ما يجري في أكناف الأقصى وبيت المقدس في هذه الأيام من أيار / مايو ٢.٢١م حدث كبير بمعايير استقراء صناعة المتغيرات التاريخية، مقابل ما هيمن على نطاق واسع في بلادنا من الإحباط عبر معزوفة اليأس والتيئيس مع كل حدث يقع لدينا ومن حولنا، إذ تراكمت النكبات المتتالية، المصنوعة بجهود قوى خارجية وداخلية، ولم ينقطع العمل لحصار كل أمل مشروع واغتياله، وتصوير الاستخذاء هدفا، وممارسة التبجح بالتبعية علنا.
بالمقابل سجلنا وسجل العالم معنا انطلاق الثورات الشعبية العربية من حيث لا يشعرون، رغم ما تراكم من أسباب اليأس وممارسات التيئيس في خدمة الاستبداد، وليس السؤال المطروح اليوم هو ما إذا قد عاد التحرك في انتفاضة أخرى في مسار قضية فلسطين، بل السؤال الأصح هو عما سيكون عليه حجم الانتفاضة الرمضانية المولد.
يبدو أننا أصبحنا في قلب منعطف تاريخي، يشير إلى تطور الأحداث في اتجاه جولة مواجهات جديدة، لأسباب عديدة، فهي
١- جولة انطلقت في العشر الأواخر من رمضان.
٢- جولة أوقدتها استفزازات عدوانية باتجاه المسجد الأقصى المبارك.
٣- جولة أسقطت مفعول تهورات ما أسموه صفقة القرن بشأن مدينة القدس تخصيصا.
٤- جولة كشفت ما يمكن أن يصيب البشرية من مخاطر استمرار السكوت طمعا أو رهبا تجاه سياسات عدوانية.
٥- جولة ساهمت في اهتراء قيمة ما سمّي التطبيع من جانب أنظمة تسلطية دون أرضية شعبية.
٦- ويتزامن جميع ذلك مع انحسار إمكانية البناء صهيونيا ودوليا على ممارسات نيتانياهو، إذ يستحيل فصلها عن مناوراته ومقامرته لتحقيق منافع ذاتية فحسب على خلفية ملاحقته ومحاسبته على فساده.
* * *
لسنا أمام معجزة أرضية يمكن انتظارها، وسيخيب أمل من ينتظرها لتطوي بين ليلة وضحاها ما شهدته قضية فلسطين لعدة عقود في منحدرات التراجع والتسليم، ولكن تؤكد النظرة الموضوعية مع استقراء السنن التاريخية، أن ما كان يعبر عن اليأس منذ النكبة الأولى سنة ١٩٤٨م قد بدأ يتقهقر بشكل ملحوظ، وأن جيل المرابطين في أكناف الأقصى وبيت المقدس يستوعب أكثر من أي وقت مضى، كيف يتعامل مع القضية المصيرية المحورية، وما يتطلبه ذلك من إخلاص وعمل وعطاء، ومن إبداع وبذل وتضحية، مع ضرورة التعاون والحرص على الإنجاز بعد الإنجاز إلى أن يتحقق ما نتطلع إليه ونفهمه من مقتضى الآية الكريمة {حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} -يوسف: ١١٠-
وأستودعكم الله وأستودعه القبلة الأولى وثالث الحرمين الشريفين، ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب