محاضرة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله والسلام عليكم ورحمة الله
أيها الإخوة والأخوات الأكارم، وفق دعوة الجمعية الوطنية للعمران سبق الحديث منذ شهرين تقريبا تحت عنوان ما قبل الطوفان، وعندما تقرر عنوان ما بعد الطوفان لهذا اليوم كان غالب من يتابعون الأحداث ينطلقون من أن مرور ستة شهور ونيف على انطلاقة طوفان الأقصى ستكون كافية لظهور التداعيات والنتائج، ولكن نعلم في هذه الأثناء أننا ما نزال نعايش مزيدا من التداعيات وظهورَ مزيد من النتائج.
من هنا ينبغي التأكيد أن ما نطرحه اليوم كمقدمة ثم في الحوار حول الموضوع سيبقى معرضا للتغيير وفق تبدل معالم مجرى الأحداث.
على سبيل المثال لا نستطيع الجزم فيما يتعلق بنشوب حرب إقليمية وإن وقعت سيبقى من العسير ترجيح احتمال على آخر، بصدد أن تطلق مواجهات دولية مباشرة من عقالها، وما ينبني عليها وعلى مستقبلها عالميا، ويسري شبيه ذلك على نقاط أخرى؛ فلنميز من البداية بين جزئين من محاور الموضوع:
الجزء الأول يتعلق بمعالم سيولة الأحداث وكيف يترتب بعضها على بعض، فهي تتجدد باستمرار وتتطلب بالتالي جرعات متتالية من المتابعة والتحليل، فما نصل إليه عبر الطرح والحوار هو معالم لحظات آنية من مجرى التطورات المشهودة.
الجزء الثاني يضم محاور كبرى وبعض النتائج الواضحة، أي ما بلغ غاياته المبدئية، فلم يعد قابلا للتغييب عبر ما يستجد من تطورات الحدث وتداعياته، وتلك محاور تسري عليها قاعدة عامة تقول إن عقارب ساعة التغييرات التاريخية لا تعرف الرجوع إلى الوراء.
عندما يكون الموضوع المطلوب في وقت محدد للطرح والحوار يصبح الإيجاز في طرح المعالم الرئيسية هو المفضل على التعمق بالتحليل والاستشهادات، فأحاول الاقتصار على العناوين الكبرى وما يتفرع عنها، أملا في الاستفاضة حول ما بعضها عبر الحوار
* * *
معالم سيولة الأحداث
١- تصعيد الممارسات العدوانية عقب انطلاقة طوفان الأقصى
٢- استمرارية ممارسة المقاومة وتصاعد أعداد الضحايا “المدنيين”
٣- محدودية التحرك تحت عنوان وحدة جبهات المقاومة إقليميا
٤- الشريحة الفلسطينية الرسمية وشريحة المقاومة المنظمة
٥- ضعف التفاعل الإيجابي، على المستوى السياسي الرسمي، إقليميا ودوليا
٦- استمرارية التفاعل الشعبي مع تصاعد عدوانية الحرب الجارية
* * *
* * *
محاور كبرى وبعض النتائج
١- محور العلاقة بين المشروع الصهيوني إقليميا وبين المشروع الغربي الدولي تجاه المنطقة
٢- محور العلاقة بين قضية فلسطين وتطور أحداثها وبين قضايا إقليمية مشتركة كالنهوض والأمن
٣- محور العلاقة بين صناعة القرار السياسي والعسكري عالميا وعمل المنظمات الإنسانية والمدنية
٤- محور العلاقة بين تقلبات النظام العالمي وبين تداعيات طوفان الأقصى وموقعها على الخارطة العالمية
٥- محور العلاقة بين الأجيال على خلفية غلبة العنصر الشبابي في التعامل الإيجابي مع أحداث محورية كطوفان الأقصى
* * *
خاتمة
من الأهمية بمكان عدم الاقتصار على الرؤية الشاملة للحدث وخلفياته وأبعاده، وكذلك عدم الانسياق وراء أسلوب التفاؤل دون أسباب وجيهة أو وراء التردي مع أسلوب التشاؤم دون استشراف موضوعي لمستقبل تداعيات الحدث.
جميع لحظات التغيير التاريخية تمتد امتدادا واسعا، نوعيا وجغرافيا ولكن عبر مراحل زمنية متتالية، فعندما نتحدث كمثال عن ولادة الحضارة الإسلامية فقد نتحدث في سطر أو سطرين عن لحظة ميلادها الأولى في غار حراء ثم في شعب المقاطعة ثم يوم الهجرة ثم في غزوة الخندق ففي فتح مكة ثم اليرموك فالقادسية فمدرسة الحكمة وهكذا، ولا نشعر بالضرورة أننا نتحدث في حدود سطر أو سطرين عن أحداث استغرقت عدة عقود أو عدة أجيال. شبيه ذلك نراه في الحديث الموجز عن ولادة النهضة الأوروبية عقب عصر الفلسفات الإنسانية فالتنويرية.
إن معايشة آلام المخاض أثناء انطلاقة حدث التغيير تحول غالبا دون رؤية جوانب عديدة مما يطرحه مسار التغيير بالفعل عند مواكبته مع جيل واحد أو أكثر.
قد يولّد هذا الانكفاء عن التحرك وعن التفريط في العمل الواجب، بتأثير الألم والتشاؤم، مقابل الإفراط في التفاؤل بأن نسلّم بمفعول الأمل والتمني أن التغيير قادم لا محالة، أي دون متابعة صناعته مرحلة بعد مرحلة زمنيا، وفي مختلف الميادين علميا وعمليا مع ما يتطلبه ذلك من جهود وتخطيط وتضحيات ومن تخصص وتكامل وتعاون، ومن رؤية متجددة وتطوير متواصل، من جانب جيل المستقبل المرشح لمتابعة صناعة التغيير.
أرجو أن نشهد ذلك أو أن يشهده أبناؤنا وبناتنا والحمد لله رب العالمين.