لا يمكن تبرئة الطبقة السياسية "التقليدية" من حمل قسط من المسؤولية عن تأخر الوصول بمسار الثورة الشعبية السورية الحافلة بالبطولات والتضحيات إلى هدفها الأول: إسقاط العصابات الإجرامية المتسلّطة ومحاكمة أكابر مجرميها.
ولا يمكن لوم كثير من الثوار الذين توهّموا لفترة من الزمن وجود طاقات سياسية قيادية حقيقية وفاعلة تصلح للعمل وفق المعايير الجديدة للثورة، بين أولئك الذين بدؤوا منذ الأيام الأولى للثورة يتحدّثون عن إرث السلطة وقد ظنّوه في متناول أيديهم، وعملوا للوصول إليه بمعايير ما قبل الثورة.
لا يفيد الآن الجدل حول هذا وذاك، لا سيما بين يدي ما قدّمه الشعب الثائر في مسار ثورته التاريخية بمعنى الكلمة، ولكن لا بدّ من التساؤل:
إلى أين تمضى الثورة الآن (عام 2012م) وهي – واقعيا – خارج نطاق توجيه الطبقة السياسية التقليدية؟
هل نشهد ولادة فئات سياسية جديدة؟ وكيف تولد في رحم الثورة؟
هل يمكن للثوار أن يحملوا أعباء الممارسة السياسية إلى جانب ما يحملونه من أعباء جسيمة؟
ما قدمه الشعب الثائر وصنعه خلال فترة وجيزة يدفع إلى الجواب دفعا: نعم يمكن أن تظهر "معجزة سياسية" كما ظهرت عبر الثورة معجزة تاريخية.
على أنّ هذا التعميم لا يشفي غليل أحد، ومن الطبيعة البشرية – وهو ما يسري على الثوار مثلما يسري على أهل القلم والسياسة – أن ينتظر المرء ولادة فئات سياسية ثورية بوسائل تقليدية من عناوينها الكبرى: التخطيط والتنفيذ والتجربة والتقويم والتصحيح، ويضاف إلى ذلك عادة السؤال عن أصحاب الخبرة والمعرفة والتجربة السابقة. ولكنّ مسار الثورة الشعبية في سورية لا يحتمل هذا الطريق "الروتيني" وإن كان لا غنى عن شيء منه على الأقل.. وهنا بالذات يكمن ما ينتظر من "إبداع ثوري" على طريق نشأة الفئات السياسية الثورية المنتظرة.
لا بدّ من الانطلاق من واقع قائم:
– ثوار على الأرض يعملون لتحقيق الهدف الأول للثورة
– قيادات ميدانية صنعتها الثورة دون سابق تجربة ولا خبرة ولا نتيجة تخطيط مسبق أو تنظيم متكامل
– تبدّلات سريعة متتابعة في طبيعة الجبهة ونوعية المواجهات في معركة كبرى لا تكافؤ فيها بالمقاييس التقليدية
– عبث سياسي لا ينقطع من خارج نطاق مسار الثورة يشوّش على ذلك المسار
– تربّص بحصيلة الثورة من جانب قوى إقليمية ودولية لا تنقطع عن العمل على تثبيت مواقع لنفسها
في إطار ما سبق يمكن القول:
الفئات السياسية المطلوبة نوعان:
(1) أفراد ومجموعات يسري عليهم وصف السياسيين من خلال الممارسة العملية وتحقيق النجاح، ومن المحتم أن يكون بينهم تباين كبير، ولكن لا يمكن أن يصلحوا للعمل السياسي الثوري دون القدرة على العمل الجماعي على أساس "التنسيق.. والتكامل".
(2) قيادات لا تظهر إلا مع مرور الزمن عبر ظهور الإخلاص والكفاءة مع القوّة والأمانة من خلال العمل.
يعني ذلك على أرض الواقع أنّه لا ينبغي الاستمرار على توجيه الأنظار وتركيز الاهتمام على البحث عن قادة سياسيين جاهزين، فإذا خلت الساحة إلا من القليل منهم، اعتبر ذلك نقصا في مسار الثورة، إنّما يجب الاهتمام في الدرجة الأولى في تأسيس الأرضية "الإدارية" لميادين الحياة المعيشية أثناء الثورة ورغم الصعوبات الجمّة على طريقها، وهي التي تتطلب تلقائيا أن يظهر في صفوف العاملين أفراد هم الأقدر على ممارسة التوجيه السياسي، ممارسة تصقل الكفاءات من جهة، وتنشر من جهة أخرى الثقة الضرورية لكل عمل سياسي قويم.
نبيل شبيب