكن الحد الأدنى الذي يمكن الجزم به، أن التطورات المتسارعة في الأسابيع القليلة الماضية، لا سيما في السعودية، وعلى صعيد عدد من البلدان الأخرى في المنطقة، كالعراق وسورية واليمن وبلدان منطقة الخليج نفسها، تنذر بأخطار كبيرة على الأنظمة الحالية وليس على الشعوب فقط، التي حملت ما لا تحمله الجبال منذ عقود وعقود، لا سيما في السنوات القليلة الماضية، نتيجة عدم استيعاب الطبقات السياسية جميعا أن الاستبداد أم الخبائث، وأن عدم التخلص منه طوعا، أو إسقاطه كرها، يعني أن المنطقة لن يقر لها قرار، ولن تحقق هدفا كريما، ولن تنقطع فيها مسلسلات الحروب ومسلسلات الفساد والإجرام.
وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب