مختارات – عدنان النحوي: رسالة المسجد الأَقصى إلى المسلمين

 

توفي الشاعر والأديب والداعية د عدنان علي رضا النحوي  يوم الأحد ١١/ ١/ ٢٠١٥م، رحمه الله وغفر له.. وهذه أبيات تعبر عنه وصفها بأنها "نجوى.. وشكوى.. وحنين.." وأعطاها عنوان: رسالة المسجد الأَقصى إلى المسلمين.. 

 

أنا المسجدُ الأَقصى! وهذي المرابعُ

بقايا! وذكرى! والأَسى والفواجـعُ

 

لقـد كنـتُ بين المؤمنـين وديعـةً

على الدّهـرِ ما هبّوا إِليَّ وسارعـوا

 

يضمّـون أَحـنـاءً علـيًّ وأعْيُنـاً

وتحرُسنـي مِنْهم سيـوفٌ  قواطـعُ

 

زُحوفٌ مع  الأَيـامِ موصولةُ العُـرا

فترتـجُّ من عزْم الزُّحوف المرابـع

 

إِذا أعوزَ القـومَ السـلاحُ تواثبُـوا

تجـودُ قُلـوبٌ بـالوفـا وأضالـعُ

 

وعَـهْـدٌ مـع الله العلـيِّ يشـدُّهُ

يقـينٌ بـأنَّ الـمـرءَ للّـه راجِـعُ

 

وأنّ جنـانَ الخُلـد بالحقّ تُجْتَلَـى

وبالـدَّم تُجْلَـى ساحـةٌ ووقـائِـعُ

 

مواكـبُ نورٍ يملأ الدهـرَ زحْفُهـا

فيُشـرقُ منهـا غَيْهَـبٌ ومطـالِـعُ

 

وتَنشُـرُ في الدنيـا رسالـة ربِّهـا

فَتُصغِيْ لها في الخافِقَـين المسامـعُ

 

وتنشُـرُ أنـداءً وتَسْـكُـبُ  وابـلاً

فتخضّـرُّ ساحـاتٌ  ذَوَتْ وبَـلاقـعُ

* * * 

فما بالُ قومي اليومَ غابُوا  وَغُيِّبـوا

وما عـادَ في الآفـاقِ منهم طلائـعُ

 

وما بال قومي بدَّلوا  ساحةَ الوغـى

فغابَـتْ مياديـنٌ لهـم  ومصـانِـعُ

 

وما بَالُهم تاَهوا عن الدرب ويَحَهـمْ

فجالـتْ  بهم أهواؤهـمْ والمطامـعُ

 

فغـابَ نـداءٌ مـا أجـلَّ  عَطـاءَه

تُـردّدُهُ في كـل أفـق  مـجـامـعُ

 

وكانتْ مياديـنُ الشّهـادة ساحَهـم

فصـارَ لَهُـمْ ملء الديّـارِ  مَراتـعُ

 

وفي كلِّ يـومٍ مَهْرَجَـانٌ  يَضُمُّنـي

وتندبنـي بين القصيـد  المـدامِـعُ

 

وكانـتْ  دمـاءُ المؤمنـين غنيَّـةً

تُصَـبُّ  وأرواحُ الشهـودِ تـدافِـعُ

 

فأصبَحْتُ، ياويحي، أَحاديث مَجْلسٍ

وأدمـعَ بكَّـاءٍ حَـوتْـه المضاجِـعُ

 

وكـان يُدوّي  في الميادين  جولـةٌ

فصـارَ يُـدوّي  بالشعـاراتِ ذائـعُ

 

وَكـمْ كْنتُ أَرجوأن تكون دُموعُهـمْ

دِمـاءً تُـرَوّى مِن غِناهـا البَلاقِـعُ

* * *

أَيذْبَحُني أهُلـي و يَبكُـونَ  بَعْدَهـا

عليَّ؟‍! لقـد سَاءتْ بذاك  الصنائِـعُ

 

فَكَـمْ تاجـرٍ أَلقى بِلَحْمـيَ  سِلْعَـة

وقَدْ عَزَّ في الأسواقِ منها البَضائِـعُ

 

فهـذا يُنـادِي بـالتجـارة  جَـهْرَةً

وذاك يُـواريـه شِـعـارٌ  مخـادِعُ

 

فغاصُـوا جميعاً بِالوُحُولِ وَغُيَّبـوا

بتيـهٍ ودارَتْ بَيْنَ ذاكَ  المـصَـارعُ

* * * 

فما أَنا جُـدْرانٌ تَـدورُ  وسَـاحَـةٌ

ولـكنّـنـي أُفْـقٌ  غَنـيٌّ وواسِـعُ

 

يَـمُـدُّ ليَ الآفـاقَ وحْيُ رسـالـةٍ

وحَـبْـلٌ متيـنٌ للمنـازِلِ جـامِـعُ

 

ريـاضٌ يَرِفُّ الطيبُ منها وتغتنـي

مِنَ  الطّيـب سَاحَاتٌ بها ومَـرَابـعُ

 

فِمـنْ مُهْجَةِ الإِسْـلام مَكّةَ خفقتـي

ومِـنْ طيبَـةٍ وحيٌ إلى الحقِّ دافـعُ

 

ومـن كـلِّ دارٍ مـِنـبَـرٌ ومـآذِنٌ

بيـوتٌ تـدَوِّي بالنّـداء  جَـوامِـعُ

 

قُلـوبٌ لها خفـقُ الحيـاةِ وأضْلُـعٌ

تجـيـشُ وآمـالٌ  غَلَـتْ وَوَدائـِعُ

 

تظـلُّ عُـروقي  بـالحيـاةِ غنِيَّـةً

إِذا اتّصلـتْ بين  الدّيـار الشرائِـعُ

 

وأَيُّ حَـيـاةٍ دونَ ذلـك تُـرْتجَـى

إِذا  انتزَعْتني مِنْ ضُلوعي المطَامِـعُ

* * *

ونـادَى مُنـادٍ حَسْبُنَا كِسـرةٌ هِنـا

ونـَادَى سِـوَاهُ نَرْتَجـي  ونُصانِـعُ

 

وطافتْ على الدُّنيـا الهزائـمُ كلُّهـا

شعـارٌ يُـدَوّي أو  ذليـلٌ وضـارعُ

 

تَشُـدُّ عليَّ اليـوْمَ قَبْضَـةُ مُجْـرِمِ

ويَجْتَالُنـي مَـكـرٌ لـهُ وأصـابـعُ

 

وفـي كلّ يوم، وَيْحَ نَفْسي، مَسَارحٌ

تُـدَارُ وأَهْـواءٌ عَليْـهـا تَـنَـازَعُ

 

تُدَارُ خُيـوطُ المكْر خَلْـفَ ستارهـا

وتُعْلـَنُ  آمـالٌ عَلـيْهـا لَـوامِـعُ

 

ويَطْـوِي عَلى هُوْنٍ أسايَ و ذِلتـي

شِـعَـارٌ يُـدَوّي أو أمـانٍ روائـعُ

 

تُمزَّقُ  أَوْصَالـي وتُنْـزَعُ مُهْجتـي

ويُطلَبُ نَصْـرٌ والنُّفـوس خَواضِـعُ

 

يقولون "تحريرٌ" ويُجْرون  صَفْقَـةً

عَليْها شُهـودٌ ضِامنـون وبـائـعُ

 

يقولـون "تقرير المصيـر" وإنّـه

لَتدميـر آمـالٍ: فَمعْـطٍ ومـانِـعُ

 

يفـاوضُ فيه الشاةَ ذئـبٌ وثعلـبٌ

وقد مَهَّـدَتْ عَبْـر السنينَ الوقائـعُ

 

يقولون: أهـلُ الدار أدرى بحالهـا

وأيـن هُـمُ؟! إني إلى الله ضـارعُ

 

وأهليْ! وما أهلي سوى أَمَّـة لهـا

مـن الله عـزمٌ في الميادين جامـعُ

 

وصـفٌّ يشدُّ المـؤمنين جميعَهُـم

كأنَّهُـمُ البُنْيـانُ : عـالٍ ومـانـعُ

 

إذا لمْ تَقُـمْ في الأرض أمَّـةُ أَحمـدٍ

فكلُّ الذي يَجْري عَلى السّاحِ ضائـعُ

* * * 

حنانيـكَ يا أَقْصَـى! حنانَيكَ كُلَّمـا

خَطَـرْتَ وَشدَّتنـي إليـكَ النّـوازعُ

 

فيـافٍ ترامـتْ بَيْنَنَـا ومَسَـالِـكٌ

تُسَـدّ وأشـواقٌ إلـيـك تُصـارعُ

 

تَمُـرُّ مَـعَ الذّكـرى لتوقـظ  أُمّـةً

وحوْلكَ غـافٍ لـو علمـتَ وقابـعُ

 

أُطأطئ رأسي ما خَطَـرتَ وأَنثنـي

وطرفـيَ من هُوْنِ المذلَّة خـاشِـعُ

 

وأُصْغي! ونجْوى البرتقال تهُّزنـي

وَوَشْوشَةُ الزيتـونِ منـكَ قَـوارعُ

 

يعيـدُ لنـا العُتْبى حنـينٌ مـرجّـعٌ

يـردّدُهُ فـيـك الحمـامُ السواجِـعُ

 

فيـا أيها الأقْصـى أنينُـك موجـعٌ

تهيـجُ به بينَ الضلـوع  الفواجـعُ

 

حَنينـكَ أصـداءُ العصـورِ ولَهفـةٌ

فصبراً ومـا يُدريكَ مـا الله صانِـعُ

* * *

رجعتُ! فناداني! وعدتُ لكي أَرى

على جـانِبَيْـه دَمْـعـةً تتـدافَـعُ

 

وقال: إبائي يحجـزُ الدمعَ  كلَّـهُ

ولـكنَّ حُـزْني اليومَ طـاغٍ ودافـعُ

 

جَرَتْ دَمْعةٌ في الأرض مِنهُ فَأَوْقَدتْ

عزائـمَ أجيـال وزحـفـاً يُتـابـع

 

تَخُوضُ  مَيـادينَ الجِهـادِ وتَعْتَلـي

ذُرَاهـا تُدَوِّي بـالجِهـادِ المجامـعُ

 

فَلَسْطِـينُ حقُّ المسْلمين جَميِعهـم

وهـذا كـتابُ اللّـهِ بالحقِّ سَاطِـعُ

عدنان النحوي