رأي
نقف عند أصل الموضوع قبل الخوض في بعض جوانبه.
باطلة كل خطوة نحو ما يوصف بالتطبيع أو خطوة للتعاون مع كيان قام بالباطل وتوسع بالباطل ويهيمن إقليميا بالباطل ويمارس ما يمارسه من اقتحام للمقدسات وانتهاك للحرمات وفتك بالأبرياء.
لا يوجد ما يبرر خطوة من هذا القبيل، ولا يصح الاستغراق في التفاصيل عن ظروف هذه الخطوة أو تلك، وهل هي جيدة أو غير جيدة ومصلحية أو غير مصلحية، فهي خطوة باطلة من حيث الأساس، والتهاون في التعامل مع أوضاع وتطورات باطلة يعني مزيدا من التمكين لها وما يليها من الباطل إقليميا، كما حصل على امتداد العقود الماضية.
لا يبرر للسعودية أنّ سواها سبقها على هذا الطريق ولا يبرر لتركيا أن الأنظمة العربية تتفوق عليها في ارتكاب الآثام بحق قضية فلسطين.
هذا تبرير دفاعي لخطوة آثمة، والتبرير مرفوض من حيث الأساس، وليس لمجرد أن السعودية تصنع ذلك أثناء بلوغ التطرف الإسرائيلي الرسمي درجة غير مسبوقة.
كذلك لا مجال لتبرير مزيد من التعاون التركي الإسرائيلي والدفاع عن قرار النظام القائم حاليا وما قدمه للقضايا العربية والإسلامية، ولا يفيد هنا أيضا التلويح بتاريخ تركيا وأن النظام الحالي يتعامل مع واقع ورثه عمن سارعوا من البداية، بل عقب سقوط دولة الخلافة، إلى التعاون مع مغتصبي الأرض على حساب فلسطين وأهل فلسطين وما حولها.
كل من الدولتين تطرح نفسها أنها مرشحة لقيادة الركب العربي أو الإسلامي إقليميا، فحتى على افتراض تحقيق ذلك بطريق التطبيع والتطويع -ولن يتحقق- فما تصنع الدولتان الآن يشين تطلعهما لتلك القيادة ويصمه بما يجعل الهوة الفاصلة بينه وبين الشعوب تزداد عمقا، فكثير من الفئات الشعبية تحسب أن هذه الدولة أو تلك أقدر من الدول الأخرى على خدمة مصالح المنطقة، والدفاع عنها وعن مقدساتها وقضاياها المشروعة، وهذا ما يضاعف الإحساس بالصدمة وخيبة الأمل الآن عند من عقد الأمل عليهما أو على إحداهما، بحق أو دون حق.
إذا رضي المسؤولون في السعودية لأنفسهم بأن يكون ثمن التطبيع شاملا على سبيل المثال للإذن بتنفيذ مشروع من قبيل مصنع للطاقة النووية لأغراض سلمية، فإن مجرد القبول بذلك يعني التخلي عن سيادة الدولة على صنع قراراتها داخل الحدود، ويفتح الأبواب أمام مزيد من الابتزاز مستقبلا، فكيف ينتظر من قيادتها الإقليمية المحتملة التعامل مع صنع القرار في شأن عربي وإسلامي محوري، الآن ومستقبلا، على صعيد قضية فلسطين وسواها.
إن تقييد الإرادة الذاتية بالغ الخطورة وهو أكبر من شأن التطبيع نفسه، لا سيما وأنه مع طرف يمثل عدوا تاريخيا لا يتورع عن صنع أي شيء لصالح هيمنته الإقليمية.
تركيا أيضا أعلم بذلك من سواها فمعظم خطواتها للبناء الذاتي أو لدور إقليمي كانت تنتزعه انتزاعا ولا تقبل أن يكون بندا في صفقة من الصفقات وإذا تغير هذا النهج فيما يتعلق بقضية فلسطين أو سواها من القضايا المصيرية، فأقل ما يعنيه هو أن الضغوط الأجنبية وصلت أو تكاد تصل لمبتغاها في تطويع القرار التركي للعبة المساومات السياسية، وما أبعد ذلك عن موقع قيادة إقليمية فاعلة رغم ما تملكه تركيا من إمكانات كبيرة.
ليس التطبيع ولا التطويع سلعة للمساومة حول الثمن، فكيف ونحن نرصد أن من يقدم تلك السلعة بالباطل لا يأخذ الثمن بل يدفعه هو بمزيد من القيود على قراراته وسياساته داخليا وإقليميا ودوليا.
من أراد التعامل مع قضية فلسطين صادقا فإنما يصنع ذلك لنفسه وجيرانه وليس لفلسطين وأهلها فحسب، ومن يريد ذلك فخير له أن يبني جسور التعاون الإقليمي مع من تجمعهم أواصر التاريخ بكل جوانبه والمصالح المشروعة على كل صعيد، وهنا مهما قدم من تنازلات تجاه دولة شقيقة يبقى أفضل من أن يقدم ما هو أكبر من ذلك لصالح عدو لم يعرف للعهود والعقود قيمة من قبل أن يغتصب فلسطين ويهمين على ما حولها.
وأستودعكم الله وأستودعه أهلنا في السعودية وتركيا وفلسطين وأخواتها ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب