يوم ٦/ ٩/ ٢٠١١م، والثورة في مرحلة مفصلية، ورد خبر يقول:
(انتقل إلى رحمة الله فضيلة الدكتور إبراهيم السلقيني، مفتي حلب، مساء أمس بسبب المخدر الذي تم إعطاؤه له أثناء عملية جراحية فلم يستيقظ بعدها، ويذكر أن الشيخ كان مؤيداً للثورة، رافضا ما يحصل من الظلم والقتل والعدوان، فكثرت الضغوطات والتهديدات ضده، ومن ثَمّ حصل احتكاك بينه وبين الأمن، على أثرها أُدخل المستشفى بسبب جلطة دماغية، وقد تمت محاصرة المبنى الذي كان فيه ومنع أهله من زيارته).
ونشر "مداد القلم" آنذاك نص الخطبة التي ألقاها الشيخ إبراهيم رحمه الله في الثاني عشر من رمضان ١٤٣٢هـ (١٢ / ٨/ ٢٠١١م) أثناء غليان مرجل الثورة في حلب الشهباء:
أيها الإخوة والأخوات:
إن النظام الذي يمد ظله على الناس، ويكتب له الخلود البقاء، ويتلقاه الناس بالرضى والقبول، هو النظام الذي تقوم مبادئه على تحقيق الكرامة الإنسانية، قال تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم}، ولم يقل كرمنا العرب، أو كرمنا المسلمين، أو كرمنا الرجال، أو كرمنا النساء، أو كرمنا الأغنياء أو الفقراء، أو التجار، أو العمال، أو الفلاحين، أو الحكام، أو البيض أو السود.
وتقوم مبادئه على تحقيق المساواة، ولا تمييز ولا تفريق، لأن الناس خالقهم واحد، وهو الله تعالى، وطينتهم واحدة وهي التراب، {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم}.
أيها الناس، إن الرب واحد، وإن الأب واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى.
كما تقوم مبادئه على تحقيق الحرية لكل إنسان، (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً). وعلى مبدأ تحرير الإنسان من عبودية العباد.. جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده.
وعلى مبدأ تحقيق العدل بين الناس {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل}.
كما جاءت مبادئه متناسقة مع فطرة الإنسان، فلا تقاوم ميوله وغرائزه بل تفتح المجالات لإشباعها بالأساليب الصحيحة التي تحقق لها النفع الاستمرار، ويجعلها تبني ولا تهدم، وتصون ولا تبدد {فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها ولا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون}.
أيها الإخوة والأخوات، هذا الإسلام بمبادئه التي أشرت إلى بعض عناوينها، جعل من هذه الأمة كلما عملت بهذه المبادئ خير أمة أخرجت للناس، جعل منها أمة الخلود، خلدنا في التاريخ بجميل مآثرنا، وعرفنا بنبل حضارتنا، وسبقنا الأمم في المجد بروائع بطولتنا، وقدوة في سلوكنا.
نحن أمة الخلود، أي أمة في الدنيا تضاهينا؟ أعلنا الحرية يوم كانت الأمم ترسف في قيود العبودية، ونشرنا العلم يوم كانت العقول مصفدة بأغلال الجاهلية، وأقمنا العدل يوم كانت فارس والروم تسخّران الشعوب لمطامعهما الحربية.
نحن أمة الخلود، بذلنا المال في المكارم حين كان يجمعه غيرنا من المظالم، وصنّا الأعراض وجميع الحرمات حين كان غيرنا يروي ظمأه من دم الشعوب.
نحن أمة الخلود، جباهنا تخضع لله وحده وتعلوا عمّن سواه، وقلوبنا تهوى الجمال وتنفر من كل قبيح مسيء، وعقولنا تؤمن بالحق وترفض كل باطل، وأيدينا يدٌ مع الله وأخرى مع الناس.
نحن أمة الخلود، نؤمن بالدين لنرفع به الدنيا، نعمل للدنيا لنخدم بها الدين، ونجمع بين الدين والدنيا لنكون في الحياة سعداء وفي الآخرة من الخالدين.
نحن أمة الخلود، أجسامنا في الأرض، وأرواحنا في السماء، وقلوبنا مع الله، وعقولنا مع الأنبياء والعلماء، آخينا بين العلم والدين، وجمعنا بين الدنيا والآخرة، وحكمنا فلم ننسى مبادئ إسلامنا.
نحن أمة الخلود، لأطفالنا مروءة الرجال، ولرجالنا كرامة الأبطال، ولأبطالنا صفات الخالدين، ولنسائنا عطر الأزاهير وطهر الملائكة، وسحر الطبيعة في فجر الربيع.
نحن أمة الخلود، يحكم نظامنا الدنيا فيملؤها أمناً وسلاما، وتعصف بنا النكبات فنستقبلها صبراً وابتساما، ويراد لنا الذل، فنثيرها حرباً ضراما، ويعتدى علينا في الأرض فنجعلها فوق المعتدين أطلالاً وركاما.
نحن أمة الخلود، نغنى فلا نبطر، ونقوى فلا نتجبر، ونضعف فلا نذل، ونصاب فلا نيأس، ونستشهد فلا نبكي ولا نصرخ.
نحن أمة الخلود، دماء شبابنا عندنا عطر الشباب والرجال، وسهام الأعداء في صدورنا أوسمة العزاء والكمال، وخوض المنايا في سبيل الارتقاء أغنية النساء والأطفال.
نحن أمة الخلود، لمواكب الشهداء عندنا أفراح وأعراس، ولرصاص الأعداء في آذاننا موسيقى وأنغام، وللمعارك الحمر تربينا أمهاتنا في الأسرة والمهود، نحن أمة الخلود.
وأخيراً.. {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}.
وأقول قولي هذا وأستغفر الله تعالى
إبراهيم السلقيني