كلّمتني عبر مرسال شبكي، ورأيتها ورأتني، وتفصلني عنها ألوف الكيلومترات، وما هي بالمسافة البعيدة بمقاييس المواصلات الحديثة، ولكن.. هي الغربة والتشريد في عصر الاستبداد الحديث.
يا نَسْـمَةً لامَسَـتْ أَشْـواقَ مُغْتَـرِبِ
هذا الأَريـجُ أَريـجُ الشَّـامِ فَاقْتَـرِبي
يا نَسْـمَةً في حَنايـا الرُّوحِ تُؤْنِسُـني
وَنَبْضِ قَلْـبٍ كَنَبْضِ الشَّـامِ مُضْطَرِبِ
حُـبُّ الأَحِبَّـةِ مـا أَحْلـى نَسـائِمَـهُ
عَلى فُـؤادٍ مِنَ التَّشْـريدِ في نَصَـبِ
وَزادَ مِـنْ لَوْعَـةِ الحِرْمـانِ مَحْبَسُـهُ
في كُـلِّ أَرْضٍ غَـدَتْ سِـجْناً لِكُلِّ أَبي
فَـلا تُـنَـوِّرُهُ الآمــالُ بــارِقَـةً
وَلا شُـواظٌ مِـنَ الآلامِ كَـاللَـهَــبِ
وَجنَّـدَ الباطِـلُ الأَجْنـادَ مُنْتَـفِـشـاً
وَضاقَتِ الأَرْضُ عَنْ فِكْـرٍ وَعَـنْ أَدَبِ
لَمْ يُغْـنِ كَـوْنٌ عَلى التَّرْحابِ عَنْ وَطَنٍ
وَلَمْ يُعَـوِّضْ سُـوَيْعـاتٍ بِذي الكُثُـبِ
أَراكِ بـاسِـمَـةً عَبْـرَ الأَثيـرِ وَكَـمْ
أَخْشـى عَلَيْكِ لَظى شَـكْوى تُبَـرِّحُ بي
وَإِنْ شـكَوْتُ.. شَـكَوْتُ الدَّمْعَ مُنْبَـثِقـاً
رَغْـمَ المُـداراةِ بَيْنَ الجَفْـنِ وَالهُـدُبِ
وَمِـنْ حَنيـنٍ إِذا ما هـاجَ سـاءَلَنـا
عَنْ مَوْعِدٍ في رُبوعِ الشَّـامِ مُقْـتَـرِبِ
وَعَـنْ يَدَيْـكِ إِذا ما أَمْسَـكَتْ بِيَـدي
فَأَبَـتْ فِراقَكِ مَهْمـا اشْـتَدَّ بي تَعَبـي
قـودي خُطـايَ بِأَفْيـاءِ الشَّـآمِ كَما
يُقـادُ ذو ظَـمَـأ لِلسَّـلْسَـلِ العَـذِبِ
ما بَيْـنَ دُمَّـرَ وَالسَّـيَّارِ أَوْ بَـرَدى
وَقاسُـيـونُ يُداري دَمْعَـةَ السُّـحُـبِ
فَهُنا أُعانِـقُ ذِكْـرى لا تُبـارِحُنـي
وَهُناكَ أُصْغي إِلى الضِّحْكاتِ وَالصَّـخَبِ
وَهُنا الصِّحابُ وَفي "عَرْنوسَ" حَيُّهُـمُ
يَزْهو بِما عَبِقـوا في الجِـدِّ وَاللَـعِـبِ
وَصُفوفُ مَدْرَسَـةٍ لَمْ أَنْسَ رَوْضَتَهـا
فَكَأَنَّنـي لَـمْ أُفـارِقْـهـا وَلَـمْ أَشِـبِ
وَشـارِعُ "الرّوْضَةِ" الغَـرَّاءِ أَعْرِفُـهُ
وَخُطايَ عَنْ مَسْمَـعِ التَّرْحـالِ لَمْ تَغِـبِ
وَخَطيبُ مَسْـجِدِ "دَكِّ البابِ" عَلَّمَنـي
مَعْنـى الحَيـاةِ عَزيـزاً دونَمـا رَهَـبِ
إِلاّ مَخـافَـةَ رَبِّ العَـرْشِ.. أَعْـبُـدُهُ
وَرِضـاهُ ما دُمْـتُ حَيَّـاً مُنْتَهـى الأَرَبِ
نبيل شبيب