ع ع – كانت الشهيدة أم أيمن تقول..
كانت الشهيدة الكريمة «أم أيمن» رحمها الله تقول:
-«لا يكفي أن يسمعَ الناسُ منّا عن الإسلام؛ بلْ يجب أن يَرَوْهُ فينا ويُحِسّوه ويَلْمسوه لَمْسَ الأيدي.. يجب أن يَرَوْه دَمْعَةً لاهِبَةً في أعيننا لآلام المصابين
ويداً حانيةً تمسح جراحاتِ المعذّبين
وصَرْخَةً مُدَوِّيةً في وجه الظلم والظالمين
وعَوْناً خالصاً على الهداية والحق والخير في متاهات الحياة ونوازل الحياة
وأن يُحِسّوهُ حُبّاً دافِقاً يَنْسَرِبُ من القلوب إلى القلوب ومشاركةً وجدانيّةً صادقة في السرّاء والضرّاء
ورحمةً واسعة تَسَع الإنسانيّةَ كلَّها، وتَبْلُغُ الإنسانَ حيثما كان، وتتجاوزه إلى كلّ مخلوق..
الدعوةُ الإسلاميةُ المُثلَى ليست مجرّد كلماتٍ، ومعرفةٍ قليلة أو كثيرة، وبراعةِ فكرٍ وبيان، وطلاقةِ لسان.. ولكنّها روحٌ ينطلق من أعماق الأعماق، ويَسْري دَماً في العروق، ويَنْتَظِمُ القلبَ والعقل، والمعرفةَ والفكر، والإحساسَ والشعور، والقولَ والعمل، ويتجسّمُ في مختلف بواطنِ الحياةِ وظواهرِها ومجالاتِها المتعدّدة، فتبصرُه العيون، وتُحِسُّهُ النفوس، وتَلْمسُهُ الأيْدي، في كلّ حركةٍ من الحركات، ويومٍ من الأيام..»
* * *
كانت الشهيدة «أم أيمن» تقول:
-لا أستطيع أن أنام وعيونُ أخواتٍ أُخْرَياتٍ ساهراتٌ، إذا كنتُ قادرةً على أن أحملَ إليهنّ بعضَ البلْسَم، أو أُضَمِّدَ لَهُنَّ بعضَ الجراح، أو أُساعِدَهُنّ على بعض العَزاء..»
وكم قَطَعَتْ بي -وكانت هي التي تقود سيارتنا- مِئاتٍ ومِئاتٍ من الكيلومترات، في ضوءِ النهارِ أو ظُلمةِ الليل، وبهجةِ الصَّحْوِ أو كآبةِ المطر، واعتدال الجوّ أو شدَّةِ الحرِّ والبردِ وتَساقُطِ الثلج، لِنُلَبِّيَ استغاثةَ أُخت، أو لِنَحُلَّ مشكلةَ أُسرة، أو لِنشاركَ بقلوبنا قبلَ أجسامنا وألْسِنَتِنا بعضَ أفرادِ أُسرتِنا الإسلاميّة الكبيرة في بعض الأفراح أو الأتراح.
* * *
قلت لها مرّةً:
– ماذا تستطيعين لفلانة؟.. لا أظنُّك تستطيعينَ لها شيئاً
قالت لي:
-سأحاول جهدي، فإن عَجَزْتُ.. بكَيْتُ معها على الأقلّ، وشاركتُها الحزنَ والآلام، فأعانتِ الدُّموعُ الدموع، وخَفَّفتِ المشاركةُ لَذْعَ المصاب، ونَفّسَتْ شيئاً من كُرْبَةِ الصدرِ والقلب»
* * *
يا قارئاتِ ويا قرّاءَ هذه السطور
قد يُصادفُ الإنسانُ في مجرى حياته كثيرين من أصحابِ العلم والبيان والنشاط والتأثير؛ ولكن قَلَّ أن يُصادفَ مثل هذه المشاركةِ الوجدانيّةِ الحارّةِ المخلصة، وهذه المشاعرِ والعواطفِ الفيّاضةِ الصادقة، التي تسعُ برحمتها وبرِّها وعونها العدوَّ والصديق، والتي تجد ترجمتها الرائعةَ دوماً في العمل قبلَ القول، وفي عطاءٍ عَفْوِيٍّ طبيعيٍّ متّصلٍ لا ينقطع، فما كانت تملك في حياتها إلاّ الرحمةَ والبرَّ والعَطاء..
كالْغَيْثِ لَيْسَ لهُ أُريدَ نَوالُهُ
أَوْ لَمْ يُرَدْ بُدٌّ من التَّهْطالِ
كانت تقول:
-كم أَسْعَدُ عندما أحمل إلى أخت حزينة شيئاً من العزاء والأمل، وأرُدُّ إليها ابتسامةَ القلبِ والشّفَتَيْنِ والأَسارير!
لقد أراد الله لي أن أَسْعَدَ بسعادةِ غيري، وأشقى بشقائهم، كما أسعدُ وأشقى من خلال زوجي وأولادي وأسرتي ونفسي؛ فما أعظمَ سعادتي وأوسعَها، وما أشدَّ ما ينطوي عليه صدري من آلام الأشقياء والبؤساء»
شيءٌ غريبٌ نادرٌ هذا الذي أرويه.. أقربُ إلى الخيالِ والأحلامِ والأساطيرِ منه إلى واقع الناسِ هذه الأيام!!
ولكن هكذا كانتْ «أمُّ أيمن» في واقعِها -رحمها الله- إلى حدّ بعيدٍ بعيد
عصام العطار