مجموعة بريكس ومستقبلها

بين الأهداف والعوائق

رأي

رغم أن موعد لقاء القمة مقرر منذ فترة فإن مجموعة بريكس ذكّرت من خلال القمة بنفسها مجددا، على خلفية تداعيات الحرب الجارية في أوكرانيا، وتصعيد التوترات في جنوب الصين وشرق آسيا، والبحث عن مخرج من تأثير الهيمنة الأمريكية على نسبة عالية من العلاقات الدولية على كل صعيد.

الواقع أن هذه الأهداف كانت مطروحة منذ تأسيس المجموعة رسميا يوم ١٦ / ٦ / ٢٠٠٩م، ولكن مضى بضعة عشر عاما دون أن يتحقق تقدم ملموس، وفي عام ٢٠٢٣م فقط بدأ التوافق على التوسعة بإضافة ست دول للعضوية: الأرجنتين والسعودية ومصر والإمارات وإيران وإثيوبيا. 
وليس مجهولا أن بين معظم الدول الأعضاء الجديدة خلافات عميقة بينما كانت الخلافات بين الدول المؤسسة من أسباب عدم تحقيق إنجازات كبيرة من قبل، ولم تضمحلّ الخلافات القديمة بعد، فالدولة الهندية مثلا لا تريد تبني مواقف مناهضة للولايات المتحدة الأمريكية على خلفية تنامي حجم العلاقات المصلحية بين الطرفين، وربما بسبب الخلافات الحدودية مع الصين أيضا.

إعلاميا يجري التركيز على أن المجموعة تضم أكثر من ٤٠ في المائة من سكان الأرض، وأكثر من ربع إنتاجها العالمي، ولكن لا يغني ذلك عن أمرين:

الأمر الأول مدى النجاح في توظيف ذلك في صناعة القرار العالمي..

والأمر الثاني درجة استقرار الأوضاع الداخلية في دول المجموعة وعلاقاتها البينية.

وكان مما واكب لقاء القمة مقتل قائد مرتزقة منظمة فاجنر الذي تمرد على القيادات العسكرية في روسيا قبل فترة وجيزة، كما أن أزمة سد النهضة تؤثر على علاقات الدولتين المرشحتين الآن للعضوية مصر وإثيوبيا، ولم تثمر المصالحات المبدئية بين السعودية وإيران عن نتائج عملية حتى الآن، ولا يخفى التوتر المتصاعد بين ثلاثية السعودية ومصر والإمارات.

رغم ذلك يبقى أن مجموعة بريكس تميزت عن سواها من التنظيمات الدولية بربط تحقيق أهدافها السياسية بالعمل على الحد من الهيمنة الأمريكية عالميا، والتركيز في ذلك على التخلص من هيمنة الدولار الأمريكي على العلاقات المالية، بعد أن تغوّلت واشنطون في الإعلان عن “عقوبات” مالية ضد بلد بعد بلد، وبعد أن أصبح لتأثيرها على القوى الناهضة عالميا سلبيات واضحة للعيان.

إن الهيمنة الأمريكية عالميا مرتبطة بصورة خاصة بالهيمنة على النظام المالي العالمي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ولم ينقطع الإعلان عن الرغبة في التخلص من تلك الهيمنة، ولكن للمرة الأولى يطرح مشروع جاد في هذا الاتجاه بتأسيس مجموعة بريكس، والتركيز على تمويل التنمية خارج نطاق صندوق النقد الدولي، وعلى استخدام العملات المحلية دون اعتماد الدولار، رغم ذلك فخلال بضعة عشر عاما مضت بقيت العقبات في وجه تحقيق هذا الهدف قائمة، وتكاد تزيد عما كانت عليه في البداية.

إن عدم تسجيل خطوة فاعلة لتحقيق الهدف المطروح من البداية لا يعود إلى خطوات غربية مضادة، قدر ما يعود إلى عقبات وعراقيل ذاتية؛ صحيح أن الصين الشعبية تمارس سياسات حذرة في التعاون مع الدول النامية، ولكن من العسير قول ذلك بشأن الدولة الروسية وممارساتها خارج الحدود كما كان في سورية وأوكرانيا وليبيا وغيرها، ولا يمكن القول إن الدول الأصغر يمكن أن تستفيد عندما تستبدل هيمنة أجنبية بأخرى.

كذلك تظهر العقباتُ الذاتية في أن تطوير العلاقات المالية يتطلب دعم العملات الوطنية، وتطوير التجارة البينية، ولا يوجد ما يشير إلى ذلك، بل إن الدولتين الكبريين روسيا والصين، وهما من الدول التي أسست المنظمة، لم تصلا إلى تبادل تجاري ثنائي بنسبة تزيد على عشرة في المائة من ميزانية التجارة الخارجية لكل منهما، ولا يزال حجم استخدام العملتين المحليتين ثنائيا دون المستوى الضروري لتنمية العلاقات التجارية والاستثمارية.

مجموعة بريكس تفتقر حتى الآن إلى تعزيز منطلقات قوتها الذاتية، وتفتقر إلى مخطط واضح من أجل الاستفادة الفعالة من تنامي الأجواء المضادة للهيمنة الأمريكية عالميا، وهو إن تحقق يعني الاستقلال الفعلي سياسيا واقتصاديا على أرض الواقع.

وأستودعكم الله وأستودعه مستقبلنا في كوكبنا الأرضي ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب

العلاقات الدوليةالنظام العالميمجموعة بريكس