كلمة وفاء – ميشيل كيلو

توفي في فرنسا يوم ١٩ / ٤ / ٢٠٢١م

(انظر أيضا: عطاءات – ميشيل كيلو – دعوة المسيحية إلى العقل)

كان شيوعيا وكان مسيحيا وكان معارضا سياسيا وكان كاتبا وإعلاميا وكان ناشطا ديمقراطيا، ولكن قبل ذلك كله كان سوريا وطنيا بمعنى الكلمة.

لقيته مرة واحدة أثناء زيارة لأستاذي الجليل عصام العطار في آخن حفظه الله وعافاه، وبحضور عدد لا بأس به من أهل سورية خارج حدود بلدهم، كان الحوار يدور حول الثورة الشعبية في سورية، وكيف يمكن أن تجتمع الكلمة بين من يعملون لها. وقد عمل للثورة كثير من المخلصين، وكان حماسهم لها ولأهدافها الشعبية كبيرا، إنما كان كل فريق يعمل في الدرجة الأولى من منطلق انتمائه أو تياره أو تطلعاته، ولا ينفتح على الآخر إلا بقدر ما ينفسح المجال لدعوته أن يمشي من خلفه.

وأحسبني عايشت ذلك مباشرة عندما كنت في منتصف آذار / مارس ٢٠١٣م في القاهرة ضمن فعالية أدعو فيها للعمل تحت عنوان تيار العدالة الوطني من منطلق إسلامي وطني، بينما كان ميشيل كيلو وعدد من رفاق دربه  في القاهرة أيضا يعمل لتأسيس المنتدى الديمقراطي بمشاركة نشطاء وطنيين معروفين، من أصحاب توجهات متقاربة، مثل فايز سارة وعارف دليلة وسمير عطية.

وكان بعض هؤلاء وآخرون من شركاء ميشيل كيلو في فعاليات أخرى تحت عنوان معارضة، والمعارضة في ذلك الوقت بمنزلة تحركات سياسية ثورية بمعنى الكلمة، بالقياس إلى ظروف العمل العسيرة والخطيرة للغاية، وسط ما ساد في سورية من مظالم. وكان من أنشطته منظمة حريات للدفاع عن السوريين، تأسيس لجان المجتمع المدني بمشاركة مشعل تمّو رحمه الله ومحمد عبد الله، وقد انبثقت مثل فعاليات أخرى عن تأسيس رياض الترك المائدة المستديرة للحوار عام ١٩٩٩م، أي بعد خروج الأخير من السجن (١٨ سنة) بعام واحد، وكان من الحزب الشيوعي السوري (المكتب السياسي) المنفصل عن حزب خالد بكداش رفضا لمشاركة الأخير في تشكيلة جبهة الأحزاب الوطنية التابعة واقعيا لحافظ الأسد في حينه. وكان ميشيل كيلو آنذاك من الشيوعيين أيضا، ومن أقواله عن حافظ الأسد (إنه مسؤول عن جذور كل الشرور في سورية)، وقد اعتقل في عهده سنة ١٩٧٩م لمدة عامين دون محاكمة، ثم في عهد ابنه بشار سنة ٢٠٠٦م لمدة ثلاثة أعوام.

وولد ميشيل كيلو في اللاذقية سنة ١٩٤٠م وعاش في سورية حتى مطلع الثمانينات من القرن الميلادي العشرين ثم أقام في باريس / فرنسا، وتردد على سورية كلما انفسح المجال سياسيا ولو جزئيا ليشارك في الفعاليات التي ظهرت في العقد الأول من القرن الميلادي الحادي والعشرين، وأُخمدت تلك الفعاليات لاحقا واشتدت المظالم حتى انطلقت الثورة الشعبية ٢٠١١م، فكان ميشيل كيلو في مقدمة الناشطين في ساحاتها السياسية، إنما تجنب أن يكون في مؤتمرات أو وفود تشكلت بغرض التفاوض مع بقايا النظام، وهو ما ساهم في تحويل التعامل مع الثورة ليكون وكأنها مجرد أزمة بين طرفين. لم يشارك ميشيل في التفاوض إنما لم يدخل في مهاترات إعلامية تزيد الشروخ حدة وانتشارا، على أن عزوفه عن المهاترات لم يمنعه من انتقاد تأسيس المجلس الوطني، وكذلك من انتقاد ائتلاف قوى الثورة والمعارضة رغم عضويته فيه.

وقد أقام ميشيل كيلو في الدوحة لفترات وجيزة نسبيا أثناء الثورة، بينما كانت إقامته الرئيسية في باريس، وإن درس الإعلام والتاريخ والاقتصاد في جامعتي ميونيخ ومنستر في ألمانيا، واشتغل في الصحافة لا سيما في جريدة النهار في بيروت والعربي الجديد في لندن، كما اشتغل في ترجمة عدد من الكتب في الفكر السياسي. ومن كتاباته الجديرة بتفعيل مضامينها:

(مفهومٌ أننا جميعا نتحمّل المسؤولية، أشخاصا وكيانات، بهذه الدرجة أو تلك، وضمن ذلك شيوع أوهام ومراهنات ثبت، منذ البداية، عقمها، ومخاطرها على شعبنا وقضيتنا وثورتنا، كما يأتي سوء التخطيط، وغياب التفكير الجماعي، والنزعة نحو الاستئثار، وغلبة المصالح الشخصية، والارتهان لهذه الدولة أو تلك. وقد أسهمت كل تلك الأمور في حرف ثورتنا، أو إزاحتها عن مسارها الصحيح، أو الصائب، إلى الدرجة التي استطاع فيها النظام أن يكسب الجولة تلو الجولة، سياسيا وعسكريا وعلى الصعيد الدولي، فكانت النتيجة ما نعرف ونرى.

بصراحة، لن يؤدي ما يحصل إلى إسقاط الإسلاميين وحدهم، ولا الديمقراطيين وحدهم ولا القوميين وحدهم، ولا اليساريين وحدهم. جميع تلك التيارات ستسقط في معركة المسؤولية الوطنية، إذا لم نتدارك ما يحصل. وأقصد هنا تحديدا تلك التيارات، بغض النظر عن خلفيتها الفكرية، أي تلك التي ترى في سورية وطنا لها، وأن السوريين جميعا مواطنون أحرار ومتساوون، والمستقلة عن أي نظام في الإقليم، أي تلك القوى التي تمثل “وتتمثل” شعب سورية وقضيته وحقوقه، قبل، وفوق أي أحد آخر.

 لن يُسقِط الإسلاميون وحدهم، أو اليساريون أو القوميون، الديمقراطيون، وحدهم، نظاما وحشيا تدعمه قوة إقليمية، وأخرى دولية متوحشة مثله، وأكثر. ولن يسقُط ما لم تقتنع الدولتان المعنيتان بأننا نمتلك من القوة ما يصدّ محاولاتهما فرض إرادتهما علينا، فهل تكون مراجعتنا أحوالنا التي تتجاوز حزبيتنا، ومصالحنا الضيقة، خطوتنا التالية على درب التمهيد للنهوض وتاليا للانتصار المأمول؟) من مقالة لميشيل كيلو بعنوان: نداء إلى السوريين الأحرار، في العربي الجديد، يوم ٢٨ / ٣ / ٢٠٢١م.

رحل ميشيل كيلو وبقيت قضية سورية وكثير من المخلصين لها فأستودعهم الله وإياها ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب

التعدديةالثوراتسوريةميشيل كيلو
Comments (0)
Add Comment