كل كلمة تنضح بالباطل تقال بحق الشيخ الجليل والعالم العلامة والداعية المجاهد الدكتور يوسف القرضاوي لغط يسيء لقائلها ولا يستحق الرد، بل إن الرد يعطي قيمة لِما لا يستحق اهتماما ولا ينبغي أن يثير انزعاجا.
لم يصنع مكانةَ القرضاوي لدى غالبية المسلمين وغير المسلمين في المعمورة كلامٌ عنه، بل ما أعطاه هو عبر علمه الغزير وجهده المتواصل، ولا صنعها هجومٌ على شخصه ودفاع، بل سيرة حياة حافلة بالعطاء، ولا “خلافٌ” حول اجتهاداته، بل تلك الاجتهادات نفسها في زمن يحتاج إليها وظروف يُفتقد فيها الروّاد، وعلى صعيد قضايا محورية في صناعة مستقبل الأمة والبلاد تجعل كلمة الحق الصائبة جهادا بين يدي الله تعالى ومنارا لمن يريد سلوك طريق الجهاد طالبا مرضاته.
ولئن كان من العلماء الأجلاء من يتصدى للحق في ميادين يتيسر فيها قول كلمة الحق، فالقرضاوي من القلة القليلة الذين يتصدون للجهر بالحق في ميادين تحتاج الأمة على صعيدها حاجة ماسة إلى من يقول كلمة الحق لا يخشى في الله لومة لائم، لا تصده عن ذلك رهبة ولا تدفعه رغبة، ولا يخرج بها عن الوسطية الإسلامية القويمة منهجا، ولا عن الإقناع القويم الهادئ بيانا، ولا عن استخلاص الأدلة وتحقيق المصلحة أسلوبا، ولا عن التزام القيم الإسلامية خُلُقا، ولا يمنعه شنآن قوم عن ذكر بعض الخير فيهم، أو نصح قوم عن التحذير من شطط ينزلقون إليه.
إن الشيخ الجليل الذي قضى عمره عاملا من أجل أن تستعيد الأمة ما افتقدته من عزة وكرامة ومنعة ووحدة، قد تصدى منذ شبابه للجهاد بما يملك حيثما حطت به الرحال، وسيان كيف تقلبت حوله الظروف والأحوال، لا ينقطع عن البحث والتأليف والدراسة والتدريس والدعوة والإرشاد، كما أصبحت مواقفه في قضايا المسلمين والعالم المعاصرة، ولا سيما قضية فلسطين منارا لكل من أخلص في مواصلة طريق المقاومة والصمود والتحرير، والجهاد والاستشهاد، بعد أن كلت الأقدام بكثير ممن يختزلون قضية فلسطين في حدود رؤاهم المنحرفة عن طريق فلسطين وشعب فلسطين، وعن طريق الجهاد والاستشهاد، فلا تضير القرضاوي وهو يجهر بالحق ولا تمس مكانتَه مقولاتُهم، ويكفي ما ينضح فيها ومنها من عداء لكلمة الحق، شهادة على دوره الجليل في بيان الحق بين أيدي من أصروا ويصرون على مواصلة العمل لإعلاء رايته.
حتى إذا عايش الشيخ الجليل اللحظات التاريخية التي نعايشها في حقبة ثورات شبابيةِ الشعلة شعبيةِ المسار إنسانيةِ المنهج، واصل العطاء رائدا لقول كلمة الحق بشأن الاستبداد والمستبدين والفساد والمفسدين، ولنصرة الشعوب الثائرة، وتطلعاتها المشروعة العادلة، ويكفيه أن يتلاقى على ما يقول من وراء الحدود والمسافات والحواجز والعقبات أولئك الذين يطلبون التحرر من الاستبداد والفساد مهما بلغت التضحيات، ومهما استنسر المثبطون على طريق النصر الموعود.
أين العالِم الذي يجعل من علمه مطية لطلب رضوان الله تعالى وينال درجة “ورثة الأنبياء” من عالم يجعل من علمه – أو ما يُحسب له من علم – مطية لطلب مرضاة الاستبداد والمستبدين، والفساد والمفسدين، لا يبالي بإراقة الدماء، واضطهاد البشر، ونهب الثروات، والتجبر في البلاد؟!
أين الإسلام الذي تجسده كلمة الحق على درب تحرير الإنسان، جنس الإنسان، في أي بلد، وأي عصر، من ذاك الذي يقدم الإسلام بين أيدي سلطان جائر فيدافع عن جوره، وبين أيدي شعب ثائر فيصور ثورته فتنة، وكأن الفتنة التي يبتذلون معناها، ليست في فتنة الناس عن دينهم ودنياهم، وسلبهم حقوقهم وحرياتهم، وحرمانهم من متطلبات حياة عزيزة كريمة، وتكبيلهم بالقيود والأغلال، وتعذيبهم في الظلمات وعلى الملأ، وتقتيل أطفالهم وشبابهم ونسائهم وشيوخهم دون حساب، وهدر الثروات وبيع القضايا المصيرية بثمن بخس وكرسي ذليل؟!
إن من يصور الإسلام من خلال أقواله وسلوكه خضوعا وخنوعا وضعفا وتسليما وركونا للظلم والظالمين، لا يخون أمانة العلم الملقاة على عاتقيه فحسب، بل يساهم أيضا في عزوف من يصدقونه جهلا عن الإسلام نفسه، فيحمل وزره وأوزار من يتبعه إلى يوم القيامة.
الإسلام دين الحق والعدالة، والحرية والكرامة، والوحدة والعزة، والمنعة والجهاد، والرقي والعطاء، والأخلاق والإبداع، هو دين إنسانية الإنسان الذي كرمه رب الناس والأكوان، دين الحق الذي أنزله رب العالمين ليحكم بين الناس بالحق، دين العدل الذي قرر أن الظلم ظلمات، ودين العزة الذي جعل المذلة والإيمان نقيضين لا يلتقيان في قلب مؤمن موقن بأن العزة لله ولرسوله والمؤمنين.
لقد كان لمواقف الشيخ الجليل القرضاوي وهو ينكر العنف غير المشروع ويؤكد وسطية الإسلام منذ مطالع حياته المعطاءة، مكانها الذي سبق به إلى الخيرات في دفع ألوان من الفتن داخل الديار، وإن لمواقف الشيخ الجليل القرضاوي في مسار الثورات مكانها الذي سبق به إلى الخيرات في مناصرة الشعوب على فتنة الاستبداد والفساد من جانب المتسلطين على البلاد والعباد دون وجه حق، المتشبثين بتسلطهم رغم إرادة الشعوب.
وإن كل من يضيره ما يجهر به الشيخ الجليل من مواقف، إنما يختار لنفسه موقعا في جبهة الباطل والاستبداد والفساد، فليسألن نفسه قبل أن يُسأل في يوم لا ينفع فيه جواب، وليحاسبن نفسه قبل أن يحاسب يوم يُعرض عليه ما في الكتاب، من قول صدر عنه تضليلا للعباد، ودفاعا عن الاستبداد، وعن كل قول يريد أن ينال به من المكانة الرفيعة الجليلة لِمن يقول الحق إرشادا للعباد، وحربا على الاستبداد.
نبيل شبيب
للاطلاع على المزيد: