الحج – أجواء مكة والمدينة

بين يدي الحج ٢

مراد هوفمان في كتابه رحلة إلى مكة، يقول عن زيارته للمسجد النبوي، وكيف عاش أداء صلاة العشاء مع مئات الألوف من المصلين والحرارة تناهز ٤٤ درجة مئوية، ويعرب عن دهشته وإعجابه بدرجة الالتزام بالانضباط، ويضيف:

كان يجاورني في الصلاة مواطن باكستاني يعمل في بنك بالبحرين، ومواطن تركي يعمل في بوخوم -وبوخوم مدينة في ألمانيا- وهذا الالتقاء العالمي هو أحد أهداف الحج…

تمكّنا عند منتصف الليل من زيارة قبر محمد صلى الله عليه وسلم، وقبري أبي بكر وعمر، أول وثاني الخلفاء الراشدين، في أقدم أجزاء المسجد، حيث كان منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومقر إقامته. ها هنا مثواه، حيث دفن في منزل زوجته الشابة عائشة، التي تحظى باحترام كبير، والمعروف عنها ذكاؤها الشديد، وإليها يرجع الفضل في وصول عدد كبير من الأحاديث الصحيحة إلينا، في صورتها الدقيقة.

إن الوجود حيث عاش الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي حظي باحترام شديد دون أن يؤلّه على الإطلاق، وحيث خطط وعمل ووعظ وأحب وعانى سكرات الموت، لأمرٌ يستحوذ على الأنفس كلها. وفي هذا المكان الذي يفوح فيه عبق التاريخ، هزت التجربة، من الأعماق، بعض الحجاج المصاحبين لي، فأجهشوا في البكاء.

في اليوم التالي قمت بزيارة إلى البقيع، المقابر الشهيرة، حيث يرقد جثمان كثير من الصحابة وأهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، الذين وافتهم المنية في المدينة؛ ومن بين من دفن هنا: السيدة عائشة، والسيدة فاطمة ابنة الرسول صلى الله عليه وسلم، زوجة علي وأم حفيدي الرسول صلى الله عليه وسلم، الحسن والحسين.

بعد زيارة البقيع، توجهنا إلى المسجدين التاريخيين، قباء والقبلتين، وإلى موقع أحد، حيث مثوى سبعين من الصحابة بينهم الفارس حمزة عم محمد صلى الله عليه وسلم، وحيث مني المسلمون الأوائل بهزيمتهم القاسية والوحيدة.

إن منطقة أحد لا تعدو اليوم أن تكون مكانا مقفرا قاحلا، لا زرع فيه ولا ضرع، ولا يتيح لسائح راغب في العلم أو المعرفة أن يحقق رغبته، أما المسجدان الموصوفان بالتاريخيين، فبلا تاريخ، للأسف الشديد، أعيد بناء المسجدين دون مراعاة لمكانتيهما، على نحوٍ طمس معالمهما التاريخية. لقد كان باستطاعتي في عام ١٩٨٢م أن أرى القبلتين في مسجد القبلتين، القبلة الأولى للمسلمين الأوائل باتجاه القدس، والقبلة الثانية للمسلمين الأوائل باتجاه مكة.

وعن فريضة الحج بعد ارتداء ملابس الإحرام والانتقال إلى مكة المكرمة، يقول مراد هوفمان:

أهم ما في الأمر هو أن الحجاج كافة، يرتدون الثياب نفسها، يستوي في ذلك أغنياؤهم وفقراؤهم، أقوياؤهم وضعفاؤهم، أذكياؤهم وبسطاؤهم، كبيرهم وصغيرهم.

ها نحن أولاء نقف أمام الكعبة، إنها صورة معمارية لكمال الله في أبسط تصوير، بعيدا عن التعقيد الذي يبدو في الفن القوطي وفن الروكوكو. وهي تُكسى بمخمل أسود مطرز بآيات من القرآن الكريم بخيوط من الذهب.

يدعو القرآن الكريم المقبل على الحج إلى أن يراعي آداب الحج، وعليه أن يجتهد في فعل الخير:

{الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب} كما ورد في الآية السابعة والتسعين بعد المائة من سورة البقرة.

وبعد أيها الكرام.. فهذه مقاطع معدودة من كتاب مراد هوفمان الذي يشمل مائة وسبعين صفحة، لا يتحدث فيها عن أداء الفريضة فحسب بل عن كثير من المعاني المرافقة للحاج قبل الحج وأثناءه ومن بعد، وأستودعكم الله، ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب.

Murad Hofmannالحجمراد هوفمان