لا مستقبل لتطبيع المستبدين مع المستبدين

لا يمنع القهر انذلاع الثورات والانتفاضات

رأي

تتزامن آخر الخطوات الاستعراضية من جانب أنظمة استبدادية عربية، للتطبيع الآثم مع بقايا النظام الهمجي الدموي في سورية، مع خطوات استعراضية لما وصل إليه تطرف السلطات الصهيونية الآثمة في التعامل مع أهلنا في فلسطين، وبما يفضح حضيض استخذاء السلطات القائمة في بلادنا، سواء تلك التي تسابقت إلى لقاءات العقبة وشرم الشيخ، أو تلك المنشغلة بترسيخ ما تحسبه لصالح تحرك مضاد للثورات الشعبية في معظم البلدان العربية.

إن ما تشهده أرضنا، المباركة مع ما حولها، بشموخ أهلها في المسجد الأقصى المبارك وحوله، لا يتألق بتواصل المقاومة والمواجهة وتواصل الشهادة وتحدي الآلام اليومية فحسب، بل يتألق أيضا بانتقال علم فلسطين من جيل إلى جيل بعد جيل، في ملحمة تاريخية لم تفلح في إطفاء جذوتها عشرات السنين من الاغتصاب والتنكيل والتجبر وخذلان الأخ والصديق، ولن يفلح المزيد في قطع دابر استمرار التصميم الشعبي على التحرر من الاحتلال الجائر والاغتصاب الفاجر للأرض.

وتتزامن هذه المشاهد وتلك مع مرور ١٢ عاما على اندلاع التغيير التاريخي الذي شاع وصفه بالربيع العربي (ليكون فصلا عابرا تليه فصول أخرى!) ويحسب صناع التحرك المضاد للثورات أنهم نجحوا في إخمادها نهائيا، فأصبحوا قادرين على ممارسة المزيد من التطبيع الآثم مع بني صهيون ومع بعضهم بعضا، ويتجاهل سدنة العدوان الخارجي والطغيان الداخلي، أنها ثورات انطلقت من قلب شعوب لم يمنعها من الثورة ما سبق أن تعرضت له على امتداد أكثر من ١٢ عقدا من سنوات الاحتلال الأجنبي فالاستبداد المحلي، مع كل ما يعنيه ذلك من ظلم وتنكيل واعتقال وتعذيب، واستغلال وتضليل، واستخدام مختلف أدوات القمع والفتك والترهيب والإرهاب.

لم يفلحوا في اغتيال الإرادة الشعبية من قبل رغم ما صنعوه من أوبئة التخلف جميعا، ولم يفلحوا في تزيين استخذاء الأنظمة ما بين المحيط الهادر والخليج الثائر أمام مغتصبي الأرض والمهيمنين على صناعة القرار السياسي في المنطقة، ولن يفلحوا.. إلا أنهم يبذرون واقعيا بذور ثورات أخرى، قادمة من حيث لا يحتسبون، وبصيغة من صيغ التغيير التي لا يتوقعونها ولا يملكون الأسباب لمنعها.

لقد مضى ٤٥ سنة كبيسة على أول مرحلة تسليم سموها تطبيعا فمارسوه بأسلوب استعراضي فيما سمي اتفاقيات السلام في كامب ديفيد الأمريكية، ورغم ذلك.. لم يصل شيء من “مظاهر التطبيع المزعوم” إلى الشعوب، بل ضاعف تطلعها ليوم التحرر من اغتصاب أجنبي للأرض ولهياكل الأنظمة.

ولقد مضى أكثر من ذلك من السنوات الكبيسة على خروج جنود الاحتلال الأجنبي وتسليم راياته لأنظمة استبدادية بمختلف الألوان والأشكال، فتقاتلت وتطاحنت وتقاطعت وتسابقت في البطش بالشعوب، ولم تنجح في أن تمنع اندلاع شرارة ثورات التغيير عام ٢٠١١م، بل زرعت في بلادنا بذور نشأة جيل التغيير، العامل على تأهيل نفسه لمتابعة الطريق، بأفضل مما كنّا عليه من قبل، ولصناعة التغيير الحضاري، الإنساني والسياسي والأمني والإداري والاقتصادي والاجتماعي والفكري والثقافي، في كل ميدان من الميادين، ولئن أوجد أدوات جديدة وسلك طرقا جديدة في العمل للتحرر والتحرير، إلا أنه لن يغير ثوابته على الطريق، وذاك ما تعنيه أعوام التصميم المتواصل حتى تتحقق الأهداف الجليلة، على امتداد الأرض المباركة وما حولها، وعلى امتداد أرضنا العربية والإسلامية، مهد الحضارات الإنسانية، في الماضي وفي المستقبل بإذن الله.

وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب

الاحتلالالاستبدادالتطبيعالثورات