كلما عقدت هدنة، أو طرحت مفاوضات، أو أخطأ فصيل، سارع كثير منا إلى الاتهام أو التخوين أو النقد الجارح فساهم في تعميق مخاطر الفرقة رغم ادّعائه أنه لا يريد سوى "بيان الحق" و"الإصلاح" و"التحذير من الأخطار".. وما شابه ذلك.
إن سوء التصرف في التعامل مع الخطأ أو الانحراف يسبب خطأ أكبر وانحرافا أخطر، ولا يعني ذلك تجاهل ما يجري وعدم التعامل معه، إنما ينبغي أن تكون لدينا معايير واضحة نطبقها على أنفسنا وسوانا، لنصل إلى تقدير أفضل لحجم ما نعتبره سلبيا وحدوده إذا وقع ولا نضاعف عواقبه عبر التسرع في أسلوب التعامل معه.
إن التزامنا بذلك يمثل تمهيدا ضروريا لتقريب الصفوف، وقد أصبح توحيدها هدفا أساسيا وضرورة مصيرية، وسقطت أعذار ربما صحت سابقا لتبرير اختلاط الحابل بالنابل في تعدد المسارات الثورية، كالقول إن غياب "رأس للثورة" أي غياب وحدة الفصائل وقيادة مركزية لها يمنع "الأعداء" من توجيه ضربة مركّزة قاضية. مضت هذه المرحلة وأصبحت السلبيات هي الأكبر حاليا، فإن كانت "مطالب توحيد القوى" صعبة التحقيق سريعا، فلا أقل من التمهيد لها بالتزام معايير أساسية للانتساب للثورة، وأن تكون معايير واضحة "قطعية الدلالة"، أشبه بالمعايير في "الهوية المميّزة" لفرد أو فصيل.
. . .
قد لا يمنع وضوح معالم الهوية الثورية محاولات تسلّق بعض من هبّ ودبّ على الثورة، ولكن مخالفتها تعني ظهور "بصمتها الدامغة" على بعض الوجوه والألسنة، فلا ينشغل أحد بها إلا بمقدار ما يفرضه دفع ضررها.
هي معايير عملية منطقية وليست اجتهادية، إذ نستقرئها مباشرة من واقعنا الفعلي، ولا تمنع من تعدّد التوجهات والوسائل فيما عداها، شريطة عدم إعطاء الأولوية للاجتهادات المتعددة إزاء المعايير المشتركة:
أولا: الهدف الثوري المشترك الشامل للجميع هو تحرير الوطن والشعب والدولة من القهر والاستبداد والإكراه محليا وإقليميا ودوليا، وما دون ذلك فروع واجتهادات للمستقبل.
وينبثق عن ذلك:
١- هدف مرحلي مشترك أول: استكمال إسقاط بقايا أخطبوط النظام وداعميه برؤوسه وفروعه.
٢- هدف حاسم مشترك يليه: ترسيخ أسس دولة دستورية مستقلة مشتركة وموحدة جغرافيا وشعبيا.
ثانيا: عدم مبادأة فصيل ثوري أو فئة شعبية بأي شكل من أشكال العدوان أو انتهاك الكرامة والحقوق.
وينبثق عن ذلك:
١- مراعاة تباين الاجتهادات والإمكانات والتخصصات، واعتبار التكامل بينها هو معيار العطاء الحقيقي للثورة.
٢- الرد على التعدي بقدر التعدي ووفق المصلحة العليا، وتجنب استكثار الأعداء لتصل الثورة إلى أهدافها.
ثالثا: المشاركة الفعلية في الثورة، وفق القدرات الذاتية، المادية والفكرية والمعنوية، مباشرة أو دعما، من داخل الوطن أو خارجه.
وينبثق عن ذلك:
١- التعامل مع وسائل الثورة، عتادا ومالا وعناصر وإعلاما وفكرا، دون احتكار، ودون مطامع ذاتية أنانية، باعتبارها ملكا جماعيا للثورة والشعب الثائر، وتوظيفها تنسيقا وتعاونا على هذا الأساس.
٢- توظيف التواصل مع أي جهة من خارج الثورة لخدمة الثورة دون أي شكل من أشكال التبعية، المعلنة والمستترة، الشاملة والجزئية.
نبيل شبيب