سورية ثورة شعبية تصنع المستقبل

دلالات مضيئة خلف ظلال قاتمة

خواطر

حيرت الثورة الشعبية في سورية المؤرخين والمفكرين والسياسيين، وحق لها ذلك؛ وأعظم ما كشفت عنه أنه لا حدود لإرادة الإنسان، ثائرا، ومضحيا، ومعانيا، في مواجهة همجية غير مسبوقة أُطلق لها العنان لكسر هذه الإرادة مجددا على امتداد السنوات الماضية.

لقد انطلقت الشرارة الأولى للثورة من معطيات وظروف كان مستواها تحت درجة الصفر إلى حد بعيد، فحطّمت فور انطلاقتها جميع المعايير التقليدية المعتمدة بصدد صناعة الحدث.

وانطلقت في سورية ثورة شعبية، وتتقلب الظروف المحيطة بالثورة كيدا وتأييدا فتتبدل الألوان حولها، ولكن لا ينتهي مسار الثورة نفسها إلا بتحقيق أهداف الإرادة الشعبية التي أطلقتها في لحظة اندلاعها الأولى. 

كان من المستحيل بحكم عوامل التاريخ القريب أن تولد مع انطلاقة الثورة في ظروفها الاستثنائية رؤية متوازنة متكاملة ومن ورائها قوة قيادية وتوجيهية متماسكة، وأصبح السؤال في هذه الأثناء يدور حول ما ينبغي صنعه لظهور معالم ما نريد أن نقيمه على أرض سورية.

النظام الاستبدادي الفاسد لا يسقط سقوطا نهائيا بقطع رأسه، ولا تقطيع أوصاله، ولا تصدّع هياكله، بل يسقط في اللحظة التي يكتمل فيها ظهور أركان النظام المنشود للحلول مكانه.

ولا نزال نواجه معضلة إيجاد الجسد الثوري الموحد، بالرؤية المعبرة عن مرجعية الإرادة الشعبية وحدها، والسياسة المنبثقة عن قلب الثورة المجسدة لتلك الرؤية، والمعالم الكبرى للأطروحات الضرورية من أجل استعادة الوطن وأهله، دولة ونظاما واقتصادا وجيشا وأمنا وعلاقات داخلية وخارجية.

ولن يتكون الجسد الثوري الواحد عبر إنشاء جبهات بعد جبهات ومجالس بعد مجالس.

ولن تصاغ السياسة الثورية المشتركة عبر صياغة الوسيلة فحسب، أي إصدار المواثيق والبيانات وعقد المؤتمرات وتقلب المحاور والتحالفات.

ولن تظهر معالم الأطروحات المنهجية المطلوبة من خلال عمل المتخصصين، كل على انفراد في مركز بحوث أو دائرة دراسات مرتبطة “فقط” بالجهة التي شكلتها دون توافر شروط التواصل والتنسيق والتعاون والتكامل بين جميع ما يوجد من ذلك وهو ما يعد بالعشرات في هذه الأثناء.

إنما يمكن أن يتحقق ذلك كله بتحقيق شرط أولي لا غنى عنه، هو ارتفاع كل طرف على حدة، فردا كان أم تنظيما، إلى مستوى الثورة والتغيير الكبير المنتظر من خلالها، وهو في موقعه، ليتحول كل منا عن سؤال (الأنا) بصيغة مطالبة الآخر بأن يقدم (هو) ما أريد، إلى السؤال عما أستطيع أن أقدم مما يريد الآخر في الثورة المشتركة، للوطن الواحد، وللشعب الواحد، وللمستقبل الواحد. ومن لا يصنع ذلك أثناء الثورة مسؤول مسؤولية مباشرة عن تأخير الانتصار وإن قدم جميع ما يملك من طاقات في ميدان المواجهة.

إن شرف الانتساب إلى هذه الثورة الشعبية التاريخية لا يتحقق عبر ما أطالب به لأنتصر بدعوى انتصار الثورة، بل يتحقق عبر ما أصنعه لتنتصر الثورة، بجميع أطيافها، وفق إرادة جميع أطياف الشعب الذي أطلقها، وهو الذي يعاني ويقدم فلذات كبده من أجل التحرر عبر انتصارها.

وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب

الإرادةالتغييرثورةسورية