فلسطين في ثورة مصر على الاستبداد

الثورة على استبداد محلي واستبداد دولي

تحليل

تتلاقى هذه الأيام  أصوات غربية وأصوات عربية مما يسمّى محور الممانعة والصمود على قاسم مشترك في متابعة ثورة شعب مصر على الاستبداد وإفرازاته، وهي لا تثير الاستغراب من ضحالة الرؤية الكامنة فيما يقال، بقدر ما تستدعي التأكيد: دعهم يقولوا ما يشاؤون، وسيقول التاريخ ما تريده إرادة الشعوب.

كثير من الغربيين يقول: هذه ثورة على الاستبداد المحلي، وليست موجّهة ضد الغرب المهيمن.

وكثير من الأصوات العربية التي تزعم أنها من جبهة الصمود ضد الهيمنة الغربية يقول: هذه ثورة على الاستبداد في مصر، ولن تصل إلينا فنحن صامدون في وجه الهيمنة الغربية.

ويعرب كثير من الغربيين المخاوف أن ثورة مصر قد تصنع منطلقا سياسيا لا مكان فيه لإفرازات الاستبداد على صعيد قضية فلسطين، ومن ذلك نكبة كامب ديفيد السياسية.

وكثير من الأصوات العربية المنتمية إلى جبهة الممانعة المزعومة تقول: هذه ثورة على نهج كامب ديفيد و سياستنا ترفض كامب ديفيد، فلن تصل الشرارة إلينا.

النكبات من صنع الاستبداد

إن الاستبداد في المنطقة العربية ومعظم أرجاء المنطقة الإسلامية في مقدمة ما شارك، في صناعة النكبات العسكرية والسياسية جميعا في قضية فلسطين، من قبل نكبة ١٩٦٧م إلى ما بعد نفق أوسلو، ولئن كانت نكبة كامب ديفيد أخطرها سياسيا، فإن الأوسع نطاقا منها، والحاضنة لها، هو ما صنعه الاستبداد في المنطقة هدرا للطاقات من أجل بقاء الاستبداد واستمرار الفساد، مع ما أفرزه من عجز صنعته أنظمة الاستبداد والفساد.

لهذا لم يقتصر الأمر على تحويل سيناء من أرض محتلة عسكريا إلى أرض مجردة من السلاح منتقصة السيادة محظورة على البناء والتنمية، بل شمل بقاء بقية الأراضي العربية المحتلة عام ١٩٦٧م تحت الاحتلال، والتعامل مع الأراضي الفلسطينية العربية المحتلة عام ١٩٤٨م وكأن الحق التاريخي والشرعي فيها قد عفا عنه الزمن، وطوتْه مسيرة الخيار السلمي الوحيد والمناورات حول المفاوضات العقيمة.

إن الاستبداد الذي يقهر الإنسان هو الاستبداد الذي يحول في كل مكان من الأرض العربية والإسلامية دون العمل الهادف الفعال في قضية فلسطين وسواها من القضايا المصيرية.

وإن الاستبداد الذي يهدر طاقات الشعوب بالفساد المستشري في كل مجال يتجبّر فيه، هو الاستبداد الذي يحول في كل مكان من الأرض العربية والإسلامية دون أي صورة من صور الإعداد والتعبئة على طريق العمل لقضية فلسطين وسواها من القضايا المصيرية.

الاستبداد هو الهدف الأول

ثورة شعب مصر ثورة على الاستبداد عبر بوابة الشعب يريد إسقاط النظام، وهي بوابة تحرير إرادة الإنسان، في مصر وسواها، ومن تحرير الإرادة السياسية، في مصر وسواها، ومن تحرير الطاقات والثروات والإمكانات الذاتية الكبرى، في مصر وسواها، ومن فتح أبواب التلاقي والتنسيق والتعاون والتكامل ما بين الدول المتحررة من الاستبداد والفساد والأنانيات الموصوفة بالقطرية، وهي شخصية وفردية وحزبية واستبدادية، فما بدأ في تونس ومصر، لا بد أن يشمل المنطقة العربية والإسلامية من أقصاها إلى إقصاها.  

ثورة شعب مصر ثورة على ما صنعه كامب ديفيد وكذلك هي -كثورة شعب تونس- ثورة على استبداد الحزب الواحد، واستبداد العائلة الفاسدة، واستبداد الأجهزة القمعية الحزبية، والتعذيب في أقبية المخابرات الهمجية، والإجرام عبر حالة الطوارئ المزمنة، والتزييف عبر اصطناع محاكم ليس لها من القضاء إلا ما يَصِمُ المشاركين فيها بارتكاب جرائم توجب محاكمتهم قضائيا، ناهيك عن نشر الفقر مع القهر أو الترف مع القهر، ونشر الخوف والتيئيس وبث الذعر والإرهاب في عالم الواقع وفي العوالم الافتراضية.

وكل بلد يشهد ذلك أو ما يماثله أو قسطا من ذلك، لا بد أن يشهد ثورة الإنسان وغضبة الإرادة الشعبية ضده، من حيث لا يحتسب، كما بدأ في تونس ومصر.

باب النجاة

من أراد الاطمئنان ممّن يمارسون الاستبداد والفساد، ويمارسون معه التبعية لهيمنة دولية، أو يمارسون ما يسمونه الممانعة تجاه الهيمنة الدولية، فلا سبيل إلى الاطمئنان إلا عبر التخلّي الطوعي عن الاستبداد والفساد، والتحوّل قبل فوات الأوان إلى محاسبة أنفسهم قبل أن يحاسبوا، والخضوع لإرادة الشعب قبل أن تقهرهم قهرا، وصناعة التغيير الجذري قبل أن يجرفهم التغيير الجذري ويجعلهم في خبر كان.

لقد كان هذا الباب مفتوحا أمام الطاغوت في تونس وفي مصر، وحال دونه الاستكبار إلى أن فهم الأول بعد فوات الأوان، ولم يُجدِ فهمه وقد وصلت الثورة إلى وكره، وإلى أن شارف الآخر على الاحتضار، ولم يُجْدِ ما بدأ يتردد عن احتضاره ويأسه، في أن ينجو من المهانة التي صنعها لنفسه أمام هدير الثورة: الشعب يريد إسقاط النظام.

من أراد أن يكون حقا في ركب العاملين من أجل فلسطين وتاريخها وحاضرها ومستقبلها، فلن يكون في عصر الثورة على الاستبداد مكان إلا لمن يتخلى عن صفقاته المزيفة الفاسدة، بما فيها صفقة: فلسطين مقابل الاستبداد، ففلسطين لا تتحرر عبر الاستبداد والفساد، وما يصنع الاستبداد والفساد. 

قضية فلسطين قضية استبداد دولي، والتخلص من الاستبداد المحلي شرط لا غنى عنه ولا بديل له لمواجهة الاستبداد الدولي، في فلسطين وفي مختلف قضايا الحق والعدل والمصير، وهذا ما أدركته شعوب الأمة العربية والإسلامية.

وأستودعكم الله وأستودعة مصر وفلسطين وثوراتنا الشعبية ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب 

 

الاستبدادالهيمنةثورةفلسطينمصر
Comments (0)
Add Comment