مفاهيم
لا غنى عن طرح فكري لمفهوم الدستور اصطلاحيا ولموقعه شعبيا عند صياغة موقف أو تصرف عملي لمواجهة ظاهرة مشتركة في التعامل مع الثورات الشعبية، فقد أصبحت كلمة الدستور مفتاحا يُستخدم استخداما استغلاليا على حساب الإرادة الشعبية المتفجرة بالثورات ضد التسلط الاستبدادي، المتناقض مع كل صيغة من الصيغ الدستورية القويمة، ونرصد في الوقت الحاضر (٢٠١٩م):
١- أطروحات عبثية تحت عنوان لجنة دستورية ضمن محاولات تصفية الثورة الشعبية في سورية.
٢- التشبث بحل دستوري من جانب قيادة الجيش في الجزائر علما بأن سلامة هذا التشبث رهن بإدراك حتمية تعديل الدستور نفسه وحتمية التخلص من بقايا أركان نظام مستبد.
٣- تعطيل الدستور أصلا في السودان والاستغراق في مفاوضات متطاولة وخلافات متصاعدة حول ما يمكن صنعه للوصول إلى وضع دستوري حقيقي.
٤- حالات صارخة أخرى لتشويه الدستور نفسه وتشويه تطبيقه في مصر.
٥- تغييب الدستور نفسه في اليمن وتغييب التعامل معه أو مع المبادئ الدستورية الأساسية في ليبيا دمويا وفي تونس سياسيا.
صحيح القول إن الدستور هو مفتاح حياة الدولة الحديثة المستقرة ومرجعيتها، ولكن كل طرح أو تصرف يصدر عن فرد أو فئة أو مؤسسة، لا يكتسب مشروعية دستورية، إلا إذا كان استخدامه مرتبطا بالشعب مباشرة أو عبر تفويض شعبي، ولا يوجد تفويض شعبي دون شروط محورها: عدم انتهاك الدستور نفسه.
ليس هذا مجهولا عند من يتعاملون تعاملا استغلاليا مع الدستور، ولهذا نجد:
في جميع حالات التعديل أو طرح دستور جديد، وبغض النظر عن توافر المشروعية أو وجود حالة استبدادية استغلالية..
نجد حرص الجميع على عدم القول بسريان مفعول ما يصنعون دون استفتاء شعبي.
ولكن الاستفتاء الشعبي الحقيقي هو ما تتوافر له ضمانات موضوعية كافية ليكون من حيث الصياغة والآليات، استفتاء عادلا وحرا ونزيها، فلا مجال لتجاهل حالات التزييف والتزوير، إنما المقصود هو دلالة ما سبق على إدراك الذين يلتزمون بالدستور فعلا ومن ينتهكونه أو يزورونه على السواء حقيقة سيادة الشعب على دستور بلاده.
وسيادة الشعب على الدستور تعني:
أن الدستور هو المرجع للسلطات، وأن الشعب هو مصدر تلك السلطات لتكون دستورية.
ويحسن التنويه هنا إلى ما يوصف بالمبادئ فوق الدستورية كنص يسبق صياغة الدستور أو يوضع في مقدمته، فهي مرتبطة أيضا بمبدأ سيادة الشعب عليها مع إضافة جوهرية، أنها تنطلق من جوهر حقوق جنس الإنسان، وتتطلب التوافق بين الفئات الشعبية والاتجاهات المتعددة، شريطة عدم إقصاء أي منها، بينما تسري قاعدة الأخذ بالغالبية في عموم المواد الدستورية.
المهم في التعامل مع الوقائع العملية المذكورة آنفا، هو أن تجنب الانتقال من وضع غير دستوري إلى وضع آخر غير دستوري، يفرض عدم التهاون مع المبدأ الدستوري الأساسي:
سيادة الشعب على الدستور والمبادئ فوق الدستورية هي المنطلق في حالة الاستقرار وفي حالات التغيير.
وبالتالي: سيادة الشعب على دستور بلده هي المرجعية دوما لاستيعاب التصرفات وتقويمها وصياغة الموقف منها أو ممارسة رد فعل عليها، وذلك سواء:
في حال وجود سلطات قويمة لأنها تشكلت وفق أحكام دستورية قويمة،
أو في حال الثورة على تسلط جهات ما، مدنية أو عسكرية، حزبية أو غير حزبية،
وكذلك في حالة التبجح الذي نعايشه في تطبيق أساليب عصابات مسلحة محليا وأساليب شرعة الغاب في التعامل الدولي مع الثورات الشعبية، مع العمل لتزوير جوهرها عبر استخدام تعابير الأزمات والنزاعات والحرب الأهلية وما شابه ذلك.
إن الثورة الشعبية ضد سلطة استبدادية هي في جوهرها ومآلها ثورة دستورية أو ثورة لاستعادة السيادة الشعبية على الدستور وما ينبثق عنه من مغتصبيها عبر انتهاكه بتعطيل بعض مواده، أو تعديله لحساب فئة على حساب فئات أخرى، أو تبديله، وهذا مع تزوير استفتاءات شعبية تفتقر إلى ضمانات مسبقة ولاحقة لإجراء التصويت بنزاهة وعدالة وشفافية.
وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب