ـــــــــ
يا قومِ هلْ من مُنْجِدٍ أو من صدى
والشامُ إذ نادتْ فمِن قلبِ الردى
ما كان ذنبُ الشام إلاّ عزّةً
موؤودةً بُعثت مناراً للهدى
شعبٌ يحطّم بالعزيمةِ قيدهُ
فمضى يطالبُ بالحياة مردّدا:
الموتُ أَوْلى إن رضيتَ مذلّةً
مستسلماً للبغي أو مستعبَدا
فانزعْ رداءَ الذلّ عنك مجاهدا
واجعلْ لزومَ الحقّ عندك مقصدا
إنّ الكرامةَ للكريم حياتُهُ
فلا تساومْ باغياً مستأسدا
وارفعْ إلى العلياء هاماً شامخا
واطلبْ حياتك في الجنان مُخلّدا
والشامُ عينُ الله ترعى أهلها
لا ريب أنّ النصرَ آتيهم غدا
شعبٌ رأى أنّ الشهادةَ دربُهُ
فمضى يجاهد صابرًا متجلّدا
حرّ أبيّ في النوائبِ صامدٌ
ولدى المخاطر لا يطيق تردّدا
كم كان يحضنُ مَن يلوذ بأرضهِ
أكرمْ به أن يستكينَ مشرّدا
قد راعَ ما عاناه قلبَ مشاهدٍ
أمّا اليقين فلم يزلْ متوقّدا
أهدى إلى الإنسان أعظمَ ثورةٍ
في غرّة التاريخ في ساحِ الفدا
يا قوم هذي شامكم أمستْ على
كفّ المنايا تشتكي شرّ العِدا
هي قصةُ الأخدودِ أنتم حولهُ
والشام كل الشام أمست موقدا
أنتم شهودٌ والضحيّةُ دارُكم
قد أوشكتْ يا قوم أن تستشهدا
أنتم شهودٌ والمآسي جمّةٌ
نسجتْ لكم في كلّ دار مشهدا
أنتم شهودٌ والجريحُ شقيقُكم
والشامُ لم تشهد شقيقاً ضمّدا
حتى متى “ذات الوقود” تَرونَها
حتى متى.. واللهُ سائلُكُم غدا
وأمام أعينكم بقايا أهلكم
ودماؤهم في نابِ شيطان عدا
قد مزّقَ الطفلَ الرضيعَ بظفرهِ
وسموم حقدٍ والخناجر والمدى
وغفا العفافُ على عيون صبيّةٍ
فاستأسدَ الشبّيح عُهْراً واعتدى
ورث الجريمةَ عن أبيه وإثمَها
والغدرُ طبعٌ في الوضيع تجسّدا
يستهدفُ الإنسانَ والعمرانَ لا
يُخفي عداءً.. عامداً متعمّدا
وشواهدُ التاريخ صارتْ شاهدا
نمرودُ ينفثُ حقدَهُ متمرّدا
إذ يقصفُ الآثار دون تردّد
أنّى لعبدِ الجهلِ أن يتردّدا
قَصَفَ المدارسَ والطفولةَ غيلةً
وقوافل التشريد عادَ فشرّدا
حتى المخابز والمتاجر أُحرقت
حتى الحقول غدت رماداً أجردا
كم من مُصَلّ لمْ يتمّ صلاتَهُ
فتراه في محرابهِ متمدّدا
أينَ المآذنُ والمؤذّنُ والصدى
غابت بردْمٍ كان يوماً مسجدا
ظهر “المقاوم والممانع” مجرما
وسلاحُهُ.. ما عادَ يعلوه الصدا
صهيونُ تعرفُهُ جباناً في الوغى
وصدورُ شعبكَ يا أُخَيَّ مُسَدّدا
ووراءه أشرارُ حزبٍ فاجرٍ
يُصلي ربوعَ الشام حقداً أسودا
أين العروبةُ يا بني الأعراب هل
صارت مع الأشلاء أم مِلْكَ العِدا
أمّا الخليج فقد أتاكَ بنفطهِ
مالا لمن ظنّ السياسةَ مقعدا
وأخو الكنانةِ يشتكي من غدرهم
وأخوك في يَمَنٍ يباعُ مقيّدا
واعْجَبْ لقوميّين من عُرْب ومن
فُرْس غَدَوا بالحقد حلفاً أسودا
واسألْ صداقةَ “عالم حرّ” تَجِدْ
شرطَ المعونةِ أن تكونَ مُصَفّدا
أين الحداثةُ يا دعاةَ حداثةٍ
قد أصبح الإنسانُ عنها مُبْعَدا
كلا.. وربِّ العرش لا تأبَهْ بهم
طُرّاً.. ولا تمددْ لهم أبداً يَدا
يا ربِّ لم يلجأْ لغيْركَ شعبُنا
من كلّ طيفٍ في دعائِهِ منشدا
يا ربُّ يا أللُه أنتَ نصيرُنا
نادى بها شعبُ الشآم مُوَحّدا
منذا يعيدُ إلى الشآم أمانَها
وشموخَ مجدٍ لم يزلْ متجدّدا
اقرأْ.. يردّدُها النبيّ لأمّة
شادتْ بها في كلّ قلبٍ معبدا
الصينُ شاهدةٌ كأندلسٍ على
نور الحضارةِ ساطعاً متوقدا
فَلْيعلم المأفونُ أنّ صَغارَهُ
يَفنى.. وتبقى الشامُ نبعاً للهدى
ومصيرُه -بئسَ المصير- وقد دَنا
-كأبيه- في اللعنات مهما عربدا
فلْيسألِ التاريخَ عن أنبائه
عن كلّ طغيانٍ وكيفَ تَبَدّدا
مَنْ يقتل الإنسانَ يقتلْ أمّة
وشريكُهُ في إثمِهِ مَن أَيّدا
أو صامتٌ، والصمتُ شرّ خليقةٍ
إنْ صرتَ فيه مُكَبّلاً مُتَبَلّدا
أينَ العقيدةُ يا بني الإسلام هل
تكفي الصلاةُ أو الدعاءُ تعبّدا
هذي مدامعُ قاسيونَ تدفّقَتْ
قد كانَ في التاريخ عنوانَ النّدى
يا قوم هُبّوا لا اعتذارَ لقاعدٍ
واللُه خيرٌ حافظاً ومؤيّدا
ما عذرُكُمْ والأرضُ تشكو والورى
والدينُ ينعى خانعاً متردّدا
ما عذركم والقتلُ يُفني أهلكم
متوعّداً لدياركمْ ومُهدّدا
ما عذركم.. أمْ تأمنونَ لغدره
ما عذركم والقتلُ آتيكُمْ غَدا
هُبّوا.. فلا كانتْ حياةٌ في الخَنى
أَحْيوا الكرامةَ والشهامةَ والنّدى
هُبّوا فقد آنَ الأوانُ لِنُصْرةٍ
وكفى مَواتاً أنْ تذلّ وتَرْقُدا
نبيل شبيب