قلم واعد – بشائر اسماعيل: ذئاب على أجسادهم ثياب

أوشك أن يأتي رمضان شهر الخير والغفران..

رغم آهات الزمن ورغم أنات الألم لن يحول الاقتتال والحصار دون قدومه، فها هو آت رغم كل شيء، عسى أن يكتب فيه الله عز وجل نصرا للمؤمنين وراحة للمسلمين من غلاء الأسعار وكيد الفجار والتجار الذين تحكموا في لقمة العباد وأكثروا فيها الفساد ويظلمون الناس على رؤوس الأشهاد.

وبقدوم رمضان استبشرت الطفلة رحمة خيرا، وهي الطفلة اليتيمة التي لم تجد الرحمة من أيّ كان منذ أن استشهد أبوها في المعركة.. في الخامسة من العمر، منذ سنة أو أكثر بقليل وأم رحمة وهي شابة في الثلاثين تصارع الحياة وحيدة لتعيش مع طفلتها حياة كريمة تتحدى الجوع والحرمان.. وتسعى لتدبير لقمة العيش الحلال راضية بقضاء الله وقدره.

وفي الليلة ما قبل رمضان أخذت الطفلة رحمة ترقص فرحا أمام ناظري والدتها قائلة بصوتها الطفولي: غدا أول أيام رمضان يا أمي.. حتما ستكون الأعطيات والهبات كثيرة نعم.. سنأكل حتى نشبع.. ربما تكون المعونة كبيرة فيها كل شيء مما لذ وطاب.. سيكون فيها تمر يا أمي أليس كذلك.. دول الخليج والسعودية لن تنسانا من التمر.

هزت أم رحمة رأسها والدموع تملأ عينيها الواسعتين.. لتنحدر على وجهها المتعب.. أطرقت شاحبة وكأنها في السبعين من العمر، تعلو وجهها مسحة من دخان الحطب.. نهضت أم رحمة لتحضير ما تتسحر به مع ابنتها.. وأشعلت ما جمعته من علب بلاستيكية من الشوارع، وعجنت ما تبقى لديها من طحين الشعير لتصنعه أقراصا صغيرة، ساعدتها في ذلك ابنتها رحمة وتقاسيم السرور بادية على محياها فهي اليوم في عيد، لأن أمها اشترت لها قمر الدين، وهي تنتظر ساعة السحور بلهفة عاشق.. لتأكل قرصا مع قطعة قمر الدين.. وتنوي الصيام بقناعة ورضا لا يملكها كثير من الناس.

سألت رحمة أمها بهدوء.. يقولون إننا محاصرون ويجوز أن نفطر.. أهذا صحيح يا أمي؟.. أطرقت الأم قليلا وبعد برهة من الصمت قالت.. أي بنيتي ما نأكله من وجبة في النهار سنأكله مساءً ولن يتغير علينا شيء.. وإنما نكون قد كسبنا رضوان الله، أليس كذلك يا صغيرتي؟

تأملت الصغيرة وجه والدتها كثيرا وكأنها تستمد قوة الإيمان منه وابتسمت، فقابلتها والدتها بابتسامة مماثلة وقبلتها بحنان.. وعندما أشرق الصباح طلبت رحمة من والدتها مرافقتها لإحدى المؤسسات الخيرية علّ من فيها يجدون ما يتقربون به الى الله في هذا اليوم الفضيل.. وما إن وصلت أم رحمة مع صغيرتها حتى رأت "أبو تسمين" يجلس على كرسيه خلف مكتبه وقد بدا على محياه الجوع والعطش.. فالمسكين لم يعتد على ذلك من قبل. اقتربت الطفلة رحمة وألقت عليه تحية الإسلام متفائلة.. وبنبرة صوت طفولية سألته إن كان هناك ما يفطر عليه الصائمون.. لكن ما كان من أبو تسمين إلا أن رفع رأسه بالكاد متعجبا مدهوشا قائلا بلهجة قاسية: نحن مسلمون يا بنية.. علينا بالصبر فإنه أعلى مراتب الإيمان.. اصبروا وصابروا، كان رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم يربط على بطنه حجرا عند الجوع.. حدّقت الطفلة رحمة في كرش أبو تسمين مليّا، وحدثت نفسها حزينة: من أين لنا بحجر بحجم الحجر الذي وضعه أبو تسمين.. على بطنه! والتفتت إلى امها قائلة ببراءة طفولية صادقة: من أين لنا بحجر بهذا الحجم يا أماه؟! لعل أبو تسمين لا يشعر بالجوع لأن حجره أكبر من حجرنا يا امي أليس كذلك؟

. . .

التوقيع: صرخة مدوية في زمن النفاق

بشائر اسماعيل