ــــــــــ
(بين ١٦ و١٨ / ٩ / ١٩٨٢م كانت مذبحة صبرا وشاتيلا الشاهدة للتاريخ أن التطبيع مع العدوان جريمة إنسانية وقانونية وبكل معيار من المعايير، وبعد ربع قرن كانت هذه الورقة البحثية المنشورة في حلقتين في أيلول / سبتمبر ٢٠٠٧م في جريدة (السفير) اللبنانية، وهي بقلم الباحثة والأستاذة الجامعية الفلسطينية المقدسية القديرة، د. بيان نويهض الحوت (مواليد ١٩٣٧م). وقد نشرت الورقة في الإصدارات السابقة من “مداد القلم” ويتجدد نشرها في هذه الإصدارة مع ما تعود به ذكرى المأساة من إشارات تحذير من مزيد من الضياع في مسارات مستقبل فلسطين والمنطقة برمتها).
* * *
نص البحث:
ضحايا المجازر لا يُقتلون، فقط، يوم يُقتلون، تلك هي المرة الأولى؛ إنهم يُقتلون في كل مرة تعجز فيها الأصوات الحرة عن الجهر بالحق والحقيقة، وعن إدانة القتلة.. وتلك هي المأساة الكبرى، مأساة الضحايا الأحياء، الذين يحملون في ذاكرتهم، وفي وجدانهم، وفي عيونهم، رسالة ضحاياهم الراحلين.
الموت يتكلم – غياهب النسيان – وتكلم الشهود – أرقام – فشلوا في قتل الإنسان
الموت يتكلم
مجزرة صبرا وشاتيلا ليست واحدة من أبشع مجازر القرن العشرين، فحسب، وليست مجرد رقم على لائحة المجازر الإسرائيلية ضد الفلسطينيين والعرب؛ سرها في أنها مأساة لم يُسدل الستار عليها بعد، وهو لن يُسدل ما دام الأحياء من أبنائها يعيشون كوابيسها، يتنقلون ويسافرون ويعملون ويتزوجون وينجبون، لكنهم -بوعي منهم أو بلا وعي- يكتشفون أن مجزرة صبرا وشاتيلا هي التي تقود حياتهم، بعد أن ظنوا أن بعض النجاح هنا أو هناك، أو أن الإقامة في بلد يبعد آلاف الأميال عن أرض المجزرة، قد تنسيهم عذاباتهم؛ هؤلاء هم الضحايا الأحياء.
كانت ساعة البداية في “صبرا وشاتيلا”، مع غروب يوم الخميس في السادس عشر من أيلول/ سبتمبر سنة 1982، وكانت النهاية -إن تكن للمجازر من نهاية- الساعة الواحدة في عزّ الظهيرة من يوم السبت في الثامن عشر من الشهر نفسه. وبلغة الساعات، فالمجزرة امتدت ثلاثاً وأربعين ساعة متواصلة.
كان ليل “صبرا وشاتيلا” قد تحول إلى نهار نتيجة الإنارة الإسرائيلية المتواصلة بالمدفعية وبالطائرات، كما تحول مخيمها وأحياؤها الشعبية إلى “جزيرة” مستباحة لميليشيات “القوات اللبنانية” وغيرها من الأحزاب والميليشيات المؤازرة لها، وقد أحاط بهذه “الجزيرة” جيش الدفاع الإسرائيلي؛ غير أن عناصر هذا الجيش تصرفت وكأنها أشبه بعناصر فرقة مسرحية، تقوم بتنفيذ التعليمات التي تتلقاها صراحة أو ضمناً من المخرج أرييل شارون ومساعده رفائيل إيتان، وملخص التعليمات أن عليها أن تحيط بمسرح شاتيلا من كل جانب وكل منفذ، وعلى سطوح كل بناء مرتفع، وأنّه مهما حصل، فهي لا يجدر بها أن ترى، أو تسمع، أو تشهد!
كثيرون من الإسرائيليين المحاصِرين كانوا يعلمون جيداً بما يجري من قتل للعائلات وللصغار وللكبار، ومن عمليات تعذيب وخطف، ومن دفن للأحياء، ومن طمس لمعالم المجزرة بالبلدوزرات.. ومنهم من أرسل التقارير، غير أن التقارير لم تصل إلى القادة العسكريين والسياسيين الكبار الذين يعرفون جيداً أحكام القوانين الدولية، فالمسؤولية الجنائية وفقاً لاتفاقية جنيف الرابعة (1949)، والبروتوكول الأول (1977)، تقع على عاتق المسؤولين المحتلين الذين يثبت أنهم كانوا يعلمون، أو أنهم كانوا يجب أن يعلموا، بأن هناك جرائم كانت ترتكب بشكل منظم، وبأنهم كانت لديهم السلطة للتدخل من أجل منع الممارسات الإجرامية.
من مهازل التاريخ أن يصدق العالم أن قادة الجيش الإسرائيلي لم يكونوا على علم بما يجري، كما ورد في التقرير الإسرائيلي الرسمي (تقرير كاهان)، الصادر في شباط / فبراير سنة 1983 وهو التقرير الذي اشتهر بأنه رمز للديموقراطية في إسرائيل.
اليوم.. وبعد خمسة وعشرين عاماً على مجزرة صبرا وشاتيلا لم يحاكَم المجرمون القتلة الذين قاموا بارتكابها من عناصر الميليشيات اللبنانية، كذلك لم يحاكَم أحد من الإسرائيليين الذين قاموا بحماية المجرمين القتلة وتسهيل مهماتهم!! غير أن أصحاب الضمائر الحية، تكلموا.
في تاريخ المجازر يتكلم الموت أولاً، ثم يتكلم القتيل، ثم يتكلم القاتل.
وتكلم الموت أولاً.. تكلم طويلاً في مرحلة رفع الأنقاض والبحث عن الضحايا وأشلاء الضحايا، فمنذ منتصف يوم السبت في الثامن عشر من أيلول / سبتمبر أصبحت “صبرا وشاتيلا” البقعة الأكثر شهرة في العالم، وراحت وسائل الإعلام العالمية تنقل المشاهد والتفاصيل والشهادات. في تلك الأيام لم يكن في استطاعة أحد أن يمنع أحداً من الكلام أو الصراخ أو البكاء الهستيري، فمرحلة “المنع” و”القمع” تلت مرحلة انفضاض مسرح الجريمة من المراسلين والمصورين الأجانب، مباشرة.
غياهب النسيان
غير أن الموت ما عاد هو الموت. والحياة ما عادت هي الحياة. كل شيء تغير.
انتهيت في منتصف الثمانينيات من مشروع التاريخ الشفهي، ومن مشروع الدراسة الميدانية، كذلك انتهيت من جمع ما أمكن من وثائق، وخصوصاً لوائح الأسماء التي كانت من أولى المحرمات. لكنني ما إن انتهيت من ذلك حتى وجدتُ نفسي أكتفي بحفظ الملفات والأشرطة في أكثر من مكان، كي أعود إليها مستقبلا، أو يعود إليها غيري. كنت أشعر وكأن مهمتي الرئيسية قد انتهت، وهي مهمة التوثيق.
غير أن “صبرا وشاتيلا” بقيتْ إلى جانبي، في أعماقي، في أيامي، وبقيتُ على تواصل مع أم علي، وأم زينب، وأم أحمد، وأم ماجد، وسهام، وخديجة، وأحمد، ومنير. لم تنقطع الزيارات، ولم تتباعد الذكريات. ومن خلال تواصلي مع الأحباء هؤلاء، ومع غيرهم، كنت أدرك جيداً أن “صبرا وشاتيلا” ما زالت تمشي وراء ماضيها، وقد تعيش أيامها، لكنها لا تحيا.
لسنا في صدد الحديث عن العذابات التي عانى منها مخيم شاتيلا في الأيام الدامية المعروفة بـ “حرب المخيمات” ما بين سنتي 1985 و1987 ولا عن التحولات الديموغرافية التي أعقبتها، وخصوصاً بالنسبة إلى نزوح الفلسطينيين إما إلى مكان آخر في الداخل، حتى لو كان من “الحرش” المقابل لمستشفى عكا إلى قلب مخيم “شاتيلا”، أو إلى خارج لبنان كله، وخصوصاً نحو الدول الإسكندنافية.
قالوا إن الزمان تغير. وإن الحكم في لبنان تغير. وأقفلت صفحة “الحروب الداخلية”، أو “الحرب الأهلية”، أو “حروب الغير على أرضنا”، وأصبح لبنان منذ سنة 1989 يعيش مرحلة ما بعد “الطائف”، وارتفع الشعار “عفا الله عمّا مضى”.. أمّا بالنسبة إلى “صبرا وشاتيلا” فلم يكن هناك أي اعتراف بما جرى، كي يكون هناك عفو من الله سبحانه وتعالى، أو من عبيده المقهورين؛ ما كان هناك سوى الاستمرار في سياسة التعتيم، أو التجاهل في أحسن الحالات.
وهكذا استمرت غياهب النسيان تطوق المكان، وتقضي على حقوق الإنسان، حتى انتهى القرن العشرون أو كاد. غير أنه كان هناك بعض الأصوات الحرة التي تذكرت “صبرا وشاتيلا” بين سنة وأخرى، وكان من رموزها الطبيبة البريطانية سوي شاي آنج، ابنة سنغافورة، وهي التي عاشت أيام مستشفى غزة الصعبة، وأجرت آخر العمليات الجراحية حتى اقتحامه صباح اليوم الأخير؛ وهي الطبيبة التي أحبها الفلسطينيون كثيراً وأطلقوا عليها لقب “الدكتورة الصينية”. ففي عز سنوات الصمت والنسيان، في سنة 1989 أصدرت الدكتورة سوي كتابها الرائع من لندن بعنوان: “من بيروت إلى القدس”. كذلك كان من رموز الأصوات الحرة، ومن لندن أيضا، صوت روبرت فيسك في مقاله المدوي: “خمسة عشر عاماً بعد حمام الدم: العالم يدير ظهره”.
وتكلم الشهود
ثم كانت المفاجأة الكبرى.. في الذكرى الثامنة عشرة لصبرا وشاتيلا، في أيلول سنة 2000 فوجئت بيروت بقدوم وفد إيطالي لإحياء ذكرى “صبرا وشاتيلا”.
بلا مقدمات، وبلا سابق إنذار، هبط أعضاء الوفد في مطار بيروت الدولي، وراحوا يقابلون الرؤساء الثلاثة، والمسؤولين، ويزورون الأهالي المعذبين الذين راحوا يتحدثون من جديد عن ضحاياهم، عن مأساتهم، وعن حياتهم اليومية، وكان يكفيهم أن يستمع إليهم أعضاء الوفد ورئيسه ستيفانو شياريني، الكاتب اليساري التقدمي في صحيفة “إل مانيفستو”. لم يحلم الضحايا الأحياء بأن الزيارة سوف تصبح تقليداً سنويا، وبأن الأصدقاء الجدد، من كتاب وفنانين ونواب ومخرجين ومناضلين، من أمثال مونيكا ماوري، وستيفانيا ليميتي، وموريتسيو مسولينو، وأنّا أسوما، لن يتخلوا عنهم.
على مدى الأعوام السبعة الماضية، تكررت الاحتفالات بذكرى صبرا وشاتيلا، وجاءت وفود أخرى كبرى من فرنسا، ومن إسبانيا، وجاء كثيرون من مناصري الحرية وحقوق الإنسان، من ألمانيا والسويد وبريطانيا والولايات المتحدة واليابان.. وما عادت مهمة الاحتفالات بحد ذاتها، ولا حتى المسيرات وإضاءة الشموع، فالمهم هو الشعار الذي تحول إلى نهج وبرامج عمل: “كي لا ننسى صبرا وشاتيلا”؛ أمّا الأكثر أهمية فهو الصداقات التي تجذرت، والمحبة التي تعمقت.
في سنة 2001 تذكر التلفزيون البريطاني BBC “صبرا وشاتيلا” في برنامج “بانوراما”، وعرض فيلماً وثائقياً بامتياز، عنوانه: “المتهم”، وفيه وجه الاتهام إلى شارون. وبادرت صحيفة “لوموند ديبلوماتيك” الفرنسية بإرسال مندوب خاص من كبار مراسليها، بيير بان، لتغطية “صبرا وشاتيلا” في ذكراها العشرين، وصدر مقاله بعنوان: “عشرون عاماً بعد المذابح في صبرا وشاتيلا: الماضي يبقى دائماً حاضرا”، في أيلول سنة 2002، وتناقلت الصحف الأوروبية مقتطفات منه باللغات المتعددة. وفي السنة نفسها، أصدرت الكاتبة الإيطالية، وعضو الوفد الإيطالي لإحياء ذكرى صبرا وشاتيلا، ستيفانيا ليميتي، كتابها عن “مذبحة الفلسطينيين في صبرا وشاتيلا”، وتضمن مقالات لكتّاب أحرار.
وأخيراً.. حملت بداية القرن الواحد والعشرين أملاً لأهالي الضحايا من خلال الدعوى التي رفعها ثلاثة وعشرون ناجياً وناجية من المجزرة ضد شارون وضد عاموس يارون وكل من يظهره التحقيق، بواسطة المحامين الثلاثة، شبلي الملاط المحامي اللبناني، ولوك والين وميشيل فيرهيغي المحاميين البلجيكيين، واستند المحامون إلى القانون البلجيكي الصادر سنة 1993 والمعدل سنة 1999 وهو القانون المتعلق بمعاقبة الانتهاكات الخطرة للحقوق العالمية للإنسان؛ وتألفت في بيروت لجنة لمساندة الدعوى ضد شارون، برئاسة رفعت صدقي النمر، وبذل المحامون ورئيس اللجنة وأعضاؤها كل الجهود الممكنة، غير أن كل شيء توقف لأسباب تعود إلى صلاحية المحكمة، والضغوط الأميركية والإسرائيلية التي تعرضت لها بلجيكا بسبب هذه الدعوى. وتبقى أهمية المحاولة في كونها فتحت الباب لمحاكمة دولية، في أي بلد على هذه الكرة الأرضية، تسمح قوانينه بذلك.
أرقام
بعد عشرين سنة من الأيام الدامية الثلاثة كنت قد استكملت كتابة الفصول وإعداد الملاحق لكتابي: “صبرا وشاتيلا: أيلول 1982″، وقامت بنشره “مؤسسة الدراسات الفلسطينية”، بالعربية، سنة 2003 و”بلوتو برس”، بالإنكليزية، سنة 2004. وإني لأعترف بأنه ما كان ممكناً لي أن أتصور طوال الأعوام السابقة بأن الكتاب سوف يُنجز، وبأن الحلم سوف يتحقق، وبأن الكتاب سوف يصدر. وما زالت ليالي الأرق، والعقبات التي ليس سهلاً إحصاؤها، تلاحقني.
والكتاب يجمع بين نهج التاريخ الشفهي ونهج الدراسة الميدانية والإحصائية، لكنه لعل من أهم ما تضمنته لوائح الأسماء التي تنشر لأول مرة، وهي تستند إلى سبع عشرة لائحة تنتمي إلى ثلاثة أنماط من اللوائح: اللوائح التي تم جمعها مباشرة على أرض المجزرة أو في المقابر؛ اللوائح التي جمعت في الأشهر التي تلت المجزرة؛ اللوائح من مصادر رسمية ودراسات ولجان قضائية حتى نهاية القرن العشرين؛ وقد بلغ مجموع الضحايا بالأسماء الموثقة 906 ضحايا، و484 مخطوفاً ومفقودا. وهكذا، بلغ مجموع الأسماء 1390 اسماً لضحايا شهداء، ولمخطوفين لم يعد منهم أحد، ولمفقودين لم يُعثر على أحد منهم. وهذا رقم يفوق إلى حد الضعف تقريباً الرقم التقديري الذي تبناه تقرير كاهان استناداً إلى معلومات الجيش الإسرائيلي، وهو ما بين 700 و800 ضحية.
أمّا العدد التقديري فتوصلتُ إليه من خلال أكثر من منهج إحصائي وتحليلي، كان أبرزها التقدير العام لأعداد الضحايا استناداً إلى الأعداد المتداولة للذين دفنوا في المدافن، أو في القبور الجماعية، أو في حفر الموت، أو للذين قضوا تحت الأنقاض، وقد تم التوصل إلى أن الحد الأدنى للضحايا هو 3500 ضحية.
أمّا بالنسبة إلى ما جاء في “تقرير كاهان” بأن عدد النساء كان 15 أنثى فقط، فقد أثبتت الدراسة الميدانية أن عدد النساء كان أكثر من ربع الضحايا، كما أثبتت لائحة الأسماء الموحدة من مختلف المصادر وجود أكثر من مئتي أنثى، والعدد تحديدا 201. أمّا بالنسبة إلى عدد الأطفال الذين اكتفى تقرير كاهان بأنه 20 طفلاً فقط، فقد أثبتت الدراسة الميدانية أن عدد الضحايا الأجنة التي لم تولد بعد، وعدد الضحايا الأطفال ما بين العام الأول والثاني عشر، بلغ 95 ضحية من 430 ضحية، أي بنسبة 23٪ من مجموع الضحايا.
فشلوا في قتل الإنسان
صحيح أن مرتكبي “صبرا وشاتيلا” نجحوا في قتل السكان، لكنهم فشلوا في قتل الإنسان.
هذه السنة، في أيلول / سبتمبر 2007 يغيب وجه المناضل الكبير ستيفانو شياريني عن الاحتفال بذكرى “صبرا وشاتيلا”، بعد أن اختطفه ملاك الموت فجأة، في الثالث من شباط / فبراير 2007 وهو بين أسرته ومحبيه في مدينته التاريخية روما، وكان ممكناً أن يوافيه الأجل إمّا في الطائرة.. أو في بغداد.. أو في شاتيلا.. فهكذا عاش أعوامه الأخيرة.
لولا هذا الإنسان الكبير القلب، لما داعب الأمل الضحايا الأحياء بأنهم حقاً سوف يعودون إلى الحياة.
اليوم بعد خمسة وعشرين عاما، ما زالت صبرا وشاتيلا تعاني، وتنتظر، وتحلم، وتستقبل الأصدقاء؛ ومن الأصدقاء الجدد المخرجة ديبي فاندن دنجن القادمة من فان كوفر الكندية، والتي تقوم بإخراج فيلم وثائقي عن “صبرا وشاتيلا” من خلال شهادة الممرضة إلين سيغل التي عاشت جرح صبرا وشاتيلا، وهي لمّا سألتها في إحدى رسائلي عمّا تعنيه “صبرا وشاتيلا” بالنسبة إليها، أجابتني من واشنطن في اليوم نفسه، عبر البريد الإلكتروني، وكانت رسالتها في الأول من تموز/ يوليو 2007:
(أنا أمازح الأصدقاء بقولي إن “صبرا وشاتيلا” مهنتي.
إنها شيء يبقى معي دائما. ومن واجبي أن أحيي باستمرار حكاية المجزرة، ومحنة الفلسطينيين الأحياء. ويجب أن أعمل على تذكير الناس بدور إسرائيل.
في كل ذكرى سنوية أقوم بتذكير المؤسسات بهذا التاريخ 16 أيلول 1982، إمّا للتوقف دقيقة صمت، وإما لمشاهدة فيلم… وفي يوم الغفران (يوم كيبور) أتلو صلاة خاصة داخل الكنيس من أجل الذين ماتوا… أنا أرى صبرا وشاتيلا أرضاً مقدسة، وأراها بقعة على هذه الأرض تتميز بخصوصية فائقة. إنها مكان يجعل المرء الذي يولد فيها يعتز لكونه قد ولد فيها. أنا عندما يشير إليّ الناس أقول لهم بأن هذه ليست حكايتي، بل حكاية الذين استشهدوا، والذين بقوا أحياء”.
في تاريخ المجازر يتكلم الموت أولاً، ثم يتكلم القتيل، ثم يتكلم القاتل. لقد تكلم الموت، وتكلم القتيل. وتكلم الشهود. وما زال الضحايا الأحياء ينتظرون القاتل كي يتكلم.
د. بيان نويهض الحوت