مذبحة تل الزعتر

٢٢ / ٦ إلى ٦ / ٨ / ١٩٧٦

تحليل

بدأ الهجوم الماروني على مخيم تل الزعتر في ٢٢ / ٦ / ١٩٧٦م، وكان فيه ما بين ٥٠ و٦٠ ألف إنسان من الفلسطينيين واللبنانيين، وبلغ عدد القذائف عليه زهاء ٥٥ ألف قذيفة، وارتُكبت مذابح إبادة جماعية في أحياء مجاورة له أهمها جسر الباشا وحي التبعة، وبدأ حصاره بمشاركة القوات الأسدية الداعمة للمارونيين في الحرب الأهلية اللبنانية، واستمر الحصار حتى ٦ / ٨ / ١٩٧٦م، عندما عقدت قوات الردع العربية، التي كانت واقعيا من القوات الأسدية فقط، اتفاقا يسمح بخروج المدنيين دون سلاح وبوقف القتال، ولكن بدأت في اليوم التالي ٧ / ٨ / ١٩٧٦م المذبحة الأكبر من سواها في مسارات الحرب الأهلية اللبنانية جميعا، فأثناء خروج المدنيين من المخيم بدأ ارتكاب الجرائم بمختلف أشكالها، قتلا واغتصابا وبقرا لبطون الحوامل وسحلا وحرقا. 

شاركت في المذبحة مباشرة أو بالتغطية والدعم عسكريا: القوات الأسدية في عهد حافظ الأسد، وقوات حزب الكتائب بزعامة بيار الجميل، وميليشيا جيش تحرير زغرتا بزعامة طوني فرنجيه، وميليشيا النمور التابعة لحزب الوطنيين الأحرار بزعامة كميل شمعون، وميليشيا حراس الأرز، وبلغ عدد الضحايا أكثر من ٣ آلاف إنسان، من الأجنّة، والأطفال، والنساء، والرجال؛ واستمرت المذبحة سبعة أيام بلياليها، ثم بدأت الجرافات بتنفيذ أوامر تسوية مكان المخيم بالأرض.

في ذلك العام من الحرب الأهلية اللبنانية بمشاركة أسدية كان من كلمات وجهها حافظ الأسد إلى ياسر عرفات قوله: (ليس هناك شعب فلسطيني وليس هناك كيان فلسطيني، بل سوريا وأنتم جزء لا يتجزأ من الشعب السوري، وفلسطين جزء لا يتجزأ من سوريا.. وإذن فإننا نحن المسؤولون السوريون الممثلون الحقيقيون للشعب الفلسطيني).
وقد استهدفت تلك الكلمات الإعلان عن متابعة العمل الذي بدأ من قبل، ليشمل الاستبداد الأسدي الفلسطينيين والسوريين وسواهم. وشبيه ذلك ما تردد أثناء الثورة الشعبية في سورية لاحقا، مع استهداف أتباع الأسد الابن للفلسطينيين والمخيمات في سورية. ولهذا ولأسباب عديدة أخرى، يجب التأكيد باستمرار:

إن كل خطوة على طريق تحرر سورية والسوريين هي من اللحظة الأولى للثورة الشعبية في سورية خطوة على طريق تحرر فلسطين والفلسطينيين، وإن كل خطوة لتحرير فلسطين والفلسطينيين هي في الوقت نفسه خطوة لتحرير سورية والسوريين والعرب والمسلمين وتحرير الإنسان في عالمنا المعاصر.

وإن كل انحراف عن القضية الثنائية المشتركة من جانب أي جهة تعتبر نفسها من مقاومة الفلسطينيين وكل انحراف عن ذلك من جانب أي جهة تنسب نفسها لثورة السوريين، هو انحراف عن أصل القضية المشتركة وعن العمل القويم في خدمتها، سيان هل كان ذلك من باب الجهل أو ضعف الوعي أو الخطأ، فخدمة القضايا المصيرية ليست مسألة زلات لسان ولا تحتمل المساومات السياسية.

لم يضع تصعيد الإجرام الأسدي المشردين من السوريين في سورية وعن سورية، ولم يضع الفلسطينيين في بلدهم سورية مع السوريين، في خندق واحد كما يقال، بل كانوا ولا يزالون في خندق واحد على الدوام، وهذا رغم جميع ما بذلته الأنظمة الاستبدادية من جهود على مدى عشرات السنين الماضية لترسيخ أسباب التجزئة والتفرقة بين الشعوب، وبين القضايا المصيرية، لتوجه ضرباتها إلى الجميع دون تمييز.

شهداؤنا وجرحانا والمشرّدون مرة بعد مرة، من ضحايا الإجرام الأسدي في المخيمات على أرض سورية وعلى أرض لبنانهم كشهدائنا وجرحانا والمشردين عن مدنهم وقراهم في الحسكة ودير الزور، في اللاذقية وإدلب، في حوران وحماة، في حمص ودمشق وحلب، سواء بسواء.

ما الذي تعنيه المقاومة، إذا كان من يقال إن المقاومة من أجلهم هم، معرّضين للتقتيل والتشريد والتعذيب على أيدي من يزعم أنه يحتكر شعار المقاومة؟

ما الذي تعنيه الممانعة، إذا كانت الأوطان التي يقال إن الممانعة من أجلها، معرضة للتدمير والخراب بعد التجزئة والتخلف والنهب والسلب، على أيدي من يزعم أنه يحتكر شعار الممانعة؟

لا ينبغي لأحد أن يستهين إذن بمفعول رؤية مشتركة تشمل وحدة الماضي والحاضر والمستقبل في أقطارنا العربية والإسلامية، وتنطلق من إدراك عامة الشعوب أن قضايانا جميعا ذات مصير واحد مشترك وتقوم على قواسم مشتركة لا غنى عنها، ولا يمكن نجاح العمل من أجلها إلا وفق إرادة مشتركة، وأهداف مشتركة، وجهود متكاملة، وأن حجر الأساس في ذلك كله وفي تحرير الأوطان من كل غزو أجنبي وهيمنة، إنما هو حرية الإنسان وكرامته وإرادته، سيان هل حمل يوم ولادته وصف فلسطيني أو سوري أو لبناني أو سوى ذلك مما حافظت عليه الأنظمة المستبدة على خريطة سايكس بيكو، وعضت عليه بالنواجذ، طوال العقود الماضية، لتتابع بذلك مهمة التجزئة التي بدأ بها الاستعمار الأجنبي قبل أن يرحل، ولم يرحل إلا ليتركها في أيدٍ آثمة يقوم أصحابها مقامه في ترسيخ التجزئة وما تعنيه من ضعف وتخلف وما صنعته وتصنعه من هزائم ونكبات.

وأستودعكم الله، وأستودعه أهلنا في فلسطين وفي كل مكان ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب

التسلط الأسديتاريختل الزعترحافظ الأسدسوريةفلسطينلبنان
Comments (0)
Add Comment