رأي
إن الاقتراع الذي شهدته تونس تحت عناوين دستور جديد ونظام جديد وعهد جديد وما شابه ذلك، مثله مثل عمليات اقتراع وتصويت، في استفتاءات وانتخابات في بلدان أخرى كسورية ومصر والعراق ولبنان وغيره وغيره، حيث تمرد الحكام الشعوب، فهم فاقدوا المشروعية منذ وجدوا في السلطة؛ وهم يعلمون بذلك، فمجرد محاولة اكتساب المشروعية عبر اقتراع يصنعونه يعني معرفتهم بأن الشعوب هي مصدر السلطات؛ وإن من تبجح الاستبداد أن يتساءل المستبدون ببراءة مصطنعة:
ماذا تريدون؟ نظاما ديمقراطيا؟
حسنا.. ننظم لكم استفتاءات وانتخابات إذن؟
كلا يا سادة!
في تونس وسواها!
إن عمليات الاقتراع التي تجرونها، لا مشروعية لها، ولا تعطي أي مشروعية لأي دستور ولا لأي هيكلية سياسية، لأنكم تجرونها بوجود الإرهاب الاستبدادي، وهذا ما يجعلها لا تحقق أي شرط أساسي من شروط المشروعية المقررة في معاهدات دولية وفيما تقرره المراجع المحترمة للعلوم السياسية والحقوقية.
أين مبدأ المرجعية الشعبية للاختيار والتقنين والمراقبة والمحاسبة، بدلا من أن تحتكر صياغةَ القرار وتنفيذه جهة فردية أو حزبية، لم ينتخبها الشعب، ولا انبثقت عن عقد اجتماعي، أو تحتكر ذلك فئة عسكرية انقلابية تدوس على مهمتها الوطنية المشرّفة لها في الأصل، وتتولى بدلا من ذلك مهمة لا شأن لها بها من قريب ولا بعيد، حتى وإن ذكر تلك العلاقة المزعومة نص دستوري منحرف، فرضه الانقلابيون وفرضوا أساليب التصويت عليه.
ومن مبادئ مشروعية عمليات الاقتراع مبدأ المساواة.. في كل جزئيات الترشيح والتصويت، مع ما ينبثق عن ذلك في آليات الإعداد والرقابة والفرز، ومبدأ المساواة يتناقض مع أصل وجود الاستبداد ومع كل ما ينبثق عنه.
ثم مبدأ النزاهة.. ومن صور انتهاكه استخدام السلطة الآنية لوسائل تقييد الحريات كالاعتقال التعسفي، أو السيطرة على وسائل الإعلام، أو توجيهها، أو تمرير عمليات الرشوة والفساد، أو الحد من مفعول الرقابة ومن حيادية آليات تنفيذها ما بين الجهات المتنافسة.
ويوجد المزيد، ولكن يكفي ما سبق للقول:
إن أي عملية اقتراع عملية باطلة عندما تفتقر إلى تطبيق أحد هذه المبادئ أو أكثر، أو لمجرد افتقاد الضمانات لذلك، أي عندما يجري الاقتراع تحت سيطرة أنظمة استبدادية، فوجود الاستبداد هو اغتيال الإرادة الشعبية أصلا، وليست الانتخابات في نطاقه سوى ضحية من ضحايا الاغتيال، فكيف نعتبرها أداة للتعبير عن إرادة شعبية؟
مع أطيب السلام من نبيل شبيب في محطة إضاءات