رأي – هل تتبدل المعادلة الأمريكية بين إيران والخليج؟

ليست هذه المرة الأولى التي تتبدل فيها السياسة الأمريكية الرسمية في منطقة الخليج، ولكنها أيضا ليست المرة الأولى التي تصدر فيها تصريحات ساخنة دون أن تتمخض عن "تحرك ساخن". صحيح أن السياسة الخارجية الأمريكية لم تتخذ صيغة مستقرة بعد، ولكن بدايات عهد ترامب تؤكد وجود خطوط عامة يمكن أن تتبدل تفاصيلها مع بقاء جوهرها العام، والسؤال عن الحصيلة في منطقة الخليج تحديدا هو السؤال عن واقع سياسات الدول العربية في الخليج وليس عن السياسة الأمريكية، فهذه اعتمدت دوما على مرتكزات محلية، بغض النظر عمن يشغل منصب الرئاسة الأمريكية، والفارق الجذري بين السياسة العربية الخليجية والسياسة الإيرانية، أن الأولى تنتظر المتغيرات في الساحة الدولية لتتفاعل معها إن لم نقل لتتكيّف معها، وأن الثانية تتخذ مسارا ترسمه بنفسها وتتفاعل القوى الدولية معه سلبا أو إيجابا.

منذ عهد الشاه الإيراني كانت الولايات المتحدة الأمريكية تلعب على الإسهام في تصعيد حجم الخطر الإيراني ثم على "وتر التخويف" منه لتعرض نفسها في موقع "الحماية" للدول العربية الخليجية، وما قام به أوباما عبر ما سمي "الاتفاق النووي" وشمل تحرير الطاقة المالية الإيرانية مجددا، أكمل به واقعيا ما بدأ به بوش الابن عندما فتح أبواب العراق أمام النفوذ المباشر الإيراني، ويمكن أن يتابعه ترامب عبر رفع درجة الاستعداد للحماية مع إضافة شروط جديدة، أبرزها للعيان منذ البداية هو استنزاف الثروة الخليجية تحت عنوان تسديد النفقات العسكرية الأمريكية.

. . .

المشكلة الأهم هي أن مسار مجلس التعاون الخليجي لم يتخذ حتى الآن صبغة تكتل إقليمي فعال، ولم يضع لنفسه صيغة عمل استراتيجية شاملة الميادين وبعيدة المدى، ولا يعوّض عن ذلك وجود الزعامة السعودية فهي محدودة ومقيدة، فلا يمكن القول بوجود شراكة شاملة بالرؤية والأهداف بينها وبين عُمان أو الإمارات أو قطر وربما الكويت أيضا، وهو ما انعكس بشكل سلبي على التعامل مع أهم القضايا التي شملها مشروع الهيمنة الإيرانية، في العراق وسورية ولبنان واليمن، علاوة على اختلاف مسارات تعامل دول الخليج مع مصر وليبيا وتونس.

وقد تحركت السعودية تحركا محدودا للغاية للتجاوب مع مساعي تركيا لتعديل الموازين الإقليمية وارتباطاتها بالموازين الدولية، حتى إذا بلغ التباطؤ السعودي في تحرك مشترك مبلغه ووصل استهداف تركيا إلى مرحلة خطيرة، ظهر تجاوب خليجي مع الخط التركي الجديد للتعامل المباشر مع روسيا وإيران، رغم العلم بأنه مجرد مسار بديل، أو اضطراري، أعقد مضمونا وأقل جدوى، أما التجاوب الخليجي المحدود فصادر عن استمرار عقدة نقص سياسية خطيرة صنعها "الاعتماد المطلق على ضرورة الارتباط بقوة دولية"، كما يقوم هذا التجاوب على الظن بأن التقارب مع روسيا رغم عدوانها الدموي في سورية يحدّ من النفوذ الإيراني، وهذا في "علم الغيب"، وتوجد مؤشرات على تنافس متصاعد، ولكن لا توجد مؤشرات جادة لما يتجاوز ذلك.

. . .

أمام هذه المعطيات تبدو التلميحات لتعديل السياسة الأمريكية من دعم النفوذ الإيراني إلى مواجهته -حتى الآن كلاما فقط- صادرا عن موازنات سياسية وليس عن طفرات مرتجلة من جانب ترامب تخصيصا، وإن كانت هذه الطفرات هي الأسلوب المتبع مع وصوله لكرسي الرئاسة.

أول أهداف هذه الموازنات الحد من خطر المشروع الإيراني على المشروع الإسرائيلي إقليميا، وثانيها خلخلة ما يمكن قيامه في شكل محور بين تركيا وروسيا وإيران، إذا نجحت تجربة المغامرة الأولى على هذا الصعيد، أي التعامل مع قضية سورية، وثالثها سد المنافذ أمام احتمال الدول العربية الخليجية من دائرة الارتباط بواشنطون، وفق ما كان سائدا عبر معادلة الهيمنة والتبعية.

إذا استطاعت دول الخليج العربية أن تتخلص من خلافاتها البينية أولا، وأن تضع لنفسها صيغة استراتيجية شاملة ثانيا، وأن تعزز التعاون مع تركيا كقوة إقليمية فاعلة ثالثا، يمكن أن تصل إلى موقع أفضل في تعاملها مع القوى الدولية وتقلب العلاقات بينها، وإن لم تفعل لا ينتظر أن تكون الحقبة القادمة مختلفة عما كان عليه الوضع منذ عهد الشاه الإيراني.

نبيل شبيب