ــــــــــ
في إحدى زيارات د. حبيب زين العابدين رحمه الله لألمانيا تلقى كاتب هذه السطور منه ملزمة بإخراج جيد تحت عنوان “استعمال اللغة العربية في المجالات العلمية والتقنية” وهي نص محاضرة ألقاها في أحد الأندية الثقافية في مكة المكرمة، ولم تحمل الملزمة تاريخ إلقائها بالتحديد، إنما يؤخذ من محتواها أنها كانت على وجه التقدير أواخر تسعينات القرن الميلادي العشرين أو في مطلع القرن التالي، وهي فترة انتشرت فيها الدعوة إلى مراجعة الأخطاء الذاتية على خلفية ازدياد الهجمات المعادية على قضايانا وبلادنا وشعوبنا. ولا ريب أن من يريد تطبيق قاعدة التغيير الذاتي لرفع مستوى القدرة على الصمود والنهوض، يقدّر ضرورة مراجعة تعاملنا مع استخدام اللغة العربية على كل صعيد، فهي في مقدمة مفاتيح النهوض الواصلة ما بين حسن الارتباط بهويتنا ونشأتها الحضارية تاريخيا، واستيعاب القواسم المشتركة بيننا في عالمنا المعاصر، والتعاون على بناء المستقبل معا بالتلاقي على القواسم المشتركة وتحقيق التعاون والتكامل على كل صعيد، وفيما يلي نص “المقدمة” التي وضعها د. حبيب رحمه الله لنص المحاضرة، التي آمل أن تعمل الدار الإسلامية للإعلام في ألمانيا على إضافتها لإنتاجها الإعلامي المشكور، وعلى نشرها وتوزيعها على نطاق واسع ما أمكن)
نبيل شبيب
٢٠ / ١٢ / ٢٠٢٠م
* * *
هذه كلمات حول قضية تعريب العلوم العلمية والتقنية ينبض بها قلبي وهو يشعر بأهمية هذا الموضوع المصيري بالنسبة لحاضر هذه الأمة ومستقبلها، وهو يلمس أن الجهود ما زالت قاصرة وأقل بكثير من المستوى المطلوب، وأن المختصين في العلوم التطبيقية والتجريبية من بني جلدتنا يدرّسون بغير العربية (مع أن أنظمة الجامعات تنص على أن يكون التدريس باللغة العربية) ويستخدمون اللغات الأجنبية في التعبير عن المجالات العلمية المختلفة، لا يشغل التعريب بالهم ولا يولونه اهتمامهم ولا يبذلون في سبيل تحقيقه جهدا يذكر.
ولقد تبين لي في أثناء ممارستي العملية لمهنة الهندسة ومساهمتي في التدريس ومشاركتي في عدد من المؤتمرات بالبحوث العلمية أن فريقا من المختصين في مجال الهندسة وسواها ليست لديهم أدنى قناعة بأهمية التعريب ولا يجدون فيه ضرورة ملحة ولذلك فهم غير متحمسين لهذه القضية بل هم معارضون لها، لا يثقون في اللغة العربية وقدرتها على مجاراة العلوم والبحوث ويتصورون أنها ستكون عائقا كبيرا في مهمة التعليم وبالتالي في تطوير العلوم وارتقاء البلاد.
والفريق الآخر من المختصين وهم الأكثرية ليس لديهم شيء ضد اللغة العربية وربما كانوا واثقين من قدرتها على استيعاب العلوم العملية، بل قد يصل الأمر ببعضهم إلى اليقين بأهمية التعريب وجدواه ولكنهم مع ذلك يقفون موقف المتفرج لا يقدمون ولا يؤخرون وكأن الأمر لا يعنيهم في قريب أو بعيد ولا يدعمون حتى مجرد الدعوة إلى التعريب.
لذا فقد رأيت أن أنشر هذه المحاضرة التي ألقيتها في النادي الثقافي بمكة المكرمة على الرغم مما فيها من عيوب ونقص داعيا إلى الاهتمام بهذه القضية المصيرية راجيا أن تكشف هذه المحاضرة أهم جوانب هذا الموضوع.
ولقد ضمنتها باختصار شديد ما يدور حول عملية التعريب منذ نشأت هذه المشكلة والمعوقات التي تقف حائلا أمامها وبعض تجاربي وملاحظاتي المتواضعة وتقويمي للتعريب في الوطن العربي واختتمتها ببعض التوصيات التي يمكن أن تضعنا على أول الطريق الصحيح.. والله سبحانه وتعالى أسأل أن يجعل هذه الكلمات عاملا مساعدا ومشجعا لدى المختصين على مزيد من الاقتناع والعطاء في هذا السبيل فربّ مبلّغ أوعى من سامع وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه.
والله وحده الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
دكتور مهندس / حبيب بن مصطفى زين العابدين