تحليل
على خلفية استقالة سعد الحريري من منصب رئاسة الوزراء وإعلانها من الرياض يوم ٢٩ / ١٠ / ٢٠١٩م يطرح السؤال نفسه عن مآلات الوضع اللبناني القائم منذ عقود على شبكة من التفاهمات والاختلافات بين جميع القوى المحلية والإقليمية والدولية، مما يجعل كل حدث في لبنان أو حدث يرتبط به، حدثا كاشفا لتشابك خيوط صناعة القرار من ورائه بمختلف عواصم صناعة القرار لتلك القوى.
وتشمل التعقيدات محاولات استشراف ما سيحدث أيضا، وهذا ما يتطلب الوقوف عند معالم رئيسية لتصور مستقر عن مفعول التدخلات والتفاهمات، ومن ذلك:
١- لا يمكن نفي وجود قدر محدود ومشروط من المشروعية من وراء تدخل سياسي وليس التدخل العسكري، وذلك بمقدار ما يضمن ألاّ يكون لبنان مصدر إضرار بمصالح الدول الإقليمية العربية والإسلامية الأخرى.. فاحتضان لبنان لأطراف تعمل على توجيه عمليات مسلحة في تركيا مثلا، لا يمكن اعتباره مقبولا بالمنظور التركي، ولا يمكن اعتبار المساعي السياسية التركية لمنعه تدخلا مرفوضا.
٢- بهذا المعيار -دون تمييعه- يمكن القول إن التدخل السوري والسعودي والإيراني والمصري والتركي والأردني أو العربي والإسلامي عموما، يمكن اعتبار بعضه مشروعا بشروط، مع مراعاة ارتباطه بالمصالح العليا المشتركة، بحيث يعود بالفائدة على الجميع، ولا يقتصر فقط على مراعاة ظروف داخلية لهذه الدولة أو تلك؛ وليس هذا متوافرا في الوقت الحاضر.
٣- أما التدخل الفرنسي، أو الأمريكي، أو الإسرائيلي، فلا يمكن وصفه إلا بممارسة هيمنة أجنبية مرفوضة جملة وتفصيلا، ويجب أن تتلاقى على رفضها السياسات اللبنانية والعربية والإسلامية معا، وهذا التلاقي غائب أيضا بل يوجد بدلا منه تبعية وتعاون يخدم الأجنبي على حساب “الآخر” المحلي والإقليمي.
٤- من السذاجة السياسية المفتعلة المصطنعة، أن يعلن أي سياسي من الأطراف الأجنبية كواشنطن أنّه يطالب بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبنان، ويقصد دولا عربية وإسلامية، جنبا إلى جنب مع استقبال فريق من الساسة اللبنانيين ليقول مثلا إنّه يرضى أو لا يرضى بفلان أو فلان رئيسا أو رئيسا للوزراء في الدولة اللبنانية، وجنبا إلى جنب مع التصرفات المباشرة داخل الحدود اللبنانية، للتأثير على صناعة القرار اللبناني في اتجاه يخدم ما يسمى مصالح تلك الدول والقوى الأجنبية، وما هي في نهاية المطاف إلا مطامع غير مشروعة في إطار مسيرة الهيمنة الصهيوأمريكية والغربية عموما.
إن التمييز بين تدخل وتدخل، ومصالح ومطامع، ضروري، ولكنه لا يمثل صك تبرئة تحت أي عنوان وذريعة، لأي نظام من الأنظمة الإقليمية المتسلطة المستبدة داخليا، وهي تستبيح بلادنا ومصالح بلادنا وثروات بلادنا وتشارك في إراقة دماء شعوبنا في خدمة مشاريع هيمنة إقليمية ومشاريع هيمنة دولية. وإذا كان لبنان منذ نشأته على كف عفريت، كما يقال ،فهو في المرحلة الحاضرة على كف أكثر من عفريت، من القوى الأجنبية ومن قوى إقليمية تابعة لها تبعية اندماجية، ومرتبطة وجوديا بمطامعها وهيمنتها، سيان هل توافقت إقليميا مع بعضها أو تنازعت على مناطق النفوذ وميادينه جغرافيا ونوعيا.
ولا يصلح للبنان إلا ما يصلح لبقية أقطارنا، عندما تستقل استقلالا حقيقيا، وتكون سيادة الدولة في كل منها جزءا منبثقا عن سيادة الشعب على أرضه ومصالحه وصناعة القرار في بلده وفيما يختاره طوعا من علاقات متوازنة قويمة مع جهات أخرى.
وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب